بحث متقدم
الزيارة
5789
محدثة عن: 2011/05/19
خلاصة السؤال
کیف کانت تتم معرفة منتصف اللیل الشرعی فی زمن النبی (ص)؟
السؤال
کیف کان یحسب نصف اللیل الشرعی فی زمن النبی (ص)؟ و ذلک لأن الناس فی ذلک الزمان لم تکن عندهم ساعة و لم یکن عندهم معرفة بالعلوم الفلکیة و النجومیة. و اذا کان مرتبطاً بهذا الزمن، فعلی أیّ منبع یستند فی طریقة الحساب؟ کما أنه لماذا یختلف وقت اذان الظهر عن الوقت الذی تذکرة المواقع الفلکیة بنصف ساعة؟ و أخیراً هل أن الأوقات الشرعیة فی المذهب الشیعی و السنی واحدة أم تختلف أوقاتها بعدة دقائق؟
الجواب الإجمالي

اُشیر  فی القرآن و الروایات الی نصف اللیل الشرعی بعبارات «غسق اللیل» و «نصف اللیل».

فقد قال الله سبحانه فی القرآن الکریم: « أَقم الصلاة لدلوک الشمس الی غسق اللیل و قرآن الفجر إنّ قرآن الفجر کان مشهودا».

و روی عن الإمام الصادق (ع): «و أول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، و آخر وقتها الی غسق اللیل یعنی نصف اللیل». و بمطالعة الروایات الواردة فی هذا الموضوع لا یبقی شک بأن مفهوم نصف اللیل کان واضحاً و معلوماً للمسلمین.

مع الالتفات الی معنی «غسق» الذی یعنی شدة الظلمة یظهر أن حسابه سهل و میسّر، کما أن عدم وجود ساعة فی صدر الإسلام لیس معناه نفی و انعدام کل وسائل تعیین الوقت و الزمن، و کذلک لیس معناه انهم لم یکن عندهم معرفة فلکیة، بل ان العلوم الفلکیة تعود فی قدمها الی آلاف السنین قبل ظهور نبی الإسلام (ص). کما یجب الالتفات الی أن الظهر الشرعی هو عبارة عن: میلان الشمس عن وسط السماء الی جهة المغرب. فإذا کانت الأوقات الشرعیة التی یعلن عنها فی المواقع الفلکیة منطبقة مع هذا الملاک فهی صحیحة و إلّا فلا.

أما بالنسبة للإختلاف بین الشیعة و السنة فی الأوقات الشرعیة فیرجی مراجعة کتاب «الفقه علی المذاهب الأربعة و مذهب أهل البیت (ع)» ج1، ص277، تألیف عبد الرحمن الجزیری و السید محمد الغروی و یاسر مازح.

الجواب التفصيلي

فی الحقیقة أن الجواب یتألّف من عدة فروعٍ نجیب عنها بالترتیب الآتی:

1- کیف کان یحسب نصف اللیل الشرعی فی زمن النبی (ص)؟

قبل الجواب لا بأس بالالتفات الی عدة نکات مهمة:

أولاً: اُشیر فی القرآن و الروایات الی نصف اللیل الشرعی بعبارات «غسق اللیل» و «نصف اللیل». فقد قال الله سبحانه فی القرآن الکریم: « أَقم الصلاة لدلوک الشمس الی غسق اللیل و قرآن الفجر إنّ قرآن الفجر کان مشهودا».[1]

یقول الراغب فی مفرداته: «غسق اللیل» شدة ظلمته.[2] مع الالتفات الی أن (غسق اللیل) تعنی منتصف اللیل، حیث أنّ (غسق) تعنی الظلمة الشدیدة، و أکثر ما یکون اللیل ظلمة فی منتصف. [3] فضم هذا الکلام مع بعضه یوصلنا الی معنی «نصف اللیل».

أما فی الروایات: فقد روی عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «وقت صلاة اللیل ما بین نصف اللیل الی آخره» [4] و عن الإمام الصادق (ع): «فَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ذَهَابُ الْحُمْرَةِ وَ آخِرُ وَقْتِهَا إِلَى غَسَقِ اللَّیْلِ یَعْنِی نِصْفَ اللَّیْل». [5]

ثانیاً: عندما نقرأ الروایات الواردة فی هذا الباب یتبین أن معنی نصف اللیل کان واضحاً للمسلمین و بدون أیّ شک و تردید، و ذلک لأن الروایات الواردة فی هذا المجال عن المعصومین (ع) لم نجد فی أیّ منها سؤال من الرواة عن زمن و کیفیة حساب نصف اللیل مما یدل علی أن هذه المسألة کانت واضحة و غیر خافیة عن المسلمین آنذاک.

2- کیف کان یحسب نصف اللیل الشرعی فی صدر الإسلام؟

بقراءة النکتة الثانیة و الالتفات لها لا تبقی لجواب هذا السؤال أهمیة و ذلک لأنه اتضح أن معناه کان واضحاً فی ذلک الزمن، و لکن مع ذلک توجد عدة احتمالات نشیر إلیها و هی:

الف: مع الالتفات الی أن معنی «غسق» الذی هو شدة الظلمه، یظهر أن حسابه کان سهلاً و میسّراً للجمیع، و ذلک لأن أکثر فترة تشتد فیها الظلمه من اللیل هی نصفه.

ب: عدم وجود ساعة فی صدر الإسلام لا ینفی وجود کل وسائل تعیین الأوقات و الأزمنة، و ذلک لأن البشر کانوا یستعملون أدوات تعیین الأوقات منذ القدم و یطبّقون علیها أعمالهم.

3- أما مسألة أن الناس فی ذلک الزمان لم تکن عندهم معلومات فلکیة، فقد توضح بطلانها کما اشارت الی ذلک آیات القرآن الکریم.[6]

4- أما جوابکم عن مسألة اختلاف وقت أذان الظهر مع الوقت المعین لمواقع الفلکیة فهو: یجب الالتفات الی أن الظهر الشرعی هو عبارة عن: میلان الشمس من وسط السماء الی جهة المغرب، و أحسن طریقة لمعرفة دخول وقت الظهر هو استعمال الشاخص، و هو: قطعة خشب طویلة أو میل یغرز فی الأرض بشکل عمودی، فعندما تشرق الشمس صباحاً یکون ظلّ هذا الشاخص ممتدا الی جهة المغرب، و کلما ارتفعت الشمس عالیاً یقصر ظلّها حتی یصل الی أقصر نقطة و هذا هو وقت الظهر، و عندما یبدأ بعدها بالإزدیاد فی جهة المشرق یبدأ وقت صلاة الظهر و العصر. [7]

فی بعض المدن مثل «مکة» و فی بعض أیام السنة ینعدم الظلّ بشکل کلّی عند الظهر فتکون الشمس عمودیة تماماً علی الأرض، ففی هذه المناطق یکون وقت الظهر و العصر عند ظهور الظلّ مجدداً بعد إنعدامه.[8]

نعم، للظهر و العصر و المغرب و العشاء أوقات مخصوصة لأجل الاطّلاع علیها یجب مراجعة الرسائل العملیة.[9]

ما بیناه هو ملاک و معیار تشخیص وقت الظهر الشرعی. فإذا کان اذان المذیاع و التلفاز و الأوقات الشرعیة المعلم عنها فی المواقع الفلکیة منطبقة مع هذا الملاک و المعیار فهو صحیحٌ و إلّا فلا.

5- أما ما یخص السؤال عن وجود الاختلاف بین السنة و الشیعة فی الأوقات الشرعیة أم عدم وجوده. فیرجی مراجعة کتاب «الفقه علی المذاهب الأربعة و مذهب أهل البیت (ع)» ج1، ص277، تألیف عبد الرحمن الجزیری و السید محمد الغروی و یاسر مازح و کذلک کتاب «الفقه علی المذاهب الخمسة» ج1، ص79، للشیخ محمد جواد مغنیة.



[1]  الأسراء، 78.

[2]  حسین محمد الراغب الأصفهانی، المفردات فی غریب القرآن، ص606، الناشر دار العلم الدار الشامیة، دمشق، بیروت، الطبعة الأولی، 1412 ق.

[3]  الشیخ ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏9، ص: 85، ناشر: مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1421 هـ، الطبعة الأولى، قم المقدسة.

[4]  الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص477، 1376، إنتشارات جامعة المدرسین فی قم المقدسة، 1413 هـ.ق.

[5]  الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص219، 657.

[6]  النحل، 16.

[7]  ثقة الإسلام الشیخ الکلینی،الکلفی، ج3، ص276، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ.ش. عن أبی عدب الله قال «إذا زالتِ الشمس فقد دخل وقت الصلاتین إلّا أنّ هذه قبل هذه».

[8]  توضیح المسائل المحشی للإمام الخمینی، آیة الله الشیخ مکارم الشیرازی، ج1، ص402، یجب الالتفات الی أن الساعة 12 ظهراً لیست الوقت الشرعی لصلاة الظهر دائماً، بل فقط بعض أوقات السنة یکون قبلها و فی بعضها یکون بعدها، و هی لیست الساعة الشرعیة بل الرسمیة.

[9]  توضیح المسائل المحشی للإمام الخمینی، ج1، ص403 و 407.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280274 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258855 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129655 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115714 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89578 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61080 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60391 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57383 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51662 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47726 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...