Please Wait
10238
(الوحی) فی اللغة الإشارة السریعة و یمکن أن تکون من جنس الکلام أو الرمز أو صوت مجرد عن الترکیب أو الإشارة و أمثال ذلک. و استعمالات القرآن المختلفة لهذه الکلمة و المعانی التی جاءت بها تلفت أنظارنا إلى مجموعة من المسائل: أولها: أن الوحی لا یختص بالإنسان، و إنما قد ینسب إلى الجماد و النبات و الحیوان... و الوحی إلى هذه الموجودات معناه هدایتها الذاتیة الغریزیة، و بعبارة أخرى الهدایة التکوینیة التی یوجه الله من خلالها هذه الموجودات إلى أهدافها و مقاصدها و لکن الدرجة الأعلى من درجات الوحی هی الدرجة المختصة بالأنبیاء و الأولیاء، و إن ما یلقی الله من المعانی فی قلب رسول الله (ص) و ما یکلمه به لا یختلف عما یلقى إلى أفراد البشر الآخرین من حیث الماهیة و إنما یکون الاختلاف من حیث الدرجة، فأدنى درجات الوحی تختص بالجماد والنبات و أعلى درجاته من نصیب الأنبیاء و المرسلین.
المسألة الثانیة: إن (الوحی) استعمل فی عدة معان مختلفة منها: الإشارة، الوسوسة، الإلقاء عن طریق الغریزة، و عن طریق الرؤیا، و أعلى درجات الوحی هو الکلام الموجه من قبل الله إلى الأنبیاء و الرسل.
و من خصائص الوحی و مشخصاته: 1ـ إنه أمر باطنی 2ـ له معلم. 3ـ الاستشعار، 4ـ الإحساس بواسطة الوحی.
و أما کیفیة الوحی إلى النبی فهی على ثلاثة أشکال، و إن کان العلامة الطباطبائی یرجع الأشکال الثلاثة إلى أمر واحد و هو تلقی الوحی من عند الله بلا واسطة، و الأشکال هی:
1 ـ تکلم الله سبحانه بلا واسطة. 2ـ التکلم من وراء حجاب. 3ـ التکلم عن طریق إرسال الملائکة(ملک الوحی).
و النظریة الفلسفیة فیما یخص نزول الوحی و طبیعة الملک الذی یأتی به هی أن معنى کون الملک واسطة لیس هو المعنى المتعارف الشائع و هو أن الملک یتلقى من الله ثم یبلغ الأنبیاء بلسانه الخاص و إنما یکون الملک محلاً لتجلی الخطاب الإلهی، و على هذا الأساس فمعنى الوساطة بمفهومها الخاص المعروف غیر موجود، و لذلک لا یأتی الکلام عن وقوع الخطأ و عدم وقوعه. ففی القسم الأول من أقسام الوحی لا وجود للواسطة، و أما فی القسم الثانی و الثالث، فإذا لم یلتفت النبی (ص) إلى الواسطة و الحجاب، فإنه سوف یتلقى الوحی من دون واسطة.
و المسألة الأخیرة هی: إن حقیقة الوحی هی من نوع العلم الشهودی، و هذا النوع من العلم لا یقبل الخطأ إطلاقاً خلافاً للعلم الحصولی. و من هنا فإن الإنسان یتمکن من خلال سیره و ارتقائه التکاملی من الوصول إلى مرتبة ساحة الحضور الإلهی و یتلقى العلم من لدن الله بدون واسطة. و هناک یبتعد عن عالم (الکثرات) ویتحرر من التعلق بغیر الله سبحانه، فیکون مصاناً من أی خطأ، و هذا هو مقام العصمة الأنبیاء .
(الوحی) فی اللغة یعنی الإشارة السریعة و من الممکن أن یکون من جنس الکلام أو من باب الرمز أو بصورة صوت مجرد من الترکیب أو إشارة و أمثال ذلک.[1] و کلمة الوحی استعملت فی القرآن الکریم مراراً و تکراراً، و طبیعة استعمال الکلمة و الموارد المختلفة التی استعملت فیها یوحی بأنها لیست منحصرةً بالإنسان و إنما هی جاریة و ساریة فی سائر الموجودات الحیة الأخرى، و لذلک فإن بناء النحل لخلایاها اعتبره القرآن نوعاً من أنواع الوحی، و الوحی إلى هذا النوع من الموجودات هو هدایتها الذاتیة الغریزیة التی تقودها إلى مقاصدها و غایاتها وتعتبر هذه القضیة من الأدلة على أن العالم له هدف و أن میل الموجودات و توجهها نحو أهدافها لیس من قبیل الصدفة و الاتفاق و إنما هو عن طریق الهدایة الإلهیة التکوینیة، و هذا هو معنى الوحی للموجودات. و للوحی درجات و مراتب مختلفة، فالوحی للجماد و النبات مثلاً لیسا فی درجة واحدة، کما أن الهدایة التی تخص النبات و .... لیست موجودة فی الجماد.[2]
و أعلى درجات الوحی و مراتبه هی تلک التی تختص بالأنبیاء، و المراد به هو إلقاء المعانی على قلب النبی (ص) من عند الله سبحانه و تعالى و مخاطبته بالکلام.[3]
و یکون هذا الوحی على أساس حاجة بنی البشر إلى الهدایة الإلهیة. فمن جانب یحقق الوحی هدایة الإنسان إلى مقاصده و أهدافه خارج آفاق المادیات و المحسوسات، و من جانب آخر یسد حاجة الإنسان - فی دائرة حیاته الاجتماعیة - إلى نظام إلهی.
فالوحی هو تلقی الهدایة الإلهیة عن طریق اتصال ضمیر الرسول (ص) بعالم الغیب و الملکوت، و الرسول هو الواسطة التی تربط عالم الإنسان بعالم الغیب. و سوف نوضح و نشیر إلى أن الإنسان الکامل بإمکانه أن یفخر ببلوغه مرتبة تلقی بعض مراتب الوحی.[4]
و من خلال کلام النبی الأکرم (ص) من الممکن أن نفهم أن الوحی لا یختلف عن سائر ما یتلقاه البشر من حیث الماهیة و الأساس، و إنما الفرق فی الدرجات المتفاوتة. فمثلاً یقول النبی الأکرم (ص) فی أحد أحادیثه: "الرؤیا الصادقة جزء من سبعین جزءاً من النبوة"[5] و هذا الحدیث یشیر إلى أن الوحی للأنبیاء هو من الدرجة القویة المفعمة بالنور المتلألئ الذی یغمر بعطائه الجمیع فیستفیدون من إشعاعه و ألقه.
و أرى من المناسب هنا أن نتطرق إلى معانی الوحی فی القرآن الکریم و استعمالاته لهذه الکلمة.[6] و التی تتمثل فیما یلی:
ـ الإلقاء فی فهم الحیوانات عن طریق الغریزة: {وَ أَوْحَى رَبُّکَ إِلَى النَّحْلِ}.[7] و معناه أن الله سبحانه علم النحل کیفیة بناء خلایاها مثلاً.
ـ بمعنى الإلقاء عن طریق الرؤیا: {وَ أَوْحَیْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}[8] أی أریناها فی النوم.
ـ بمعنى الوسوسة: {وَ إِنَّ الشَّیَاطِینَ لَیُوحُونَ إِلَى أَوْلِیَائِهِمْ}[9].
ـ بمعنى الإلقاء عن طریق الإشارة: {فَأَوْحَى إِلَیْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُکْرَةً وَ عَشِیّاً}.[10]
ـ و أعلى درجات الوحی هو الکلام مع الرسل و الأنبیاء: {وَ مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْیاً}.[11]
و من خصائص الوحی إلى الأنبیاء و مشخصاته:
1ـ إنه أمر باطنی.
2ـ إن له معلماً الهیا.
3ـ الاستشعار بالوحی و الإحساس به.
4ـ إدراک واسطة الوحی.
التوضیح: معنى کون الوحی باطناً هو أن الأنبیاء لا یتلقون الوحی عن طریق الحواس الظاهریة، و إنما یتلقونه عن طریق الباطن.
و عبارة القرآن واضحة فی هذا المجال فی قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِینُ * عَلَى قَلْبِکَ}[12] فالقلب هنا بمعنى الباطن، أی النفس و الروح. و من جانب آخر حیث أن الوحی هو تماس بعالم آخر، فمن الممکن القول: أن الوحی "خارجی".
أما المقصود من أن للوحی معلماً فمعناه أن الوحی إلى الأنبیاء لیس مثل الغرائز فی الحیوانات حیث تخلو من جنبة التعلیم، و لیس هو من نوع الإلهام الذی یحدث لدى بعض الناس و بعض العلماء؛ لأن معنى الإلهام هو أن الإنسان یحس و یشعر أنه لیس على علم بشیء ما ثم ینقدح فی ذهنه شیء بشکل مفاجئ من دون وجود أی معلم، و أما بالنسبة إلى الأنبیاء فإنهم یحسون بأن هناک معلماً {عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَى}[13] {وَ عَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ}[14] و معنى الإحساس و الاستشعار هنا هو أن النبی (ص) حینما یتلقى الوحی یحس و یشعر بأنه یتلقاه من مکان آخر، کما أننا نجلس أمام المعلم و نتلقى منه دروسنا عن طریق الاستماع و نحن نشعر و نحس بوجود المعلم، و لکن الفرق هو أن معلم النبی لیس فی هذا العالم.
أما المراد من إدراک واسطة الوحی، هو أن الوحی تارة یتلقاه النبی (ص) عن طریق موجود آخر لا بشکل مباشر عن الله سبحانه، و هذا الموجود تارة یسمى (الروح الأمین) و تارة (روح القدس) و تارة (جبرئیل) و أن النبی (ص) یشعر به، بینما لم یکن الأمر کذلک بالنسبة إلى الغرائز و الإلهامات الفردیة فلا أحد یحس و یشعر بوجود المعلم.
و بعد أن اتضح مفهوم الوحی، ننتقل إلى القسم الثانی من السؤال و ببیان مسألة فیه نختم هذا البحث.[15]
أشار القرآن الکریم إلى ثلاثة أشکال من نزول الوحی إلى البشر:
1ـ تکلم الله سبحانه بلا واسطة، أی أنه لا وجود لتوسط أی شیء بین الله سبحانه و النبی (ص) و لا أی حجاب، فیتلقى النبی الوحی بشکل مباشر من منبع الفیض.
2ـ تکلم الله سبحانه من وراء حجاب.
3ـ تکلم الله سبحانه عن طریق رسول و ملک الوحی.
و من الواضح، فإن القسمین الأخیرین ـ وخلافاً للقسم الأول ـ یوجد فیهما الحجاب و الواسطة بین الله سبحانه و النبی (ص) و لیس معنى الواسطة والحجاب هنا هو أن متلقی الوحی یُمنع من التکلم مع الله بشکل مباشر، فمن الواضح أن المتکلم هو الله سبحانه، و لکن حکمة الله و مشیئته اقتضت أن یلحظ النبی الحجاب أو الواسطة و یتلقى الخطاب الإلهی إما من وراء حجاب، أو من لسان الواسطة، و إنه لمن الواضح جداً أن رسول الله (ص) یتلقى الخطاب الإلهی بشکل مستقیم من منبعه الفیاض على الإطلاق، و لکنه إذا التفت النبی إلى الحجاب و لاحظه یقال أنه تلقى الوحی من وراء حجاب، و إذا لم یلتفت للحجاب فإن الوحی بالنسبة إلیه بدون حجاب و بشکل مباشر، و کذلک عندما یکون الوحی بواسطة جبرئیل (علیه السلام) فإذا لم یتوجه متلقی الوحی إلى الواسطة، فإن الوحی یکون من الله مباشرة و بلا واسطة.
و فی واقع الأمر فإن ملک الوحی هو محل تجلی الخطاب الإلهی، لا أنه یتلقى الوحی من الله سبحانه و یختزنه فی دائرة إدراکه ثم یبینه إلى النبی بوسائله الخاصة. و على هذا الأساس فعندما یقال أن ملک الوحی أمین فلیس معنى ذلک هو مفهوم الأمانة المتعارف بین الناس و الذی تنتقل فیه الأمانة من صاحبها إلى حوزة المؤتَمَن. و مع هذا الفرض فمهما کانت درجة حامل الأمانة و عصمته و مصونیته عن الخیانة فإن إمکانیة الخیانة الذاتیة لا تنتفی فی هذه الحالة. و لکن الأمر مختلف بالنسبة إلى ملک الوحی، فلیس حمله للوحی و نقله له بالمعنى الرائج المتداول بین الناس.
و لهذا فلیس هو واسطة بین الله و الرسول، و إنما هو محل تجلی الوحی الإلهی و مظهر علم الله، فهو الصفحة التی یخط علیها المداد الإلهی، و حینما یلتفت النبی (ص) إلى هذه المرآة و إلى هذا المظهر یقال: أن تکلم الله مع الرسول بواسطة الملک، و حینما لا یتوجه النبی (ص) إلى هذه المرآة التی ینعکس علیها الوحی و إنما یتلقى العلم الإلهی و مضمون الوحی دون لحاظ أی شیء آخر ففی هذه الحالة یکون تلقیه للوحی بشکل مباشر و بدون واسطة، لأن تمام توجهه منصب على منبع الوحی و مضمونه دون الالتفات إلى المرآة التی ینعکس علیها. ونظیر ذلک ما یحدث للشخص الذی یرى الصورة فی المرآة فینشغل بها دون أی لحاظ للمرآة التی تنعکس علیها الصورة[16].
و من هنا قال العلامة الطباطبائی: من الممکن القول أن جمیع أقسام الوحی الإلهی هی من دون واسطة.[17] و لهذا السبب فإن جمیع موارد الوحی التی ذکرت فی القرآن الکریم أسند فیها الوحی إلى الله مباشرة، من أمثال قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ کَمَا أَوْحَیْنَا إِلَى نُوحٍ وَ النَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ}[18]و لیس هذا من قبیل الاسناد المجازی.
ملاحظة: لیس الوحی قسماً من أقسام العلم الحصولی.[19]و إنما هو نوع علم شهودی و حضوری و هو نوع کشف تام لعالم الخارج و عالم الغیب.
و هذا الکشف الذی یعنی حضور حقائق الوجود لدى الکاشف، لا یقبل الاتصاف ـ ذاتاً ـ بالصدق و الکذب، کما لا یمکن تصور أی خطئ فیه لان ذلک من قبیل نفی أصل الوحی أو التشکیک بحقیقته.
و استناداً إلى الأدلة الفلسفیة و مراتب عالم الوجود و درجات العلم، و میدان التکامل المفتوح بالنسبة للإنسان یمکن التوصل إلى هذه النتیجة ـ التی تنسجم مع آیات القرآن أیضاً ـ و هی أنه بإمکان الإنسان و من خلال سیره الارتقائی التکاملی أن یصل إلى مرتبة حضور ساحة الحق و یتلقى العلم الإلهی بلا واسطة، فیخاطبه الله مباشرة، و من دون الحاجة إلى الألفاظ الصوتیة المحسوسة، و لا توسط الصور العلمیة فی الذهن.
و هذه المرتبة الوجودیة و العظمة الروحیة خالیة من (الکثرات) کما أن صاحبها یتحرر من کل تعلق بغیر الله سبحانه و یصان من کل وسوسة و ضلال و خطأ، و هذا هو مقام عصمة الأنبیاء، و من هنا نتوصل إلى عدة نقاط أساسیة:
1ـ إن الوحی ممکن أساساً و هو مرتبة من مراتب العلم.
2ـ حقیقة الوحی، کشف عالم الغیب و شهوده، فلا معنى للخطأ فی هذه الحقیقة.
3ـ إن الإنسان یتمکن من خلال سیره التکاملی الوصول إلى مرتبة ینزل علیه فیها الوحی، و إنه یصل إلى مرتبة العصمة.[20]
[1] الراغب الأصفهانی، المفردات، ص 515، مادة وحی.
[2] المطهری، مرتضى، مجموعهى آثار" مجموعة آثاره"، ج4، ص410.
[3] مع أن إدراک حقیقة الوحی و تنزله أمر لیس بالسهل بل و غیر الممکن.
[4] وإن قال العلامة الطباطبائی: یقتضی الأدب الدینی أن لا یطلق لفظ الوحی إلا على الکلام الذی أنزل على الرسل و الأنبیاء. تفسیر المیزان، ج12، ص 423.
[5] المطهری، مرتضى، مجموعهى آثار" مجموعة آثاره" ج4، ص411.
[6] الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج12، ص423.
[7] النحل: 68.
[8] القصص: 7.
[9] الأنعام: 121.
[10] مریم: 11.
[11] الشورى: 15.
[12] الشعراء: 193.
[13] النجم، 5.
[14] النساء: 113.
[15] المطهری، مرتضى، مجموعهى آثار" مجموعة آثاره" ج4، ص 411 إلى ص 414.
[16] هادوی الطهرانی، مهدی، مبانى کلامى اجتهاد" مبانی الاجتهاد الکلامیة"، ص 76 ـ 77.
[17] العلامة الطباطبائی، محمد حسین، المیزان، ج4، ص 149 ـ 150.
[18] النساء: 163.
[19] فی العلم الحصولی نحصل على صورة من المعلوم و یبقى المعلوم بالعرض خارج تناولنا. یعنی أننا غیر قادرین على التخلص من قبضة الواسطة و الارتباط بواقعیة الأشیاء عن طریق هذه الصورة العلمیة و إذا ما التقطنا صورةً بالخطأ و الاشتباه، فمعنى ذلک أننا وقعنا فی الخطأ، فلا نتمکن من الوصول إلى الواقع فی عالم الخارج، و ذلک بسبب توسط الصورة العلمیة و تفسیرنا الخاطئ فی تطبیقها على الخارج.
[20] هادوی الطهرانی، مهدی، مبانى کلامى اجتهاد "مبانی الاجتهاد الکلامیة"، ص 78.