Please Wait
30694
النجم بمعنى الكوكب المضيء في السماء و قد يكون بمعنى النبات الذي بلا ساق. و المقصود من النجم في الآية 6 من سورة الرحمن هو النبات المجرد عن ساق بقرينة الشجر.
إن هذه الكلمة في أساسها بمعنى الطلوع، فإذا عبر عن النبات المجرد عن الساق بالنجم فبسبب أنه يظهر من تحت الأرض. و إذا سميت النجم بالنجم فبسبب طلوعها و إشراقها.
ويطلق الشجر على كل نبت ذي ساق من قبيل الحبوب و أشجار الفواكه و … . إذن باعتبار تقارن كلمتي النجم و الشجر قال أكثر المفسرين أن المفصود من سجدة النجم و الشجر هو خضوعهما و طاعتهما لأمر الله. يعني بأمره يخرجان من الأرض و بأمره ينموان و ينضجان.
وقد حمل بعض المفسرين كلمة النجم على معناها الأصلي و قالوا إن النجم هو نفس الكوكب السماوي و الشجر هو نفسه الذي نعرفه على الأرض، و لعل الهدف من ذكرهما معا هو ذكر أبعد الأشياء و أقربها لنا و بيان اشتراكهما في السجود لله.
الحاصل: سواء أكان النجم هو نجم السماء أم كان نوعا من النبات، فسجوده ليس كسجود الإنسان بوضع الرأس على التراب، بل بمعنى التسليم و الخضوع لله المتعال. و كل الكائنات خاضعة لله و تسبح له و لكن كل بحسبه و لغته.
من أجل اتضاح معنى الآية و فهم المقصود من سجود النجم و الشجر، لابد لنا من دراسة معنى هاتين اللغتين، و من بعدها نتناول تفسير الآية لنرى ما المقصود من سجود النجم و الشجر في القرآن الكريم.
النجم: يقول راغب في مفرداته: "أصل النَّجْم، الكوكب الطالع، و جمعه نُجُومٌ، و نَجَمَ، طَلَعَ، ... و منه شُبِّهَ به طلوعُ النّبات،...".[1]
فأصل لغة النجم بمعنى الكوكب السماوي و تارة يطلق على النبات المجرد عن الساق. إن جذور هذه اللغة في أصلها بمعنى الطلوع فإذا قيل للنبات المجرد عن الساق نجما، فبسبب كونه يطلع و يظهر من تحت الأرض، و إذا سمي الكوكب السماوي نجما فبسبب طلوعه. هنا في سورة الرحمن و بقرينة كلمة الشجر، المقصود من النجم هو النبات المجرد عن الساق. و النجم بمعنى أنواع النباتات الصغيرة و الزاحفة مثل نبتة الخيار و القرع و البطيخ و…
الشجر: "الشَّجَرُ من النّبات، ما له ساق"،[2] و الشجر: "ما قام على ساق...".[3]
و إن كان أصل معنى النجم هو الكوكب السماوي و لكن بسبب تقارن النجم و الشجر ذهب كثير من المفسرين إلى أن النجم هنا بمعنى النبات المجرد عن الساق.
بهذه المقدمة و بعد اتضاح معنى هاتين الكلمتين نعمد إلى دراسة آراء المفسرين في تفسير هذه الآية ليتبين معنى السجود المنسوب للنجوم و الأشجار.
بعد أن فسر أكثر المفسرين كلمة النجم بمعنى النبات المجرد عن الساق، اعتبروا سجود النباتات و الأشجار هو طاعتهم المطلقة لله سبحانه، و إن طاعتهم هي تبعيتهم للقوانين التكوينية و عدم التمرد و الخروج عن المسير الذي رسمه الله لهم في عالم التكوين.
يقول العلامة الطباطبائي بعد نقل الرأي المشهور للمفسرين في معنى النجم: قالوا: "المراد بالنجم ما ينجم من النبات و يطلع من الأرض و لا ساق له، و الشجر ما له ساق من النبات، و هو معنى حسن يؤيده الجمع و القرن بين النجم و الشجر و إن كان ربما أوهم سبق ذكر الشمس و القمر كون المراد بالنجم هو الكواكب. و سجود النجم و الشجر انقيادهما للأمر الإلهي بالنشوء و النمو على حسب ما قدر لهما كما قيل…".[4]
وقد حمل بعض المفسرين كلمة النجم على معناها الأصلي و قالوا إن النجم هو نفس الكوكب السماوي و الشجر هو نفسه الذي نعرفه على الأرض، و لعل الهدف من ذكرهما معا هو ذكر أبعد الأشياء و أقربها لنا، و أن هؤلاء و إن يبدوا جمادا بلا روح، و لكنهم يحظون بشيء من الفهم و الإحساس ما يدعوهم إلى عبادة ربهم و تسبيحه، "وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ و لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ".[5]
باعتبار أن السجود يجسد غاية الخضوع و العبودية، فسجود النجم و الشجر يتبلور بخضوعهم للسنن الإلهية، حيث إننا لا نجد نجما قد انحرف عن فلكه و لن نجد شجرة تثمر غير ثمرها.[6]
الحاصل: سواء أكان النجم هو نجم السماء أم كان نوعا من النبات، فسجوده ليس كسجود الإنسان بوضع الرأس على التراب، بل بمعنى التسليم و الخضوع لله المتعال. و كل الكائنات خاضعة لله و تسبح له و لكن كل بحسبه و لغته، إذ لكل نوع من الكائنات سجدة خاصة به و لكن لا ندرك كيفيتها، حيث قال الله سبحانه: "وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"
للحصول على المزيد من المعلومات راجع تفاسير القرآن ذيل الآية 6 من سورة الرحمن.
[1] راغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ج 1، ص 791- 792، عبارة "نجم".
[2] المصدر نفسه، ج 1، ص 446، عبارة "شجر".
[3] الطريحي، فخرالدین، مجمع البحرین، ج 6، 173، عبارة "شجر".
[4] الطباطبائي، السید محمد حسین، الميزان، ج 19، ص 96، مكتب النشر الإسلامي، قم، 1417ق.
[5] الإسراء، 44.
[6] مترجمان، تفسير هدايت، ج 14، ص 291، مركز الدراسات الإسلامية للعتبة الرضوية المقدسة، مشهد، الطبعة الأولى، 1377 ش.