Please Wait
6746
یمکن اعتماد الأمور الثلاثة المذکورة ـ کلاً على حدة ـ کأسباب لنیل الشفاء بالنسبة للشخص المریض، و کذلک من الممکن أن نضم الأمور الثلاثة بعضها إلى بعض من أجل تحصیل الشفاء.
و لکن الأفضل هو الاستفادة من الدعاء (الارتباط بالله و الطلب منه بشکل مباشر) فی جمیع أعمالنا و من جملتها الأمرین المتقدمین مراجعة الطبیب و الاستشفاء بالتربة الحسینیة، و ذلک لأن عمل الطبیب و تأثیر الدواء و .... و شفاعة الإمام الحسین(ع) و أثر تربته، لیست أموراً منفکة عن قدرة الله و إرادته أو أنها أمور مستقلة عنها، و إنما هی أمور مرتبطة بالإرادة و المشیئة الإلهیة.
و الأمر الآخر هو أننا لا یجب أن نلجأ إلى التوسل و طلب شفاعة الأئمة (ع) و الاستعانة بالدعاء لحل المعضلات و المشکلات التی یئسنا من حلها من خلال الطرق العادیة و الأسباب الطبیعیة، أی عندما تتقطع بنا الطرق و الأسباب، نلجأ إلى الدعاء و التوسل و کذلک لا ینبغی أن نستعیض بالدعاء و التوسل عن السعی لتحصیل ما نرید بالطرق و الأسباب الطبیعیة، فنلجأ إلى الکسل و الخدر. ذلک لأن الله قدر أن تجری الأمور بأسبابها.
فمن الممکن إذاً أن نجمع بین الأمور الثلاثة: فمن خلال الدعاء و التبرک بتربة سید الشهداء(ع) ، و بمراجعة الطبیب و تناول ما یصف لنا من الدواء،وحین یقبل الله تعالى شفاعة الأئمة(ع)، فیکون أثر الدواء و العلاج من نصیبنا و ننال بذلک الشفاء و نتعافى من المرض.
و على أی حال فلا ینبغی _ فی أی معضلة و مشکلة ـ أن نیأس من عنایة الله تعالى و ألطافه و شفاعة الأئمة(ع) ، و کذلک فلا یجب ـ وفی أی حال ـ أن نتخلى عن السعی و بذل الجهد من أجل الوصول إلى ما نرید عن طریق أسبابه الطبیعیة و المادیة.
الاستفادة من دواء الطبیب و علاجه، و الاستشفاء بواسطة تربة سید الشهداء(ع) و التوسل بأولیاء الله(ع) و الدعاء و التوجه إلى الله هی ثلاثة وسائل لشفاء الأمراض. فی حالة عدم بلوغ الإنسان أجله المحتوم.
و هذه العوامل و الأسباب الثلاثة یمکن الاستفادة من کل واحد منها على وجه الإنفراد فیکون له الأثر فی الشفاء و نیل العافیة، أو الجمع بین اثنین منها أو الاستفادة منها جمیعاً لتکون مرکباً ثلاثیاً یؤلف (العلة التامة) لشفاء الأمراض.
فالدعاء یکون سبباً لقبول شفاعة الإمام و تأثیر تربته، و تأثیر شفاعة الإمام و ترتبه یکون سبباً فی تسهیل و تعجیل أثر الدواء و العلاج الذی نتلقاه على یدی الطبیب. و هنا لا بد من الالتفات إلى أن الاستفادة من علاج الطبیب و أثر الدواء، و کذلک شفاعة الامام وأثر تربته إنما هی أسباب تناط مناطة باذن الله وارادته، فالدعاء له أولویة خاصة بالنسبة إلى الأمرین الآخرین (العلاج، و تربة الحسین).
لأن الدعاء هو ارتباط مباشر بالله سبحانه و تعالى و توجه إلى عدم الاستقلال بما سواه فی التأثیر و تحصیل النتائج. (إنه التزام بالتوحید الأفعالی) و على هذا الأساس جاءت التوصیة و الحث على الدعاء فی کل الأمور حتى عندما نطلب شفاعة الأئمة(ع) و التوسل بهم إلى الله، فلا بد من الدعاء لقبول توسلنا و طلبنا الشفاعة من الأئمة لیأذن الله بذلک فیکون للشفاعة و التوسل أثر.
فمراجعة الطبیب لا تخلو من کثیر من الأمور المعقدة و الغامضة کالعثور على الطبیب المناسب و التشخیص الدقیق و معرفة سبب المرض، و تعیین الدواء الفعال بالنسبة إلى الشفاء، و الطریق الصحیح لعملیة العلاج، فطلب العون من الله سبحانه فی محله و هو أمر ضروری فی هذه القضیة.
إضافة إلى أن الأثر الذی نتوخاه من الاستشفاء بتربة الحسین(ع) له عدة شروط و ضوابط، من الصعب تحصیلها فی هذا الزمان، منها:
1ـ إن هذا التراب یجب أن یکون من الحائر الحسینی.[1] و یمیل لونه إلى الحمرة.
2ـ عدم لمس هذا التراب بعد الخروج من الحائر من قبل الجن و الشیاطین المعادین لشیعة أهل البیت(ع) حتى لا تزول عنه قابلیة التأثیر، فلا بد من إخفائه ووضعه فی ظرف مناسب.
3ـ استعمال أقل کمیة ممکنة من هذا التراب.
4ـ توفر النیة الخالصة من دون شک أو تردد بالنسبة إلى اعتقاد التأثیر.
5ـ الدعاء من الله سبحانه بأن یجعل لهذا التراب الأثر المرجو و ذلک من خلال القسم بحق سید الشهداء علیه السلام و .... عند الاستعمال.[2]
و لکن الأمر المسلّم بأن التوجه و التوسل بسید الشهداء(ع) و کذلک سائر أولیاء الله و التبرک بالتربة المنسوبة إلى هؤلاء العظماء و بنیّة خالصة لا یخلو من فائدة أو أثر، فقد جرب الناس أثرها و عطاءها فی موارد عدیدة.
و من الطبیعی أن قبول الدعاء و حتى قبول شفاعة أولیاء الله و إذن الله و قبوله لهم بالشفاعة إنما یتم وفق شروط و ضوابط معینة، منها:
1ـ الإخلاص فی الدعاء و التوجه إلى الله مقروناً بالصلوات و الاستغفار و التوبة الواقعیة.
2ـ أداء الحقوق الإلهیة، المتمثلة فی العبادات و المعاملات کأداء الخمس و الزکاة و غیرها من الحقوق الأخرى.
3ـ عدم التقاطع و الاختلاف مع سنن النبی(ص) و الأئمة(ع).
4ـ یجب أن یکون الداعی عاملاً بالقرآن الکریم و تعالیمه.
5ـ أن یکون شاکراً لله سبحانه على کل حال.
6ـ یکون آمراً بالمعروف ناهیاً عن المنکر.
7ـ أن یصحب الدعاء الاستفادة من الوسائل المادیة و المعنویة (فلا یکون کسولاً یرکن إلى التوقعات فی غیر محلها).
8ـ إبراء الذمة من حقوق الناس و أموالهم.
9ـ الوفاء بالعهود و المواثیق و ...[3]
و لکنه من الممکن فی بعض الأحیان أن یکون الدعاء و التوسل مؤثراً مع عدم توفر الشروط المتقدمة، لیکون عامل جذب لقلوب الداعین و المتوسلین، أو من قبیل إتمام الحجة علیهم، فلا تبقى لهم حجة و ذریعة للعودة إلى وضعهم السابق و غیر الصحیح.
و ذلک لأن العنایة الإلهیة و الطاف النبی والأئمة(ع) تکون أکثر وضوحاً فی الحالات التی تعجز فیها الأسباب الطبیعیة من تحصیل المطلوب، و ذلک ما یقطع الطریق أمام المشککین و أسالیبهم فی تعلیل الأمور و الظواهر.
و ربما یکون هذا العطاء هو ثواب و أجر تلقاء عمل معین، أی أنه من الممکن لشخص أن یکون له عمل خیر معین أو إظهار الاحترام و التقدیر بالنسبة لأولیاء الله(ع)، فتکون استجابة الدعاء و دفع المشاکل و إزالتها عن طریقه هی بمثابة الأجر على ما قدم من عمل خیر، فیکون من قبیل اعطاء الاجر فی الدنیا لکی لایکون له استحقاق للأجر و الثواب فی عالم الآخرة ولیقطع الطریق امامه فی المطالبة بالاجر فی الاخرة.
و الأمر المهم هو أن التوجه بالدعاء إلى الله سبحانه و التوسل و طلب الشفاعة من الأولیاء لا یعنی رفع الید عن الأسباب الطبیعیة و ترک السعی و الرکون إلى الراحة و الاسترخاء و السبات، و إیکال الأمر بشکل کلی إلى الله. فالإمام الصادق(ع) یقول: "أبا الله أن یجری الأمور إلا بأسبابها".[4] فلابد من الاستفادة من الوسائل الطبیعیة و السعی لتحصیلها إلى جانب الدعاء و التوسل لکسب التوفیق و حسن الوصول إلى النتیجة.
کما أن اللجوء إلى الدعاء و التوسل لا ینبغی أن یکون فی الأمور التی تقطع الأمل فیها من الأسباب الطبیعیة فنصل إلى حالة الاضطرار و انقطاع الأسباب و الطرق، و بعد أن یتم المطلوب ننسى کل شیء و نعرض عن هذه الأسباب و الوسائل، فقد ورد ذم کثیر لهذه الحالة و أمثالها فی الآیات[5] و الروایات، و مثل هذه الشفاعة و الاستجابة تکون بمثابة إتمام الحجة على الشخص الذی یتسبب فی زیادة عذابه وشقائه. و لکن لا یجب أن یحصل الیأس و قطع الأمل من الشفاعة و الاستجابة بأی حال من الأحوال. و ذلک مع أن عالم الدنیا هو عام الأسباب و المسببات، إلاّ أن الله تعالى هو مسبب الأسباب و هو الذی منحها السببیة و التأثیر، فهو أقرب لکل مسبَّبٍ من سببه و لکل طفل من قیّمه، و حیث أنه قیوم (یسبب الأسباب و یجری الأمور بأسبابها الطبیعیة) یکون تارةً عادماً للأسباب و معطلاً لها و ماحقاً لتأثیرها، کما جرى فی ذبح إسماعیل(ع) ، أو إحراق إبراهیم(ع) فی النار.
و أحیاناً یکون فیضه و عطاؤه من دون تدخل الأسباب الظاهریة و الطبیعیة و إنما تجری الأمور عن طریق الغیب مباشرةً فیکون الفیض و العطاء أو یوجد المسبب عن طریق الأسباب الخفیة و غیر المعروفة.[6]کما هو الحال فی قضیة ناقة صالح(ع) أو قصة عصا موسى(ع) و ... و النتیجة هی أن الحالة الأفضل تکون فی الدوام على الدعاء و التوجه إلى الله تعالى و التوسل بالأئمة(ع) فی کل أعمالنا إضافة إلى السعی و بذل الجهد لتأمین و تحصیل الأسباب الطبیعیة و المادیة. فلا ینبغی أن ننسى أو نتهاون فی مسألة الدعاء و التوسل فی کل المعضلات و المشکلات ولا نسمح للیأس من التسلل إلى نفوسنا لنعقد آمالنا و نعلقها على قدرة الله تعالى و منزلة الأئمة(ع) لدیه فقط بل لابد من اعتماد الطریقین معا.
للإطلاع بتوسع انظر:
* مراحل اخلاق در قرآن "مراحل الأخلاق فی القرآن"، عبد الله جوادی آملی، منشورات الإسراء، قم.
* جامى از زلال کوثر "قدح من زلال الکوثر"، محمد تقی مصباح الیزدی، مؤسسة الإمام الخمینی(قدس سره) للتعلیم و التحقیق، قم.
* انگیزه ی پیدایش مذاهب "علل إیجاد المذاهب"، ناصر مکارم الشیرازی، مطبوعات الهدف، قم.
*کامل الزیارات، ابن قولویه القمی،صوت الحق، طهران.
*الدموع الساکبة ، الشیخ جعفر الشوشتری، دار الکتاب الجزائری. قم.
و....
[1] یطلق الحائر فی الاصطلاح الفقهی علی: الأطراف المطهرة لمرقد الإمام الحسین(ع) وتشمل القبر المطهر والصحن والرواق والمتحف و.....اعم من القدیم والجدید منها، وذهب بعض العلماء الی ان حد الحائر یقتصر علی الحرم فقط ولایتجاوزه.
[2] ذهنی الطهرانی، محمد جواد، ترجمة کامل الزیارات، باب 91 ـ 95، ص 832 ـ 867، منشورات صوت الحق، و البحار، ج 98، ص132 و28.
[3] مکارم الشیرازی، انگیزه ی پیدایش مذاهب" علل إیجاد المذاهب"، ص90 و 112.
[4] الکافی، ج1، ص183.
[5] الروم، 32؛ لقمان، 32؛ العنکبوت، 65؛ یونس ، 12 و 22 و 23.
[6] جوادی الآملی، عبد الله، مراحل اخلاق در قرآن" مراحل الأخلاق فی القرآن"، ص63.