بحث متقدم
الزيارة
6034
محدثة عن: 2011/12/18
خلاصة السؤال
مع الاخذ بنظر الاعتبار قوله تعالى " إِنَّا جَعَلْناکُمْ خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا..."، هل السعی للقضاء على ظاهرة اختلاف الشعوب و صهرها فی بوتقة ثقافة واحدة یعد مخالفة للارادة الالهیة؟
السؤال
مع الاخذ بنظر الاعتبار قوله تعالى " إِنَّا جَعَلْناکُمْ خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا..."، هل السعی للقضاء على ظاهرة اختلاف الشعوب و صهرها فی بوتقة ثقافة واحدة یعد مخالفة للارادة الالهیة؟
الجواب الإجمالي

مع الاخذ بنظر الاعتبار اسباب نزول الآیة و کلمات النبی الاکرم (ص) لا نرى تنافیا بین القضاء على التمایز الطبقی و التفاضل العرقی و بین التلاقح الحضاری و التواصل الثقافی بین الشعوب فی اطار الثقافة الاسلامیة و التعالیم الربانیة الواردة فی القرآن و السنة المطهرة، فلا تنافی بین الآیة الشریفة و بین تلک الامور، و هذا ما یکشفه قوله تعالى " إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلیمٌ خَبیر". و الدعوة الى التلاقح الحضاری –ان صدقت النوایا- تخلق حالة من التفاعل العلمی و المعرفی الکبیر یعود نفعه على جمیع الامم و الشعوب.

الجواب التفصيلي

کان الرائج فی المجتمع الجاهلی التفاخر بالانساب و الاحساب الى الحد الذی ترى کل قبیلة انها افضل من سائر القبائل و الاقوام، و کل أمة ترى نفسها افضل من سائر الامم.

و هناک من ذهب الى جعل المعیار فی التفاضل بین الناس مقدار الثروة و القصور و الحشم و الخدم و ما شابه ذلک من الامور، و من هنا یسعون بکل ما أوتوا من قوة لتحصیل تلک الامور التی یعدونها المعیار فی التفاضل. و هناک فریق ثالث ذهب الى اعتبار المنزلة الاجتماعیة و السیاسیة هی المعیار فی التفاضل و قوة الشخصیة. و من هنا کل فرقة سارت على الطریق الذی اعتقدته هو الحق فی الموازنة و المفاضلة.

و لما کانت تلک الامور کلها امور فانیة و زائلة و خارجة عن الذات الانسانیة، نجد الاسلام قد وقف موقف الرافض لاعتبار تلک الامور هی المعیار و المیزان فی المفاضلة، لیضع محلها معاییر اخرى کالایمان و التقوى و الطهارة الذاتیة و الاخلاقیة، بل حتى العلم و غیره جعله ذا قیمة عندما یکون فی اطار التقوى لا عندما یکون فی مسیر آخر.

و الجدیر بالذکر ان المفسرین ذکروا عدة اسباب لنزول الآیة تکشف عن عمق هذا الامر الالهی و مدى أهمیته، منها: إنّ النّبی (ص) أمر «بلالا» بعد فتح مکّة أن یؤذّن، فصعد بلال و أذّن على ظهر الکعبة، فقال «عتّاب بن أسید» الذی کان من الأحرار: أشکر اللَّه أن مضى أبی من هذه الدنیا و لم یر مثل هذا الیوم .. و قال «الحارث بن هشام»: ألم یجد رسول اللَّه غیر هذا الغراب الأسود للأذان؟! «فنزلت الآیة الآنفة.[i]

و فی حدیث آخر نقرأ أن رسول الله (ص) خطب بمکة فقال: یا أیها الناس إن الله قد أذهب عنکم عیبة الجاهلیة و تعاظمها بآبائها. فالناس رجلان: رجل بر تقی کریم على الله، و- فاجر شقی هین على الله. و- الناس بنو آدم و- خلق الله آدم من تراب قال الله تعالى:" یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ- أُنْثى‏ وَ- جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ- قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ.[ii]

و جاء فی کتاب «آداب النفوس» للطبری أنّ النّبی (ص) التفت إلى الناس و هو راکب على بعیره فی أیّام التشریق بمنى «و هی الیوم الحادی عشر و الثّانی عشر و الثّالث عشر» من ذی الحجة فقال: «یا أیّها الناس! ألا إنّ ربّکم واحد و إنّ أباکم واحد ألا لا فضل لعربی على عجمی و لا لعجمی على عربی و لا لأسود على أحمر و لا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى ألا هل بلّغت: قالوا نعم! قال: لیبلغ الشاهد الغائب.[iii] و[iv]

و مع الاخذ بنظر الاعتبار اسباب نزول الآیة و کلمات النبی الاکرم (ص) لا نرى تنافیا بین القضاء على التمایز الطبقی و التفاضل العرقی و بین التلاقح الحضاری و التواصل الثقافی بین الشعوب فی اطار الثقافة الاسلامیة و التعالیم الربانیة الواردة فی القرآن و السنة المطهرة، فلا تنافی بین الآیة الشریفة و بین تلک الامور، و هذا ما یکشفه قوله تعالى " إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلیمٌ خَبیر".[v]

اما قضیة العولمة او القریة العالمیة، او اعتبار لغة معینة هی اللغة الرسمیة للبلاد من بین سائر اللغات و اللهجات المتداولة فیه، فهذا کله لا یکشف عن انعدام اختلاف الشعوب و الاقوام فی الصفات و الممیزات قطعا.

و الدعوة الى التلاقح الحضاری –ان صدقت النوایا- تخلق حالة من التفاعل العلمی و المعرفی الکبیر یعود نفعه على جمیع الامم و الشعوب.



[i] حقی البروسوی، اسماعیل‏، روح البیان" ج 9، ص 90، دارالفکر، بیروت؛  القرطبی، محمد بن احمد، الجامع لأحکام القرآن‏، ج 9، ص 6160، انتشارات ناصر خسرو، الطبعة الاولى، طهران، 1364 ش.‏

[ii] القرطبی، الجامع لأحکام القرآن، ج‏16، ص: 341

[iii] نفس المصدر.

[iv]مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏16، ص: 564، مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[v] الحجرات،13.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280274 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258855 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129655 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115714 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89578 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61080 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60391 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57383 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51662 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47726 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...