Please Wait
6061
الخلسة العرفانیة و الملکوتیة، حالة خالصة حاصلة من تحرَرالانسان من الأنا المحدودة المملوءة عذاباً، و الوصول إلی الأنا الحقیقیة و الإتحاد و الذوبان بها و فی الحقیقة هی کیفیة عرفانیِة یصل فیها الإنسان إلی إتحاد نفسه مع ذات نفسه، و لهذه الحالة مراتب و أنواع نشیر إلیها فی الجواب التفصیلی.
الف )الخلسة
الخلسة العرفانیة و الملکوتیة، حالة خالصة حاصلة من تحرَر الإنسان فی الأنا المحدودة المملوءة عذاباً، و الوصول الی الأنا الحقیقیة و الإتحاد و الذوبان بها. و فی الحقیقة هی کیفیة عرفانیة یصل فیها الإنسان الی اتحاد نفسه مع ذات نفسه. و فی هذه الحالة یتحرّر الإنسان من کل التصورات المؤملة و الأفکار الفارغة و یستغرق فی السکینة و الوجد العمیقین. و الإنسان الضال تارة یستعمل بعض العوامل الخارجیة کالکحول و المواد المخدّره للذهن لکی یجبر نفسه علی حالة النسیان و لو لمدة قلیلة لکی یتخلّص من العذاب و لکی یتحد مع اصل وجود نفسه البعیدة عن کل هذا الألم و العذاب، لکنه توهّم باطل لیس إلَا؛ و ذلک لأنه سیواجه أناه الحقیرة بعد إرتفاع أثر هذه المواد، و یوماً بعد یوم سیخلق لنفسه ذهناً مملوءً بالعذاب، أما من کان من أهل السلوک و من کان علی معرفةٍ من نفسه و قد سلک طریق التزکیة لسلوک المعنوی فإنه یرد هذه الحالات بشکل طبیعی، و ذلک لأنه قد تخلَص ـ و بسبب معرفته ـ من الأنا الحقیرة و من کل الذنوب و تبعاتها و ذکریاتها و أفکارها و... و قد حصلت له الخلسة الملکوتیة علی إثر الواردات القلبیة و الجذبة المعنویة، من غیر حاجة الی المواد المخدّرة و الطرق الشیطانیة و هذا هو السکر العرفانی الذی حصل علی مکانة عالیة فی الأدب العرفانی.
نجد الیوم علم الطب، و علم النفس و ما فوق علم النفس یسعی فی تبیین هذه الحالة و تعریفها و قد قدّموا عدة تعاریف للخلسة مستعینین ببعض الإشارات التی تثبت فی المخ و البدن و... لذا فالخلسة حالة خاصة من الوعی و المعرفة یستغرق فیها البدن فی نوم عمیق، أما الذهن فیبقی یقظاً و صاحیاً تماماً. و هذه الحالة تصاحب طمأنینة و سکینة خاصتین کما قد تحصل هذه الحالة بتفعیل الأعصاب اللاودیة و تعدیل التفاعلات البیولوجیة ذات المستوی الواحد، و عن طریق الترکیز و التلقین.
ب )کیفیة الحصول علی الخلسة و طریقها:
کما مرَ بأن حالة الخلسة یمکن الحصول علیها حسب الظاهر من طریقین. مرة من الطریق الطبیعی و الفطری؛ أی من طریق المعرفة و التخلّص من خطور الذکریات و تبعات الأفکار و عذاب الذنوب ... و مرة أخری من الطریق الإصطناعی الذی بسلوکه ینسی الإنسان نفسه و شخصیته الإجتماعیه الکاذبة التی صنعها لنفسه و یخدّر و للحظات و بصورة غیر طبیعیة ینسی نفسه الکاذبة و یستغرق فی ذات نفسه (حقیقة نفسه الفطریة). و فی الخلسة بالطریقة الإصطناعیة یعثر الإنسان علی تجربة مؤقتة و شبیهة بحالة النفس الحقیقیة لکنه و بعد الخروج من هذه الحالة یصاب بالإختلال و العذاب أکثر من السابق و یبتعد من اللَه عزَ و جلَ أکثر و یتجه للفساد و الضلال و الجنون و الظلم أکثر من السابق. الخلسة الإصطناعیه تعطی الإنسان معرفة مختصرة و إجمالیة عن الخلسة الطبیعیة. أما الحالة غیر المشبعة فتعنی الخلسة بالدقة لکن یمکن الحصول علیها بطریقتین؛ جهنمّیة و جنّتیة.
إذن فالخلسة حق ذاتاً و لها أنواع مؤقتة (اصطناعیة) و مؤلمة و معذّبة، و دائمیة (عرفانیة) و جنّتیة.
ج)مراتب الخلسة الطبیعیة
1ـ السکر (السکر العرفانی): السکر أو السکر العرفانی یحصل من اللقاء بالصدیق العرفانی(المراد أو الأمام). فالسالک یسکر بشدة برؤیة معشوقه المعنوی سواء أکان ذلک فی النوم أم فی الیقظة بحیث یشعر أنه قد وصل إلی کمال الحقیقة. فی الحال أنه لازل فی أول الطریق. و یمکن التعبیر عن هذا السکر بالإیمان العرفانی؛ و ذلک بأننا لو قسناه بمرتبة الإتحاد بالحق یعتبر نظیر الإیمان الدینی. یقول الأمیر السید علی الهمدانی فی باب السکر: السکر عبارة عن ورود وارد مدهش عجیب یمنع بصولة الإستیلاء الحسَّ من إدراک المحسوس و یُذهل النفس عن تمییز المطلوب عن المهروب). [1]
و هذا یعنی: أن السکر یأتی علی أثر ورود وارد عظیم علی قلب الإنسان و عندها تصاب القوی الحسیّة بالخلسة علی أثر الغلبة الشدیدة لهذه الحالة و کذلک تصاب بنوع من الخدر و الغفلة عن المحسوسات التی حوالیه. و کذلک یحدث للنفس و الذهن حالة شبیهة بالنسیان نسبة للأفکار الخارجیة بحیث لا تختلف بالنسبة للشخص مواجهة الأمور المفرحة و المیسّرة عن الأمور المخوفة. و قد قُسّم السکر الی نوعین سکر صوری و سکر معنوی و المراد من السکر هنا المعنوی منه.
2ـ التفکر (المراقبة الکبری): لقد عرّف الخواجة عبد اللَه الأنصاری التفکر بأنه المیدان التاسع و العشرون من المیادین المئة للسلوک الی اللَه و هو حاصل إستقامة السالک . التفکّر فی مرتبة القلب، هو التوحید و فی مرتبة النفس، التجرید[2] و فی الثقافة الهندیة یُعبّر عن الإستغراق فی بحر التفکر بالـ "سمادی " او "مدیتیشن".
3ـ الذکر: و الذکر هو ثمرة التفکر، و الفرق بینهما هو أن التفکر بحث و التذکر حصول. [3]
4ـ البسط : و هو حاصل مرتبة الغناء. و البسط إنفتاح القلب، و الإنفتاح وقت و همة السالک من اللَه سبحانه. [4]
5ـ الإنبساط: و هو حاصل مقام البسط و الإنبساط قرب البحث و اللقاء إرادة. [5]
6ـ السماع : و هو حاصل الإنبساط . و هذا السماع لا علاقة له بالرقص. بل هو حاله باطنیة و یمکن ان تظهر خارجاً.
و علی حد تعبیر العرفاء إن السماع إیقاظ(الروح) من النوم، و التحریک من السکون و اعطاء الماء للزرع. [6] و قد یعبّر عن الخلسة بالسماع فی العرفان الإسلامی، و بعبارة أدق، السماع نوع خلسة طبیعیة. و السماع فی الواقع العبادة الطبیعیة للأولیاء و العرفاء الواصلین. و بأعتقاد الشیخ عبد القادر الکیلانی، یجب أن یکون السماع فی البدایة سرَی و مخفیّ، ثم یصل الی القلب و الجوارح و الأعضاء [7] و حسب رأیه إن الاعتماد علی ظاهر العبادات المصطلحة و الغفلة عن باطنها التی هی نفس السکر و المعراج الروحی شرک. [8] و علی حد تعبیر "الشمس التبریزی" الذی یؤکد کثیراً علی مرتبة السماع، إن السماع معراج الروح و العبادة الأفضل. فهو یعتبر صوت القیثار "النغمة الإلهیة" و السماع "القرآن الفارسی" و العامل "تجلی ورؤیة الحق" [9] ففی رأی الشمس، یعتبر السماع لأهل الحال کالفریضة و الواجب و الباعث علی الحیاة. [10] و بعقیدته إن السماع "إکسیر" لا یمکن طی بعض المراحل العالیة للسلوک و العرفان إلا به. [11]
7ـ الوجد: و هو حاصل میدان الإطلاع؛ و الوجد نار مشتعلة بین حجر الإختیار و حدید الحاجة، و یکون علی ثلاثة وجوه: وجد النفس و وجد القلب و وجد الروح. [12] یقول الأمیر السید علی الهمدانی فی باب الوجد: "الوجد عبارة عن داخل غریب یجعل بواطن الطالبین متأثّره بلذة السرور أو الحزن بسبب رجاء حصول آثار بروق العنایة و خوف فواتها". [13]
8ـ المکاشفة(اللقاء): و هی حاصل میدان النفس، و المکاشفة لقاء القلب مع الحق تعالی. و للمکاشفة ثلاثة علامات: إستغراق القلب فی الذکر و إمتلاء السرّ من النظر و استبصار الضمیر من التحقیق. [14]
9ـ السرور: و هو حاصل المکاشفة. [15]
[1] الهمدانی، علی بن شهاب الدین، مشارب الأذواق، ص 47، طهران، مولی، 1382، الطبعة الثانیة.
[2] الأنصاری، عبد اللَه بن محمد،رسالة المئة میدان، ص 56، قم ، الحظور،5 138.
[3] نفس المصدر، ص57.
[4] نفس المصدر، ص 104.
[5] نفس المصدرف ص105.
[6] نفس المصدر، ص106.
[7] الکیلانی، عبد القادر بن أبی صالح، الفتح الربّانی، ص37، طهران، إحسان، 1386، الطبعة الخامسة.
[8] "من أراد العبادة بعد الوصول فقد أشرک بالله".
[9] المدرسی، سید محمد علی، السماع، العرفان و المولوی، ص178، طهران، یزدان، 1378.
[10] نفس المصدر، ص 178-179.
[11] نفس المصدر، ص 181.
[12] الأنصاری، عبد الله بن محمد، رسالة المئة میدان، ص108.
[13] الهمدانی، علی بن شهاب الدین، مشارب الأذواق، ص 46-47.
[14] الأنصاری، عبد الله بن محمد، رسالة المئة میدان، ص111.
[15] نفس المصدر، ص111-112.