بحث متقدم
الزيارة
8463
محدثة عن: 2009/04/09
خلاصة السؤال
هل أن ملک الموت یقبض روح کل موجود حی؟
السؤال
هل أن ملک الموت یقبض روح کل موجود حی؟
الجواب الإجمالي

الذی یفهم من إطلاق الروایات أن عزرائیل ملک الموت یتربع على القمة بالنسبة إلى الوسائل الإلهیة فی مسألة قبض الأرواح و أنه یقبض جمیع الأرواح للموجودات الحیة.

و لکن الأمر المهم الذی لا بد من معرفته هو أن الله سبحانه هو الذی یقبض جمیع الأرواح بالنسبة للأحیاء جمیعاً و لکنه تعلقت ارادته أن یکون هذا العمل بواسطة ملک الموت أو بوسائط أخرى.

الجواب التفصيلي

جاء فی القرآن الکریم «الله یتوفى الأنفس حین موتها».[1]

إن الله سبحانه یؤکد فی هذه الآیة على أنه هو القابض للأرواح، و حینما قدم المسند إلیه وهو لفظ "الله" على المسند (یتوفى) فمعنى ذلک أنه یرید إفادة الحصر من الکلام، أی أن قبض الروح مهمة إلهیة و حسب.[2]

و فی نفس الوقت نلاحظ فی آیات أخرى أن الله سبحانه یدیر أمور هذا العالم من خلال مجموعة من الملائکة، کما فی قوله تعالى فی الآیة الخامسة من سورة النازعات: «فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا» حیث تعلقت ارادة الله بأن تجری الأمور بأسبابها. و على هذا الأساس هناک مجموعة من الملائکة مأمورة بقبض الأرواح و على رأسها[3] ملک الموت.[4] و إذا انضمت الآیة إلى مثل قوله تعالى: «قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ:» [5]، و قوله: «حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا:» [6] أفادت معنى الأصالة و التبعیة أی إنه تعالى هو المتوفی بالحقیقة و ملک الموت و الملائکة الذین هم أعوانه أسباب متوسطة یعملون بأمره.[7] و کل الأعمال التی تجری فی عالم الوجود إنما هی بید الله، و أما الملائکة فإنهم منفذون لأمر الله.

جاء فی الروایة: َ سُئِلَ الصَّادِقُ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ اللَّهُ یَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ وَ الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ[8] وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ یَتَوَفَّى الَّذِینَ کَفَرُوا الْمَلائِکَةُ وَ قَدْ یَمُوتُ فِی السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ فِی جَمِیعِ الآفَاقِ مَا لا یُحْصِیهِ إِلَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَکَیْفَ هَذَا

و قد أجاب الإمام على ذلک : «إن الله تبارک وتعالى جعل لملک الموت أعواناً من الملائکة یقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس، و یبعثهم فی حوائجه فتتوفاهم الملائکة و یتوفاهم ملک الموت من الملائکة مع ما یقبض هو و یتوفاها الله عز و جل من ملک الموت»[9].

قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فِی قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ یَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ قَوْلِهِ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ وَ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ وَ الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ فَهُوَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى أَجَلُّ وَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ یَتَوَلَّى ذَلِکَ بِنَفْسِهِ وَ فِعْلُ رُسُلِهِ وَ مَلَائِکَتِهِ فِعْلُهُ لِأَنَّهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ فَاصْطَفَى جَلَّ ذِکْرُهُ مِنَ الْمَلَائِکَةِ رُسُلًا وَ سَفَرَةً بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ وَ هُمُ الَّذِینَ قَالَ اللَّهُ فِیهِمْ اللَّهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ فَمَنْ کَانَ مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ تَوَلَّتْ قَبْضَ رُوحِهِ مَلَائِکَةُ الرَّحْمَةِ وَ مَنْ کَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْصِیَةِ تَوَلَّى قَبْضَ رُوحِهِ مَلَائِکَةُ النَّقِمَةِ وَ لِمَلَکِ الْمَوْتِ أَعْوَانٌ مِنْ مَلَائِکَةِ الرَّحْمَةِ وَ النَّقِمَةِ یَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِ وَ فِعْلُهُمْ فِعْلُهُ وَ کُلُّ مَا یَأْتُونَهُ مَنْسُوبٌ إِلَیْهِ وَ إِذَا کَانَ فِعْلُهُمْ فِعْلَ مَلَکِ الْمَوْتِ وَ فِعْلُ مَلَکِ الْمَوْتِ فِعْلُ اللَّهِ لِأَنَّهُ یَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ عَلَى یَدِ مَنْ یَشَاءُ وَ یُعْطِی وَ یَمْنَعُ وَ یُثِیبُ وَ یُعَاقِبُ عَلَى یَدِ مَنْ یَشَاءُ وَ إِنَّ فِعْلَ أُمَنَائِهِ فِعْلُهُ کَمَا قَالَ وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ‏»[10]» [11].

و مع أن ملک الموت لا یستطیع أن یقدم على قبض الروح مباشرةً فإنه من الممکن إسناد هذا العمل إلى الله و إلى ملک الموت أیضاً لأن جمیع الأسباب إنما تستمد قدرتها و قوتها من الله سبحانه و تعمل تحت تدبیره و تنفذ أوامره، و کل الوسائل و الوسائط من غیر ملک الموت و التی تعد من جنود ملک الموت، و کما أن العمل یصح إسناده إلى أسبابه المباشرة فکذلک یصح إسناده إلى أسبابه غیر المباشرة، کما یحدث ذلک بالنسبة إلى النصر فإنه ینسب إلى الجنود و القادة و إلى القائد الأعلى و هی نسبة حقیقیة للجمیع.

و بعد هذه المقدمة یمکن أن نصل إلى جواب السؤال القائل بید من تقبض أرواح الموجودات الأخرى من غیر بنی البشر؟.

یقول أمیر المؤمنین کما فی بعض الروایات: «و إنما یکفیک أن تعلم أن الله المحیی الممیت، و أنه یتوفى الأنفس على یدی من یشاء من خلقه و ملائکته و غیرهم»[12].

إذن فالمهم أن نعلم أن هذا عمل الله سبحانه، و إنما یعمله من خلال الوسائل سواء کان ملک الموت أو غیره.

و جاء فی روایة أخرى: «أن رسول الله (ص) لما أسری به إلى السماء، سأل ملک الموت: یا ملک الموت أ کلّ من مات أو هو میت فیما بعد أنت تقبض روحه؟ فقال: نعم... ما الدنیا کلها عندی فیما سخرها الله لی و مکننی منها إلا کدرهم فی کف الرجل یقلبه کیف یشاء، و ما من دار فی الدنیا إلا و أدخلها فی کل یوم خمس مرات (أی فی أوقات الصلاة، على ما فی حدیث آخر».[13]

و من إطلاق هذه الروایة یمکن أن نقوی احتمال أن ملک الموت یقبض جمیع أرواح الموجودات الحیة، بما فی ذلک الموجودات من غیر بنی البشر.

موضوعات ذات صلة:

السؤال 2754 (الموقع: 3036)، عمر الملائکة و موتهم.

السؤال 602 (الموقع: 655)، نوم و موت النفس الإنسانیة.

السؤال 2592 (الموقع: 2519)، الشیطان و الموت.



[1]یتوفى الأنفس حین موتها» الزمر، 42.

[2] الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان (ترجمة)، ج 17، ص 407.

 [3] و ذلک لان المراتب الوجودیة للملائکة متفاوتة فمرتبة عزرائیل(ع) اعلا من مرتبة الملائکة الاخرین الموکلین بقبض الارواح ایضا.

[4] الشیخ مکارم الشیرازی، التفسیر الأمثل، ج 17، ص 140.

[5] السجدة، 11.

[6] الأنعام، 61.

[7] الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان (ترجمة)، ج 17، ص 269.

[8] النحل، 32.

[9] الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 1، ص 136.

[10]الإنسان 20؛ التکویر، 29.

[11] المجلسی، بحار الأنوار، ج 6 ، ص 140، حدیث 1.

[12] المصدر نفسه، حدیث 6، ص 143.

[13] المصدر نفسه، حدیث 2، ص141.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...