Please Wait
5782
قال بعض المفسرين في ذيل الآية المباركة " كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُ"[1]: و المراد بالذين من قبلكم من كان قبل المسلمين من أهل الشرائع و هم أهل الكتاب أعني اليهود لأنهم الذين يعرفهم المخاطبون و يعرفون ظاهر شؤونهم و كانوا على اختلاط بهم في المدينة و كان لليهود صوم فرضه اللّه عليهم و هو صوم اليوم العاشر من الشهر السابع من سنتهم و هو الشهر المسمى عندهم (تسري) يبتدئ الصوم من غروب اليوم التاسع إلى غروب اليوم العاشر و هو يوم كفارة الخطايا و يسمونه (كبّور) ثم إن أحبارهم شرعوا صوم أربعة أيام أخرى و هي الأيام الأول من الأشهر الرابع و الخامس و السابع و العاشر من سنتهم تذكارا لوقائع بيت المقدس و صوم يوم (بوريم) تذكارا لنجاتهم من غصب ملك الأعاجم (أحشويروش) في واقعة (استير)، و عندهم صوم التطوع، و في الحديث: «أحب الصيام إلى اللّه صيام داود كان يصوم يوما و يفطر يوما»، أما النصارى فليس في شريعتهم نص على تشريع صوم زائد على ما في التوراة فكانوا يتبعون صوم اليهود ، ثم إن رهبانهم شرعوا صوم أربعين يوما اقتداء بالمسيح إذ صام أربعين يوما قبل بعثته، و يشرع عندهم نذر الصوم عند التوبة و غيرها، إلّا أنهم يتوسعون في صفة الصوم، فهو عندهم ترك الأقوات القوية و المشروبات، أو هو تناول طعام واحد في اليوم يجوز أن تلحقه أكلة خفيفة.[2]
وقال العلامة الطباطبائي (ره): و المراد بالذين من قبلكم، الأمم السابقة من المليين في الجملة، و لم يعين القرآن من هم، غير أن ظاهر قوله: كَما كُتِبَ، أن هؤلاء من أهل الملة و قد فرض عليهم ذلك، و لا يوجد في التوراة و الإنجيل الموجودين عند اليهود و النصارى ما يدل على وجوب الصوم و فرضه، بل الكتابان إنما يمدحانه و يعظمان أمره، لكنهم يصومون أياما معدودة في السنة إلى اليوم بأشكال مختلفة: كالصوم عن اللحم و الصوم عن اللبن و الصوم عن الأكل و الشرب، و في القرآن قصة صوم زكريا عن الكلام و كذا صوم مريم عن الكلام.
بل الصوم عبادة مأثورة عن غير المليين كما ينقل عن مصر القديم و يونان القديم و الرومانيين، و الوثنيون من الهند يصومون حتى اليوم، بل كونه عبادة قربية مما يهتدي إليه الإنسان بفطرته.[3]
[1] البقرة، 183.
[2] الطاهر بن عاشور، التحرير و التنوير، ج2، ص156؛ وانظر: مصطفوى، حسن، تفسير روشن، ج 2، ص 372، مركز نشر كتاب، طهران، 1380 ش.
[3] العلامة الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص:7-8، نشر جماعة مدرسي الحوزة العلمية، قم، الطبعة الخامسة، 1417هـ.