Please Wait
6645
ذكر العلماء و الفقهاء لإمام الجماعة مجموعة من الشروط من بينها طهارة المولد. مستنيدن في فتواهم هذه الى: اجماع الفقهاء و الاحتياط و الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال.
و لما كانت مفردة "الإمام" تعني المؤتمّ به، إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتاباً، أو غير ذلك محقّا كان أو مبطلا، و جمعه: أئمة. و لما كان إمام الجماعة من تتخذ الجماعة أو الطائفة قدوة تقتدي به، من هنا لايمكن ان يعطى هذا المنصب الديني و المقام الرفيع لمن يتصف بصفة ذميمة و إن لم يكن السبب في تحصيلها، و من هذا المنطلق منعت الشريعة ابن الزنا من التصدي لبعض المناصب الاجتماعية و المعنوية كامامة الجماعة و مرجعية التقليد و...
ثم إن هذا الموقف الصارم من الشريعة لا يقصد به أولاد الزنا كشخص، و إنما المقصود الحقيقي التصدي لتلك الظاهرة القبيحة و الحد من الممارسة غير المشروعة، و التنفير منها حتى لا تتحول الى حالة طبيعية ترتضيها المجتمعات بنحو لا يفرق فيها بين طهارة المولد و الولادة من الزنا، و هذا ما ابتليت به المجتمعات المتحللة اليوم حيث تراها اصيبت بكثير من الامراض النفسية و الاجتماعية بسبب تساهلها في هذه القضية الحساسة جداً.
ذكر العلماء و الفقهاء لإمام الجماعة مجموعة من الشروط من بينها طهارة المولد.[1] مستنيدن في فتواهم هذه الى:
1. الاجماع[2]: فقد اجمع فقهاء الشيعة على اشتراط طهارة المولد لإمام الجماعة و ان لا يكون ابن زنا،[3] أو على أقل تقدير لا يكون معروفا بكونه ابن زنا.[4] فلا يجوز الاقتداء بمن علم كونه ابن زنا.[5]
2. الاحتياط: عد الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف الاحتياط دليلاً ثانياً لاشتراط طيب الولادة لامام الجماعة.[6] و مراده من الاحتياط " قاعدة الاشتغال"؛ بمعنى ان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، إذ لما كان المكلف يعلم باشتغال ذمته بالصلاة و يشك في فراغ ذمته من ذلك التكليف بعد الاقتداء بولد الزنا، فحينئذ القاعدة تكشف بان ذمته ما زالت منشغلة بالواجب، لان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وهذا اليقين بالفراغ غير حاصل عند الاقتداء بولد الزنا، فلا بد لمن يريد ان تفرغ ذمته من الاتيان بالصلاة إما فرادى أو بالاقتداء بإمام تتوفر في شروط إمامة الجماعة.
3. الروايات الكثيرة المانعة من الاقتداء بولد الزنا، منها:
الف. روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: ") لایصلین احدکم خلف المجنون و ولدا الزنا".[7]
ب. و عنه (ع): "ستّة لا يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمُّوا النَّاسَ وَلَدُ الزِّنَا وَ الْمُرْتَدُّ وَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَ شَارِبُ الْخَمْرِ وَ الْمَحْدُودُ وَ الْأَغْلَفُ".[8]
ج. وري عن الامام الباقر (ع) أنه قال: "خَمْسَةٌ لَا يَؤُمُّونَ النَّاسَ وَ لَا يُصَلُّونَ بِهِمْ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ الْأَبْرَصُ وَ الْمَجْذُومُ وَ وَلَدُ الزِّنَا وَ الْأَعْرَابِيُّ حَتَّى يُهَاجِرَ وَ الْمَحْدُود".[9]
فلسفة الحكم:
1. لما كانت مفردة "الإمام" تعني المؤتمّ به، إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتاباً، أو غير ذلك محقّا كان أو مبطلا، و جمعه: أئمة.[10] و لما كان إمام الجماعة من تتخذ الجماعة أو الطائفة قدوة تقتدي به، من هنا لايمكن ان يعطى هذا المنصب الديني و المقام الرفيع لمن يتصف بصفة ذميمة و إن لم يكن السبب في تحصيلها، و من هذا المنطلق منعت الشريعة ابن الزنا من التصدي لبعض المناصب الاجتماعية و المعنوية كامامة الجماعة و مرجعية التقليد و... و هذا ما يستفاد من الكثير من الروايات[11]؛ و ذلك لما تمتاز به تلك المناصب من قيمة و حساسية في الوسط الاجتماعي و الديني. الا ان ذلك لا يعني حرمانه من النجاة يوم القيامة، مثله مثل الانسان الاعمى فانه و ان كان محروما من التصدي لبعض المناصب في الحياة الدينية و الاجتماعية الا ان ذلك لا يعني حرمانه من كل شيء، و لا يعني الحكم بعزلته و وضعه في دائرة الحظر!! كذلك يشبه الى حد ما الانسان كثير النسيان فانه لا يتصدى لمنصب القضاء و إن لم يقترف في حياته أدنى مخالفة؛ و ذلك لان من شروط القضاء قوة الحافظة. فهذه المحروميات تدخل في دائرة الفقه و التقنين و لا علاقة لها بأمر السعادة و الشقاء. و الشاهد على ذلك وضع أبن الزنا في الروايات الى جانب كل من المجنون و المجذوم و...مع أن الجذام و الجنون لم يكونا باختيار اصحابهما.
ان العرف الاجتماعي يعتبر الولادة من الزنا من العيوب و الامور المستقبحة؛ و ذلك لان ولد الزنا حاصل علاقة غير شريفة و ثمرة تقارب مستهجن، و من جهة ثانية أن استعراض تأريخ هؤلاء الابناء يعطي صورة سوداوية عنهم و ان التجربة معهم اثبتت أن مواقفهم على مر التأريخ غير سليمة. كل ذلك يرجح منعهم من التصدي للمناصب الخطيرة التي تتعلق بشؤون الآخرين على المستويين الاجتماعي و الديني و إن لم يكن ابن الزنا هو السبب في حصول تلك القضية.
فإن قيل: لماذا يحمل وزر غيره؟ و لماذا يعاقب على أمر لم يقترفه؟
جوابه: إن نظام العالم قائم على اساس الاسباب و المسببات، فالذي يفقد بصره لابد ان يكون قد تأثر بمجموعة من المؤثرات البيئية أو الوراثية و التي هي في الغالب خارجة عن اختياره و إرادته.
إذن، هناك الكثير من العوامل المؤثرة في نقص الوليد او تكامله و التي اشير اليها في المصنفات المختصة بهذا الشأن، و من هنا وضعت الشريعة الاسلامية مجموعة من الدساتير و التوصيات للحد من وقوع النقص او الخلل في المواليد، من قبيل اختيار الزمان و المكان المناسبين لانعقاد النطفة، و نوعية الغذاء الذي تتناوله الأم أثناء فترة الحمل و..
فقد روي عن الامام الصادق (ع) أنه قال: " الْمِمْرَازُ لا یَطِیبُ إِلَی سَبْعَةِ آبَاءٍ. و قیل لهُ: و أَيُّ شَيْءٍ الْمِمْرَازُ؟ فقال: الرَّجلُ یکتسبُ مَالا منْ غیر حلِّه فَيَتَزَوَّجُ بِهِ أَوْ يَتَسَرَّى بِهِ فَيُولَدُ لَهُ فَذَاكَ الْوَلَدُ هُوَ الْمِمْرَازُ".[12]
أما بالنسبة الى تأثير لقمة الحرام على الانسان و انعكاساتها على روحياته فقد ذكر الكثير من القصص في الكتب الروائية و التأريخية منها قصة شريك بن عبد الله النخعي الجديرة بالمطالعة.[13]
و الجدير بالذكر هنا أن كل ما مرّ من الاسباب لا يمثل العلة التامة؛ فلا يعني ذلك ان الطريق موصد أمام ولد الزنا و لا يمكنه الفلاح بحال من الاحوال؛ و الا يكون تكليفه – شأنه شأن سائر المكلفين- لغواً لا طائل من ورائه، و الحال أننا نرى الشريعة الاسلامية كلفت ولد الزنا باصول الدين و فروعه بلا استثناء قطعاً!! و انما مرادنا مما مرّ أن العوامل البيئية و الوراثية و غيرها من العوامل قد تكون عوامل مساعدة في اختياره لسلوكيات خاصة، لكنها لا تصل به الى حد الالجاء و سلب الارادة منه، بل يمكنه التغلب على تلك العوامل البيئية و الوراثية في جمع مراحل حياته و يبقى حراً في اختيار الطريق الصحيح الذي يريد سلوكه، و من هنا يثاب على الطاعة و يعاقب على المعصية.[14]
2. إن هذا الموقف الصارم من الشريعة لا يقصد به أولاد الزنا خاصة، و إنما المقصود الحقيقي التصدي لتلك الظاهرة القبيحة و الحد من الممارسة غير المشروعة، و التنفير منها حتى لا تتحول الى حالة طبيعية ترتضيها المجتمعات بنحو لا يفرق فيها بين طهارة المولد و الولادة من الزنا، و هذا ما ابتليت به المجتمعات المتحللة اليوم، و من هنا نتفهم الموقف الصارم من هذه القضية في الرواية التالية: "عن أَبِي عبد اللَّهِ (ع) قَال: لا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا غُسَالَةُ الْحَمَّامِ فَإِنَّ فِيهَا غُسَالَةَ وَلَدِ الزِّنَا وَ هُوَ لا يَطْهُرُ إِلَى سَبْعَةِ آبَاءٍ، وَ فِيهَا غُسَالَةَ النَّاصِبِ وَ هُوَ شَرُّهُمَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً شَرّاً مِنَ الْكَلْبِ وَ إِنَّ النَّاصِبَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْكَلْبِ".[15]
[1] شرایع الاسلام، المحقق الحلي، 1373، الطبعة الثالثة، اسماعیلیان، ص 114، ج 1؛ المختصر النافع، المحقق الحلي، مؤسسة مطبوعات دیني، ص 47؛ تحریرالوسیلة، الإمام الخمیني (ره)، ج 1، ص 274، القول في شرایط امام الجماعة؛ توضیح المسائل لمراجع التقليد العظام، مسئله 1453، ج 1، ص 790.
[2] قال المرحوم الشیخ الطوسي (ره) في کتاب الخلاف: لایجوز امامة ولد الزنا و دلیلنا اجماع الفرقة. الخلاف، ص 121، کتاب الجماعة.
[3] العروة الوثقی، محمد کاظم الطباطبائي الیزدي (ره)، المکتبة الاسلامیه طهران، ج 1، ص 797، فصل في شرایط إمام الجماعة.
[4] مستند العروة الوثقی، سید ابوالقاسم الموسوي الخوئي (ره)، ناشر لطفي، قم، 1370، ج 5، ص 400؛ جواهر الکلام، محمد حسن النجفي (ره)، دارالکتب الاسلامیه طهران، الطبعة السابعة، 1392 هـ.ق، ج 13، ص 324.
[5] مستند العروة الوثقی، ج 5، ص 400؛ جواهر الکلام، ج 13، ص 324.
[6] المصادر السابق.
[7] وسائل الشیعة، الشیخ محمد بن حسن الحر العاملي، الطبعة الخامسة، المکتبة الاسلامیة طهران، 1404 هـ.ق، ج 3، ص 397، ح 10785.
[8] نفس المصدر، ج8، ص322.
[9] من لایحضره الفقيه، ج1، ص 378.
[10] مفردات الراغب، ص 20. صحاح اللغة، ج 5، ص 1865. لسان العرب، ج 12، ص 26. المنجد، ص 17.
[11] «خَمْسَةٌ لَا یَؤُمُّونَ النَّاسَ عَلَی کُلِّ حَالٍ وَ عَدَّ مِنْهُمُ الْمَجْنُونَ وَ وَلَدَ الزِّنَا»؛ وسایل الشیعة، ج 8، ص 321 باب وجوب کون الامام بالغا... / الکافي، ج 3، ص 375 باب من تکره الصلاة خلفه / من لا یحضره الفقیه، ج 1، ص 378 باب الجماعة و... / تهذیب الاحکام، ج 3، ص 26 / الاستبصار، ج ،1 ص 422.
[12] الكافي، ج 5، ص 225.
[13] انظر: داستان راستان للشهید المطهري، ج 1، ص 129.
[14] انظر: ترخان، قاسم، سرزنش و توبیخ ولد الزنا به خاطر اعمال آبا و اجداد.= فلسفة ذم ابن الزنا بامور لم يقترفها.