بحث متقدم
الزيارة
6147
محدثة عن: 2009/06/03
خلاصة السؤال
کیف ینسجم وجوب معرفة الامام مع عمل الامام العسکری فی إخفاء أمر الامام المهدی (عج)؟
السؤال
یروی الشیعة أن الامام الحسن العسکری(ع) أمر باخفاء ولادة الامام المهدی(عج) باستثناء المعتمدین من اصحابه؛ فی مقابل ذلک نرى انه روی أنه من لم یعرف إمامه لم یعرف ربه و انه یعبد الها آخر، و لو مات مات على الکفر و النفاق! فلماذا هذا التشدد من قبل الامام العسکری و تعقید الامور على الشیعة؟!
الجواب الإجمالي

تحظى مسالة الامامة فی الفکر الاسلامی عامة و الشیعی خاصة باهمیة کبیرة؛ فمن دون معرفة الامام لایمکن معرفة الله و رسوله حق المعرفة؛ لانه عن طریق الامام و ارشاداته یمکن للانسان أن یصل الى معرفة الله و رسوله على الوجه الصحیح، من هنا نرى أن الکثیر ممن تخلفوا عن معرفة الامام قد اصیبوا بالتیه و الضیاع فی عقائدهم الاخرى.

ثم ان معرفة الامام لاتعنی المعرفة و الرؤیة البدنیة، فهناک الکثیر من الناس ممن کانوا على مقربة من الامام و یرونه وجها لوجه الا انهم لا نصیب لهم فی معرفة حقیقته، و الامر نفسه یصدق بالنسبة للنبی الاکرم (ص) حیث کان هناک الکثیر من الناس ممن عاشوا مع النبی من أمثال أبی جهل و غیره الا انهم لم یعرفوا حقیقة النبی الاکرم (ص)، فی مقابل هؤلاء نرى شخصا آخر کأویس القرنی بالرغم من انه لم یوفق لرؤیة النبی الاکرم (ص) حتى مرة واحدة، الا انه مع ذلک عرف النبی معرفة أثنى علیها النبی الاکرم (ص) نفسه. ان معرفة الامام تعنی معرفة مقامه و منزلته عند الله تعالى و دوره فی عالم الوجود؛ و هذه المعرفة لا تحتاج الى رؤیة الامام و التعایش معه؛ و لقد وفر الامام الحسن العسکری (ع) من خلال ارشاداته و توصیاته الارضیة المناسبة لتحقیق مثل هذه المعرفة عند الشیعة.

الجواب التفصيلي

تحظى الامامة فی الفکر الاسلامی، فنرى القرآن یشیر الى أن مقام الامامة أرقى من مقام النبوة فان الله تعالى بعد ان منح ابراهیم(ع) مقام النبوة بعد الاختبارات و الابتلاءات الکثیرة منحه مقام الامامة"وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهیمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّی جاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتی‏ قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمینَ"[1] من هنا کانت قضیة انتخاب الامام أمراً الهیا و خرجت من دائرة الادراک العقلی، و على هذا الاساس لم یکن الخلاف الشیعی السنی فی مسالة الامامة خلافا فی المصداق کما قد یتصور؛ فتعریف الامامة لدى المدرستین مختلف اختلافا بینا، لان الامامة فی المدرسة الشیعیة مسالة عقائدیة کلامیة و انها تعتبر اصلا من  اصول الدین؛ و تعتقد الشیعة ان تنصیب الامام فعل الهی و انه تعالى هو الذی یعین الامام کما یعین الرسول، الا ان المدرسة السنیة ترى أن الامامة مسالة فقهیة و انها من فروع الدین و ذلک لان الامر یعود الى فعل الامة هی التی تختار من تشاء لهذا المنصب.

و قد اولت الاحادیث الاسلامیة معرفة الامام و منزلته أهمیة کبیرة، فقد روی عن النبی الاکرم (ص) انه قال: " من مات و لم یعرف امام زمانه مات میتة جاهلیة"[2] یعرف من هذه الروایة و غیرها من الروایات التی تحمل نفس المضمون وجوب معرفة الامام؛ لان الفهم الکامل و العمیق للتوحید لایمکن ان یتم –وفقا للتعریف الشیعی- الا ان عن طریق الامامة.[3] فالفهم الصحیح لاصول العقائد الدینیة یحصل عن طریق الامامة، من هنا نرى الکثیر ممن تخلفوا عن معرفة الامام قد اصیبوا بالتیه و الضیاع فی عقائدهم الاخرى.

لکن لابد من تحدید من المراد من تلک المعرفة، فلیس منها المعرفة البدنیة و المواجهة وجها لوجه، کذلک لم یقصد من معرفة النبی رؤیته بالعین الباصرة. بل قد یقال ان المعرفة هذه لیس لها ذلک الدور الفاعل فی المعرفة الحقیقیة؛ فهذا أویس القرنی لم یتیسر له الوصول إلیه(ص) و المرافقة له و لم یره مرة واحدة طیلة حیاته الا انه عرف النبی معرفة اثنى علیها الرسول الاکرم (ص)[4].‏ روى ما نقله اویس" الذی یعد افضل التابعین" عن النبی الاکرم (ص) کل من  المحدثین الشیعة و السنة.[5] و قد وقف هذا الرجل الى جانب أمیر المؤمنین(ع) بعد رحیل الرسول الاکرم (ص) و سار فی رکاب الامام و استشهد معه بصفین. لکن نرى فی مقابل ذلک رجالا کأبی جهل و غیره من المشرکین الذین عایشوا الرسول الاکرم (ص) و شاهدوه عن قرب الا انهم مع ذلک لم یعرفوه حقیقة المعرفة، بل انهم کانوا المبادرین الى حربه و التصدی له بانواع الاذى حتى انهم سعوا مرارا لقتله و القضاء علیه؛ کذلک الامر بالنسبة للامام فهناک من شاهده عن قرب الا انه لم یعرفه المعرفة الحقیقیة بل انهم تحملوا وزر قتله.

اتضح من خلال ما تقدم ان الرؤیة و المشاهدة البصریة لبدن الامام لیس لها ذلک الدور فی الوصول الى معرفة حقیقة الامام؛ و ذلک لان معرفة الامام تعنی معرفة مقام الامام و منزلته عند الله تعالى و معرفة دوره فی عالم الوجود، کذلک معرفة الوظائف و المسؤولیات التی تقع على عاتق الانسان تجاه امامه.

بعبارة اخرى: ادراک ان الامام معصوم و انه وارث النبی و خلیفته و ان طاعته طاعة لله و لرسوله، کذلک یجب رفع کل حجب الشک و الحیرة فی هذا المجال.[6] و معرفة ان الامام و النبی خلقا من نور واحد کما قال (ص): " خُلِقْتُ أَنَا وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مِنْ نُورٍ وَاحِد".[7] و معرفة ان" الإمام عالم لا یجهل راع لا ینکل معدن القدس و الطهارة و النسک و الزهادة و العلم و العبادة"[8]

فلابد من القول أن الامام الحسن العسکری(ع) لم یضع أی حاجز أمام الناس فی معرفة الامام بالمعنى الذی ذکرناه؛ بل انه و لاسباب خاصة وضع بعض الموانع عن رؤیة ولده و خلیفته رؤیة بصریة، و من تلک الاسباب تهیة الارضیة المناسبة و توطین الذهنیة الشیعیة لتلقی فکرة الغیبة بسهولة؛ و الجدیر بالذکر أن هذه الموانع لم تشمل الجمیع بل هناک ممن هم من خواص الشیعة قد توفرت لهم الفرصة فی لقاء الامام و زیارته(عج).



[1] البقرة، 124.

[2] التفتازانْی، سعد الدین، شرح المقاصد فیْ علم الکلام، ج 5، ص 239، الطبعة الاولى، منشورات الشریف الرضی، قم، 1409ه. ق؛ المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 23، ص 76، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ه.ق ؛ الحر العاملی، محمد بن الحسن، اثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 1، ص 112، دار الکتب الاسلامیه، طهران، 1357ش.

[3] المفید، محمد بن محمد النعمان، الحکایات، ص 22، الطبعة الثانیة، دار المفید، بیروت، 1414ه.ق؛ علم الهدی، السید المرتضی، الشافی فی الامامة، ج 1، ص 49، الطبعة الثانیة، مؤسسة الصادق، طهران، 1410ه.ق.

[4] القمی، عباس، سفینة البحار، ج 1، ص 199، الطبعة الثانیة، اسوه، قم،1416ه.ق.

[5] النیشابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم، ج 1، ح 181، دار الفکر، بیروت، بدون تاریخ. 

[6] بحار الانوار، ج 23، ص 93.

[7] القندوزی الحنفی، شیخ سلیمان، ینابیع المودة، ص 256، مؤسسة الاعلمی، بیروت، 1418ه.ق.

[8] الصدوق، عیون اخبار الرضا، ج 1، ص 171، منشورات الاعلمی، طهران، بدون تاریخ.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...