Please Wait
5715
لاریب ان الاستقامة على الطریق الحق أصعب بکثیر من الدخول فیه اول مرة؛ و من هنا نجد الکثیر من الناس الذی ساروا الحق و اعتقدوا به اول الامر لکنهم سقطوا فی اثناء الطریق تراجعوا عن الحق و تخلوا عن اولیائهم، و من بقی ثابتا على المسیر قلیل جدا؛ و ان أول شخص ادعى البابیة بعد الامام الحسن العسکری(ع) و انحرف عن عثمان بن سعید العمری - وفقا للمصادر الشیعیة- هو" ابو محمد الحسن الشریعی" الذی کان من اصحاب الامامین الهادی و العسکری(علیهما السلام)، و بعده جاء الدور لمحمد بن نصیر النمیری الذی هو الاخر من اصحاب الامام الحسن العسکری(ع) حیث انحرف عن المسیر بعد شهادة الامام العسکری و افتضح امره فی نهایة المطاف؛ کذلک انحرف عن المسیر احمد بن هلال الکرخی و ابو طاهر محمد بن علی بن بلال، و غیر هؤلاء الذی انحرفوا فی زمن النواب بعد عثمان بن سعید العمری و قد صدر التوقیع فی لعنهم من قبل الامام (عج).
اما بالنسبة الى الغایة او الباعث الى هذا الانحراف فهناک اسباب کثیرة یمکن الاشارة الى بعضها:
1- ضعف الایمان.
2- التأثر بالافکار المغالیة و بالغلاة.
3- الحرص على کسب المال و استغلال الموارد المالیة العائدة لسهم الإمام.
4- حسدهم للنواب و الوکلاء الحقیقیین للامام (عج)
ان الثبات على الخط و الاستقامة فی الطریق أصعب بکثیر من اصل الدخول فیه، و ان لهذه الاستقامة الاثار الکبیرة فی الحصول على السعادة، فهناک الکثیر من الناس ممن قد اعتنقوا الحق و وضعوا اقدامهم على طریق الهدایة و ارتقوا الى درجات علیا الا انهم سقطوا امام بعض الاختبارات الالهیة و لم تثبت اقدامهم على الجادة زلت بهم عن الطریق، و المثال الواضح لهذا الصنف من الناس هو العالم " بلعم بن باعوراء" الذی وهبه الله تعالى العلم الالهی [1] حتى انه کان- و طبقا لبعض الروایات – مستجاب الدعوة، الا انه وقع امام المغریات و الفتن الدنیویة حتى انجر به الامر لیشبه فی القرآن الکریم بالکلب" وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَث" [2]
و هذا الامر لم یقتصر على اتباع مذهب دون مذهب بل هو جار فی کل المذاهب و الادیان و قد حدث مثله فی اوساط اصحاب الائمة (ع) حیث نجد بعض اصحابهم قد سقطوا امام المغریات و الوساوس الشیطانیة و ضلوا عن جادة الهدایة و الاستقامة و عشوا عن نور أهل البیت (ع) و تاهوا فی ظلمات الانحراف، خاصة فی الحالات التی لم یکن فیها الاتصال بالامام متیسرا بصورة مباشرة. فبعد شهادة الامام الحسن العسکری(ع) و بدایة عصر الغیبة الصغرى و السریة التی اعتمدها الامام العسکری بسبب ضغوط السلطة ظهرت اتجاهات منحرفة و شخصیات مالت عن طریق الحق و الهدایة حیث تصورا انهم فی تلک الاجواء بامکانهم التصید فی الماء العکر و تحقیق مآربهم الدنیویة.
و لقد أشار الشیخ الطوسی [3] و الطبرسی [4] الى عدد ممن تمردوا على طاعة الامام (عج) و نوابه المخلصین و قاموا بتشکیل تکتلات و اتجاهات خاصة بهم.
ذکر الشیخ الطوسی ان اول هؤلاء الشریعی حیث قال: کان الشریعی یکنى بأبی محمد و کان من أصحاب أبی الحسن علی بن محمد ثم الحسن بن علی بعده (ع) و هو أول من ادعى مقاما لم یجعله الله فیه و لم یکن أهلا له و کذب على الله و على حججه (ع) و نسب إلیهم ما لا یلیق بهم و ما هم منه براء فلعنته الشیعة و تبرأت منه و خرج توقیع الإمام (ع) بلعنه و البراءة منه. ثم ظهر منه القول بالکفر و الإلحاد. [5]
و من الملاحظ انه فی زمن نیابة عثمان بن سعید لم یدع البابیة سوى الشریعی خاصة، نعم هناک اشخاص وصفوا بالمذمومین و المنحرفین، کأحمد بن هلال العبرتائی حیث نقل الشیخ الطوسی عن محمد بن یعقوب خروج التوقیع بذمه و لعنه على ید العمری النائب الاول للامام. [6]
الشخص الاخر الذی ادعى البابیة کذبا" محمد بن نصیر النمیری" الذی وصفه الشیخ الطوسی بالقول: کان محمد بن نصیر النمیری من أصحاب أبی محمد الحسن بن علی (ع) فلما توفی أبو محمد ادعى مقام أبی جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان و ادعى له البابیة و فضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد و الجهل و لعن أبی جعفر محمد بن عثمان له و تبریه منه و احتجابه عنه" [7]
و من المنحرفین هو احمد بن هلال الکرخی: کان أحمد بن هلال من أصحاب أبی محمد (ع) فاجتمعت الشیعة على وکالة محمد بن عثمان (رض) بنص الحسن (ع) فی حیاته و لما مضى الحسن (ع) قالت الشیعة الجماعة له: أ لا تقبل أمر أبی جعفر محمد بن عثمان و ترجع إلیه و قد نص علیه الإمام المفترض الطاعة؟. فقال لهم: لم أسمعه ینص علیه بالوکالة و لیس أنکر أباه یعنی عثمان بن سعید فأما أن أقطع أن أبا جعفر وکیل صاحب الزمان فلا أجسر علیه فقالوا قد سمعه غیرک فقال أنتم و ما سمعتم و وقف على أبی جعفر فلعنوه و تبرءوا منه. ثم ظهر التوقیع على ید أبی القاسم حسین بن روح بلعنه و البراءة منه فی جملة من لعن. [8]
و من المنحرفین ایضا" أبو طاهر محمد بن علی بن بلال"حکى أبو غالب الزراری قال: حدثنی أبو الحسن محمد بن محمد بن یحیى المعاذی قال: کان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبی طاهر بن بلال بعد ما وقعت الفرقة ثم إنه رجع عن ذلک و صار فی جملتنا فسألناه عن السبب؟ قال: کنت عند أبی طاهر بن بلال یوما و عنده أخوه أبو الطیب و ابن حرز و جماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال: أبو جعفر العمری على الباب! ففزعت الجماعة لذلک و أنکرته للحال التی کانت جرت و قال: یدخل فدخل أبو جعفر (رض) فقام له أبو طاهر و الجماعة و جلس فی صدر المجلس و جلس أبو طاهر کالجالس بین یدیه فأمهلهم إلى أن سکتوا. ثم قال: یا أبا طاهر نشدتک الله أو نشدتک بالله أ لم یأمرک صاحب الزمان (ع) بحمل ما عندک من المال إلی؟ فقال: اللهم نعم. فنهض أبو جعفر رضی الله عنه منصرفا و وقعت على القوم سکتة. [9]
کذلک ذکر الشیخ الطوسی عددا من المنحرفین فی عصر النواب الاربعة و قد نقل اسماءهم العلامة المجلسی عن کتاب الاحتجاج للطبرسی. [10]
و من خلال المراجعة الى المصادر التاریخیة و امعان النظر فیها یمکن ان نکتشف العلل و الاسباب التی ادت الى الانحراف لدى هؤلاء الافراد، منها:
1- ضعف الایمان و هشاشة الاسس العقائدیة؛ ان الانسان یمر خلال حیاته بعدة من المنعطفات و الاختبارات و المحن المتنوعة و لایخرج من هذه الاختبارات بنجاح الا ثلة من الناس الذی یستطیعون مواصلة طریق الحق و هم ذوو الایمان العالی، اما اصحاب الایمان الضعیف فلاریب انهم یقعون فی الانحراف عاجلا أم آجلا خاصة اذا کانوا من اصحاب المقامات العلیا و الشأن الاجتماعی.
2- التأثر بالحرکات المغالیة، یرى الدکتور جاسم حسین ان المنحرفین فی عصر الغیبة الصغرى من الغلاة و یقول فی هذا الصدد ما مضمونه: ان غیبة الامام ادت الى بسط نفوذ السفراء بصورة تدریجیة. کما انها اصبحت ذریعة لادعاء النیابة عن الامام، و قد حدث هذا فی الغالب من قبل الغلاة فی عصر الغیبة الصغرى... [11] کذلک اشار الى ان مدعی النیابة مقابل عثمان بن سعید لهم علاقات خاصة مع المنحرفین فی عصر الامامین الهادی و العسکری(ع) و یعتقد أن الذین ادعوا الوکالة من قبل الامام المهدی (عج) فی مقابل عثمان بن سعید العمری تأثروا بافکار الغلاة فی عصر الامامین العاشر و الحادی عشر. [12] و هذا یکشف عن ان سلوک هؤلاء المدعین للنیابة کان مخالفا لمنهج الائمة من أول الامر.
3- الطمع بالمال و حب الدنیا؛ یعد هذا الامر من اهم اسباب الانحراف و کان هو السبب فی انحراف الکثیرین الذین ادعوا النیابة زورا و کذبوا على الله و اولیائه، و بما ان اکثر المدعین هم من اصحاب الائمة و کانت تحت ایدیهم مبالغ کبیرة کانوا مکلفین بایصالها الى الائمة او النواب الخاصین، من هنا حاولوا التمسک بالمال و الاستحواذ علیه من خلال ادعاء النیابة الخاصة و فی بعض الاحیان من خلال انکار وجود الامام(ع)؛ فعلى سبیل المثال یذکر الشیخ الطوسی: ان السبب فی انحراف أبی طاهر محمد بن علی بن هلال هو الاموال التی کانت تحت یده و قد امتنع عن اعطائها لنائب الامام کما مر. [13]
4- عامل الحسد و سوء الظن؛ من العوامل التی ادت الى نشوء الانحراف فی اصحاب الائمة هو التفاوت فی المنزلة لدى الائمة فمن هنا نرى ان صاحب المنزلة محسود؛ و هذا الامر ادى بدوره لظهور حالة الکذب فی ادعاء المقام و المنزلة لدى الائمة(ع) من قبل الکذابین حتى انهم ادعوا مقام النیابة الخاصة و انکروا منزلة و مقام غیرهم ممن هو أفضل منهم؛ و من هنا کانت بدایة الانحراف و تدرجت حتى وصلت الى مرحلة ادعاء النبوة و الالوهیة.
هذه بعض الاسباب و العلل فی حدوث الانحراف و هی موجودة فی کل عصر و زمان یتعرض لها کل انسان فی ای لحظة من لحظات حیاته، نسال الله تعالى السلامة منها.
و لمزید الاطلاع انظر:
تاریخ و افکار الحرکة البهائیة، السؤال رقم 985 الرقم فی الموقع 1481.
و منشأ البهائیة و افکارهم، رقم السؤال 1771
[1] القمی، علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، ج 1، ص 248، دار الکتاب، قم، 1367، الطبعة الرابعة.
[2] الاعراف، 176.
[3] الشیخ الطوسی، الغیبة، ص 397، موسسة المعارف الاسلامیة، قم، 1411 ه.ق .
[4] الطبرسی ، احمد بن علی، الاحتجاج، ج 1، ص 11، نشر مرتضی، مشهد، 1403 ه.ق.
[5] شیخ طوسی، الغیبة، ص 397.
[6] المصدر، ص 353.
[7] نفس المصدر، ص 398.
[8] المصدر، ص 399
[9] المصدر، ص 400.
[10] العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 51، ص380، موسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه.ق.
[11] جاسم حسین، تاریخ سیاسی غیبت امام دوازدهم (عج) (التاریخ السیاسی لغیبة الامام الثانی عشر (عج))، ص 147، ترجمة آیة اللهی، محمد تقی، انتشارات امیر کبیر، 1377، الطبعة الثانیة.
[12] نفس المصدر.
[13] الشیخ الطوسی، الغیبة، ص 400.