Please Wait
6831
یضاف إلى ذلک أن اتهام هذا العدد الکبیر الذی أثنى علیه القرآن بالکذب و إخفاء الحقیقة یجعل احتمال الکذب من قبل القلة من الصحابة اشد امکاناً.
یعرف التواتر عادة بانه اخبار جماعة یمتنع تواطؤهم على الکذب کما یمتنع اتفاق خطئهم و اشتباههم. و نحن نعتقد أن النص على إمامة أمیر المؤمنین(ع) و ما یدل على فضائله ثابت بالتواتر، و هذا ما نعتمد فیه على کتب أهل السنة و ما رواه الصحابة من الأخبار. و علیه فروایاتنا لیست مرسلة و منقطعة. و على فرض أننا نشکل على بعض الصحابة فإن هذا الأمر لا یؤثر على مسألة التواتر.
و أما الکفر الذی ینسب إلى بعض الصحابة فلا یعنی الشرک و عبادة الأوثان کما یحاول البعض ان یتهم الشیعة بالقول به، بل هو یعنى کفران النعمة الذی بقی البعض مصراً علیه فی حین عدل الکثیر عن موقفه و بادر إلى جبران ما فرط منه فی الماضی. و على الرغم من ثناء القرآن على الصحابة فی عدة مواقع إلا أنه وبّخهم و أنبهم و لامهم.
إنکم نظمتم سؤالکم حتى یظن أن النتیجة هی نفی فضائل أمیر المؤمنین(ع) و النص على إمامته، و ذلک یستتبع بطلان عقائد الشیعة، و سوف نتابع مفاصل هذا السؤال و ندرسها بنفس الترتیب:
بینتم فی المرحلة الأولى أن الشیعة یعتقدون بأن فضائل علی(ع) ثابتة بالتواتر. و لابد من القول أن هذا الاعتقاد لا یختص بالشیعة فقط، فإذا رجع أهل السنة إلى مصادرهم و کتبهم فإنهم سوف یجدون هذا التواتر واضحاً و جلیاً. و نحن نقول إن الروایات التی نقلها القلة من الصحابة کافیة بالنسبة لنا إذا ما أضفنا إلیها القرائن و الشواهد الأخرى، و لسنا بحاجة إلى التواتر، و لکن على فرض عدم وجود هذه الروایات فی مصادرنا، و حاولنا إثبات ما ندعیه و نعتقده من کتب أهل السنة، فإن ذلک میسور و ممکن لعلمائنا و ذلک لأن ما نرید إثباته متواتر فی تلک المصادر، و أن الجمیع یقبله و یعترف به [1] ، فهل یوجد طریقٌ أفضل من هذا لإثبات أحقیة الشیعة فیما یدعون؟!
و خلاصة القول ، ما ننقله من التواتر فی مباحثنا العلمیة إنما هو مورد قبول و تأیید أهل السنة أیضاً. سواء کان رواته مورد قبولنا أم لا. و إذا رجعنا إلى کتب المنطق نجد أن هذا المنهج هو أفضل المناهج لإثبات ما یدعیه کل مدعٍ. إضافةً إلى ذلک فإن التواتر لا یحتاج إلى قبول الراوی أو عدم قبوله. فإذا کان الراوی مقبولاً و صادقاً فیکفینا «خبر الواحد» فی الوصول إلى النتیجة المطلوبة، و عندها فلا حاجة إلى التواتر. و علیه فالتواتر یجری فی الأمور التی لا نحتاج فیها إلى فحص وثاقة الرواة فرداً فرداً. و إنما کثرة رواة الخبر إلى حد لا یمکن معه التواطؤ على الکذب یبعث على التصدیق و صحة الخبر لاستحالة کون الرواة قد اتفقوا على نقله.
و علیه فإن اعتراضکم یبتنى على أننا نطعن فی رواة الأحادیث و الأخبار المتواترة. و لذلک لا یمکننا الاستناد على التواتر.
و هذا الإیراد لیس منطقیاً، لأننا نثبت مدعانا دون الاعتماد على کتبنا و إنما بالاعتماد على ما ورد فی کتب أهل السنة و ذلک من خلال بحث علمی خالٍ من التعصب. و تلک الروایات تستند إلى الصحابة و هی مورد قبول أهل السنة و تتصف بالتواتر و لا یشوبها أی إرسال أو انقطاع.
و هذا مطابق للقاعدة العقلیة القائلة «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز». فإذا أقدمت مجموعة من العقلاء على تأیید مطلب و مسألة لا تنفعهم و إنما تضر بهم، فإن مثل هذا الإقرار یکون صحیحاً و مقبولاً.
و مثال ذلک لو أنک أقمت دعوى على جماعة فی محکمة ما و قد اعترفوا أمام القاضی بما یؤید دعواک و یصدق قولک، فإذا حکم القاضی لک علیهم بحسب اعترافهم، فلیس للطرف الآخر أن یعترض بالقول أن الخصم لا یعترف بصدقنا و یطعن بمصداقیتنا و إنما یرانا ظالمین و معتدین، و علیه فلست منتصراً فی هذه القضیة.
إن هذا کلام غیر معقول، فالذی یعترف على نفسه و یؤید مدعى خصمه یؤخذ قوله على کل حال.
و إذا نظرت إلى التواتر بهذه الکیفیة فسوف تجد أن استنادنا إلى التواتر أمرٌ صحیح حتى على فرض کون رأینا سلبیاً فی الصحابة لان منکری إمامة علی(ع) و خلافته یعترفون بهذا التواتر.
و أما بالنسبة إلى جواب من یقول أن الشیعة یرون کفر أکثر الصحابة [2] ، فنقول: إن هذا الإدعاء غیر صحیح، و کما قلنا مراتٍ عدیدة، و قد أجبنا عن هذا السؤال ضمن الأسئلة المختلفة [3] . إن الکفر الذی ینعت به بعض الصحابة لیس من قبیل الشرک و عبادة الأصنام، و إنما هو نوعٌ من کفران النعمة، و أن الله سبحانه استعمل هذه المفردة فی القرآن و وصف بها أفراداً مسلمین و متدینین. و على سبیل المثال نقرأ فی تفسیر ابن أبی حاتم أن الصراع کان محتدماً بین قبیلتی الأوس و الخزرج زمن الجاهلیة و قد امتدت آثار هذه الخصومة إلى زمن الإسلام. حیث أثارت ذکریات أحداث الصراع بینهما بعض الأفراد فاستل کل فریق سلاحه فی وجه الآخر، و قد نزل القرآن الکریم إثر هذه الحادثة و تلقى رسول الله الآیة الآتیة: «وَ کَیْفَ تَکْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلَى عَلَیْکُمْ آیَاتُ اللَّهِ وَ فِیکُمْ رَسُولُهُ وَ مَنْ یَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ» [4] . و من المعلوم أن مراد القرآن بالکفر فی هذه الآیة لیس هو الشرک أو عبادة الأوثان لأن الأوس و الخزرج لم یظهروا شیئاً من هذا القبیل، و لکنهم تصرفوا تصرفاً غیر مقبول فاستعمل الله تعالى بحقهم کلمة الکفر. و نجد فی القرآن الکریم الکثیر من الحالات المشابهة لهذه الحالة [5] .
کما أننا نرى العجب فی قولکم أن اتهام عدد کبیر من الأفراد بإخفاء الحقیقة. یجعل احتمال کتمانها من قبل الأقلیة أکثر إمکاناً، لأنه استدلال غریب. لأن النظر فی آیات القرآن یظهر لنا بوضوح أن أهل الحق أقلیة دائماً مع کل ما یقدمونه من دلائل و حقائق و منطقٍ صحیح. و من أجل أن تقفوا على ضعف هذا الاستدلال یمکنکم الرجوع إلى الآیة 14 من سورة الصف و التفاسیر المتعلقة بها. فإن الله سبحانه یقسم بنی إسرائیل بعد دعوة عیسى لهم إلى فئتین مؤمنین و کفار و ذلک بعد عروج عیسى(ع) إلى السماء، و أن أغلب المفسرین یعتقدون أن المؤمنین هم الفئة القلیلة، و لکن بعد مئات السنین و فی زمن ظهور محمد(ص) فإن هذه الفئة القلیلة صارت مورداً للتأیید. [6]
و لو أن ما عرضتم من استدلال صحیح لصح القول أن أکثر المسیحیین کتموا الحقیقة و علیه فإن احتمال کتمان الفئة القلیلة لها أکبر. و لکن الحق هو أن هذه الفئة القلیلة کانت على اعتقاد صحیح و أن القرآن أید صحة اعتقادها. فهل أنهم کتموا الحقیقة!
و ما أدرانا فلعل الأمر یجری کما أخبر الرسول الأکرم(ص) فی حدیثه حینما قال «لتتبعن سنن الذین من قبلکم...» [7] ، و فی نهایة المطاف و بعد مئات أو آلاف السنین فإن عقیدة الأقلیة سوف تظهر و تتجلى لجمیع المسلمین و ذلک حینما یظهر الإمام المهدی(عج). و سوف یؤیدها جمیع المسلمین.
و محصلة القول: إن تبنی الأکثریة لفکر و عقیدة لیس دلیلاً على أحقیتها، و أن انحراف الأکثریة عن فکرة أو عقیدة لا یدل على أن إمکان انحراف الأقلیة عنها یکون أکثر إمکاناً. بطبیعة الحال ان کل هذا منی على التسلیم بان الشیعة تدعی ان الاکثریة انحرفت و هذا ما یحتاج الى بحث و تامل کبیرین.
[1] یمکن الرجوع إلى الکتب التالیة: الغدیر، إحقاق الحق، عبقات الأنوار، و باقی الکتب التی تتحدث عن هذا الموضوع.
[2] اطلاق القول بان الشیعة تنظر الى الصحابة نظرة سلبیة هو افتراء و تهمة، بل الشیعة ترى ان الکثیر من الصحابة هم فی قمة الهرم الایمانی و الاخلاص و الایثار و خدمة الحق.
[3] راجع الأجوبة على الأسئلة رقم: 841 (الموقع: 1072) و 1589 (الموقع: 1970) و 1526 (الموقع: 2470) و 2791 (الموقع: 3500) و 2792 (الموقع: 3275).
[4] آل عمران، 101، ابن أبی حاتم، تفسیر القرآن العظیم، مکتبة نزار مصطفى الباز، المملکة العربیة السعودیة، 1419 هـ ق، ج 3، ص720.
[5] آل عمران، 52 و 167، المائدة 41 و... .
[6] انظر : ابو جعفر محمد بن جریر الطبری، جامع البیان فی تفسیر القرآن، دار المعرفة، بیروت، 1412 هـ ق، ج 28، ص 60. و ابن کثیر الدمشقی، تفسیر القرآن العظیم، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1419 هـ ق، ج 8، ص 139.
[7] صحیح الترمذی، دار الفکر، بیروت، 1403 هـ ق، ج 4، ص 135.