بحث متقدم
الزيارة
6179
محدثة عن: 2009/09/28
خلاصة السؤال
ما هو البرهان الذی حفظ یوسف من الوقوع فی الذنب، و ما معنى قوله تعالى: «لولا أن رأى برهان ربه»؟
السؤال
قال تعالى فی کتابه العزیز فی سورة یوسف و فی خصوص حفظ یوسف من تلبیة طلب زلیخا: «و لقد همت به و هم بها لو لا أن رأى برهان ربه» و السؤال: ما هو البرهان الذی رآه یوسف، و کیف کان؟
الجواب الإجمالي

البرهان معناه الدلیل القاطع المحصل للیقین. و مع أن القرآن لم یصرح بطبیعة البرهان، إلا أنه من المعلوم أن ما شاهده یوسف لیس من قبیل العلوم العادیة. و قد وردت عدة احتمالات فیما یخص البرهان:

1ـ مقام النبوة و عصمة یوسف من الذنب.

2ـ نوع من المدد الإلهی المترتب على الأعمال الصالحة لیوسف.

3ـ الانقلاب النفسی فی داخل یوسف نتیجة لفعل زلیخا عندما غطت الصنم استحیاءً منه رسخ فی نفسه العزم على ترک الذنب .

4ـ معرفة یوسف (ع) بحرمة الزنا و العذاب الإلهی لمرتبکه.

توجد روایة لا سند لها تبین أن یوسف همّ بارتکاب الذنب و لکنه ندم بعد أن رأى برهان ربه، و هذا الکلام لا یتلائم مع مقام النبوة و لا یحظى بالقبول.

الجواب التفصيلي

البرهان من مادة «بره» بمعنى صار أبیضً[1]. و یطلق على کل دلیل قوی و محکم یوجب الانکشاف و یجلب الیقین، و لذلک أطلق القرآن على المعجزة[2] و الحجة القاطعة[3] إسم البرهان. و أما البرهان الذی رآه یوسف فی قوله تعالى «لو لا أن رأى برهان ربه» فمع أن القرآن لم یوضح بشکل کامل طبیعة هذا البرهان، و لکن على أی حال إنه وسیلة من وسائل جلب الیقین، و قد ذکر المفسرون عدة احتمالات حول حقیقة هذا البرهان:

1ـ إن البرهان المذکور لم یکن من قبیل العلم المتعارف، أی العلم بالحسن و القبح و المصلحة و المفسدة، و إنما من قبیل البرهان الذی یریه الله لعباده المخلصین، الذی إذا رأته النفس الإنسانیة تکون على درجة من الطاعة و الخضوع لا یمکن أن تمیل معها إلى الذنب و المعصیة[4].

2ـ البرهان الإلهی یعنی مقام النبوة و کون یوسف معصوماً. کما نقل عن الإمام الصادق(ع) : «آتَیْنَاهُ حُکْمًا وَ عِلْمًا»[5].[6]

3ـ نوع من الإمداد و المساعدة الإلهیة أسعفت یوسف فی هذه اللحظة بسبب أعماله الصالحة و سیرته الحسنة[7].

4ـ هناک روایة[8] تشیر الى انه یوجد فی المکان الذی کان فی یوسف و زلیخا صنم، و بعد أن نظرت إلیه زلیخا خیل إلیها أنه یراقبها و ینظر إلیها شزراً لأنها خانته و لم تحترم إرادته، تقول الروایة: قامت امرأة العزیز إلى الصنم فألقت علیه ثوبا فقال لها یوسف ما هذا قالت أستحیی من الصنم أن یرانا فقال لها یوسف أ تستحیین ممن لا یسمع و لا یبصر و لا یفقه و لا یأکل و لا یشرب و لا أستحیی أنا ممن خلق الإنسان و علمه فذلک قوله عز و جل لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ‏؟». و قد بعث هذا الإحساس قوةً إضافیة فی نفس یوسف و ساعده فی المعرکة الداخلیة التی کانت قائمة بین العقل و الغریزة، حتى یتمکن من مقاومة ضغط الغریزة و صد تدافع أمواجها[9].

5ـ کان البرهان هو الحجة و الدلیل الذی ذکره الله فی مسألة الزنا و معرفة العذاب و العقاب المترتب على ارتکاب هذا العمل[10].

امّا الرّوایات التی لا سند لها و التی ینقلها بعض المفسّرین، و التی مؤدّاها انّ‏ یوسف صمّم على الذنب، و لکنّه لاحظ فجأة حالة من المکاشفة بین جبرئیل أو یعقوب و هو یعضّ على إصبعه، فرأى یوسف هذا المنظر و تخلّف عن اقدامه على هذا الذنب .. فهذه الرّوایات لیس لها ای سند معتبر .. و هی روایات إسرائیلیة انتجتها الذهنیات البشریة الضیّقة التی لم تدرک مقام النبوّة ابدا[11]. أو أنه ولید أفکار المعاندین الذین لا یریدون إدراک مقام النبوة.



[1]مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل،  ج ‏7، ص 179،  مدرسه الامام على بن ابى طالب، قم، 1421 ق‏.

[2]القصص، 32.

[3]النمل، 64.

[4]الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏11، ص 129، دفتر نشر جامعة مدرسی الحوزة العلمیة، قم، 1417، هـ ق‏.

[5]یوسف، 22.

[6]المیبدی، رشید الدین، کشف الأسرار و عدة الأبرار، ج 5، ص 58، منشورات أمیر کبیر، الطبعة الخامسة، طهران، 1371، هـ ش.

[7]مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل،  ج‏7، ص 179. ‏.

[8]الشیخ الصدوق، عیون أخبار الرضا، ج 2، ص 45، منشورات العالم، 1378، هـ ق.

[9]مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل،  ج ‏7، ص 179.

[10]الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج ‏5، ص 343.انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372، هـ ش‏.

[11]مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل،  ج ‏7، ص 183.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280274 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258855 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129655 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115714 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89578 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61080 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60391 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57383 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51662 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47726 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...