بحث متقدم
الزيارة
8037
محدثة عن: 2009/07/14
خلاصة السؤال
هل أن سؤال الامام (ع) من النبی الاکرم(ص) ینافی شمولیة علم الامام و سعته؟ و ما هی حدود علم الامام عند الشیعة؟
السؤال
تعتقد الشیعة بان الامام یعلم ما کان و ما سیکون و لایخفى علیه شیء، و ان علی بن أبی طالب (رض) هو باب العلم؛ و هنا یطرح السؤال التالی نفسه: کیف یجهل علی (رض) حکم المنی و انه ارسل من یسال النبی عن هذا الحکم؟!
الجواب الإجمالي

لایوجد اختلاف بین المسلمین فی ضرورة علم الامام، و انما الاختلاف فی کم و کیف هذا العلم. و ان القدر المتیقن الذی تؤمن به الشیعة فی علم الامام هو ضرورة ان یعلم الامام جمیع العلوم التی لها صلة بمقام الامامة و سعادة البشریة و هدایتها، کذلک لابد ان یکون الامام اعلم من الرعیة. ثم ان الشیعة لا تقول بعلم الامام الذاتی، بل ان لعلم الامام مصادر منها تعلمه على ید النبی الاکرم (ص) و غیرها من الطرق؛ من هنا لا منافاة بین الاعتقاد بعلم الامام و تعلمه على ید النبی الاکرم (ص).

و ذلک: لان النبی الاکرم (ص) هو احد مصادر علم الامام (ع) و سائر الائمة (ع)، هذا اولا.

و ثانیا: ان ارسال المقداد للسؤال من النبی الاکرم (ص) لایدل على عدم علم الامام بالمسالة؛ بل توجد احتمالات اخرى منها ان الامام اراد ان یبین للامة ان علمه من علم النبی الاکرم (ص) و انه لا یقول خلافا لما یقوله(ص)؛ و هناک احتمال اخر هو ان الامام یسعى ان تتعلم الامة علمیة الرجوع الى النبی الاکرم(ص) فی زمان حیاته و لایذهبون الى غیرهم حفاظا على قداسة النبی و منزلته باعتباره هو المرجع العلمی الاکبر.

الجواب التفصيلي

لاخلاف بین المتکلمین المسلمین فی أصل علم الامام، و انما الاختلاف فی کم و کیف هذا العلم. فقد ذهب المتکلمون من غیر الشیعة الى کفایة العلم الاجتهادی القابل للخطأ؛ کذلک لم یعتقدوا بضرورة علمه بکل تفصیلات احکام الشریعة؛ اما الشیعة الامامیة فترى انه لابد ان یکون الامام عالما بالفعل بکل  احکام الشریعة و تفصیلاتها و ان علمه مصون عن الخطأ و انه لابد ان یکون متقدما على رعیته فی العلم و اعلم منهم جمیعا.

حدود و سعة علم الامام

لم یتفق علماء الشیعة على حدود و سعة علم الامام، لکنهم اتفقوا على هو ضرورة ان یعلم الامام جمیع العلوم التی لها صلة بمقام الامامة و سعادة البشریة و هدایتها.

یقول ابن میثم البحرانی أحد متکلمی الشیعة: یجب ان یعلم الامام کل ما یفی بمقام الامامة سواء کانت تلک العلوم من العلوم الدینیة او الدنیویة؛ من قبیل العلم بالاحکام و السیاسات و الآداب و فصل الخصومات. [1]

اما المحقق الطوسی فحینما تعرض لبیان صفات الامام قال:

الصفة الثالثة هی علم الامام بتمام المسائل و الامور؛ یعنی ان العقل یحکم بانه لابد أن یعلم الامام بکل ما یرتبط بمنصب الامامة و مهام الامام من قبیل العلم بالحکومة و الامور السیاسیة و معرفة مصالح و مفاسد امور الناس. کذلک یجب ان یعلم جمیع مسائل الشریعة و الدین؛ لانه یجب ان تتطابق حکم الامام مع الشریعة. [2]

اما السید المرتضى الذی هو من کبار الشیعة فقال: نعوذ بالله ان نوجب على الامام العلم بغیر العلوم التی ترتبط بالولایة و الامامة. [3]

مصادر علم الامام:

من الامور التی یبنغی الالتفات الیها من اجل الوصول الى الاجابة عن السؤال المطروح هی معرفة مصادر علم الامام و ما هی الطرق التی یحصل من خلالها الامام على علومه؟

یظهر من خلال مراجعة الروایات الواردة عن النبی الاکرم (ص) و أهل البیت (ع) ان مصادر علم الامام عبارة عن:

1- عن طریق النبی الاکرم (ص): فمن المعروف للجمیع ان امیر المؤمنین قد تربى فی احضان النبی الاکرم (ص) و تلمذ على یدیه و قد اولاه النبی الاکرم (ص) رعایة خاصة حتى قال: " علمنی رسول الله (ص) من العلم الف باب یفتح لی من کل باب الف باب" [4] .

و روی عن الامام الصادق(ع) انه قال لشخص ساله عن مسالة: "   مَا أَجَبْتُکَ فِیهِ مِنْ شَیْ‏ءٍ فَهُوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص)" [5]

2- الارتباط بالملائکة: ان الاتصال بالملائکة لیس من الامور التی یختص بها النبی فقط، بل ورد فی القرآن الکریم ان غیر الانبیاء کانوا على اتصال بالملائکة مثل مریم بنت عمران، کذلک من الاوصاف التی ذکرت للامام وصف "المحد ّ ث" یعنی من تحدثه الملائکة، یقول الامام الصادق (ع) فی بیان معنى "المحدث":   إِنَّهُ یَسْمَعُ الصَّوْتَ وَ لَا یَرَى الشَّخْص‏. [6]

3- الکتب الخاصة التی تکون تحت اختیار الائمة فقط مثل مصحف فاطمة (ص) و کتاب علی (ع).

4- الالهام: یقول الامام الباقر (ع): " کان علی یعمل بکتاب الله و سنة رسوله فإذا ورد علیه شی‏ء و الحادث الذی لیس فی الکتاب و لا فی السنة ألهمه الله الحق فیه إلهاما " [7] .

علم الامام علی (ع)

ان أعلمیة الامام أمیر المؤمنین من القضایا الواضحة وضوح الشمس و قد اعترف بذلک الجمیع سنة و شیعة، حیث روى الفریقان عن رسول الله (ص) انه قال:" انا مدینة العلم و علی بابها" [8] و لطالما ردد عمر مقولته المعروفة " لو لا علی لهلک عمر". [9]

و من الشخصیات السنیة الکبیرة التی اعترفت بعلم الامام علی، هو الفخر الرازی حیث یرى أن الامام هو الاول فی کل العلوم و لان کبار العلماء قد تتلمذوا على یدی عبد الله بن عباس فی التفسیر و هو بدوره تتلمذ على ید الامام، فلاخلاف بان علیا هو

استاذ العالم بعد النبی الاکرم. [10]

و على هذا الاساس ان ما روته المصادر الشیعیة و السنیة من الامام امیر المؤمنین (ع) قد ارسل المقداد لتعلم حکم "المنی" من الرسول الاکرم(ص) [11] لا تتنافى مع سعة علم الامام؛ و ذلک: لان النبی الاکرم (ص) هو احد مصادر علم الامام (ع) و سائر الائمة (ع)، هذا اولا.

و ثانیا: ان ارسال المقداد للسؤال من النبی الاکرم (ص) لایدل على عدم علم الامام بالمسالة؛ بل توجد احتمالات اخرى منها ان الامام اراد ان یبین للامة ان علمه من علم النبی الاکرم (ص) و انه لا یقول خلافا لما یقوله(ص)؛ و هناک احتمال اخر هو ان الامام یسعى ان تتعلم الامة علمیة الرجوع الى النبی الاکرم(ص) فی زمان حیاته و لایذهبون الى غیرهم حفاظا على قداسة النبی و منزلته باعتباره هو المرجع العلمی الاکبر.

لمزید الاطلاع انظر:

1- علم الائمة بالغیب فی کلام الائمة رقم السؤال فی الموقع 2000 (الموقع: 2166).

2-علم الائمة بالغیب رقم السؤال فی الموقع 3259 (الموقع: ) .

3- دور علم الائمة بالغیب رقم السؤال فی الموقع 2226 (الموقع: ).



[1] البحرانی، میثم بن علی، قواعد المرام، ص 179، الطبعة الثانیة، دفتر نشر الکتاب، 1362.

[2] الطوسی، محمد بن الحسن، الاقتصاد الی طریق الرشاد، ص 192، منشورات مکتبة چهل ستون تهران، قم، 1400 ق.

[3] علم الهدی، السید المرتضی، الشافی فی الامامة، ج 1، ص 164، الطبعة الثانیة، مؤسسة الصادق، تهران، 1410 ق.

[4] الرازی، محمد بن عمر، الاربعین فی اصول الدین، ص 475، الطبعة الاولى، مطبعة دار المعارف العثمانیة، حیدر آباد دکن، 1353 ق.

[5] الکلینی، محمد بن یعقوب، اصول الکافی، ج 1، ص 58، الطبعة الربعة، دار الکتب الاسلامیة، تهران، 1365 ش.

[6] اصول الکافی، ج 1، ص 271.

[7] فروخ الصفار،محمد بن حسن، بصائرالدرجات، ص 235، قم، مکتبة المرعشی النجفی، عام 1404 هـ.

[8] الهندی، المتقی، کنز العمال، ج 13،ص 148، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1409؛ السیوطی، جلال الدین، الجامع الصغیر، ج 1، ص 415، دار الفکر، بیروت، 1401؛ و غیرها من المصادر.

[9] الامینی، محمد حسین، الغدیر، ج 6، ص 93، دار الکتاب العربی، بیروت؛ الایجی، المواقف، ج 3، ص 627، الطبعة الاولى، دار الجیل، بیروت، 1417؛ ابن عبد البر، الاستیعاب، ج 3، ص 1103، الطبعة الاولى، دار الجیل، بیروت، 1412؛ و غیرها من المصادر الکثیرة.

[10] الاربعین فی اصول الدین ، ص 465.

[11] المحقق الحلی، المعتبر، ج 1، ص 115، مؤسسة سید الشهداء، قم، 1364 ش؛ العلامة الحلی، تذکرة الفقهاء، ج 1، ص 54، الطبعة الاولى، مؤسسة آل البیت، قم، 1414 ق؛ ابن حجر، فتح الباری، ج 1، ص 325، الطبعة الثانیة، دار المعرفة، بیروت.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280340 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258959 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129743 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115935 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89635 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61186 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60465 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57425 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51871 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47814 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...