بحث متقدم
الزيارة
6849
محدثة عن: 2009/08/11
خلاصة السؤال
ما الهدف من تعدد الرسل؟
السؤال
لماذا لم یحفظ الله تعالى شرائع الانبیاء السابقین و انما ارسل انبیاءً آخرین لتکمیل الشرایع السابقة؟
الجواب الإجمالي

من تجلیات اللطف الالهی بعباده انه لم یترک أمة من الامم من دون ان یرسل الیهم نذیراً و لم تنقطع سلسلة الانبیاء و الرسل و لم تخل الارض من حجّة. لکن تعدد الادیان و تکاملها یعود الى تکامل البشر فکریا. بعبارة اخرى: ان الوضع الفکری و الاستعداد العقلی للبشریة فی بدء نشوئها یختلف عن الوقت الراهن حیث لم یکن البشر فی تلک العصور السحیقة على استعداد لاستیعاب التعالیم و الدساتیر الدینیة بمستواها الحالی، لذلک لم یکن من المناسب ان یرسل الیهم بالرسالة الاسلامیة الخاتمة التی هی اکمل الادیان و الرسالات لانها اکبر من مستوى ادراکهم، بل ان الحکمة تقتضی ان تتم العملیة بصورة تدریجیة فیاتی کل رسول بما یناسب عصره، و هکذا استمرت القضیة حتى وصلت البشریة فی عصر النبی الاکرم (ص) الى حد من الاستعداد یمکنها من استیعاب تعالیم الدین الاسلامی التی جاء بها النبی الاکرم (ص)، ثم وضعت قضیة حفظ الرسالة و تفسیرها على کاهل الائمة المعصومین (ع). و بهذا توفرت ارضیة بقاء الدین و حفظه و صیانته من الاندثار حیث تتم عن طریق بعض الشخصیات التی عرفت جوهر الدین و حقیقته ثم یقومون بدورهم بنقلها الى غیرهم من الاجیال.

اتضح من خلال ذلک ان احدى علل بعثة الانبیاء اللاحقین هی معالجة التحریف الذی تعرضت له الدیانات السابقة هذا اولا و ثانیا انه لایمکن فصل حفظ الدین عن مستوى الادراک و الاستعداد البشری.

الجواب التفصيلي

من تجلیات اللطف الالهی بعباده انه لم یترک أمة من الامم من دون ان یرسل الیهم نذیراً و لم تنقطع سلسلة الانبیاء و الرسل؛ وذلک لان البشریة اشبه بالمسافر الذی طوى عددا من العوالم خلفه و انه یستقبل فی مسیرته عوالم اخرى، و لایمکن ان یجتاز الانسان هذه العوالم و المراحل من دون مرشد او دلیل الهی یهدیه الى الطریق القویم انطلاق من الوحی الالهی و لقد اشارت الآیات المبارکة الى ذلک بالقول " َ لَقَدْ بَعَثْنا فی‏ کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا " [1] و " وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فیها نَذیر " [2] و   تکشف الآیة التالیة حقیقة استمرار بعث الأنبیاء عبر التاریخ بالدعوة إلى اللّه حیث تقول‏ " ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا " [3] و [4]

و على اساس الآیات الالهیة و الروایات الصادرة عن المعصومین (ع) لاتخل الارض من حجة الهیة و هاد و مرشد ربانی " لَمْ یکُنِ الَّذینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ وَ الْمُشْرِکینَ مُنْفَکِّینَ حَتَّى تَأْتِیهُمُ الْبَینَةُ " [5]   هذه الآیة تشیر إلى قاعدة اللطف التی یتناولها علم الکلام و تقرر أن اللّه یبعث إلى کلّ قوم دلائل واضحة لیتمّ الحجّة علیهم‏. [6]

صحیح ان الادیان الالهیة لم تکن بمستوى واحد من الکمال الا ان المحتوى الاصلی للدعوة عند جمیع الانبیاء- بالرغم من التمایز المکانی و الزمانی و حالات الاقوام و الشعوب- واحد، فکلهم یدعون الناس الى عبادة الله تعالى و اجتناب الطاغوت" وَ لَقَدْ بَعَثْنا فی‏ کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت‏" [7]   فأساس دعوة جمیع الأنبیاء و اللبنة الأولى لتحرکهم هی الدعوة إلى التوحید و محاربة الطاغوت، و ذلک لأنّ أسس التوحید إذا لم تحکم و لم یطرد الطواغیت من بین المجتمعات البشریة فلا یمکن إجراء أیّ برنامج إصلاحی. [8]

اما لما ذا لم یبعث الله تعالى من أول الامر برسالة متکاملة و یحفظها من خلال الانبیاء انفسهم و انما قام تعالى بارسال رسله تترى؟

نقول فی جواب السؤال: یمکن ان نشبه القضیة بما یقوم بها الوالدان فی تربیة الابناء حیث لانراهم یصبون جمیع التعالیم و الارشادات التربویة و الاخلاقیة على الاولاد بصورة مفاجئة و لایتوقعون من الاولاد ان یراعوا جمیع الدساتیر الاخلاقیة و هم فی مراحلهم الحیاتیة الاولى دفعة واحدة، بل یتدرجون معهم فی ایصال المعارف التربویة و یسیرون معهم من مراقاة الى مراقاة اخرى حیث لکل مرحلة شروطها و ظروفها الخاصة الى أن یصل الطفل الى سن البلوغ و یتکامل عقله حینئذ یکلف بجمیع القوانین و الدساتیر الاخلاقیة و التربویة و یجب علیه الالتزام بها جمیعا. [9]

و هذا الامر یجری فی الانسان بما هو انسان فلیس من الممکن ان تحمل البشریة فی مراحلها الاولى( عصر آدم -ع-) برسالة کاملة المعالم و الدساتیر؛ و ذلک لان البشریة مرت بمراحل فکریة متعددة و کلما نما الفکر البشری و ارتقى درجة ترتقی احتیاجاته الفکریة و النفسیة و تتعقد بمستوى المرحلة کما تنمو عنده قابلة الاستعداد لتلقی التعالیم الاشد تعقیداً و العمل بها، و لم یکن الانسان من أول الامر یمتلک ذلک الرقی المعرفی و الفکری.

من هنا اقتضت الحالة التدرّج فی ارسال الانبیاء و الرسل بما یناسب کل مرحلة من تلک المراحل رویدا رویدا و انطلاقا من الایسر نحو الاصعب حتى وصل الانسان الى مرحلة کان بامکانه تقبل الرسالة الخاتمة بکل تعالیمها.

من هنا کانت التعالیم التی جاء بها آدم تنسجم مع تلک المرحلة من النسل البشری. ثم ارتقت تلک المعارف و الدساتیر فی عصر الانبیاء اللاحقین الى أن وصلت الى عصر نبینا الاکرم محمد (ص) حیث اکتملت الرسالة و ختمت الدیانات.

صحیح ان دعوة جمیع الانبیاء هی واحدة تتمثل فی دعوة الناس الى عبادة الله تعالى الا ان الشرائع و القوانین مختلفة فلکل زمان ما یناسبه و تبقى هذه الشریعة نافذة المفعول حتى یبعث النبی اللاحق الذی بشر به الدین السابق، و حینما یبعث الرسول اللاحق و تثبت نبوته بالبراهین و المعجزات حینئذ یجب على جمیع البشر اطاعته والعمل وفقا لما یاتی به من دساتیر.

من هنا و مع مجیئ الدین الاسلامی نسخت جمیع الشرائع السابقة و وجب على اتباعها اتباع النبی الاکرم (ص) و الشریعة الاسلامیة التی هی اکمل الرسالات و الشرائع.

اتضح من خلال ما مر اولا: ان احدى علل بعثة الانبیاء اللاحقین هی معالجة التحریف الذی تعرضت له الدیانات السابقة. و ثانیا انه لایمکن فصل حفظ الدین عن مستوى الادراک و الاستعداد البشری، فبعد نزول الدین الکامل و وجود افراد یستطیعون تلقی تلک الحقائق توفرت الارضیة لبقاء الدین و حفظه وصیانته بین الناس من خلال هؤلاء الافراد المتمکنین من معرفة حقیقة الدین و جوهره و متمکنین من ایصاله الى الاجیال الاخرى.

لمزید الاطلاع انظر:

1- السؤال رقم 1245 (الموقع: 1931) تحت عنوان حقانیة الدین الاسلامی.

2- السؤال رقم 3674 (الموقع: 4029) تحت عنوان حقانیة التشیع.

3- الاستاذ هادوی الطهرانی، کتاب مبانی کلامی اجتهاد ص61 و ما بعدها.

4- الاستاذ هادوی الطهرانی، کتاب بارورها و پرسش ها، سر الخاتمیة، ص33.



[1] النحل،36.

[2] فاطر،24.

[3] المؤمنون،24.

[4] مکارم الشیرازی، ناصر،   الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏10، ص: 455.

[5] . بینه، 1.

[6] انظر: جوادی آملی، التفسیر الموضوعی للقرآن، ج 6، (سیرة الانبیاء فی القرآن)؛ الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏20، ص: 359.

[7] . نحل، 36.

[8] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏8، ص: 181.

[9] انظر: الشهید مطهری، الاسلام و مقتضیات العصر، ج 1، ص 563.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...