Please Wait
11112
قد یقال فی الجواب أن هذا ناشئ من عدم العدالة فی التوزیع والظلم الحاکم فی کثیر من دول العالم. مع أن الکثیر من الدول وضعت خطة اقتصادیة صحیحة انعشت من خلالها اقتصاد شعبها و حسنت حالتهم المعاشیة. و هذا أمر لا یمکن انکاره، مثال ذلک کندا والسوید وسویسرا و... کذلک هناک الکثیر من الدول وضعها الاقتصادی افضل منا فهل هؤلاء یدعون ویتوسلون الله لطلب الرزق الحلال الوافر؟ کلا! وانما اتبعوا خطة اقتصادیة تقوم على العقل و المنطق.
الخلاصة: ماذا تعنی الرازقیة؟ مع الالتفات الى کل ما ذکر، کیف نوجه قضیة العدل الالهی؟ کیف نجیب ادعاء الیهود – نعوذ بالله- بان ید الله مغلولة؟ اللهم إنی اسألک العافیة فی الدین و الدنیا و الآخرة.
صحیح أنا لا نحصر الرزق الالهی فی الثروة و سائر النعم الدنیویة، لکن مع ذلک نعتقد أن الله تعالى قدر، أولا: التفاوت فی رزق الافراد لیکون ذلک وسیلة للاختبار و الامتحان، و ثانیاً: لیتحرک الناس ضمن خطة و برنامج یضعونهما لادارة شؤون حیاتهم بما ینسابها؛ و بطبیعة الحال أن کل انسان أو مجتمع - سواء کان مؤمناً أم کافراً- اذا رسم خطة أفضل لحیاته فانه سیصل الى الهدف بصورة اسرع و باطمئنان أکثر. لکن هذا لایعنی أن اعداد الخطة و رسمها یمثل ضمانة کاملة للوصول الى الهدف، بل هناک عوامل أخرى لها تاثیر فی هذا المجال کالدعاء و طلب البرکة من الله تعالى، فارادة لله تعالى هی التی تجعل بعض الخطط موصلة للهدف، بل احیاناً نجد الباری تعالى یمنح الرزق الوافر لقلیل العلم و المعرفة و للذین لایملکون أی خطة اقتصادیة، و فی المقابل تفشل أدق الخطط والبرامج استحکاماً، لاجل الحد من غلواء غرور البشر و لکی یعرف الانسان أنه لیس هو القوة المطلقة!.و الجدیر بالذکر انه لابد من الالتفات الى ضرورة أن یکون للانسان المؤمن خطة و نظام اقتصادی، الا ان هذا لا یعنی صرف الطاقات و بذل کل الجهود و اعتماد شتى السبل فی مجال جمع الثروة و تکدیس الاموال. لان جمع المال على مستوى الفرد أو المجتمع من دون السیطرة على الشعور الغریزی بحب المال و السعی لجمعه، یجعل الانسان غیر راض عن أی حالة اقتصادیة یعیشها، بل قد ینجر الى نسیان الآخرة و اهمال حقوق الآخرین، فهو یعیش دائماً هم تکدیس ثروته المادیة اکثر فاکثر.
کذلک لایمکن تقییم العدل الالهی من خلال نافذة الرزق الدنیوی فحسب، بل لو أن الله تعالى جعل المؤمنین الفقراء أدنى درجة فی الجنة من الاغنیاء فحینئذ یمکن الشک فی عدله تعالى، فاذا کان تعالى یثیب الفقراء ثواباً جزیلاً على صبرهم و تحملهم فی الدنیا فحینئذ ینسجم ذلک مع العدل الالهی کل الانسجام.
لا یمکن التعامل مع تلک الافکار تعاملاً سلبیاً و اعتبارها أفکاراً شیطانیة تحرق ایمان الانسان وتدمر دینه! بل من المتیقن انها تکون سبباً لتقویة ایمان الانسان وذلک فیما اذا درست دراسة صحیحة و اعتمد فیها الانصاف و التوکل، و من الواضح أن الانسان المؤمن عن وعی و معرفة أدق بالتعالیم الدینیة یکون ایمانه أعمق و منزلته أرفع من غیره.
فی البدایة نشیر الى بعض آیات الذکر الحکیم ثم التأمل فی مضامینها:
قال تعالى فی کتابه الکریم: "مَنْ کانَ یُریدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُریدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْیَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ کانَ سَعْیُهُمْ مَشْکُوراً * کُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّکَ وَ ما کانَ عَطاءُ رَبِّکَ مَحْظُوراً * انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَکْبَرُ تَفْضیلا" [1] .
یکفی التأمل فی هذه الآیات للحصول على إجابة شافیة عن جمیع الاسئلة المطروحة، و لکن مع ذلک سنجیب عنها من خلال ضم آیات و روایات أخرى و توزیع البحث على المحاور التالیة:
1- ما المراد من الرزق الالهی؟
2- هل الرزق الدنیوی منحصر فی الامور المادیة فقط؟
3- هل هناک تضاد و تعارض بین الرزقین الدنیوی و الاخروی؟
4- هل یجب السعی و المثابرة واعداد الخطط و البرامج لتحصیل المال؟ وهل أن الامر ینحصر فی السعی والمثابرة و رسم الخطط فی هذا المجال فقط بحیث تعتبر العامل الاوحد فی تحسین الحالة الاقتصادیة؟
5- هل فی الدعاء والتوسل الى الله تعالى فائدة لتوسیع الرزق الحلال النافع؟
6- هل ان الرزق الالهی الدنیوی لایصل الى غیر المؤمنین؟
7- هل التمایز المعاشی بین الافراد یضاد العدل الالهی؟
و سنجیب عن الاسئلة المطروحة حسب الترتیب:
1- مراجعة القرآن الکریم و دراسة الآیات التی وردت فیه کلمة "الرزق" یکشف لنا أن بعضها استعملت فی الرزق الدنیوی [2] ، لکن المراد من کثیر منها الرزق الاخروی [3] . منها قوله تعالى " وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا لِنَفْتِنَهُمْ فیهِ وَ رِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَ أَبْقى" [4] . وعلى هذا الاساس نعرف أن الرزق رزقان دنیوی و أخروی وکلاهما من الله تعالى.
2- لابد من الالتفات – و کما ذکرتم فی متن السؤال- أن الرزق الدنیوی لا ینحصر فی المال و الثروة التی یمتلکها الانسان، بل لابد من الاهتمام اکثر بکیفیة الاستفادة من تلک الثروة. نشیر هنا الى ثلاثة نماذج مبسطة:
الف: بعض الأسر تسافر مقتصدة فی سفرها فتستعمل وسائط نقل رخیصة و مکان إقامة کذلک و... فتجوب البلاد کلها، ثم تعود و هی محملة باحلى خاطرات السفر و التمتع بالمناظر التی مرت بها. لکن فی المقابل نرى أسرة أخرى تسافر الى خارج البلاد و تبذل من المال الشیء الکثیر الکثیر لکنها تعود محبطة من سفرها و لاتحمل أی خاطرة جمیلة عن ذلک السفر. فأی الأسرتین استفادت من رزقها استفادة صحیحة؟!
ب: لو أن اثنین من الزبائن دخلا المطعم، احدهما مریض و معدم الشهیة و الآخر سالم معافى، فلو فرضنا أنهما طلبا نوعاً واحداً من الطعام فهل یدل الاشتراک بنوع الطعام و التساوی فی بذل المال على أنهما اشترکا فی الرزق الالهی بصورة مستاویة؟!
ج: ایهما اکثر انتفاعا بالحیاة و ملاذها الانسان الذی صرف عمره فی کسب المال و تکدیس الثروة وخرج من هذه الدنیا و قد خلف الملیارات؛ أم ذلک الشخص الذی یعیش حیاة متوسطة الحال فلم یصله میراث او هدیة من احد، لکنه یعیش حیاة مطمئة مستقرة؟! و..
هذه النماذج و المئات غیرها التی یمکنکم رصدها فی المجتمع، تشهد على ان الملاک لیس هو کثرة المال و تکدیسه حتى فی الرزق الدنیوی بل المعیار الکم و الکیف معاً، یعنی وجود الثروة و کیفیة التصرف فیها و الاستفادة منها. لکن ینبغی الالتفات الى ما ذکرنا من الامثلة لایعین أن کل من یملک الثروة لایحسن الاستفادة منها؛ بل ما نرید التأکید علیه انه بالامکان الاستفادة من المال القلیل فائدة اکبر.
3- هل هناک تضاد و تعارض بین الرزقین الدنیوی و الاخروی؟
لابد من القول بانه لاتضاد بین الامرین ذاتاً، ومن النادر ان یحظى الانسان بکلا النعمتین معاً [5] . لکن بسبب وساوس المال و حبائل شیاطین الانس و الجن، یکون المال مانعاً من نیل المقامات المعنویة؛ وهذا ما یشهد به التاریخ حیث نرى أن اکثر اعداء الرسل هم من الاثریاء الذین عبر عنهم القرآن الکریم بالمترفین [6] .
ومن الطبیعی أن الانسان اذا صب جل اهتمامه على جمع المال و الثروة الدنیویة لایستطیع التفکیر بالامور الاخرى.
4- أمر سبحانه وتعالى عباده بالسعی و المثابرة فی کسب الرزق " هُوَ الَّذی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فی مَناکِبِها وَ کُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَ إِلَیْهِ النُّشُورُ" [7] وکذلک اعتبر الامام الصادق (ع) ان :" مِنْ عَلَامَاتِ الْمُؤْمِنِ ثَلَاثٌ حُسْنُ التَّقْدِیرِ فِی الْمَعِیشَةِ ... وَ قَالَ: مَا خَیْرٌ فِی رَجُلٍ لَا یَقْتَصِدُ فِی مَعِیشَتِهِ مَا یَصْلُحُ لَا لِدُنْیَاهُ وَ لَا لآِخِرَتِهِ " [8] . وهناک الکثیر من الارشادات القرآنیة وکذلک الواردة فی کلمات المعصومین تحث على السعی لکسب الرزق وتأمین متطلبات الحیاة والقناعة و الابتعاد عن التبذیر والاسراف، والتی تکشف عن ضرورة وضع برنامج دقیق للحیاة الاقتصادیة على مستوى الفرد والعائلة والمجتمع. نشیر الى بعض النماذج:
الف: قال تعالى " وَ لا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِکَ وَ لا تَبْسُطْها کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً " [9]
ب: قال رسول الله (ص): " مَنِ اقْتَصَدَ فِی مَعِیشَتِهِ رَزَقَهُ اللَّهُ وَ مَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ اللَّهُ " [10]
ج: إِنَّ رَجُلا أَتَى جَعْفَراً (ع) شَبِیهاً بِالْمُسْتَنْصِحِ لَهُ فَقَالَ لَهُ: یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ کَیْفَ صِرْتَ اتَّخَذْتَ الامْوَالَ قِطَعاً مُتَفَرِّقَةً وَ لَوْ کَانَتْ فِی مَوْضِعٍ کَانَ أَیْسَرَ لِمَئُونَتِهَا وَ أَعْظَمَ لِمَنْفَعَتِهَا. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): اتَّخَذْتُهَا مُتَفَرِّقَةً فَإِنْ أَصَابَ هَذَا الْمَالَ شَیْءٌ سَلِمَ هَذَا". [11]
د: قال أَبَانِ بْنِ عُثْمَان: دَعَانِی أَبُو جَعْفَرٍ (ع)، فَقَالَ: بَاعَ فُلانٌ أَرْضَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَکْتُوبٌ فِی التَّوْرَاةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ أَرْضاً أَوْ مَاءً وَ لَمْ یَضَعْ ثَمَنَهُ فِی أَرْضٍ وَ مَاءٍ ذَهَبَ ثَمَنُهُ مَحْقاً" [12]
لیس من الانصاف -مع الالتفات الى کل تلک الوثائق و المستندات الاسلامیة- القول بان الاسلام یحث الناس الى اللامبالات فی أمر المعاش و الدعوة الى عدم رسم الخطط و وضع البرامج الاقتصادیة ترسیخ فکرة الجبر فی اذهانهم باعتبار ان رزقهم قد قدر وحدد مسبقاً فلا داعی الى کل ذلک!! بل العکس هو الصحیح اذ حثت الروایات على العمل و السعی، بل اعتبرت ذلک کالجهاد فی سبیل الله [13] ، بل ورد فی الروایات الحث على الدعاء ایضا لطلب زق فعَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قال:" إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الاَرزاق بین عباده و أَفضل فضلا کبیراً لمْ یُقَسِّمْهُ بَیْنَ أَحَدٍ قَالَ اللَّهُ (وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)"> [14]
و ما یشاع بین الناس من انه " ما من احد مات بسبب الجوع" کلام لا یستند الى دلیل، و لا یمکن ان یکون حجة للمتقاعسین والتنابلة.
لکن یمکن أن یثار السؤال التالی: کیف نوجه الروایات التی یظهر منها أنها مخالفة لما مرّ؟
جوابه: إن تلک الروایات ناظرة الى مجموعة من المواضیع، نشیر الى بعضها:
1- یعد رداً على بعض الافراد کالیهود حیث کانوا یعتقدون أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَغَ مِنَ الاَمْرِ فَلَیْسَ یُحْدِثُ شَیْئا، وترک الامر للناس هم یعملون ما یشاءون [15] . وهو نفس مفهوم قولهم لعنهم الله " ید الله مغلولة" [16] .
و لاریب أن هذه العقیدة فاسدة، بل نحن نعتقد بانه فی الوقت الذی یکون فیه السعی و التخطیط للرزق ضروریاً، الا انه لایمکن إهمال أو إغفال القدرة الالهیة، و دلیلنا أن الله تعالى - و لاظهار قدرته- یفشل الکثیر من الخطط و البرامج الدقیق التی یضعها اصحاب العقول الذکیة، وفی المقابل یجعل النجاح و الرزق حلیف اناس لا یملکون أی قدرة فکریة أو ذکاء عقلی، حیث یمنحهم الرزق الوافر، وقد ورد فی الروایة: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَسَّعَ فِی أَرْزَاقِ الْحَمْقَى لِیَعْتَبِرَ الْعُقَلاءُ وَ یَعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْیَا لَیْسَ یُنَالُ مَا فِیهَا بِعَمَلٍ وَ لا حِیلَةٍ " [17] .
بطبیعة الحال إن هذا الامر لیس على نحو العمومیة و الدوام فلایصح أن یکون ذریعة لعدم التخطیط و الاهمال، بل لابد من الالتفات دائما الى قضیة هی انه لایمکن اهمال القدرة الالهیة.
ب: هناک طائفة من الروایات تؤکد على أن یکون التخطیط و البرنامج الاقتصادی منطلقا من السبل المشروعة و اجتناب غیر المشروعیة کالسرقة، الربا و... فقد ورد فی الروایة:" لیس من نفس إِلا و قد فرضَ اللَّهُ لها رزقها حلالا یأتیها فی عافیةٍ و عرض لها بالحرام منْ وجهٍ آخر فإن هیَ تناولتْ شیئاً من الحرام قاصَّهَا من الحلال الَّذی فرضَ لها". [18]
ج: کثیر من تلک الروایات تنصح بعدم الانهماک فی السعی وراء رزق الحیاة الدنیا الفانیة و اغفال الحیاة الاخرة، بل لابد من الاهتمام بالحیاة الاخرى التی هی الحیاة الدائمة من خلال الاهتمام بالعبادات و التفکیر بعاقبة الامور.
فقد ورد فی بعض الادعیة:"اللهم و لا تجْعَلْ مُصِیبَتَنَا فِی دِینِنَا وَ لا تَجْعَلْ دُنْیَانَا أَکْبَرَ هَمِّنَا و لا مَبْلَغَ عِلْمِنَا". [19]
لماذا؟ لان الانسان هلوع لایشبع فکلما کثرت ثروته طلب المزید، و الشاهد على ذلک الدول التی اشرت الیها – ذات الرفاه النسبی حقاً- فانک لو سألت سکانها لرأیتهم معترضین وغیر مقتنعین بما هم علیه و یطلبون المزید!.
نؤکد مرة أخرى أن الاسلام حث على السعی والتخطیط لتدبیر شؤون الحیاة، لکن و کما یقول الامام الصادق (ع): " َ لِیَکُنْ طَلَبُکَ لِلْمَعِیشَةِ فَوْقَ کَسْبِ الْمُضَیِّعِ وَ دُونَ طَلَبِ الْحَرِیصِ الرَّاضِی بِدُنْیَاهُ الْمُطْمَئِنِّ إِلَیْهَا وَ لَکِنْ أَنْزِلْ نَفْسَکَ مِنْ ذَلِکَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْصِفِ الْمُتَعَفِّفِ تَرْفَعُ نَفْسَکَ عَنْ مَنْزِلَةِ الْوَاهِنِ الضَّعِیفِ وَ تَکْسِبُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ إِنَّ الَّذِینَ أُعْطُوا الْمَالَ ثُمَّ لَمْ یَشْکُرُوا لا مَالَ لَهُم" [20] .
5- اما بالنسبة الى السؤال عن تاثیر الدعاء فی الرزق و هل أن إجابة الدعاء حتمیة و لا تتنافى مع المقدر مسبقاً؟
لابد من القول: بان الدعاء لابد ان یکون مقترناً بالسعی و التخطیط، و الا فلا أثر له، وکما یقول الامام الصادق (ع): " أَرْبَعَةٌ لا یُسْتَجَابُ لَهُمْ: دَعْوَةٌ الرَّجُلُ جَالِسٌ فِی بَیْتِهِ، یقول: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی. فیقال له: أَ لم آمرکَ بِالطَّلَبِ... و رجلٌ کان له مالٌ فأَفسدهُ فیقول: اللَّهُمَّ ارزقنی! فیقال له: أَ لَمْ آمُرْکَ بِالاقْتِصَادِ! أَ لَمْ آمُرْکَ بِالإصْلاح". [21] ولکن لاریب فی استجابة دعاء المؤمنین الذین بذلوا وسعهم وخططوا للحیاة؛ لکن قد یکون الجواب غیر الذی یریده العبد لان الله یعرف مصلحة عبده فیمنحه شیئا آخر غیر ما ساله. مثلا لو فرضنا انه قدر علیه رزقه لکنه یرفع عنه أو عن افراد اسرته المرض او البلاء ( انظر الجواب رقم 3040 فی نفس الموقع:)
اما بالنسبة التى تقدیر الارزاق مسبقا نقول: الرزق رزقان، بعضه ثابت و حتمی و لا أثر للدعاء و السعی فیه؛ و آخر متغیر تابع للسعی و الدعاء و لهما الأثر فی تحقیقه، و لقد اشارت الروایات الى هذا التقسیم منها ما ورد عن الامام الصادق (ع) فی تفسیر الایة 32 من سورة النساء". [22] ( لمزید الاطلاع انظر: السؤال رقم967 فی الموقع)
وعلى کل حال نحن مسؤولون فی جمیع امورنا کتنظیم حیاتنا المعاشیة، نشر الاسلام فی المجتمع و انتصار المسلمین على الکافرین، التعجیل بظهور الامام (عج) و... برفع اکف الدعاء و الابتهال الى الله، لکن تبقى الاجابة مرهونة بالمصحلة و التقدیر الالهی؛ لکن على کل حال سنحصل على ثواب دعائنا.
6- التأمل فی آیات سورة الاسراء التی ذکرت فی بدایة الجواب وکذلک التأمل فی سائر الآیات و الروایات یکشف عن کون رزقه تعالى فی هذه الدنیا یشمل المؤمن و الفاسق والصالح والطالح، وان الرزق هنا لایتوقف على الایمان والدعاء، بل ربما ینال الفاسقون و العصاة اکثر من المؤمنین ومن دون أن یسألوا الله الرزق. لکن النعم الالهیة فی عالم الآخرة تختص بالمؤمنین الذین آمنوا بالله وانصاعوا لاوامره ونواهیه فقط. من هنا لاعجب اذا رأینا الفاسق ثریاً! وهذا ما وقع على مر التاریخ و خاصة فی عصر النبی الاکرم(ص).
7- اذا کان النظر منصباً على هذه الحیاة الدنیا و کان اعتقدنا بان حیاة الانسان منحصرة بهذه الحیاة الدنیا، فلا ریب حینئذ أن هذا التفاوت و الفارق فی الارزاق و النعم لاینسجم مع العدل الالهی، لانه على هذا الفرض یکون نصیب اتباع الدین الالهی ادنى من نصیب اعدائه؛ لکن الاسلام لایرى الدنیا الا قنطرة وسبیلا عابراً الى عالم خالد [23] .
من هنا لا یطلب المؤمنون العدالة فی هذه الدنیا حتى یتزلزل ایمانهم عندما یشاهدون الفوارق الطبقیة و التفاوت فی الارزاق. لمزید الاطلاع على بحث العدالة یمکن مراجعة الجواب رقم2614 و ( 1328من هذا الموقع:1749) .
الجدیر بالذکر أن المفتاح الاساسی لحل هذه الاشکالیة یتمثل فی تغییر نظرتنا للحیاة و ترسیخ الایمان بعالم الآخرة.
[1] الاسراء، 18.
[2] البقرة 2، 22، 57 ، 60 ، 126، 172، 233 و 254 و غیرها من الآیات القرآن یة الکثیرة .
[3] ال حج 50 و 58، الانفال 4 و 74، سبأ 4، الصافات 41، الطلاق 11، غافر 40.
[4] طه،131.
[5] - انظر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی،ج5، ص 57، الحدیث 6، دار الکتب الاسلامیه، طهران، 1365 هـ ش.
[6] الاسراء 16، المؤمنون 33 و 64، سبأ 34، الزخرف 23، الواقعة 45 و ....
[7] الملک،15.
[8] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 17، ص 65، روایت 21996، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 هـ ق.
[9] الاسراء،29.
[10] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 21، ص 553، روایت 27852.
[11] المصدر، ج 17، ص 69، روایت 22010.
[12] المصدر، ج 17، ص 70، روایت 22013.
[13] المصدر، ج 17، ص 66، روایت 22001.
[14] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 5، ص 147، روایت 5، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه ق.
[15] بحار الانوار، ج4، ص95.
[16] المائدة،64.
[17] وسائل الشیعة، ج17، ص48، رقم الحدیث21948.
[18] المصدر، ص45، رقم الحدیث21940.
[19] بحار الانوار، ج2، ص63، الحدیث11.
[20] وسائل الشیعة، ج 17، ص 48، روایت 21950.
[21] المصدر، ج 7، ص 124، روایت 8908.
[22] المصدر، ج 17، ص 45، روایت 21940.
[23] غافر 39؛ الرعد 26؛ آل عمران 14 و 185؛ التوبة 38 و .....