بحث متقدم
الزيارة
8693
محدثة عن: 2008/01/22
خلاصة السؤال
هل الغایة من «ستة أیام» التی ذکرت فی الآیات القرآنیة، هی الأیام الطبیعیة التی تنقسم الى (24) ساعة؟
السؤال
کنت أناقش ذات یوم صدیقی المسیحی حول ما جاء فی الانجیل والقرآن فی مسألة الخلقة. جاء فی الانجیل أن الله خلق الأرض فی ستة أیام و خلق سیدنا ادم فی الیوم الاخیر (السادس) .هل القرآن أیضا یؤید هذه النظریة؟
هل ماعٌبر عنه القرآن بـ(ستة أیام) یشیر الى أیام أطول من الایام الطبیعیة (24ساعة)؟ و طبعاً صدیقی المسیحی لا یقبل هذا المضمون معتبرا أن المعنى الدقیق هو الیوم الطبیعی (24ساعة) فیا حبذا لو تشرحون لی رؤیة الاسلام حول هذه المسألة؟
الجواب الإجمالي

ذکرت فی القرآن الکریم المدة التی خلقت فیها السماوات و الارض و عبر القرآّن عنها بـ(ستة ایام)دون ان یشیر الى خَلقْ ادم فی الیوم السادس او یخبر عن تفاصیل ما فعله الله تعالى فی کل یوم.

یبدو أن المراد من تعبیر(ستة ایام ) هو ستة مراحل، کما ان (الیوم) بهذا المعنى ًاستعمل فی آّیات قرآنیة اخرى و روایات عن الائمة و اکثر الشعراء و الادباء من استعمال هذا المعنى فی کلماتهم و اشعارهم. فلذلک یمکن ان السماء و الارض کانتا قد خلقتا قبل ملایین أو حتى ملیارات السنین و هذا ینطبق على خلق آدم أیضاً. و هذه ما تؤکدها اکتشافات علم الآّثار من دراسة بقایا اجزاء البشر الاولی التی تعود الى قبل ملایین السنین. و طبعاً عندما یقال أن نبی الله آدم ُخلقَ قبل ستة أو سبعة الاف سنة لایستحیل أن یکون المقصود منه هو النشأة البشریة الحدیثة التی تبدأ من آدم فلربما الاف الأجیال البشریة سبقت هذه النشأة الحدیثة و خلت.

الجواب التفصيلي

جاء فی القرآن الکریم و التوراة ان السماوات و الارض ُخلقت فی ستة أیام[1] الا أن:

القرآن المجید لم یشر الى تفاصیل ما فعله الله تعالى فی کل یوم[2] بینما الکتاب المقدس أشار الى تفاصیل هذه الافعال[3] هذا اولا، و ثانیاً: لم یشر القرآن الى ان الله خلق آدم فی الیوم السادس.

ثم هل المقصود من (الیوم) فی الآیة الکریمة: «و لقدخلقنا السماوات و الأرض و ما بینهما فی ستة أیام»،[4] هو الیوم الطبیعی (24ساعة) أم ...؟

فنقول: من الواضح أن اللیل و النهار، اللذین ینشآن من حرکة الأرض حول مدارها و أمام شعاع الشمس، لم یکونا فی بدایة الخلیقة کما علیه الان و ذلک لأنه لم تخلق الشمس و لا الارض فی تلک المرحلة. فاذن لایمکن القول ان المقصود من (الیوم) هی حرکة الأرض حول مدارها و ان یمکن أن نجعل الیوم الطبیعی (24ساعة) یوماً مماثلاً له.

و لکن بما أن الاکتشافات العلمیة الحدیثة تشیر الى أن السماء و الأرض تحولتا الى ما نشاهده حالیاً بعد ملائین السنین فلا داعی الى أن نساوی بین (الیوم) و (الیوم الطبیعی) سیما ان مفردة الیوم لها مفهوم واسع و معانی عدیدة و هی قد استعملت و ما زالت تستعمل فی مفهوم "المرحلة" و "عهد من الزمن" سواءً کانت تلک المدة قصیرة أو طویلة کآلاف السنین بل ملائین السنین.

فعلى سبیل المثال القرآن عٌبر عن الحشر "یوم القیامة" بینما الاخرة و الحشر مرحلة طویلة جداً حیث أنه جاء فی القرآن نفسه: «تعرج الملائکة و الروح الیه فی یوم کان مقداره خمسین ألف سنة».[5]

اذن على أقل التقادیر لم تؤید الآیات القرآنیة التساوی بین "الیوم" و الـ "24 ساعة" هذا بالاضافة الى أن مفردة "الیوم" استعملت على لسان عامة الناس و الشعراء و الأدباء و حتى أئمة الدین فی معنى "المرحلة" (طویلة کانت أم قصیرة)، کماقال أمیر المؤمنین علی (ع): «الدهر یومان، یوم لک و یوم علیک».[6]

و علیه أنشد کلیم الکاشانی:

مرارة الحیاة لم تکن أکثر من یومین

و أقولها لک یا "کلیم" کیف أنها أنقضت

یومٌ هوى قلبی لهذا و ذاک

و الیوم الأخر بمفارقتی لهذا و ذاک[7]

کذلک علماء اللغة فسٌروا مفردة الیوم بمفهوم واسع: فمثلاً راغب الأصفهانی یقول: الیوم یعٌبر به عن وقت طلوع الشمس الى غروبها و قد یعبٌر به عن مدة من الزمان أیٌ مدة کانت.[8]

نستخلص مما ذکرناه: أن الله تعالى خلق السماوات و الأرض فی ستة مراحل متتالیة و ان بلغت هذه المراحل الاف بل ملایین السنین و لاتتعارض الآیات القرآنیة و الأکتشافات العلمیة فی هذا المجال.

و کذلک لو أننا فسٌرنا ماجاء فی الکتاب المقدس من "الیوم" بـ "المرحلة"، کما أن المفردة تحتمل هذا التفسیر، فأنه لایحصل هذا التناقض فی العبارة.[9]



[1] قد وردت هذه المسألة فی سبع آیات من القرآن الکریم: الأعراف،54؛ یونس،3؛ هود، 7؛ الفرقان، 59؛ السجدة، 4؛ ق، 38؛ الحدید، 4.

[2] ان الآیات الکریمة 1، 12 من سورة فصلت هی المورد الوحید فی القرآن الکریم الذی ذکر فیه بعض التفاصیل من خلق الأرض و تقدیر الأرزاق فیها فی أربعة أیام و کذلک خلق السماوات فی یومین، و قد أستند بعض المفسرین على هذه الآیات الکریمة لتخمین مراحل الخلقة بشکل احتمالی. لاحظ: تفسیر نمونه،ج 6، ص 202.

[3] الکتاب المقدس،سفر التکوین، الباب الأول رقم 1، 31.

[4] ق ، 38.

[5] المعارج، 4.

[6] نهج البلاغة، ص 546.

[7] کلیم الکاشانی. نقلاً عن تفسیر نمونة،ج 6،ص 202.

[8] مفردات الفاظ القرآن، مصطلح "یوم".

[9] للاطلاع أکثر لاحظ: بحث فی الاعجاز العلمی فی القرآن، محمد علی رضائی، ص 105، ۱۲۶.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هی العلة فی انقسام الجلاتین على محلل و محرم؟
    8241 الحقوق والاحکام 2010/12/21
    الجلاتین مادة غذائیة لها عدة أنواع، بعضها حلال و بعضها الآخر حرام. و حرمته و حلیته منشأوها حرمة و حلیة المواد الأولیة التی تدخل فی صناعته، فإذا کانت المواد الداخلة فی صناعة الجلاتین مواداً نباتیة ففی مثل هذه الحالة تکون جمیع أقسامه حلالاً سواء المصنعة ...
  • هل ان دین المجتمع قابل للتغییر؟
    7382 الکلام الجدید 2007/04/23
    ابتداءً یجب توضیح المراد من السؤال، فقد یمکن ان یراد من التغییر فی دین المجتمع هو التغییر فی - أصل الدین الالهی الحق- الذی اختاره المجتمع، و فی هذا الفرض یکون الحدیث عن ثبات و عدم ثبات العناصر الدینیة، و عن مسألة المعرفة الدینیة و قبضها و بسطها، و قد ...
  • لو کانت المشاکل تعالَج بالدعاء فما هو دورنا فی الحیاة؟
    8422 النظریة 2010/11/09
    إن الاسلام، دین التوفیق بین الظاهر و الباطن، و بین الأمور المادیة و المعنویة، ففی نفس الوقت الذی یعتبر اللهَ مرسل الریاح و السحاب، و أنه عز وجل موجد القوانین الطبیعیة لنزول المطر، و لکنه أیضاً یجعل إیمان الناس و تقواهم السبب فی نزول المطر
  • لماذا لازال شقّ الکعبة یُشاهَد رغم أن بناءها شیّد عدة مرات؟ ألیس لهذا الشقّ سببٌ آخر کالزلازل او تحرک الارض؟
    8168 تاريخ بزرگان 2010/11/09
    تؤکد الروایات التاریخیة و المصادر الإسلامیة أن الکعبة بنیت على ید نبی الله آدم (ع) ثم تضرّرت فی طوفان نوح، و جدّد بناؤها على ید إبراهیم الخلیل (ع)ثم بناها بعده قوم من العرب قبیلة جرهم، و بعده هدّمها الدهر مرة أخرى، فجدد بناءها للمرة الثالثة ...
  • ما هی مواصفات الدین المرسل؟
    7083 الفلسفة الدین 2007/07/08
    1- یتعدد الدین المرسل فی ضوء تعدد رسل السماء.2- ان الدین المرسل نتیجة لحاجة الإنسان إلى رسالة السماء.3- ان النقل بمواصفاته المحددة، هو الذی یوصلنا إلى الدین المرسل، و حین یکتشف العقل شیئاً یتطابق مع ما یقرره النقل فی الدین المرسل، فمن الممکن ان یکون الدلیل النقلی إرشادیاً.4- حیث انه ...
  • ما الوجه فی تسمیة بنی إسرائیل بالیهود؟
    6813 الکلام القدیم 2012/02/14
    یختلف الباحثون فی بیان السبب و الوجه فی التسمیة بالیهود، فمنهم من ذهب الى القول أن الیهود تعنی المهتدی حین تابوا من عبادة العجل فی زمن موسى ...
  • هل اجمع الفقهاء على الوجوب التخییری لصلاة الجمعة؟
    7340 الحقوق والاحکام 2011/04/18
    من الواضح ثبوت وجوب صلاة الجمعة تعیینا فی عصر حضور المعصوم (ع) و توفر الشروط الاخرى و انتفاء التقیة. و لکن وقع الخلاف فی نوعیة وجوبها فی عصر الغیبة، و یمکن القول ان مشهور الفقهاء ذهبوا الى الوجب التخییری. بل قد ادعی علیه الاجماع من ...
  • شخص یغنّی مع إشخاص یرقصون، فهل یعتبر هذا من مصادیق الغناء؟
    5308 الحقوق والاحکام 2010/11/09
    الغناء هو عبارة عن الصوت المقترن بالترجیع و الطرب و المناسب لمجالس اللهو و المعصیةٰ فالقراءة بهذا الشکل و الاستماع إلیها حرام.[1]و طبقاً لهذا التعریف للغناء فما ذکر فی سؤالکم یعتبر من مصادیق الغناء.و للإطلاع ...
  • هل أن القرآن یفضل الجنس الابیض على سائر الاجناس (الصفر، الحمر، السمر والسود)؟
    6858 التفسیر 2010/10/21
    إن آیة 106 من سورة آل عمران کباقی الآیات المتشابهة لا ترید أن تقول إن حظ الجنس الأبیض من القیم الإنسانیة أوفر من باقی الأعراق. و أساسا لا علاقة لهذه الآیات بلون بشرة الناس، و إنما هی تستخدم الاصطلاحات الدارجة فی لغة القرآن أی اللغة العربیة. ...
  • هل یجب تطهیر الشیء الذی سرى الیه عرق الجنب من الحرام؟
    5535 الحقوق والاحکام 2010/06/28
    طرحنا السؤال المذکور على مکاتب المراجع العظام فکانت الاجابة بالنحو التالی:مکتب آیة الله العظمی السید الخامنئی (مدظله العالی):عرق الجنب من الحرام طاهر.مکتب آیة الله العظمی السیستانی (مدظله العالی):عرق الجنب من الحرام لیس بنجس.مکتب ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281788 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    262994 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130710 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    119748 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90649 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62368 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    62262 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    58126 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53922 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    50361 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...