بحث متقدم
الزيارة
6462
محدثة عن: 2010/07/15
خلاصة السؤال
لماذا لم تشرع سورة التبوبة بالبسملة؟ وهل سقطت آیات منها؟
السؤال
لماذا لم تبدأ سورة التوبة بـ (بسم الله الرحمن الرحیم)؟ و هل صحیح ما یقال من أن مصحف ابن مسعود توجد فیه (بسم الله الرحمن الرحیم) فی بدایة سورة التوبة؟ و أن 157 آیة محذوفة من بدایة هذه السورة، و أن سورة التوبة کانت بقدر سورة البقرة قبل الحذف؟ (انظر صفحة 183 من کتاب الإتقان).
الجواب الإجمالي

ذکر المفسرون عدة أسباب لعدم ابتداء سورة التوبة بـ (بسم الله الرحمن الرحیم) منها:

1- إن سورة التوبة و سورة الأنفال تعدان سورة واحدة، لأن سورة الأنفال تحدثت عن  العهود و سورة التوبة لرفعها.

2- إن (بسم الله) تدل على الأمان و الرحمة، و لکن سورة براءة لرفع الأمان، و لذلک رفعت البسملة من هذه السورة.

وبما أن القرآن الکریم أساس الإسلام و المعجزة الإلهیة الکبرى لإثبات نبوة النبی(ص)، و یحظى بأهمیة استثنائیة لدى المسلمین لذلک فإن دواعی نقله و روایته کثیرة بین المسلمین، و کل شیء تکثر دواعی نقله و روایته یکون متواتراً، و ما نقل عن ابن مسعود هو خبر واحد فلا یعتمد علیه و لا یستند إلیه لدى أکثریة علماء السنة و الشیعة، و کذلک فإن حکم العقل و دلالة الروایات تؤکد عدم صحة القول بنقص آیات القرآن الکریم.

الجواب التفصيلي

لم نعثر فی کتاب الإتقان للسیوطی على روایة تدل على حذف (بسم الله الرحمن الرحیم) و آیات أخرى من سورة التوبة، و لکن مضمون مثل هذه الروایة موجود فی بعض کتب السنة الأخرى و یمکن القول فی جواب ذلک:

إن هذا السؤال ینقسم إلى قسمین:

القسم الأول: لماذا لم تبدأ هذه السورة بالسملة؟

و قد أجیب عن هذا القسم من السؤال بجوابین:

1- بدئت بالبراءة- من قبل اللّه- من المشرکین، و إعلان الحرب علیهم، و اتباع أسلوب شدید لمواجهتهم، و بیان غضب اللّه علیهم، و کل ذلک لا یتناسب و البسملة "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ" الدالة على الصفاء و الصدق و السلام و الحب، و الکاشفة عن صفة الرحمة و اللطف الإلهی. [1] یقول الإمام علی(ع) فی هذا المورد: « لم تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ على رأس سورة« براءة» لأنّ بسم اللّه للأمان و الرحمة و نزلت براءة لرفع الأمان و السیف فیه» [2] .

2- أن سورة براءة- فی الحقیقة- تتمة لسورة الأنفال، لأنّ الأنفال تتحدث عن العهود، و براءة تتحدث عن نقض تلک العهود [3] ، فلم تذکر البسملة بین هاتین السورتین لارتباط بعضهما ببعض. و قد ورد عن الإمام الصادق (ع) هذا المعنى أیضا. ورد عن الإمام الصادق فی روایة «الأنفال وبراءة واحدة». [4]

أما بالنسبة لجواب القسم الثانی من السؤال فیما یخص (حذف بعض الآیات من سورة التوبة) فیمکن القول: لو کان هذا الأمر صحیحاً فمعنى ذلک وقوع التحریف فی القرآن الکریم (تحریف النقصان) فی حین أن المشهور و المعروف بین المسلمین عدم وقوع التحریف فی القرآن بأی شکل من الأشکال، و أن القرآن الذی بین أیدینا الآن هو القرآن النازل من السماء على النبی محمد(ص)، و قد طرح العلماء براهین وادلة کثیرة فی رد التحریف و إبطاله، نشیر إلى بعض منها:

1- الدلیل الأول: العقل، حیث تثبت سلامة القرآن الکریم من التحریف من خلال المقدمات التالیة:

أ) إن الله الحکیم أنزل القرآن لهدایة البشر.

ب) إن هذا الکتاب آخر الکتب السماویة، و أن حامله آخر الرسل المبعوثین من الله تعالى.

ج) فإذا حرف هذا الکتاب فلا وجود لکتاب سماوی آخر و لا نبی یأتی لیرشد الناس و یهدیهم، مما یؤدی إلى ضلال الناس و تشتتهم و حیرتهم، دون أن یکون التقصیر من قبلهم.

د) إن هذا الضلال المفتروض لا یتناسب مع ساحة القدس الإلهیة لخالق العالم، و هو مخالف لحکمة الله فی هدایة البشر، إذن فالقرآن مصون من أی نوع من أنواع التحریف و التغییر. [5]

2- الدلیل الثانی من القرآن نفسه، حیث أکدت آیاته على حفظه من التحریف کما فی قوله تعالى: «إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وِ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» [6] و هذه الآیة الکریمة تدل دلالة صریحة على أن القرآن مصون و محفوظ من التحریف، و إنه سیبقى کذلک إلى الأبد، و أن الطواغیت و الجبابرة لا یمکنهم أن یمدوا ید العبث و الخیانة إلى القرآن لیزیدوا فیه أو ینقصوا منه. [7]

و قد یقال: من این نعلم ان هذه الایات نفسها غیر محرفة؟

جوابه: لو کانت هذه الآیات محرفة فإنه من نوع تحریف الزیادة و هذا ما لم یقبله أی عالم من علماء المسلمین، و حتى القابلین بالتحریف لم یقولوا بتحریف هذه الآیات، و لم یعدوها من الآیات المحرفة، إضافة إلى ذلک، فإن تحریف الآیات مورد البحث یدل على خلاف مقصود المحرفین، إضافة إلى أن قیاس سبک هذه الآیات و مستواها بالنسبة إلى ما قبلها و بعدها من الآیات یدل على الانسجام و وحدة المحتوى و الدلالة على جمیع جوانب الإعجاز فی القرآن الکریم مما لا یترک أی شک فی کون هذه الآیات من القرآن الکریم. [8]

3- حدیث الثقلین المنقول بالتواتر لدى الشیعة والسنة [9] إن القول بالتحریف یستلزم عدم وجوب التمسک بالکتاب المنزل لضیاعه على الأمة بسبب وقوع التحریف، و لکن وجوب التمسک بالکتاب باق إلى یوم القیامة، لصریح أخبار الثقلین، فیکون القول بالتحریف باطلا جزماً. أی أن هذه الروایات دلت على اقتران العترة بالکتاب، و على أنهما باقیان فی الناس إلى یوم القیامة. کما یفرض ویوجب التمسک بالکتاب والعترة، حیث أمر النبی الأکرم(ص) الأمة بالتمسک بالکتاب والعترة وعدم التفرقة بینهما و الاهتداء بهما.

و لازم هذا الأمر النبوی أن القرآن النازل على قلبه الشریف هو القرآن الموجود عند الناس؛ لأن القول بفرض التحریف یسقط الکتاب من الاعتبار، و لم یکن هادیاً للناس، و لا معنى للقول بالتمسک به. و لکن وجوب التمسک و اتباع القرآن کلام صریح فی حدیث الثقلین فسیبقى القرآن السالم من التحریف شاخصاً بین أبناء الأمة إلى یوم القیامة. [10]

4- الدلیل الرابع، الروایات الکثیرة الصحیحة السند التی تشیر إلى مقام القرآن و أثره فی هدایة الناس و أنه معیار و میزان للصحیح و الخطأ مما یطرح من أفکار و آراء، و تؤکد الروایات أن کل ما لایتفق مع القرآن الکریم فهو مردود و مرفوض، إضافة إلى الروایات الأخرى التی تثبت الآثار الفقهیة للقرآن لاکریم. و مع افتراض التحریف فی القرآن الکریم فلا یمکن أن یکون له دور فی هدایة الناس، و لم یصلح میزاناً لمعرفة الصحیح من الخطأ، و لم تترتب علیه آثار فقهیة. [11]

5- الدلیل الخامس: وجود الشواهد التاریخیة الدالة على عدم تحریف القرآن. فالقائلین بالتحرف إما أن ینسبوا ذلک إلى الشیخین أو إلى عثمان أو أفراد آخرین بعد عصر الخلافة، و کل هذه الادعاءات الثلاثة لا أساس لها من الصحة و هی باطلة.

فالاحتمال الأول الذی ینسب التحریف إلى الشیخین بعید جداً، و ذلک لأن الشیخین لیس لهما أی هدف أو غرض فی تحریف القرآن، کما أن اهتمام النبی و عنایته الخاصة وتأکیده على حفظ القرآن و تلاوته و کذلک اهتمام الصحابة الکبیر بالحفظ و التلاوة دلیل على أن القرآن المتداول فی أیدی المسلمین محفوظ، و أن حفظه فی الصدور أو بصور أخرى و الدقة فی الاعتناء و الحفاظ علیه و العمل به. فإن هذا الاهتمام و الدقة یرفعان احتمال نسیان کلمة من القرآن أو استبدال کلمة مکان أخرى أو تغییر محلها. کان الناس یولون الاهتمام للأشعار و الخطب فی عصر الجاهلیة فتحفظ بتمامها و تتلى کما هی، فما ظنک بالقرآن الکریم و آیاته الذی یمثل کل شیء بالنسبة لأبناء هذه الأمة، حیث بذلوا الأموال و الأنفس فی إعلاء شأنه و الحفاظ علیه، فکیف یغفلون عن أی جزء منه لیضیع او یحرف؟!

الاحتمال الثانی:

ادعاء أن التحریف وقع فی زمن عثمان بن عفان. و هذا مردود أیضاً؛ لأن الإسلام توسع فی زمن عثمان، فمن غیر الممکن لأی أحد أن ینقص شیئاً من القرآن الکریم، و لو أن التحریف وقع فی عهد عثمان لکان من أقوى الحجج و البراهین التی یرفعها معارضوه بوجهه، و لکان من أقوى أسباب الإدانة التی یرفعها قاتلوه من بعد ذلک، و لم یکونوا بحاجة إلى القول انهم قتلوه علناً لمخالفته سیرة الشیخین، وحیفه فی الأموال و تصرفه فیها بهواه و رغبته.

وأما الاحتمال الثالث: أی وقوع التحریف فی عصر ما بعد الخلفاء، و هذا الاحتمال لم یطرح من قبل احد. و علیه فإن الشواهد التاریخیة تنفی وقوع التحریف فی القرآن الکریم. [12]

للاطلاع یراجع: صیانة القرآن من التحریف السؤال 1575 (الموقع: 2591).

و علیه فإن مثل هذه الروایات ـ على فرض وجودها ـ لا یمکن اعتمادها و لا قبولها.


[1]   مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏5، ص: 51، الطبعة الأولى، قم، مدرسة الامام علی بن ابی طالب، الطبعة الاولى،1421هـ.

[2]   الحاکم النیشابوری، المستدرک، ج2، ص330، دار المعرفة، لبنان، 1406 هـ.ق.

[3]   مکارم الشیرازی، التفسیر الأمثل، ج7، ص273.

[4]   المجلسی، بحار الأنوار، ج89، ص277، ح، مؤسسة الوفاء لبنان، 1404 هـ.ق.

[5]   جوادی الآملی، عبد الله، القرآن فی القرآن، ص315، إسراء، قم، 1381 ش.

[6]    الحجر، الآیة 9.

[7]   الخوئی، أبو القاسم، البیان فی تفسیر القرآن، ترجمة جعفر الحسینی، ص277، دار

لثقلین، طهران، 1384.

[8]   نجارزادگان، فتح الله، التحریف غیر المقبول للقرآن، ص28، مشعر، قم 1384 ش.

[9]   نجارزادگان، فتح الله، التحریف غیر المقبول للقرآن، ص29.

[10]   الخوئی، أبو القاسم، البیان فی تفسیر القرآن، ص211.

[11]    نجارزادگان، فتح الله، التحریف غیر المقبول للقرآن، ص30.

[12]    الخوئی، أبو القاسم، البیان فی تفسیر القرآن، ترجمة جعفر الحسینی، ص180.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...