Please Wait
9314
إن وجود إمام الزمان (عج) و إمامته من مباحث الإمامة الخاصة التی لا یمکن إثباتها بشکل مباشر اعتماداً على الأدلة العقلیة، و لکن بالاستفادة من الدلیل العقلی فی إثبات الإمامة العامة و ضرورة وجود الإمام فی کل زمان، استناداً إلى الروایات و النصوص التاریخیة التی تدل على أن الإمام فی هذا الزمان هو الإمام المهدی (عج) حصراً، هذا هو الطریق الذی یوصلنا إلى المقصد.
إن ضرورة وجود الإنسان المعصوم و الحجة الإلهیة فی کل زمان تعتمد على الأدلة العقلیة المتعددة فی ما یخص الإمامة العامة، فمثلاً إن النبوة و الإمامة نوع فیض معنوی من الله سبحانه و على أساس قاعدة اللطف، فإن مثل هذا اللطف لابد و أن یکون دائماً دون انقطاع.
و أما الروایات الدالة على انحصار وجود الإنسان المعصوم و الکامل فی شخص الإمام المهدی (عج) کثیرة إلى حد لا یمکن معه إنکار مدلولها حتى قبلها الکثیر من مشاهیر علماء أهل السنة و أثبتوها فی کتبهم، و قالوا بشکل إجمالی: المهدی الموعود هو ابن الإمام الحسن العسکری (ع) و قد ولد فی سامراء فی سنة 255 للهجرة، و إنه ما زال على قید الحیاة و لکنه غائب و سیظهر فی یوم من الأیام بأمر من الله.
و إن قبول طول العمر بالنسبة إلى الإمام المهدی (عج) لا تلقى أی لون من ألوان الاستبعاد، لأن الإمام (ع) یستفید من العلوم الإلهیة و الأنماط العلمیة و الطبیعیة فی حیاته مما یؤدی إلى طول عمره من دون ان یتعرض لمرحلة الشیخوخة و انهدام البدن و تفسخ الخلایا. کما أنه لیس من المستبعد أن یحفظ الله سبحانه حجته و یدخره لإقامة العدل و محق الظلم من على وجه الأرض عن طریق استثنائه من العوامل الطبیعیة الظاهریة.
إمامة الإمام المهدی (عج) و وجوده من مباحث الإمامة الخاصة و فی الإمامة الخاصة لا یمکن الاستفادة من الدلیل العقلی بشکل مباشر،[1] و الدلیل العقلی یثبت الإمامة العامة و ضرورة وجود الإمام (ع) فی کل زمان. ففی الإمامة العامة یقام الدلیل و البرهان العقلی على ضرورة وجود الإنسان المعصوم و حجة الله على أرضه، و علیه فإذا دلت الأدلة التاریخیة و الروائیة على ولادة الإمام المهدی (عج) و أنه ما زال حیاً فبالإمکان ضم هذه المقدمة إلى المقدمة الأولى لتکون المحصلة أن الإمام المهدی (عج) هو واسطة الفیض الإلهی الوحیدة فی هذا الزمان و أنه لا یزال حیاً إلى یومنا هذا.[2]
دراسة رکنی الاستدلال:
1- البرهان العقلی على ضرورة وجود الإمام فی کل زمان:
ألف. برهان اللطف: النبوة و الإمامة نوع فیض معنوی من قبل الله تعالى، و بحسب قاعدة اللطف لابد من دوام وجودها، فقاعدة اللطف تقتضی وجود إمام بین ظهرانی المجتمع الإسلامی یمثل محور الحق الذی یمنع المجتمع عن الوقوع فی الخطأ المطلق و إن الجملة التی نقلت عن الإمام الصادق (ع) حیث قال: «إن الله جل و عز أجل و أعظم من أن یترک الأرض بغیر إمام»،[3] یمکن أن تکون إشارة إلى هذا البرهان.
و یمکن إجمال ألطاف الإمام الغائب فی الموارد التالیة:
1. حراسة الدین الإلهی بشکل کلی[4]
2. تربیة النفوس ذات الاستعداد
3. الحفاظ على المذهب
4. وجود القدوة الحسنة المجسدة التی یقتدی بها الناس
ب. برهان العلة الغائیة:
لقد ثبت فی علم الکلام أن لله سبحانه غایة و هدفاً من أفعاله، و حیث إن الله کمال مطلق و لا سبیل للنقص إلى ساحته سبحانه، فإن غایة الأفعال الإلهیة ترجع إلى المخلوقات و أن غایة وجود الإنسان هی وجود الإنسان الکامل أی أن الإنسان کالشجرة التی تکون ثمارها الإنسان الکامل.
ج. برهان الإمکان الأشرف: توجد قاعدة فی الفلسفة تسمى قاعدة الإمکان الأشرف، و مؤدى هذه القاعدة الآتی؛ إن الممکن الأشرف أقدم من الممکن الأخس بلحاظ مراتب الوجود... .[5]
و الإنسان أشرف المخلوقات فی عالم الوجود، فمن المحال أن یصل الوجود، و الحیاة، و العلم، و القدرة و سائر الکمالات الأخرى إلى الأفراد العادیین قبل وصولها إلى الإنسان الکامل و حجة الله فی أرضه.
د. برهان المظهر الجامع: إن هویة الخالق تعالى فی مقام الظهور تغلب علیها أحکام الوحدة، و لا یوجد مجال للأسماء التفصیلیة بالنسبة إلى الوحدة الذاتیة، و من جهة أخرى فإن المظاهر التفصیلیة الظاهرة فی عالم الخارج تغلب فیها أحکام الکثرة على الوحدة. و هنا یقتضی الأمر الإلهی تحقق الاعتدال و عدم غلبة الوحدة أو الکثرة على بعضها البعض، حتى یکون مظهر الحق من جهة أسماء التفصیلیة و الوحدة الذاتیة حقیقة متجسدة و لا تتجسد صورة الاعتدال هذه إلاّ فی الإنسان الکامل.[6]
نکتفی بهذا القدر من الأدلة و نحیل القارئ إلى الکتب المفصلة و الموسعة فی هذا الموضوع.[7]
2- الأدلة التاریخیة و الروائیة على ولادة الإمام المهدی (عج) و حیاته کثیرة جداً، نشیر إلى بعضها على وجه التمثیل:
1-1. اعترف الکثیر من علماء السنة و قبلوا[8] أن المهدی الموعود هو ابن الإمام الحسن العسکری (ع) و أنه ولد فی سامراء عام 255 هـ. و أنه غائب و سوف یظهر فی یوم ما، و أثبتوا جمیع ذلک فی کتبهم.[9]
1-2. إن الإمام الحسن العسکری (ع) أخبر عن ولادة ولده المنتظر قبل أن یولد، و من جملة ذلک ما قاله لعمته حکیمة: «فی لیلة الخامس عشر من شعبان ولد المهدی من نرجس».[10]
یقول أحمد بن إسحاق: «الحمد لله الذی لم یخرجنی من الدنیا حتى أرانی الخلف من بعدی، أشبه الناس برسول الله (ص) خلقاً و خلقاً یحفظه الله تبارک و تعالى فی غیبته، ثم یظهره فیملأ الأرض عدلاً و قسطاً کما ملئت جوراً و ظلماً».[11]
و کذلک أطلع الإمام العسکری (ع) خواصه و أصحابه على ولادة ولده المهدی (عج) بعد أن ولد:
یقول محمد بن علی بن حمزة: «حجة الله على عباده ».[12]
و قال أحمد بن حسن بن اسحاق القمی: عندما ولد الإمام المهدی (عج) أرسل إلی الإمام الحسن العسکری (ع) رسالة جاء فیها: «وُلِدَ لی وَلدٌ، فاکتم هذا الأمر، لأننا لا نعلم به إلا الأقرباء و الأصدقاء».[13]
«وجه إلی مولای أبو محمد (ع) بکبش و قال: عقه عن ابنی فلان، و أطعم أهلک».[14]
1-3. بالإضافة إلى أخبار الإمام العسکری عن ولده المهدی قبل ولادته و إعلام الخواص من أصحابه بولادته، فإنه ذهب إلى أکثر من ذلک حیث أظهر ولده المهدی إلى عدد من الناس لیشاهدوه زیادة للإیمان و الاطمئنان لدى شیعته.
یقول أحمد بن اسحاق: «خرج الإمام و على عاتقه غلام کأن وجهه القمر لیلة البدر، من أبناء ثلاث سنین، فقال: یا أحمد بن إسحاق، لولا کرامتک على الله و على حججه، ما عرضت علیک ابنی هذا إنه سمی رسول الله و کنیه الذی یملأ الأرض قسطاً و عدلاً کما ملئت جوراً و ظلماً».[15]
یقول معاویة بن حکیم، و محمد بن أیوب و محمد بن عثمان بن سعید العمری: اجتمعنا أربعون نفراً فی بیت الإمام الحسن العسکری (ع) فأرانا الإمام ولده المهدی و قال: «هذا إمامکم و خلیفتی».[16]
یقول علی بن بلال و أحمد بن هلال، محمد بن معاویة بن حکیم، و حسن بن أیوب: نحن عدة من الشیعة اجتمعنا فی بیت الإمام الحسن العسکری (ع) و قد سألنا الإمام عن خلیفته، و بعد ساعة عرض علینا الإمام طفلاً، و قال: «هذا إمامکم بعدی».[17]
یقول عمر الأهوازی: أرانا الإمام العسکری (ع) ولده و قال: «هذا ولدی إمامکم بعدی».[18]
یقول إبراهیم بن محمد: رأیت صبیاً جمیلاً فی بیت الإمام الحسن العسکری (ع)، فسألت الإمام (ع): یا ابن رسول الله، من هذا الصبی؟، فقال: «هذا ابنی، هذا خلیفتی».[19]
یقول یعقوب بن منفوس: دخلت على أبی محمد الحسن بن علی (ع) و هو جالس على دکان فی الدار و عن یمینه بیت علیه ستر مسبل فقلت له: سیدی من صاحب هذا الأمر، فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلینا غلام خماسی، فجلس على فخذ أبی محمد (ع) فقال: «هذا صاحبکم».[20]
1-4. بعد بشارة الإمام العسکری (ع) و إراءة ولده الإمام المهدی (عج) للخواص، جاء دور الخواص لیطلعوا الشیعة على ولادة الإمام لانتشالهم من الشک و الحیرة و بعث الاطمئنان فی نفوسهم.
و ممن قام بهذه المهمة عدد کبیر من أمثال حکیمة عمة الإمام العسکری (ع)، عثمان بن سعید العمری، حسن بن حسین العلوی، عبد الله بن عباس العلوی، الحسن بن منذر، حمزة بن أبی الفتح، محمد بن عثمان بن سعید العمری، معاویة بن حکیمة، محمد بن معاویة بن حکیم، محمد بن أیوب بن نوح، حسن بن أیوب بن نوح، علی بن بلال، أحمد بن هلال، محمد بن إسماعیل بن موسى بن جعفر، یعقوب بن منفوس، عمر الأهوازی خادم فارسی، أبو علی بن المظهر، أبو نصر طریف الخادم، کامل بن إبراهیم، أحمد بن إسحاق، عبد الله المستوری، عبد الله بن جعفر الحمیری، على بن إبراهیم بن مهزیار، أبو غانم الخادم کل هؤلاء سمعوا بولادة الإمام المهدی (ع) و أبلغوا الشیعة بذلک.
و لنتابع روایة عن حکیمة: «و یروى أن حکیمة بنت محمد الجواد کانت عمة أبی محمد الحسن العسکری ( رضی الله عنهما ) تحبه ، و تدعو له، و تتضرع إلى الله تعالى أن یرى ولده، فلما کانت لیلة النصف من شعبان سنة خامس وخمسین ومائتین ، دخلت حکیمة عند الحسن فقال لها: یا عمتی کونی اللیلة عندنا لأمر، فأقامت. فلما کان وقت الفجر اضطربت نرجس ، فقامت إلیها حکیمة، فوضعت المولود المبارک، فلما رأته حکیمة أتت به الحسن ( رضی الله عنهم ) وهو مختون ، فأخذه ومسح بیده على ظهره وعینیه، و أدخل لسانه فی فیه، وأذن فی أذنه الیمنى وأقام فی الأخرى، ثم قال: یا عمة إذهبی به إلى أمه، فردته إلى أمه...... قالت حکیمة: ثم جئت من بیتی إلى أبی محمد الحسن فإذا المولود بین یدیه فی ثیاب صفر، وعلیه من البهاء والنور، أخذ حبه مجامع قلبی، فقلت: یا سیدی هل عندک من علم فی هذا المولود المبارک؟ فقال: یا عمة هذا المنتظر الذی بشرنا به. فخررت لله ساجدة شکرا على ذلک، ثم کنت أتردد إلى الحسن فلا أرى المولود فقلت: یا مولای ما فعل سیدنا المنتظر ؟ قال استودعناه الله الذی استودعته أم موسى (ع) ابنها».[21]
1- 5. بعد شهادة الإمام العسکری (ع) قام الإمام المهدی (عج) بإتمام الحجة على شیعة الإمام العسکری من خلال إظهار الکرامات و شواهد الصدق (المعجزة أو شبه المعجزة) على إثبات وجوده و إمامته.
فی بدایة الغیبة الصغرى کانت مهمة منظمة الوکالة السریة التی بدأ تأسیسها فی زمان الإمام الصادق (ع) إزالة الشک و الحیرة عن نفوس الشیعة و طمأنتهم على وجود الإمام الغائب و النواب الأربعة، و کذلک فعل النواب الأربعة من خلال إراءة شواهد الصدق کالکرامات و العلوم العلیا التی نقلوها عن الحضرة المقدسة.
و إن هذه الشواهد و الدلائل الصادقة یحصل علیها الشیعة تارة بشکل مباشر من الإمام نفسه، و تارة عن طریق وکلائه و نوابه و إضافة إلى الإیمان بوجود الإمام المهدی (عج)، فإنهم على إطمئنان کامل فیما یخص النواب الأربعة، و أن الشواهد و الکرامات ظهرت بشکل مقصود فی زمن النائب الأول للإمام عثمان بن سعید العمری، و ذلک لأن الشیعة ما زالوا فی حیرة فی هذا الزمان، و لم یکونوا قد اطمأنوا لوجود الإمام المهدی (عج).
و مما کتب السید بن طاووس: «لقد رأى الکثیر من أصحاب الإمام الحسن العسکری (ع) الإمام الحجة، و أخذوا عنه الأخبار و الأحکام الشرعیة، بالإضافة إلى ذلک، فقد کان للإمام وکلاء معروفو النسب و الوطن، و قد نقل هؤلاء المعجزات و الأجوبة الصعبة و الأخبار الغیبیة التی نقلها الإمام عن جده (ص)».[22]
بعض النماذج:
و نکتفی هنا بنقل عدة نماذج:
1. ما جاء فی روایة سعد بن عبد الله الأشعری القمی حیث یقول: «إن الحسن بن النضر- الذی له منزلة خاصة عند الشیعة- و أبا صدام و جماعة تکلموا بعد مضی أبی محمد فیما أیدی الوکلاء و أرادوا الفحص، فجاء الحسن بن النضر إلى أبی صدام، فقال: إنی أرید الحج، فقال: أبو صدام أخره هذه السنة، فقال له الحسن: إنی أفزع فی المنام و لابد من الخروج و أوصى إلى أحمد بن على بن حماد و أوصى للناحیة بمال و أمراه أن لا یخرج شیئاً إلا من یده إلى یده بعد ظهوره، فذهب إلى بغداد و حصل على توقیع من جهة الناحیة المقدسة فاطمئن إلى إمامة الإمام و وکالة عثمان بن سعید العمری»[23].
2. روایة محمد بن إبراهیم بن مهزیار حیث یقول: «بعد وفاة الإمام الحسن العسکری (ع) وقعت فی شک فی أمر خلفیته، و کان أبی وکیل الإمام و لدیه أموال کثیرة، فحمل أبی الأموال و اصطحبنی معه و سرنا و مرض أبی فی الطریق، فأوصى إلی بالأموال و قال: اتق الله و أوصل هذه الأموال إلى صاحبها، فأی شخص أعطاک العلامة أودع عنده الأموال، ثم توفی.
فبقیت عدة أیام فی العراق، فوصلتنی بعد ذلک رسالة من عثمان بن سعید و قد ذکرت فی الرسالة جمیع المواصفات التی تتصف بها الأموال، تلک المواصفات التی لا یعلم بها إلاّ أنا و أبی».[24]
و کذلک فإن محمد بن إبراهیم بن مهزیار صار مطمئناً بهذه الکرامة و شاهد الصدق بوجود الإمام المهدی (ع) و نیابة عثمان بن سعید.
3. روایة أحمد الدینوری حیث یقول: «انصرفت من أردبیل إلى دینور أرید أن أحج و ذلک بعد مضی أبی محمد الحسن بن علی (ع) بسنة أو سنتین و کان الناس فی حیرة فاستبشر أهل دینور بموافاتی و اجتمع الشیعة عندی فقالوا: اجتمع عندنا ستة عشر ألف دینار من مال الموالی و نحتاج أن نحملها معک و تسلمها بحیث یجب تسلیمها. قال: فقلت: یا قوم هذه حیرة و لا نعرف الباب فی هذا الوقت، قال: فقالوا: إنما اخترناک لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتک و کرمک فاعمل على أن لا تخرجه من یدیک إلا بحجة. قال: فحمل إلی ذلک المال فی صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلک المال و خرجت فلما وافیت قرمیسین کان أحمد بن الحسن بن الحسن مقیما بها فصرت إلیه مسلما فلما لقینی استبشر بی ثم أعطانی ألف دینار فی کیس و تخوت ثیاب ألوان معکمة لم أعرف ما فیها، ثم قال لی: احمل هذا معک و لا تخرجه عن یدک إلا بحجة قال: فقبضت المال و التخوت بما فیها من الثیاب. فلما وردت بغداد لم یکن لی همة غیر البحث عمن أشیر إلیه بالنیابة، فقیل لی إن ههنا رجلا یعرف بالباقطانی یدعی بالنیابة و آخر یعرف بإسحاق الأحمر یدعی النیابة و آخر یعرف بأبی جعفر العمری یدعی بالنیابة، قال: فبدأت بالباقطانی و صرت إلیه فوجدته شیخا مهیبا له مروءة ظاهرة، و فرس عربی، و غلمان کثیر، و یجتمع الناس (عنده) یتناظرون. قال: فدخلت إلیه و سلمت علیه فرحب و قرب و سرّ و برّ، قال: فأطلت القعود إلى أن خرج أکثر الناس، قال: فسألنی عن دینی فعرفته أنی رجل من أهل دینور، وافیت و معی شئ من المال أحتاج أن أسلمه، فقال لی أحمله: قال: فقلت: أرید حجة قال: تعود إلی فی غد قال: فعدت إلیه من الغد فلم یأت بحجة وعدت إلیه فی الیوم الثالث فلم یأت بحجة. قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شابا نظیفا، منزله أکبر من منزل الباقطانی و فرسه و لباسه و مروءته أسرى و غلمانه أکثر من غلمانه ، و یجتمع عنده من الناس أکثر مما یجتمع عند الباقطانی قال: فدخلت و سلمت فرحب و قرب قال: فصبرت إلى أن خف الناس قال: فسألنی عن حاجتی فقلت له: کما قلت للباقطانی وعدت إلیه ثلاثة أیام فلم یأت بحجة. قال: فصرت إلى أبی جعفر العمری فوجدته شیخا متواضعا، علیه مبطنة بیضاء قاعد على لبد فی بیت صغیر لیس له غلمان و لا من المروءة و الفرس ما وجدت لغیره، قال: فسلمت فرد الجواب و أدنانی و بسط منی ثم سألنی عن حالی فعرفته أنی وافیت من الجبل و حملت مالا، قال: فقال: إن أحببت أن یصل هذا الشئ إلى من یجب أن یصل إلیه تخرج إلى سر من رأى و تسأل دار ابن الرضا و عن فلان بن فلان الوکیل و کانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها فإنک تجد هناک ما ترید. قال: فخرجت من عنده و مضیت نحو سر من رأى و صرت إلى دار ابن الرضا و سألت عن الوکیل فذکر البواب أنه مشتغل فی الدار و أنه یخرج آنفا فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت و سلمت علیه و أخذ بیدی إلى بیت کان له، و سألنی عن حالی و ما وردت له فعرفته أنی حملت شیئا من المال من ناحیة الجبل و أحتاج أن أسلمه بحجة. قال: فقال: نعم ، ثم قدم إلی طعاما و قال لی: تغد بهذا و استرح، فإنک تعبت فان بیننا و بین صلاة الأولى ساعة فانی أحمل إلیک ما ترید، قال: فأکلت و نمت فلما کان وقت الصلاة نهضت و صلیت و ذهبت إلى المشرعة فاغتسلت و نضرت انصرفت إلى بیت الرجل و سکنت إلى أن مضى من اللیل ربعه فجائنی بعد أن مضى من اللیل ربعه، و معه درج فیه. " بسم الله الرحمن الرحیم و افى أحمد بن محمد الدینوری و حمل ستة عشر ألف دینار فی کذا و کذا صرة: فیها صرة فلان بن فلان کذا و کذا دینارا إلى أن عدد الصرر کلها و صرة فلان بن فلان الذراع ستة عشر دینارا". قال: فوسوس إلی الشیطان فقلت: إن سیدی أعلم بهذا منی؟ فما زلت أقرأ ذکره صرة صرة و ذکر صاحبها حتى أتیت علیها عند آخرها ثم ذکر " قد حمل من قرمیسین من عند أحمد بن الحسن المادرائی أخی الصواف کیس فیه ألف دینار، و کذا و کذا تختا من الثیاب منها ثوب فلان و ثوب لونه کذا " حتى نسب الثیاب إلى آخرها بأنسابها و ألوانها. قال: فحمدت الله و شکرته على ما من به علی من إزالة الشک عن قلبی فأمر بتسلیم جمیع ما حملت إلى حیث یأمرنی أبو جعفر العمری قال: فانصرفت إلى بغداد و صرت إلى أبی جعفر العمری قال: و کان خروجی و انصرافی فی ثلاثة أیام. قال : فلما بصر بی أبو جعفر (ره) قال: لِمَ لم تخرج ؟ فقلت: یا سیدی من سر من رأى انصرفت قال: فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة إلى أبی جعفر العمری من مولانا صاحب الامر (صلوات الله علیه) و معها درج مثل الدرج الذی کان معی فیه ذکر المال و الثیاب و أمر أن یسلم جمیع ذلک إلى أبی جعفر محمد بن أحمد ابن جعفر القطان القمی فلبس أبو جعفر العمری ثیابه و قال لی: احمل ما معک إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمی قال: فحملت المال و الثیاب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان و سلمتها إلیه و خرجت إلى الحج».[25]
4. روایة محمد بن علی الأسود حیث یقول: «دفعت إلی امرأة سنة من السنین ثوباً و قالت: احمله إلى العمری، فحملته مع ثیاب کثیرة فلما وافیت بغداد أمرنی بتسلیم ذلک کله إلى محمد بن العباس القمی فسلمت ذلک کله خلا ثوب المرأة فوجه إلی العمری و قال: ثوب المرأة سلمه إلیه، فذکرت بعد ذلک أن امرأة سلمت إلی ثوباً فطلبته فلم أجده فقال لی: لا تغتم فإنک ستجده، فوجدته بعد ذلک، و لم یکن مع العمری نسخة ما کان معی».[26]
5. روایة إسحاق بن یعقوب حیث یقول: «صحبت رجلاً من أهل السواد و معه مال للغریم (ع) فأنفذه علیه و قیل له: أخرج حق ابن عمک منه و هو أربعمائة درهم فبقی الرجل باهتاً متعجباً و نظر فی حساب المال و کانت فی یده ضیعة لولد عمه قد کان رد علیهم بعضها و زوى عنهم بعضها فإذا المال الذی نض لهم من ذلک المال أربعمائة درهم کما قال (ع) فأخرجه و أنفذ الباقی فقبل».[27]
6. روایة محمد بن علی بن شاذان حیث یقول: «اجتمع عندی خمس مائة درهم تنقص عشرین درهماً فأنفت أن أبعث بخمس مائة تنقص عشرین درهماً فوزنت من عندی عشرین درهماً و بعثتها إلى الأسدی و لم أکتب مالی فیها، فورد، وصلت خمس مائة درهم لک منها عشرون درهماً».[28]
و بهذه الأخبار الشریفة، و ما کان من الکرامات و الشواهد التی ظهرت فی بدایة الغیبة آمن شیعة الإمام الحسن العسکری بالإمام المهدی (عج) و نیابة عثمان بن سعید. و إن شک الشیعة و حیرتهم فی أمر الإمامة الناشئ عن خفاء الولادة و غیبة الإمام المهدی (عج) أزیلت تماماً من خلال نشاط منظمة الوکالة السریة و ذلک بعد عدة من سنوات الأولى للغیبة الصغرى.
و قد توصل الشیعة إلى أمرین من خلال الکرامات و العلوم الغیبیة للإمام المهدی (عج):
علموا أن مسیرة الإمامة قد رسم منذ زمان الرسول (ص) و علی (ع) و أنه سار فی الطریق الصحیح، و إن الإمامة انتقلت من الإمام الحسن العسکری (ع) إلى ولده الإمام المهدی (عج) و إن الإمام المهدی یدیر أمور الشیعة من خلف ستار الغیبة.
و الأمر الثانی أن منظمة الوکالة السریة التی کانت تمارس دورها منذ زمن الأئمة (ع) ما زالت موجودة و حاضرة فی الساحة و تؤدی نفس الدور، و أن عثمان بن سعید العمری یتولى هذه المؤسسة بتکلیف من الإمام، و علیه فإن الشیعة فی هذه المرحلة آمنوا بوجود الإمام و اطمأنوا إلى النیابة الخاصة.
و بعد وفاة عثمان بن سعید العمری قام ولده محمد بن عثمان بالمسؤولیة بأمر من الإمام المهدی (عج) و لکن بعض الشیعة أصابهم الشک و لکن لیس بوجود الإمام المهدی و إنما بنیابة محمد بن عثمان و قد تلافى الإمام هذا الشک بواسطة إراءة بعض الکرامات و الشواهد حتى اطمأن الشیعة لنیابة محمد بن عثمان باستثناء مجموعة قلیلة عارضت نیابة محمد بن عثمان طلباً للرئاسة و نیل المناصب، و قد ادعوا النیابة زوراً و کذباً، و قد أبطل محمد بن عثمان ادعاءاتهم بواسطة الکرامات و الشواهد الصادقة مما أدى إلى اطمئنان الشیعة إلى نیابة محمد بن عثمان.[29]
و کذلک حدث الأمر نفسه فی زمن نیابة الحسین بن روح حیث أعلن بعض الخواص معارضته و لکنهم تخلوا عن ذلک بعد ظهور الکرامات و الشواهد و قدموا اعتذارهم.[30]
و بعد الحسین بن روح جاءت نیابة أبی الحسن علی بن محمد السمری حیث صدر آخر توقیع فی زمن الغیبة الصغرى، و هذه من الکرامات أیضاً، حیث أصدر الإمام المهدی توقیعاً فی التاسع من شهر شعبان من العام 329 هجری یذکر فیه أبا الحسن علی بن محمد السمری بالآتی: «فإنک میت ما بینک و بین ستة أیام، فأجمع أمرک و لا توص إلى أحد فیقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغیبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذکره».[31]
و هذه الرسالة دلیل آخر على أحقیة الشیعة و وجود إمام الزمان (عج).
طول العمر بالنسبة لإمام الزمان(عج):
مسألة طول العمر من فروع مسألة (الحیاة) أن حقیقة الحیاة و ماهیتها مجهولة بالنسبة إلى الإنسان و من المحتمل أن لا یتمکن الإنسان من معرفة هذا السر الخفی. فإذا علمنا أن الشیخوخة من أعراض الحیاة أو أنها قانون طبیعی تعرض على کیان الموجود الحی، و إن الموجود الحی یصل إلى مرحلة التلاشی و الموت، فهذا لا یعنی أن هذه الظاهرة غیر قابلة للتخلف و الاستثناء و التأخیر، و على هذا الأساس فقد خطا علم الطب خطوات على طریق إیجاد علاج مؤثر ضد الشیخوخة، و فی نهایة القرن التاسع عشر و بسبب التقدم العلمی انتعشت الآمال بتحقق حیاة أطول و یحتمل أن یتحقق هذا الحلم فی المستقبل القریب و یتحول إلى واقع، و أما بالنسبة لطول عمر الإمام المهدی (عج) و إمکانه العلمی و النظری فلم یبق أی شک أو تردد فی ذلک، فبإمکان الإمام الحجة أن یبقى مدة أطول حینما یستفید من العلم الإلهی و أسالیب الحیاة الطبیعیة و العلمیة و یتغلب على آثار الشیخوخة و عوامل ظهورها.[32]
و من جهة أخرى یوجد الکثیر من المعمرین فی التاریخ البشری، و من أثبتهم حضرة النبی نوح (ع) حیث صرح القرآن الکریم بأنه عاش 950 عام کنبی[33] و قطعاً إن مجموع عمره کان أکثر من ذلک، و کذلک العمر الطویل بالنسبة للخضر فإنه مصداق آخر للعمر الطویل.[34]و[35] و على هذا الأساس یمکن قبول العمر الطویل بالنسبة للإمام، و لا یوجد أی نوع من أنواع الاستبعاد العقلی لذلک.
[1] لأن البرهان و الدلیل العقلی لا یمکن أن یعرف الشخص.
[2] انظر: نهج الولایة، آیة الله حسن زاده الآملی، ص 7و8.
[3] بصائر الدرجات، ص 485، باب 10، ح 3.
[4] کشف القناع، شریف العلماء، ص 148.
[5] نهایة الحکمة، ص 319 و 320.
[6] انظر: تمهید القواعد ص172، تحریر تمهید القواعد، آیة الله جوادی، ص 548- 555.
[7] الرجوع إلى کتاب معرفة الموعود، علی أصغر الرضوانی، ص 267- 283.
[8] ذکر أسماء بعض المحققین الذی یتجاوز عددهم المئة من العلماء من أهل السنة الذی ذکروا ولادة الإمام المهدی (عج) فی کتبهم.
[9] محمد بن طلحة الشافعی فی مطالب السؤل؛ ابن صباغ المالکی فی الفصول المهمة؛ ابن حجر الشافعی فی الصواعق المحرقة؛ و ابن خلکان فی وفیات الأعیان.
[10] منتخب الأثر، ص 398 و 399.
[11] بحار الأنوار، ج 51، ص 161 أیضاً، ص 397.
[12] المصدر نفسه، ص 397.
[13] إثبات الهداة، ج 6، ص 436؛ العدالة العالمیة، ص 103.
[14] بحار الأنوار، ج 52، ص 22.
[15] بحار الأنوار، ج 52، ص 23 و 24.
[16] ینابیع المودة، ص 460؛ بحار الأنوار، ج 52، ص 26.
[17] إثبات الهداة، ج 6، ص 311؛ العدالة العالمیة، ص 107.
[18] ینابیع المودة، ص 46.
[19] العدالة العالمیة، ص 107.
[20] بحار الأنوار، ج 52، ص 25.
[21] ینابیع المودة، ص 449 و 450.
[22] الطرائف فی معرفة مذهب الطوائف، ج 1، ص183- 184؛ حیاة نواب إمام الزمان (عج)، ص93 و 94.
[23] نقلت الروایة بتصرف،انظر الکافی، ج 1، ص 515- 518.
[24] المصدر نفسه، ص 518، ح 5؛ رجال الکشی، ج 2، ص 813.
[25] بحار الأنوار، ج 51، ص300- 302.
[26] المصدر نفسه، ص 335.
[27] المصدر نفسه، ص 326.
[28] الکلینی، الکافی، ج 1، ص 523و 524.
[29] راجع کتاب: بحار الأنوار، ج 51، ص 316 و 336؛ کمال الدین، ص 398.
[30] راجع کتاب: التاریخ السیاسی فی غیبة الإمام الثانی عشر (عج)، جاسم الحسینی، ص 197.
[31] کمال الدین، ص 516، بحار الأنوار، ج 51، ص 361.
[32] الشیعة فی الإسلام، العلامة الطباطبائی، ص 151.
[33] العنکبوت، 14.
[34] کمال الدین، ج 2، ص 385.
[35] مجلة الحوزة، العدد 70-71، بخصوص بقیة الله الأعظم (ع)، ص 46 و ما بعدها.