بحث متقدم
الزيارة
12523
محدثة عن: 2008/02/18
خلاصة السؤال
ما هو الشرک؟
السؤال
ما هو الشرک؟
الجواب الإجمالي

الشرک لغة بمعنی جعل النصیب "السهم"، و المراد من الشرک فی اصطلاح القرآن جعل الشریک و المثل لله تعالی و هو فی قبال "الحنیفیة"، فالحنیف؛ یعنی المیل الی الاستقامة و الاعتدال، فحیث ان اصحاب التوحید الخالص ابتعدوا عن الشرک و مالوا الی هذا الاصل الاساسی فیقال لهم حنفاء.

و الشرک علی نوعین: شرک فی العقیدة و شرک فی العمل "العبادة و الطاعة" و الشرک فی العقیدة علی أقسام.

1. الشرک فی الالوهیة: و هو الاعتقاد بموجود غیر الله و له جمیع الصفات الالهیة بشکل مستقل.

2. الشرک فی الخالقیة: هو الاعتقاد بمبدأین وخالقین مستقلین للعالم.

3. الشرک فی الربوبیة: و هو الاعتقاد بوجود أرباب مستقلین و متعددین لتدبیر امور العالم.

و الشرک فی العمل أیضاً علی قسمین: شرک جلی "واضح" و شرک خفی، و له احکامه التی تبحث فی علوم الفقه و الکلام.

و یعتبر الله جمیع اقسام الشرک ضلالاً و ظلما عظیماً لله لا یغتفر. و فی العصر الحاضر اتخذت بعض الفرق من هذه المسألة (الشرک) حجة لتخطئة آراء الآخرین فهم حین یرون أنفهسم ضعفاء فی الاستدلال و المحاججة فی کل وقت و موقف فانهم یتهمون الآخرین بالشرک، و هذا عمل غیر اسلامی و غیر اخلاقی و هو انحراف و بالطبع فقد أجاب علماء الاسلام عن جمیع اشکالاتهم.

الجواب التفصيلي

الشرک لغةً بمعنی جعل النصیب و امتزاج الشریکین معاً. [1] و تستعمل فی الاصطلاح القرآنی فی مقابل الحنیفیة، و المراد من الشرک جعل الشریک و المثل لله تعالی، و (الحنف) بمعنی المیل من الضلالة الی الحق و الهدی، و حیث ان اصحاب التوحید الخالص ابتعدوا عن الشرک و مالوا الی هذا الاصل الاساسی فقیل لهم حنفاء، و لهذا السبب أیضاً فان أحد معانی الحنیف هو المستقیم و المعتدل.[2] یقول الله تعالی فی القرآن الکریم لنبیه (ص): «قل اننی هدانی ربی الی صراط مستقیم دینا قیما ملة ابراهیم حنیفا و ما کان من المشرکین»[3].

و یقول أیضاً: «و ان اقم وجهک للدین حنیفاً و لا تکونن من المشرکین»[4].

و بناء علی هذا فان الشرک هو النقطة المقابلة للدین الحنیف، و لمعرفة الشرک یجب التعرف علی الدین الحنیف من باب "تعرف الاشیاء باضدادها"، و بعبارة واحدة یمکن القول بان الشرک ضد التوحید و کما أن للتوحید اقساماً کذلک الشرک له اقسام.

و یقسم الشرک بشکل عام الی قسمین: شرک فی العقیدة و شرک فی العمل. و الشرک فی العقیدة یقسم الی ثلاثة اقسام:

1. الشرک فی الالوهیة: و هو الاعتقاد بموجود غیر الله، له جمیع صفات الجمال و الکمال بشکل مستقل؛ و هذا الاعتقاد یوجب الکفر،[5] و لهذا یقول الله فی القرآن: «لقد کفر الذین قالو ان الله هو المسیح بن مریم».[6]

2. الشرک فی الخالقیة: هو ان یعتقد الانسان بمبدأین مستقلین للعالم، بحیث یکون لهما الخلق و التصرف فی شؤون العالم کما یعتقد المجوس (الزرادشتیون) بمبدء للخیر (و هو یزدان) و مبدء للشر (و هو اهریمن).

3. الشرک فی الربوبیة: و هو ان یعتقد الانسان بوجود أرباب متعددین فی العالم و ان الله هو رب الارباب بمعنی ان تدبیر العالم فوض بشکل مستقل الی کل واحد من الارباب المتفرقین، کما ابتلی مشرکوا عصر ابراهیم (ع) بهذا النوع من الشرک، فاعتقد بعضم بان النجوم هی التی تدبر امور العالم و بعضهم الآخر اعتقد بالقمر کذلک و بعضهم اعتقد ذلک بالشمس.

الشرک فی مقام العمل

و یسمی الشرک فی مقام العمل بالشرک فی الطاعة و العبادة، و هو بمعنی ان یکون خضوع الانسان و خشوعه ناشئاً من الاعتقاد بالوهیة او خالقیة او ربوبیة الذین یخضع و یخشع لهم و یحترمهم.

هذه هی ملاکات و معاییر الشرک التی تستفاد من القرآن الکریم.

لکن البعض إبتدعوا من عند انفسهم معاییر و ملاکات للشرک، و بواسطها قاموا باتهام باقی المسلمین بالشرک.

و من وجهة نظرنا فان الملاکات و المعاییر التی عینها هؤلاء للشرک لیس لها أی اعتبار و قیمة لان معاییر هؤلاء تتنافی مع القرآن و سیرة نبی الاسلام الاکرم (ص) و خلفائه (الائم الاثنی عشر).

و هنا نشیر الی بعض معاییرهم المبتدعة:

1. الاعتقاد بالسلطة الغیبیة لغیر الله: یقول هؤلاء اذا استغاث شخص بالنبی او غیره من اولیاء الله و طلب المعونة منهم و اعتقد بانه یسمع دعاءه و أنه مطلع علی أحواله او انه یقضی حاجته فهذا من انواع الشرک الاکبر.[7]

2. طلب الحوائج من الأموات: قالوا من انواع الشرک طلب الحاجات من الاموات و الاستعانة بهم و التوجه الیهم و هذه هو أصل و أساس الشرک فی العالم.[8]

3. الدعاء و التوسل هو نوع من العبادة: قالوا العبادة خاصة لله و الدعاء هو نوع من العبادة، فالطلب من غیر الله شرک.[9]

4. زیارة القبور شرک.

5. التبرک بآثار الانبیاء و الصالحین شرک.

6. الاحتفال بمولد النبی شرک.

7. بناء الأضرحة و القباب علی القبور شرک.

و یمکن تقسیم هذه المعاییر و العقائد المبتدعة الی قسمین:

1. قسم من هذه المعاییر و الأعمال سموها شرکاً لانهم اعتبروها شرکاً فی العقیدة و فی هذا القسم من عقائد هؤلاء یمکن القول بان الاعتقاد بالسلطة الغیبیة و الاعتقاد بالقدرة علی الإشفاء و قضاء الحاجات و ... اذا کان بحیث تکون جمیع هذه الامور مستندة الی الله و ان ما هو موجود لدی الآخرین قد اعطی لهم من قبل الله تعالی فلا یکون ذلک شرکاً، حیث لم یعتقد بأی أستقلال لغیر الله، و نحن قلنا فی تعریف الشرک فی الالوهیة و الشرک فی الخالقیة و الشرک فی الربوبیة، ان انواع الشرک فی العقیدة انما تتحق اذا اعتقد الشخص بان غیر الله له صفات الکمال و الجلال بشکل مستقل، أو أنه یستطیع الخلق بشکل مستقل أو یستطیع التدبیر بشکل مستقل، اما اذا کانت قدرته قدرة مستندة الى الله فلا یکون ذلک شرکاً. فنحن و باقی المسلمین حین نطلب حو ائجنا من النبی الاکرم  أو خلفائه او نعتقد بقدرتهم الخارقة للعادة و ... فان هذا المقام اعطی لهم من قبل الله الواحد المتعال، فهل یکون ذلک شرکاً أیضاً؟

2. القسم الثانی من الاعمال التی یعتبرها هؤلاء شرکاً من جهة اعتبارهم لتلک الاعمال عبادة کالاحتفال بمولد النبی (ص) و بناء الاضرحة و القباب علی القبور و تقبیل الاضرحة و ...

ان للعبادة خصائص و هی تکون بتلک الخصائص مختصة بالله تعالی: فالعبادة هی عبارة عن الخضوع و الخشوع الناشی من الاعتقاد بالالوهیة او الخالقیة او الربوبیة.

اما اذا لم یکن الخضوع و الخشوع ناشئاً من هذا الاعتقاد فلا یکون عبادة ابداً و لذا فان الله تعالی حین ذکر فی سورة یوسف سجود اخوة یوسف (ع) امامه، لم یعتبر ذلک شرکاً لان هؤلاء لم یکونوا لیعتقدوا ابداً بالوهیة یوسف أو خالقیته او ربوبیته، و لحسن الحظ فان علماء الاسلام و المفکرین الواعین اجابوا عن جمیع هذه الموارد و المعاییر المبتدعة.

للاطلاع اکثر یمکنکم مراجعة کتاب: بحوث قرآنیة فی التوحید و الشرک، للاستاذ جعفر، السبحانی.



[1] مجمع البحرین، ج 5، ص 247 ؛ العین، ج 5، ص 293.

[2] حنیف من مادة حنف (علی وزن هدف) بمعنی المیل من الضلالة الى الحق و الهدی، و علی العکس من ذلک الجنف فهو المیل من الاستقامة الی الاعوجاج و حیث ان اصحاب التوحید الخالص ابتعدوا عن الشرک و مالوا الی هذا الاصل الاساسی فیقال لهم حنفاء. و لهذا السبب ایضاً فان احد معانی الحنیف هو المستقیم و المعتدل.

و من هنا یتضح بان التفاسیر التی ذکرها المفسرون لکلمة الحنیف، کحج بیت الله، و اتباع الحق، و اتباع ابراهیم (ع)، و اخلاص العمل. کلها ترجع الی ذلک المعنی الکلی الجامع و ان کلاً من هذه التفاسیر هو مصداق لذلک. تفسیر الامثل، ج 2، ص 605.

[3] الانعام، 161.

[4] یونس، 105.

[5] و یلزم التنبیه علی ان جمیع اقسام الشرک تؤدی الى الکفر، و بالطبع فان مرادنا من الکفر هو الاعم من الکفر الکلامی و الفقهی.

[6] المائدة، 17.

[7] مجموعة فتاوی بن باز، ج 2، ص 552.

[8] فتح المجید، ص 68.

[9] الرد علی الرافضة،نقلاً عن شیعه شناسی (معرفة الشیعة) علی اصغر رضوانی، ص 135 – 143.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...