Please Wait
7874
إن الله سبحانه یخلق الإنسان عارفاً به و موحداً له، و یجهزّه بقوة العقل و الفکر و یکون الانسان صاحب إرادة و إختیار، و قد بعث أنبیاء عدیدین لهدایة و إرشاد البشر، لذلک فإن الله جلَّ شأنه لا یخلق أحداً کافراً، أو مسیحیاً أو یهودیاً...، و لکن الإنسان نتیجةً لسوء إختیاره أو نتیجةً للظروف البیئیة التی تحیط به یبتلى بالإنحراف. یقول الرسول الأکرم (ص): "یولد المولود على الفطرة، و لکن أبواه یهودانه أو ینصّرانه".
لکی یتضح الجواب نذکر عدة ملاحظات و هی:
1. إن وجود الله سبحانه و تعالى هو عین الکمال و الخیر و الرحمة، و قد خلق جمیع الموجودات على أساس الخیر و الرحمة الوجودیة المتمثلة به، و على هذا الأساس فإن کل موجود یتصف بالکمال و عدم النقص ضمن مرتبته.
2. إن الإنسان من أکمل مخلوقات الله سبحانه، لأنه:
أولا:ً هو خلیفة الله.[1]
ثانیاً: قد خُلِقتْ جمیع الموجودات لأجل الإنسان.[2]
لأجل ذلک فإن للإنسان أبعاداً وجودیة و کمالیة مختلفة، و نحن هنا سوف نشیر الى عدة أبعاد کمالیة للإنسان ترتبط بهذا البحث.
أ. إمتلاک نعمة الإدراک و الفهم:
«ونفسٌ و ما سواهّا، فألهمها فجورها و تقواها».[3]
ب. إمتلاکه لنعمة الفطرة (معرفة و عبادة الله سبحانه): لأن الله جلَّ شأنه قد جعل التعرف و الرغبة و المیل الیه فی فطرة و طبیعة الإنسان.[4]
«و إذ أخذ ربک من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربکم قالوا بلا شهِدنا أن تقولوا یوم القیامة إنا کنا عن هذا غافلین».[5]
«فأقم وجهک للدین حنیفاً فطرة الله التی فطر الناس علیها لاتبدیل لخلق الله ذلک الدین القیم و لکن أکثر الناس لایعلمون».[6]
ج. إمتلاک الإرادة و الإختیار:
إن الإنسان و على خلاف أکثر المخلوقات الاخرى، یصل الى کماله و هدفه المنشود عن طریق الإختیار الواعی فقط، و لذلک یکون کمال الإنسان إختیاریاً و إکتسابیاً.[7]
یقول تعالى فی القرآن الکریم: «و قل الحق من ربکم فمن شاء فلیؤمن و من شاء فلیکفر».[8]
و قوله تعالى: «إنا هدیناه السبیل إما شاکراً وإما کفوراً».[9]
و بعبارة أخرى، إن لله موجودات لا یعصون الله،[10] و لکن أراد سبحانه أن یطوی الإنسان کماله المنشود، و أن لا یعصی بإرادته و إختیاره.
3. إن إحدى مظاهر و تجلیات الرحمة الالهیة - بالإضافة الى توفیر أسباب الهدایة التکوینیة فی وجود الإنسان-، هو بعثة الأنبیاء و الرسل الذین یقودون الناس الى کمالهم المنشود.
4. کان جمیع الأنبیاء یدعون الناس الى التوحید و فی الواقع إن جمیع الأنبیاء کانوا مسلمین[11] و یدعون الناس الى الإسلام لأن الإسلام لیس هو إلاّ ما جاءت به الفطرة. و بعبارة أخرى، فإن ظاهرة الفطرة التکوینیة تنسجم بشکل کامل مع الظاهرة التشریعیة (الدین الالهی و الذی یعبر عنه بالإسلام).
لکن الشریعة الحقیقیة للأنبیاء السابقین، قد طالتها ید التحریف بمرور الزمان إضافة الى إن جمیع الأنبیاء (ماعدا نبی الإسلام (ص) لأنه خاتم الأنبیاء) کانوا یبشرون بالنبی الذی یلیهم، و کان من مستلزمات الإمتثال لدعوة أی نبی هو الإیمان و الإعتقاد بالنبی الذی یلیه.
إذن، فالأدیان الحالیة فاقدة للشرعیة و الصلاحیة و غیر مقبولة، حیث إن الدین الوحید المنجی و المقبول عند الله سبحانه هو دین الإسلام: «إن الدین عند الله الاسلام و ما أختلف الذین أوتوا الکتاب إلاّ من بعد ماجاءهم العلم بغیاً بینهم و من یکفر بآیات الله فإن الله سریع الحساب».[12] «و من یبتغ غیر الاسلام دینا فلن یُقبل منه و هو فی الآخرةِ من الخاسرین».[13]
و بذلک تکون النتیجة هی إن الإنسان خُلِقَ عارفاً و عابداً لله سبحانه، و أعطاه الله سبحانه القدرة على الإدراک و التفکیر، و کذلک أعطاه القدرة على الإرادة و الإختیار، و قد بعث الأنبیاء لهدایة الناس. إذن فإن الله لا یخلق الناس کفاراً أو نصارى أو یهوداً. لکن الإنسان ینحرف بنفسه بسبب سوء إختیاره أو نتیجة للظروف التی تحیط به.[14]
یقول الرسول الأکرم (ص): "یولد المولود على الفطرة و لکن أبواه یهودانه أو ینصّرانه".[15]
[1] . «و إذ قال ربک للملائکة إنی جاعلٌ فی الارض خلیفة قالوا أتجعل فیها من یفسد فیها و یسفک الدماء و نحن نسبح بحمدک و نقدس لک قال إنی أعلم مالاتعلمون»، البقرة،30.
[2] . «و سخّرلکم ما فی السموات و ما فی الارض جمیعاُ منه إن فی ذلک لآیات لقومٍ یتفکرون»، الجاثیة، 13.
[3] . الشمس، 7و 8.
[4] . للإطلاع أکثر، انظر: موضوع. الفطرة و المیل نحو الفساد، السؤال 44.
[5] . الأعراف، 172.
[6] . الروم، 30.
[7] . المعارف الإسلامیة، ج 1، ص 109، للإطلاع أکثر، انظر: موضوع، عامل الإنحراف من الصراط المستقیم، السؤال 164؛ الإنسان و الإختیار، السؤال 287.
[8] . الکهف، 29.
[9] . الإنسان، 3.
[10] . التحریم، 6.
[11] . آل عمران، 67.
[12] . آل عمران، 19.
13] . آل عمران، 85.
[14] . للإطلاع أکثر، أنظر: موضوع، الهدایة الآلهیة و الإختیار، السؤال 292.
[15] . بحار الأنوار، ج 3، ص 289.