Please Wait
6493
التحجّر فی اللغة یقصد به التحول الى الحجر، و یقصد به فی الإصطلاح: هو إمتناع الإنسان عن قبول الحق و الإعراض عن الله، و تنسب هذه الصفة الى قلب الإنسان مقابل الصفة الاخرى للقلب التی هی شرح الصدر... .
یعبر فی الآیات القرآنیة عن قساوة القلب و عدم الرضوخ للحقیقة بالتحجر، و من الواضح ان التحجرأمر مذموم فی نظر الإسلام و قد عبر عنه القرآن الکریم بقساوة القلب.
ثم ان الاشخاص المتحجرین یعرضوا عن الموعظة و التذکیر و النصیحة و یتعمدوا تغافل الحقیقة و تجاهلها.
من هنا یکون التحجر سبباَ لإهمال و تجاهل الحقائق، کما یؤدی إلى الخمول و موت القلوب مما یؤدی بالتالی إلى هلاک الإنسان.
إن للتحجر جذوراً فی الکفر، تقلید و إتباع العامة، مجالسة الفجار و المجرمین، و کذلک یکون ناشئاً من حب الدنیا، و إتباع الهوى، و طول الأمل، الجهل، إرتکاب الذنوب، الجدل و المِراء و... .
و للقضاء على التحجر یجب الإستمداد و الاستعانة بکل من الوحی، ذکر القیامة، الإطلاع المستمر على تاریخ و أحوال الماضین، الإرتباط المستمر مع العلماء الصالحین، تهذیب النفس، ذکر الله و إجتناب الذنوب و خاصة إجتناب أکل الحرام.
التحجّر فی اللغة یقصد به التحول الى الحجر "تحجر اصبح مثل الحجر".[1] و یقصد به فی الإصطلاح: إمتناع الإنسان من قبول الحق و الإعراض عن الله و تنسب هذه الصفة الى قلب الإنسان" و القلب الذی لا ترده الشدة إلى اللّه قلب تحجر فلم تعد فیه نداوة تعصرها الشدة!" [2]و الصفة المقابلة للتحجرهی شرح الصدر... .
و یعبر فی الآیات القرآنیة عن قساوة القلب و عدم الرضوخ للحقیقة بالتحجر.
کما ان الناس لیسوا على حدٍ سواء فی فهم الأمور و فی إنفعالاتهم، و هذا ما أشار إلیه صاحب تفسیر الأمثل حیث قال:" الناس لیسوا على وتیرة واحدة من حیث قبول الحق و إدراک الأمور، فالبعض یتمکّن من إدراک الحقیقة بمجرّد إشارة واحدة أو جملة قصیرة، و هذا یعنی أنّ تذکیراً واحداً یکفی لإیقاظهم فورا، و موعظة واحدة قادرة على إحداث صیحات فی أرواحهم و فی حین أنّ البعض الآخر لا یتأثّر بأبلغ الکلمات و أوضح الأدلّة و أقوى العبارات، و هذه المسألة لیست بالأمر السهل أو الهیّن.[3]
یعرف فی القرآن الکریم فی هذا المجال بعض الناس على انهم" مشروحو الصدر" و ذوو نفوس کبیرة، و البعض الآخر على انهم" ضیقو الصدر"، کما فی قوله تعالى" فمن یرد الله أن یهدیه یشرح صدره للإسلام و من یرد أن یضله یجعل صدره ضیقاً حرجاً کأنما یصعدُ فی السماء، کذلک یجعل الله الرجس على الذین لا یؤمنون".[4]
و تتضح هذه المسألة بشکل جلی عند متابعة و مطالعة الأوضاع النفسیة و الروحیة للأشخاص، حیث إن البعض تکون روحهم و نفسهم و اسعة و کبیرة الى درجة إن أی مقدار من الحقائق تعرض علیهم فإنهم یتقبلونها بسهولة و بصدر واسع و رحب، و البعض الآخر على عکس هذه الحالة حیث تکون روحهم ضیقة و فکرهم محدوداً الى درجة کأنه لا یوجد أی مجال لتقبل أی حقیقة فی نفوسهم، کأن عقولهم قد أحیطت بجدران حدیدیة محکمة. و قد ذم القرآن الکریم مثل هؤلاء الأشخاص، حیث یقول تعالى" فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا و لکن قست قلوبهم و زیّن لهم الشیطان ما کانوا یعملون".[5]
إن الأشخاص المتحجرین لا یستفیدون من النصیحة و لا ینتفعون من التذکرة و الموعظة، و یتعمدون تغافل الحقیقة و یظهرون جهلها و عدم الإطلاع علیها، یقول تعالى فی القرآن الکریم:" و إذا ذکرّوا لا یذکرون".[6]
عوامل التحجّر و قساوة القلب:
1. تقلید العوام هو سببٌ للتحجر و الجمود
کان المشرکون و لغرض تبریر أعمالهم یقولون: "بل وجدنا آبائنا کذلک یفعلون"[7].
إن الجمود على التقالید و الآداب العرقیة و القومیة، هو السبب الرئیسی لتخدیر المجتمع و غفلته کما یشکل عائقاً کبیراً أمام الفکر و الإبداع و التجدید و مانعاً عن معرفة الحقیقة.
یجب علینا فی هذا المقام التنبیه و التذکیر بمسألة مهمة و هی أن لا یلتبس علینا الأمر فی هذا المجال، حیث إن هذا النوع من التقلید یختلف عن تقلید أهل العلم و المعرفة و العلماء، حیث إن هذا النوع من التقلید و الإتباع بالإضافة الى أنه لا یشکل مانعاً للتجدید و حاجزاً لمعرفة الحقیقة، فإنه یشکل وسیلة للرقی و التکامل و لهذا السبب أَید القرآن الکریم هکذا نوع من الإتباع کقوله تعالى فی کتابه العزیز" فسئلوا أهل الذکر"[8]، " فبهداهم اقتدِه..".[9]
2. مجالسة الأشرار و الفجّار و المجرمین و قابلیة التأثر بهم.
3. حب الدنیا، و إتباع الهوى و طول الأمل، یؤدی الى ضیق النفس و قساوة القلب.[10]
من جملة الأمور التی أوحاها الباری عز و جل لموسى(ع) هی: "یَا مُوسَى لَا تُطَوِّلْ فِی الدُّنْیَا أَمَلَکَ فَیَقْسُوَ قَلْبُکَ، وَ الْقَاسِی الْقَلْبِ مِنِّی بَعِیدٌ".[11]
4. الکفر یوجب التحجر و قساوة القلب.
یکون المؤمن دوماً فی حالة حرکة نحو الکمال، إضافة الى إنه یمتلک نوراً و نفساً طاهرة و قلباً ینبضُ بالحیاة و بصیرةً یشخص بها الحقائق. و لکن نرى انه لیس للکافر إستعداد لرؤیة الحقیقة و إنه لا یتقبلها لقساوة قلبه و لیست لدیه القدرة على الحرکة فی طریق الحق بسبب التحجر و التعصب و ظلمات الجهل التی یعیش فیها.[12]
5. الجهل و الذنوب و العناد و الجدال فی الکفر و المراء و... .
یقول أمیر المؤمنین(ع):" ما جفّت الدموع إلا لقسوة القلوب، و ما قست القلوب إلا لکثرة الذنوب".[13]
الآثار السلبیة للتحجر و قساوة القلب:
1. إن التحجر و التعصب ناتج من إهمال و إنکار الحقائق، یقول القرآن الکریم"... قالوا إنا بما أرسلتم به کافرون".[14]
2. إن عاقبة التحجر و التعصب و العناد هو الهلاک.[15]
یقول تعالى" فإنتقمنا منهم"[16]إضافة الى إن التحجر و التعصب یصل عند هؤلاء الى مستوى بحیث إن نبیاً معصوما کإبراهیم(ع) و بما لدیه من بیان و علم و معجزات یتعرض الى عقوبة الحرق بالنار بسبب عدد من الأحجار و الأخشاب الصمّاء.
3. إن التحجر و التعصب یؤدی الى الخمول و موت القلوب.
إن المؤمنین أناس یتصفون بالنشاط و یتمتعون بحیاة حقیقیة لأنّ الإیمان یبعث الحیاة فی الأفراد و المجتمع، و إن الکفر یؤدی الى موت الفرد و المجتمع.
کیف یمکن التخلص من قساوة القلب؟
للإجابة عن هذا السؤال، یجدر ان نقول:
عند ما تغرق النفوس فی سبات عمیق ، عندها تقسى القلوب و تصبح أشد قسوةً من الحجارة، و عند ما یتطبع الإنسان بدون أی فهم و إرادة بالعادات و التقالید الباطلة، و لا یقبل بأی تطور أو تکامل، فی هذه الحالة یحتاج الإنسان و بشکل أکبر و أشد الى نداءات تنذره، لکی یصحو قلبه من سباته العمیق، و یتحرر من الخرافات المهیمنة و المسیطرة علیه.
لقد هیأ الباری عز و جل الکثیرة من اسباب التحرر و التخلص من تحجر و قساوة القلب بشرط أن یرید الإنسان ذلک.
و إن بعض هذه الأسباب هی عبارة عن:
1. وحی الرسول (ص)، و الذی یبث أنواراً متوالیة فی جوٍ من الظلمة الشدیدة، و یطلق نداءات مدوّیة فی جوٍ من السبات و الجمود، و یفجر براکین محرقة لیقضی على کل المقدسات الباطلة و على کل الخرافات الموروثة من العصر الجاهلی و یظهر ذلک کله لجمیع البشر.
إن سورة التکویر هی من النداءات المنذرة و المدویة الشدیدة، و إذا کانت بوابة القلب أمامها مفتوحة، فإن لها تأثیراً کبیراً فی قلب و عقل الإنسان و تصرفاته و أعماله، و تفتح آفاق التطور و الإبداع أمامه.[17]
2. التذکیر و التذکر یکون سبباً لتحفیز و إیقاظ المعارف التی تکمن فی ذهن.
و عقل الإنسان، یکون بشکل إذا حفزه و کشف عنه صاحب الرأی السدید و العقل السلیم، سوف تنکشف له حقائق کثیرة کانت مخفیّة و مستتره، تستطیع أن تزیل القساوة من قلب الأنسان.
3. المطالعات المتتابعة و المستمرة لتاریخ و أحوال و مصیر الأقوام السابقین و أخذ العبر منهم.
4. مخالطة العلماء و الصلحاء بشکل مستمر.
5. ذکر الله سبحانه.
6.تربیة و تهذیب النفس و إجتناب إرتکاب المعاصی و الذنوب و خصوصاَ إجتناب تناول الطعام الحرام.
على کل حال یتوجب على الإنسان إذا أراد أن یتخلص من قساوة القلب و ینشرح صدره أن یتوجه لله سبحانه لکی یشع فی قلبه النور الذی وعد به الرسول الأکرم (ص) المؤمنین، و یجب على الأنسان أن یزیل الصدأ المترسب على قلبه، و ینظف منزل القلب من أدران الهوى و الشهوات لکی یکون مستعداً لإستقبال المحبوب، إن ذرف الدموع مخافة الله و شوقاً إلى الحبیب الذی لیس له نظیر، له تأثیر عجیب فی رقة القلب و لطافة و سعة الروح، و إن جمود العین هی علامة لقساوة القلب.
لمزید الاطلاع فی هذا المجال ندعوکم لمطالعة تفاسیر الآیات التی تتعلق بقساوة القلب و شرح الصدر و الخضوع و الخشوع و کذلک الروایات الواردة فی هذا المجال.
[1] . رضا، مهیار، قاموس الأبجدیة العربیة إلى الفارسیة، ص 20.
[2] . فی ظلال القران،ج 2،ص 1090.
[3] . الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 15، ص 60.
[4] . الأنعام، 125.
[5] . الأنعام،43.
[6] . الصافات،13.
[7] . الشعراء، 74.
[8] . النحل، 43.
[9] . الأنعام،90.
[10] . بحار الأنوار ج 70، ص 55، حدیث 23، الإمام الصادق (ع): " أوحى الله عز و جل إلى موسى یا موسى لا تفرح بکثرة المال، و لا تدع ذکری على کل حال، فإن کثرة المال تنسی الذنوب، و إن ترک ذکری یقسی القلوب".
[11] . الکافی، ج 2، باب القسوة، ح 1.
[12] . تفسیر النور، ج 9، ص 492.
[13] . بحار الأنوار، ج 70، ص 55، ح 24.
[14] . الزخرف، 24.
[15] . تفسیر النور، ج 10، ص 447.
[16] . الزخرف، 25؛ الحجر، 79؛ الأعراف، 136.
[17] . تفسیر الهدایة، ج 17، ص 348، بتغییر محدود فی العبارة.