بحث متقدم
الزيارة
6153
محدثة عن: 2011/02/12
خلاصة السؤال
الرجاء بیان شأن نزول الآیة 100 من سورة التوبة.
السؤال
الرجاء بیان شأن نزول الآیة 100 من سورة التوبة.
الجواب الإجمالي

یمکن القول بالنسبة الى وصف "السابقون الاولون" و الرواد الاوائل من المؤمنین: ان الفهم الظاهری للآیة یوحی بأن هذا الوصف یختص بالثلة المؤمنة التی عاصرت النبی الاکرم (ص) و آمنت به الى مرحلة وقوع معرکة بدر الکبرى او بیعة الرضوان. لکن التأمل فی سائر الآیات المبارکة یکشف لنا أنها فی الوقت الذی لم تلغ عنصر السبق الزمانی، کذلک لم تقصر صدق عنوان السابقین بالمؤمنین الاوائل فقط بل یبقى العنوان شاملاً حتى لمن تأخر زماناً عنه (ص) مع توفر مجموعة من الشروط و الخصائص.

الجواب التفصيلي

الآیة المبارکة هی قوله تعالى "وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرینَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْری تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدینَ فیها أَبَداً ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظیم‏". [1]

و قد اختلفت کلمة المفسرین فی المراد من "السابقون الاولون" فذهب بعضهم الى أنهم:

1.المراد هم السابقون و الاوائل زماناً، و ان هذا المفهوم ینحصر فی المسلمین الى فترة زمنیه خاصة و اما غیرهم فخارج عن هذه الآیة؛ من هنا حاولوا تحدید تلک الفترة باصحاب بدر تارة و من صلى القبلتین تارة اخرى و ثالثة حددوها بمن بایع بیعة الرضوان و تارة تم التحدید بصلح الحدیبیة. [2]

2. و فی المقابل هناک رأی یذهب الى شمولیة الآیة المبارکة و فی الوقت نفسه لم یغفل عنصر الزمان.

یقول القرطبی الذی یعد من کبار مفسری أهل السنّة: السبق یکون بثلاثة أشیاء: الصفة و- هو الایمان، و- الزمان، و- المکان. و- أفضل هذه الوجوه سبق الصفات،. فأخبر النبی (ص) أن من سبقنا من الأمم بالزمان سبقناهم بالایمان و- الامتثال لأمر الله تعالى و- الانقیاد إلیه، و- الاستسلام لأمره و- الرضا بتکلیفه و- الاحتمال لوظائفه، لا نعترض علیه و- لا نختار معه، و- لا نبدل بالرأی شریعته کما فعل أهل الکتاب، و- ذلک بتوفیق الله لما قضاه، و- بتیسیره لما یرضاه، و- ما کنا لنهتدی لولا أن هدانا الله. [3]

و قد استند فی هذه النظریة الى ما روی فی صحیح مسلم الذی یعد من أهم المصادر الحدیثیة عن أهل السنة و هی: قوله (ص): "نحن الآخرون الأولون بید أنهم أوتوا الکتاب من قبلنا و- أوتیناه من بعدهم فهذا یومهم الذی اختلفوا فیه فهدانا الله له فالیهود غدا و- النصارى بعد غد". [4]

هاتان نظریتان طرحتا من قبل مفسری أهل السنة و عند الرجوع الى المصادر التفسیریة الشیعیة نراهم یقتربون من النظریة الثانیة.

و نحن نعتقد هنا أن للسبق الزمانی دوره الفاعل فی إعطاء صاحبه بعض الامتیازات على من تأخر عنه، و لقد صرح القرآن الکریم بهذه الحقیقة فی قوله تعالى: "لا یَسْتَوی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا". [5] من هنا یکون للسبق الى الایمان و الجهاد میزة خاصة لا یمکن التغاضی عنها، و لاریب أن المؤمنین الذین سارعوا الى الایمان و الجهاد فی عصر النبی الاکرم (ص) قد حظوا برضا الله تعالى. لکن هذا لا یعنی أن هذا المیزة منحتهم حق الصیانة و عدم الانحراف او أنهم مهما فعلوا لا یحق لنا التعرض لنقدهم و بیان الاخطاء التی وقعوا فیها، فلا ریب أن هکذا رؤیة تتضاد مع التعالیم القرآنیة.

یشیر تعالى فی کتاب الکریم الى بعض الخصائص الاخرى التی توصل الى مقام "السابقون" غیر صفة السبق من قبیل قوله تعالى "إِنَّ الَّذِینَ هُم مِّنْ خَشْیَةِ رَبهِِّم مُّشْفِقُونَ...أُوْلَئکَ یُسَارِعُونَ فىِ الخَْیرَْاتِ وَ هُمْ لهََا سَابِقُون". [6]

من هنا نرى الباری تعالی یعد بعض المتأخرین زماناً فی ضمن المؤمنین السابقین کما فی قوله تعالى: "وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ...وَ قَلِیلٌ مِّنَ الاَْخِرِینَ ". [7] و فی المقابل یقول عز من قائل مؤکدا على عدم الباس الایمان بالظلم و دوره فی الهدایة: "الَّذینَ آمَنُوا وَ لَمْ یَلْبِسُوا إیمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِکَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُون". [8]

روی عن الامام الصادق (ع) أنه (ع) دخل المسجد ِ فإِذَا هُوَ بِأُنَاسٍ مِنَ الشِّیعَةِ فَسَلَّمَ عَلَیْهِمْ ثُمَّ قَالَ: إِنِّی وَ اللَّهِ لَأُحِبُّ رِیَاحَکُمْ وَ أَرْوَاحَکُمْ فَأَعِینُونِی عَلَى ذَلِکَ بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّ وَلَایَتَنَا لَا تُنَالُ إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَاد... ثم قال: وَ أَنْتُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ". [9]

إنطلاقاً مما مر و من الروایة التی نقلها مسلم فی صحیحه عن النبی الاکرم (ص) أنه من الممکن صدق عنوان السابقین على بعض المؤمنین ممن لم یدرکوا عرص الرسول الاعظم (ص) و ذلک لتوفر الشروط و المعاییر اللازمة التی تؤهلهم للاتصاف بهذا الوصف الکبیر، و فی المقابل تجد هناک من یعاصره (ص) و لکنه مع ذلک تزل به قدمه و لا یتمکن من اللحاق برکب السابقین. [10]



[1]    التوبة، 100.

[2]    انظر الروایات التی حددت ذلک فی: ابن ابی حاتم، عبد الرحمن بن محمد، تفسیر القرآن العظیم، ج 6، ص 1868، مکتبة نزار مصطفی الباز، السعودیة، 1419 هـ ق.

[3]   القرطبی، محمد بن احمد، الجامع لاحکام القرآن، ج 8، ص 237، ناصر خسرو، طهران، 1364 هـ ش.

[4]     صحیح مسلم، ج 3، ص 7، دار الفکر، بیروت، بدون تاریخ.

[5]   الحدید، 10.

[6]    المؤمنون، 57-61.

  [7] الواقعة، 10-14.

[8]    الانعام،82.

[9]     الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 8، ص 213- 212، ح 259، دار الکتب الإسلامیة،

هران، 1365 هـ ش.

[10]    لمزید الاطلاع انظر: الاسئلة التالیة: رقم 2798 (الرقم فی الموقع:3499)؛ 2800( الرقم فی الموقع:3553) و 5463(الرقم فی الموقع:5763).

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...