Please Wait
5087
تعتقد الشیعة الامامیة استنادا الى الآیات و الروایات الصادرة عن أهل الائمة (ع) بوجوب الوضوء على المسافر عند وجود الماء و مع عدم الماء ینتقل الحکم الى التیمم.
و اما علماء المدرسة السنیّة فقد انقسموا فی هذه القضیة الى طائفتین منهم من ذهب الى ما قالت به الشیعة من أن التیمم بالنسبة للمسافر انما یصح مع عدم وجود الماء؛ و منهم کالسید محمد رشید رضا فذهبوا الى أن صرف السفر یبیح التیمم سواء وجد الماء أم لا.
قال تعالى فی کتابه المجید: "وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعیداً طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَ أَیْدیکُمْ إِنَّ اللَّهَ کانَ عَفُوًّا غَفُورا".
و فسّر العلامة الطباطبائی الآیة بقوله: "و الذی ذکر من الموارد و عد بالتردید لیس بعضها یقابل بعضا مقابلة حقیقیة، فإن المرض و السفر لیسا بنفسهما یوجبان حدثا مستدعیا للطهارة بالوضوء أو الغسل بل إنما یوجبانه إذا أحدث المکلف معهما حدثا صغیرا أو کبیرا، فالشقان الأخیران لا یقابلان الأولین بل کل من الأولین(المریض و المسافر) کالمنقسم إلى الأخیرین (الجائی من الغائط و الملامس للنساء)".
من هنا یکون معنى الآیة الشریفة: "إذا أردتم القیام إلى الصلاة و أنتم على غیر طهر فعلیکم الوضوء و إن کنتم جنبا عند ذلک فاغتسلوا أی اغسلوا جمیع البدن على وجه و إن کنتم جرحى أو مجدرین أو مرضى یضر بکم استعمال الماء و کنتم جنبا أو على غیر وضوء و کنتم مسافرین و أنتم جنب أو جاء من الغائط أحدکم قد قضى حاجته منه و هو مسافر أو جامعتم النساء و لم تجدوا ماء أو لا تتمکنون من استعماله فاقصدوا وجه الأرض طاهرا نظیفا غیر نجس و لا قذر. و قد اکدت الروایات الواردة عن أهل المصادر الشیعیة و بعض روایات العامة هذا المعنى.تجد تفصیل ذلک فی الجواب التفصیلی.
بما أن القضیة المطروحة (مسالة التیمم فی السفر) من القضایا الفقهیة المختلف فیها، من هنا نشرع ببیان آراء القائلین بوجوب التیمم فی السفر ثم تحلیل القضیة لیتضح المراد من الآیة الکریمة.
یقول الله تعالى فی کتابه الکریم: " وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعیداً طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَ أَیْدیکُمْ إِنَّ اللَّهَ کانَ عَفُوًّا غَفُورا[1]"
بیان ذلک:
و قع البحث بین العلماء هل الآیة المبارکة تعنی وجوب التیمم على المسافر أو هو مخیر بین الوضوء و التیمم؟
ذهب الشیعة الإمامیة انطلاقا من الآیات القرآنیة و ارشادات أهل الائمة (ع) الى کون وجوب الوضوء مع تمکن المسافر من الماء، و مع عدمه یلزمه التیمم.
و اما المدرسة السنیّة فقد انقسمت الى طائفتین، طائفة منهم ذهبت الى ما ذهبت الیه الشیعة و قالت بوجوب الوضوء مع التمکن من الماء[2] و الطائفة الاخرى کمحمد رشید رضا ذهبت الى أن صرف السفر یعد سببا لجواز التیمم سواء کان الماء موجودا أم لا.
و الاختلاف المذکور فی فهم الآیة المبارکة یستلزم تحلیل القضیة و بیان محل النزاع فی الآیة الشریفة و اختیار الرأی المناسب هنا.
قال تعالى فی کتابه الکریم: "وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ َ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعیداً طَیِّبا"[3]
تحلیل الآیة المبارکة:
تشمل الآیة الکریمة على مجموعة من الأمور، هی:
1. الحکم؛ یعنی وجوب التیمم
2. الشرط؛ فلم تجدوا ماءً
3.علل الحکم بالتیمم، و هی: المرض، السفر، المجیء من الغائط (الذی هو کنایة عن قضاء الحاجة)، المقاربة الجنسیة مع النساء.
4. اوصاف اسباب الحکم؛ یعنی قضاء الحاجة و مقاربة النساء.
انطلاقا من ذلک یکون المجیء من الغائط و ملامسة النساء (المقاربة الجنسیة) من الاسباب المستقلة فی الحکم و من اوصاف الاسباب الاولى[4]؛ أی المریض الذی حصل له الحدث الاصغر (قضاء الحاجة) أو الحدث الاکبر (مقاربة النساء) و کذلک المسافر الذی حصل له الحدث الاصغر او الحدث الاکبر[5]. و لا یصح جعل هذه الامور الاربعة اسبابا مستقلة للتیمم؛ و ذلک لان مما لا شک فیه ان المریض و المسافر ما لم یعرض لهما الحدث لا یجب علیهما التیمم، کمن سافر متطهرا حیث لا یوجد فقیه یقول بوجوب التیمم علیه فیما لو أراد الصلاة.
یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیر الآیة المذکورة: "و الذی ذکر من الموارد و عد بالتردید لیس بعضها یقابل بعضا مقابلة حقیقیة، فإن المرض و السفر لیسا بنفسهما یوجبان حدثا مستدعیا للطهارة بالوضوء أو الغسل بل إنما یوجبانه إذا أحدث المکلف معهما حدثا صغیرا أو کبیرا، فالشقان الأخیران لا یقابلان الأولین بل کل من الأولین(المریض و المسافر) کالمنقسم إلى الأخیرین (الجائی من الغائط و الملامس للنساء)"[6].
اما بالنسبة الى الشرط " فَلَمْ تَجِدُوا ماءً" فتوجد ففیه اربعة احتمالات، ثلاثة منها خارجة عن دائرة البحث طبقا لبرهان السبر و التقسیم، و یبقى احتمال واحد فقط، و الاحتمالات هی:
1.لا یتعلق بکل من المریض و المسافر.
2. یتعلق بالمریض فقط.
3. یتعلق بالاثنین معا.
4. یتعلق بالمسافر فقط.
و الاحتمال الاول باطل، لان الفاء تفید التفریع، فهی لیست جملة مستقلة فلابد ان تکون متفرعة من شیء. کذلک الضمیر فی قوله" فلم تجدوا" ضمیر فاعل قد ذکر سابقا لیعود الضمیر الیه و الا یکون ذکر الضمیر لغواً و باطلا.
اما الفرض الثانی فهو من باب الترجیح بلا مرجح، بل من قبیل ترجیح المرجوح و هو قبیح؛ و ذلک لانه وفقا لقاعدة "الاقرب یمنع الابعد" فلو کان الضمیر یعود لاحد المرجعین، فالاولى ان یعود على المسافر لانه الاقرب لا الابعد "المریض"، و ذهب البعض الى عودة الشرط الى کل من "المریض و المسافر"[7]
من هنا یکون معنى الآیة الشریفة: "أی إذا أردتم القیام إلى الصلاة و أنتم على غیر طهر فعلیکم الوضوء و إن کنتم جنبا عند ذلک فاغتسلوا أی اغسلوا جمیع البدن على وجه و إن کنتم جرحى أو مجدرین أو مرضى یضر بکم استعمال الماء و کنتم جنبا أو على غیر وضوء و کنتم مسافرین و أنتم جنب أو جاء من الغائط أحدکم قد قضى حاجته منه و هو مسافر أو جامعتم النساء و لم تجدوا ماء أو لا تتمکنون من استعماله فاقصدوا وجه الأرض طاهرا نظیفا غیر نجس و لا قذر.[8] و لکن لا یختلف الأمر من حیث النتیجة سواء صح الفرض الثالث، تعلق الشرط "فلم تجدوا ماء" بالامرین معا "المریض و المسافر"، او صح الفرض الرابع (متعلق الشرط المسافر فقط)، فانه یثبت المطلوب وجوب التیمم عند عدم وجود الماء للمسافر.
روایات أهل السنة
من المناسب هنا الاشارة الى بعض الروایات الورادة فی مصادر العامة، و هی:
1. أخرج عبد الرزاق عن مجاهد فی قوله "وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضى" قال: هی للمریض تصیبه الجنابة إذا خاف على نفسه الرخصة فی التیمم مثل المسافر إذا لم یجد الماء.
2. أخرج ابن أبی شیبة عن سعید بن جبیر و مجاهد قالا: فی المریض تصیبه الجنابة فیخاف على نفسه و هو بمنزلة المسافر الذی لا یجد الماء یتیم.[9]
و هاتان الروایتان تصرحان بان التیمم لیس حکما لمطلق المسافر، بل مشروط بقید "فلم تجدوا ماء".
من هنا نرى الفخر الرازی یقول: یجوز للمریض أن یتیمم لقوله تعالى: وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ و لا یجوز أن یقال: إنه شرط فیه عدم الماء، لأن عدم الماء یبیح التیمم، فلا معنى لضمه إلى المرض، و إنما یرجع قوله "فَلَمْ تَجِدُوا ماءً" إلى المسافر.[10]
یلاحظ على کلام الفخر الدین الرازی انه فسر الشرط "فلم تجدوا ماءً" بعدم الوجدان الحقیقی، و اما لو فسرناه بعدم الوجدان الشأنی بمعنى ان المریض الذی لا یستطیع الاستفادة من الماء شأنه شأن فاقد الماء حقیقة.[11] إذ هو بحکم من لم یتمکن من تحصیل الماء و لا اشکال فی ذلک.
روایات الشیعة
1. روی عن الامام الصادق (ع) انه قال فی مسالة التیمم: " ُ إِذَا لَمْ تَجِدْ مَاءً وَ أَرَدْتَ التَّیَمُّمَ فَأَخِّرِ التَّیَمُّمَ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ فَاتَکَ الْمَاءُ لَمْ تَفُتْکَ الْأَرْضُ".[12]
2. عَنِ ابْنِ مُسْکَانَ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ (الامام الصادق) عَنْ رَجُلٍ کَانَ فِی سَفَرٍ وَ کَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَنَسِیَهُ وَ تَیَمَّمَ وَ صَلَّى ثُمَّ ذَکَرَ أَنَّ مَعَهُ مَاءً قَبْلَ أَنْ یَخْرُجَ الْوَقْتُ؟ قَالَ: عَلَیْهِ أَنْ یَتَوَضَّأَ وَ یُعِیدَ الصَّلَاةَ .[13]
یستفاد من الآیة الشریفة و الروایات المذکورة: أن التیمیم یختص بحالة فقد الماء، و لا یصح التیمم مع وجود الماء، و مع الشک فی صحة التیمم فی السفر (مع وجود الماء) و الصلاة متیمما فبراءة الذمة لا تخلو من اشکال؛ و ذلک لان الأصل هو الوضوء و التیمم بدیل و اضطرار، و طبقا للقاعدة الفقهیة "الاشتغال الیقینی یستدعی الفراغ الیقینی".[14]
[1] النساء، 43.
[2] السیوطی، جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج 2، ص 166، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، قم، 1404 ق؛ الرازی، ابو عبد الله فخر الدین محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج 11، ص 309، دار احیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الثالثة، 1420 ق.
[3] المائدة، 6.
[4] قال صاحب مجمع البیان: "قیل إن "أو" ها هنا بمعنى الواو کقوله سبحانه (وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ یَزِیدُونَ) بمعنى و جاء أحد منکم من الغائط و ذلک لأن المجیء من الغائط لیس من جنس المرض و السفر حتى یصح عطفه علیهما فإنهما سبب لإباحة التیمم و الرخصة و المجیء من الغائط سبب لإیجاب الطهارة" (الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج3، ص: 81، منشورات ناصر خسرو، 1413 هـ.
الطبعة:الثالثة، طهران.
[5] هذان الموردان من باب المثال و التغلیب و الا فالحدثان الاکبر و الاصغر اکثر من ذلک.
[6] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج5، ص: 225،
[7] یقول العلامة الطباطبائی فی المیزان، المیزان فی تفسیر القرآن، ج5، ص: 22: و على هذا یکون عدم وجدان الماء کنایة عن عدم القدرة على الاستعمال. کنى به عنه لأن الغالب هو استناد عدم القدرة إلى عدم الوجدان، و لازم ذلک أن یکون عدم الوجدان قیدا لجمیع الأمور الأربعة المذکورة حتى المرض.
[8] الراوندی، قطب الدین سعید بن عبداللَّه بن حسین، فقه القرآن فی شرح آیات الأحکام، ج 1، ص 35، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، قم، الطبعة الثانیة، 1405 ق.
[9] السیوطی، جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج 2، ص 166.
[10] الرازی، ابو عبد الله فخر الدین محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج 11، ص 309.
[11] أن المرضى إذا عدموا الماء لضعف حرکتهم و عجزهم عن الوصول إلیه أو مع وجدانهم الماء لا یمکنهم استعمال الماء لجرح أو قرح بهم فلهم أن یتیمموا. (قطب راوندی، فقهالقرآن، ج 1،ص 75)
[12] کلینی، کافی، ج 3، ص 63، دار الکتب الاسلامیة، تهران، 1365 هـ ش.
[13] نفس المصدر، ص65.
[14] الوحید البهبهانی، محمد باقر بن محمد اکمل، الفوائد الحائریة، ص 79؛ مجمع الفکر الإسلامی، قم- ایران، الطبعة الاولی.، 1415 هـ ق