Please Wait
5797
3ـ هل أشار إلیها الأئمة (ع) أو النبی؟ 4ـ هل أشیر إلیها فی کلام و أحادیث الشیعة؟ 5ـ و ماذا بالنسبة إلى کلام و أحادیث أهل السنة؟
یدعی البعض أن فکرة "ولایة الفقیه" بمعنى قیادة المجتمع الإسلامی بید رجل مجتهد فقیه، أمر مستحدث فی الفکر الإسلامی و لم یبلغ قدمها أکثر من قرنین. حیث یدعی هؤلاء أنه لم یتناول هذه القضیة أحد من فقهاء الشیعة و السنة، فلم یقل أحد بأن للفقیه - مضافا إلى حق الإفتاء و القضاء- حق الحکم وقیادة البلاد الإسلامیة أو جمیع بلدان العالم. أما إذا نظرنا إلى التراث الإسلامی و لو بنظرة خاطفة، سنجد أن العقیدة الشیعیة تعتبر هذه القضیة فما لا ریب فیه و من المسلمات و هی أن الشارع المقدس قد أعطى زمام أمور المجتمع الإسلامی فی زمن الغیبة بید الفقهاء العدول. و لهذا تجدهم بدلا من أن یدرسوا أصل المسألة تناولوا إنجازاتها و مقتضیاتها.
کلمات فقهاء الإسلام العظام کالشیخ المفید، تحکی عن قبولهم لأصل ولایة الفقیه و أن الفقهاء موکلون من قبل الأئمة المعصومین (ع) على أن یمسکوا بزمام المجتمع الإسلامی فی عصر الغیبة. و لازالت هذه الکلمات القیّمة تشعّ و تشرق مع أنه قد مرّ علیها أکثر من ألف سنة.
قدم ولایة الفقیه فی التاریخ
یدعی البعض أن فکرة "ولایة الفقیه" بمعنى قیادة المجتمع الإسلامی بید رجل مجتهد فقیه، أمر مستحدث فی الفکر الإسلامی و لم یبلغ قدمها أکثر من قرنین. حیث یدعی هؤلاء أنه لم یتناول هذه القضیة أحد من فقهاء الشیعة و السنة، فلم یقل أحد بأن للفقیه مضافا إلى حق الإفتاء و القضاء، حق الحکم و قیادة البلاد الإسلامیة أو جمیع بلدان العالم، و انتها من مبتکرات المتخرین فقبل أقل من قرنین ابتکر هذه الفکرة المرحوم ملا أحمد النراقی المعروف بالفاضل الکاشانی المعاصر لفتحعلی شاه. و یقول المدعی ضمن ادعاءاته أن المرحوم النراقی إنما طرح هذه الفکرة من أجل دعم الملک و حمایته! [1]
طبعا لو کان المرحوم النراقی یرید حمایة الملک و قتئذ، لکان الأفضل أن یمشی على نفس طریقة بعض علماء السلف و یستند إلى بعض الروایات من قبیل: "السلطان ظل الله" [2] و یطبقها على الملک و یعتبر طاعته واجبا شرعیا، [3] لا أن یعتبر الفقه هو الحاکم و القائد، حیث لا یمکن حتى فرض صدقه على الملک.
فإن قیل: إنه قد أثبت هذا المنصب للفقیه أولا، و بعد ذلک أراد أن یؤید حکم الملک بصفته فقیها و یعطیه صبغة شرعیة، قلنا: ما الفائدة من إیجاد هذا الدور، و لماذا لم یعتبر الملک ظل الله و یوجب طاعته من البدایة؟
فإن احتمل أحد أن هذا الرجل کان یطمع بالرئاسة و افترى هذه الأسطورة على الإسلام تلبیة لطغیان هواه؟
قلنا: إن سلوک و حیاة هذا الفقیه المهذب و معلم الأخلاق و الشاعر العارف (رضوان الله علیه)، أجلّ من هذه التهم و التحلیلات الساذجة، ففی الواقع أن هذه الافتراءات تنسجم مع حال المفترین فی الماضی و الحاضر و لا مجال لنسبتها لهذا الإنسان الجلیل و العالم الکبیر.
أما بعد هذه القصة التی هی أشبه بالاسطورة لا التحقیق العلمی، إذا راجعنا التراث الفکر الإسلامی و نظرنا إلیه نظرة خاطفة، سنجد أن العقیدة الشیعیة تعتبر هذه القضیة مما لا ریب فیها و من المسلمات، و هی أن الشارع المقدس قد أعطى زمام أمور المجتمع الإسلامی فی زمن الغیبة بید الفقهاء العدول. و لهذا تجدهم بدلا من أن یدرسوا أصل المسألة تناولوا إنجازاتها و مقتضیاتها.
الشیخ المفید (333 أو 413 ـ 338هـ.) أحد فقهاء الشیعة العظام فی القرن الرابع و الخامس الهجری. یذکر فی کتابه المقنعة فی باب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، مراتب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، فعندما یصل إلى أعلى مراتب النهی، یعنی القتل أو الجراح یقول: "و لیس له القتل و الجراح الاّ باذن سلطان الزمان المنصوب لتدبیر الأنام" یعنی لا یحق للمکلف أن یمارس ذلک إلا بإذن من حاکم الزمان الذی قد نصّب لتدبیر شؤون الناس.
ثم یکمل کلامه و یقول: "فأمّا إقامة الحدود فهو الى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى و هم أئمه الهدى من آل محمدصلى الله علیه وآله و من نصبوه لذلک من الأمراء و الحکّام و قد فوّضوا النظر فیه إلى فقهاء شیعتهم مع الإمکان" [4]
فی هذه الکلمات التی تظهر من ملامحها الرعب من الطواغیت و الجبابرة، یعتبر الشیخ المفید (ره) السلطان المنصوب من قبل الله هو المرجع فی قرار القتل و الجرح فی مراتب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، ثم یتناول قضیة "إقامة الحدود" کنموذج بارز من مصادیق الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر. [5] و من خلال تکراره لهذه الحقیقة و هی أن مهمة إقامة الحدود على عاتق سلطان الإسلام الذی ینصب من قبل الله، حاول أن یشیر إلیهم من خلال النقاط التالیة:
1ـ الأئمة المعصومون (ع) الذین نصبهم الله مباشرة لإدارة المجتمع الإسلامی و إجراء حدود الله.
2ـ الأمراء و الحکام الذین نصبهم الأئمة المعصومون (ع) لإدارة المجتمع الإسلامی و قیادته السیاسیة.
3ـ فقهاء الشیعة الذین نصبهم الأئمة المعصومون (ع) لهذه الزعامة و إقامة حدود الله.
ثم یشیر الشیخ المفید بالإضافة إلى قضیة حکومة أهل البیت (ع) و قیادتهم التی هی مسألة واضحة و مسلّم علیها فی مدرسة أتباع أهل البیت (ع)، إلى النواب الخاصّین للأئمة المعصومین (ع) الذین قد نصّبوا بالتنصیص و بشکل معیّن لتسلّم زمام الأمور السیاسیة من قبیل مالک الأشتر فی عهد أمیر المؤمنین (ع) أو النواب الأربعة فی عصر الغیبة الصغرى لإمام العصر (عج) و کذلک یشیر إلى النواب العامین، أی فقهاء الشیعة الذین نصبوا بشکل عام للتصدی لهذه الأعمال. طبعا هو یعلم أنه قد لا یتوفر للفقهاء المجال للعمل بهذا التکلیف، لهذا أضاف قید "الإمکان" إلى مطلبه و أشار فی تکملة کلامه إلى الحالات التی قد یزداد احتمال "الإمکان" فیها، حیث یقول: "فمن تمکّن من إقامتها على ولده و عبده و لم یخف من سلطان الجور ضرراً به على ذلک، فلیقمها" [6]
إن هذا الکلام الذی تفیض له العین ألما، یحکی عن مظلومیة عقیدة الشیعة المحکمة فی مختلف مراحل تاریخ الإسلام و کذلک یدل على وضوح فکرة "ولایة الفقیه" فی فکر و عقیدة مدرسة أهل البیت (ع).
ثم یذکر الشیخ المفید صورة أخرى لإمکان إجراء الحدود الإلهیة حیث یقول:
و هذا فرض متعیّن على من نصبه المتغلّب لذلک، على ظاهر خلافته له أو الإمارة من قبله على قوم من رعیته، فیلزمه اقامة الحدود و تنفیذ الأحکام و الأمر بالمعروف و النهى عن المنکر و جهاد الکفّار. [7] یعنی لو نصّب السلاطین و حکّام الجور فقیها لمنصب معین حیث یمکنه من خلاله أن یجری حدود الله من دون أن یلحق به ضرر منهم، علیه أن یستلم المنصب. یشیر الشیخ المفید فی هذه العبارة إلى أربع قضایا:
1ـ إقامة حدود الله أی إجراء التعزیرات الإسلامیة و التی هی من صلاحیات الحاکم الإسلامی.
2ـ إجراء و تنفیذ الأحکام، و هی تشمل بإطلاقها جمیع الأحکام الإلهیة و الوظائف الشرعیة، و على أساسه یجب على الفقیه أن یسعى من أجل أن یسود الإسلام فی المجتمع کافة و شؤونه کلها.
3ـ الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر الذی تختص مراتبه العالیة بالحاکم الإسلامی و قد أشار إلى ذلک الشیخ المفید من قبل.
4ـ الحرب و الجهاد ضد الکفار الذی یشمل الدفاع بل الهجوم علیهم. [8]
بعد ذلک یطرح الشیخ المفید قضیة أخرى فی هذا المجال لعله یستطیع أن یسد باب أی توجیه مرفوض أو تفسیر غیر معقول، إذ یقول رحمه الله: و للفقهاء من شیعة آل محمد: أن یجمعوا بإخوانهم فی صلاة الجمعة و صلاة الأعیاد و الإستسقاء و الخسوف و الکسوف إذا تمکّنوا من ذلک و آمنوا فیه من مضرّة أهل الفساد و لهم أن یقضوا بینهم بألحق و یصلحوا بین المختلفین فى الدعاوى عند عدم البیّنات و یفعلوا جمع ما جعل إلى القضاة فى الإسلام لأنّ الأئمة: قد فوّضوا إلیهم ذلک عند تمکّنهم منه بما ثبت عنهم فیه من الأخبار و صحّ به النقل عند أهل المعرفة من الآثار. [9]
هنا أشار الشیخ المفید إلى قضیتین مهمتین:
1ـ إقامة الصلوات کصلاة الجمعة و صلاة عید الفطر و صلاة عید الأضحى و صلاة الاستسقاء و صلاة الوحشة.
2ـ الحکم و القضاء
و یعتبر کلیهما من شؤون الفقهاء و استدل ببعض الروایات على أنهم نصّبوا من قبل أهل البیت (ع) لهذه الأعمال. و نحن سوف نشیر إلى هذه الأخبار التی هی نفس روایات باب ولایة الفقیه بشکل مفصل. لکن هنا نکتفی ببیان هذه النکتة و هی أن هناک روایات معتبرة قد اشترطت عدالة الإمام فی صلاة عید الفطر و الأضحى بصراحة [10] و اشترطتها ضمنیا فی صلاة الجمعة [11] . لذلک بعض الفقهاء فسروا الإمام العادل بالإمام المعصوم (ع) و علیه لم یوجّبوا هذه الصلوات فی عصر الغیبة. أما الشیخ المفید فقد اعتبر فقهاء الشیعة من مصادیق "الإمام العادل" إذ قد جعل إقامة هذه الصلوات من وظائفهم، و هذا الکلام ینسجم مع کلامه السابق فی "الجهاد ضد الکفار" حیث قد جعله من وظائف الفقهاء. إذ أن کلامه ذلک کان یشمل الجهاد الابتدائی ـ بإطلاقه على الأقل ـ و الروایات تشترط وجود الإمام مفترض الطاعة فی الجهاد. [12] لقد حصر بعض الفقهاء ذلک فی الإمام المعصوم (ع) فحرموا الجهاد الابتدائی على الفقیه. لکن یعتقد الشیخ المفید أن الفقیه المنصّب من قبل أئمة أهل البیت (ع) للقیادة فی عصر الغیبة، هو من مصادیق "الإمام مفترض الطاعة" و له أن یأمر بالجهاد الابتدائی ضد الکفار.
إن جمیع کلمات هذا الفقیه العملاق فی العالم الإسلامی، تحکی عن قبوله لأصل ولایة الفقیه و أن الفقهاء موکّلون من قبل الأئمة المعصومین (ع) أن یمسکوا بزمام المجتمع الإسلامی فی عصر الغیبة. و لازالت هذه الکلمات القیّمة تشعّ و تشرق مع أنه قد مرّ علیها أکثر من ألف سنة، و إن لم ینظر البعض الى إشراقها أو لا یریدون ذلک. [13]
للحصول على المزید من المعلومات حول ولایة الفقیه راجع أجوبة 2149 (الموقع: 2272) و 9941 (الموقع: 9923) و 572(الموقع: 626) و 10953 (الموقع: 10864) وإن شاء الله تجد أجوبتک فیها.
[1] راجع: مهدى الحائری الیزدی، حکمت و حکومت، ص 178.
[2] راجع: المجلسی، بحار الأنوار، ج72، ص354 (کتاب العشرة، باب أحوال الملوک و ألامراء حدیث 69). قد فسر الإمام الخمینی (ره) هذه الروایة بحیث تنطبق على ولایة الفقیه والإمام المعصوم معا.
[3] إن هذه الروایات قد فسرت بطریقتین:
أ. کل من تسلم زمام السلطنة و الحکومة، فهو ظل الله و تجب إطاعته. على أساس هذا التفسیر، لیس لمواصفات الحاکم و طریقة مجیئه للحکم تأثیر على وجوب الطاعة. لا شک فی أن هذا التفسیر یتناغم مع هوى الملوک و السلاطین و یبرر الظروف و الأوضاع الموجودة.
ب. یجب على من تسلّم زمام الحکم و السلطنة أن یکون ظل الله؛ یعنی أن تکون آلیّة استلامه للحکم و أن تکون فیه مجموعة من المیزات التی یرضى بها الله و تؤیدها الشریعة، على أساس هذا التفسیر، لا تجب إطاعة أی ملک و سلطان إلا من کانت فیه مواصفات الحاکم المعترف به فی الإسلام و أن یمسک بزمام الحکم عن طریق مقبول فی الإسلام. إن نظریة ولایة الفقیه تعتبر الفقیه الجامع للشرائط هو الذی تتوفر فیه هذه المواصفات.
[4] راجع: الشیخ المفید، المقنعة، ص810.
[5] توهم البعض أن إجراء الحدود و التعزیرات الإسلامیة، هی من شؤون القضاء و ترجع إلى صلاحیات الفقیه فی أمر القضاء، لکن القضاء فی مصطلح الفقه لیس إلا التحکیم و فصل النزاع بین المتخاصمین. فإجراء التعزیرات على المجرمین، تعدّ من شؤون ولایة الفقیه بمعنى قیادة المجتمع و تولی أمره.
[6] راجع: الشیخ المفید، المقنعة، ص810.
[7] راجع نفس المصدر.
[8] من خلال هذه العبارة، یمکن استنباط جواز الجهاد الابتدائی للفقیه، و التحقیق فی هذه المجال یحتاج إلى محل آخر و سوف نشیر إلیها باختصار فی الصفحات الآتیة.
[9] الشیخ المفید، المقنعة، ص811.
[10] الشیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج5، صص 96 – 95، (کتاب الصلوة، ابواب صلوة العبد، باب 2 حدیث1).
[11] المصدر نفسه، صص 13 - 12.(کتاب الصلوة، أبواب صلوة الجمعة و آدابها، باب5).
[12] راجع: الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج11، صص 35 – 32( کتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، باب 12).
[13] اقتباسا من کتاب ولایت و دیانت، الأستاذ مهدی الهادوی الطهرانی، ص 67- 74.