Please Wait
3323
انّ الهدف من ذکر بعض القصص في القرآن هو کمال الانسان ونمو شخصیته، وکذلک تنویر القلوب والتحکم في الاهواء المتمردة وفی النهایة محاربة الظلم والانحراف. ان أسباب تفرق الموضوعات في القرآن هي: إضفاء الأصالة على المحتوى والمضمون والأبواب الإرشادية، ومعالجة جميع القضايا من أجل بناء الانسان والمجتمع، وذكر موضوعات متنوعة لتحليل القضية الرئيسية وجذب الناس وتثقيفهم. ومن النقاط المهمة لتكرار القصص والتعاليم في القرآن الكريم: استقرار الأفكار والنظريات وترسيخها، والتأثير علی التعلم، وتربیة الناس وتحذيرهم، وجعل المحتوى المتكرر ممتعًا بعبارات مختلفة.
أهداف قصص القرآن الكريم
القرآن الكريم كتاب لكل الأزمنة ويتوافق مع الحاجات العلمية لكل بني البشر. قد رتَّب هذا الكتاب بحيث يكون لعباراته، بالإضافة إلى المعاني الظاهریة، معاني عميقة جدًا في الباطن. القرآن الكريم هو الحبل الإلهي ومصدر السعادة والفلاح للإنسان. لذلك، يجب أن یحتوی على جميع الموضوعات والقوانين اللازمة لإرشاد البشر وهدایتهم. انّ الله تعالى ارسل القرآن کتابا جامعا فی احسن صورة لتحریر البشر وهدایتهم، وذكر فیه القوانين العامة صراحة أو على شكل أمثال وحكم وقصص وسير الماضین حتى يتمكن الناس من اختيار الطريق الصحيح والنجاة من التحیّر و الضلال بتعیین المصادیق وربطها بالکلیات الواردة في الآيات الشریفة.
إن أحداث الماضین تفتح لنا آفاقا نحو معرفتهم وتطلعنا على زلاتهم وانحرافاتهم ونجاحاتهم، وهذا الوعي یکون سلّما لرقینا وتقدمنا حتى لانجرب التجارب المرة لأسلافنا مرة اخری. لهذا السبب تم التأكيد في النصوص الدينية على الاهتمام بتاريخ الأمم الماضية والتفكير في أعمالهم. إضافة إلى أن العظة والاعتبار من أهم أسباب ذكر تاريخ الماضين، كما صرح به القرآن الكريم: «لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْباب».[1]
فكل ماذکر یدل علی أن الغرض من قصص القرآن هو کمال الإنسان ونمو شخصیته، فالهدف هو تنوير القلوب والنفوس، والسيطرة على الرغبات المتمردة، وفی النهایة الهدف هو مكافحة الظلم والانحراف.[2]
التفرق و التشتت في القرآن
يمكن بيان أسباب تفرق الموضوعات وتشتتها في القرآن الکریم على النحو التالي:
- لایعتبر التكرار في القصص القرآنية نقصا، بل هو سبب إعطاء الأصالة لمحتوى القصة وفصولها الإرشادية، وليس لشكلها الروایی.[3]
ان المهم في منهج القرآن، هو صلة الموضوع بالهدف التربوي المحدد الذي ذكرت الآية من أجله. فتكرار القصة أو تقطیعها ایضا قد یکون بدافع هذا الامر.[4]
- هذا التنوع لا يضر بالوحدة الموضوعیة في السور. على سبيل المثال، عندما نشاهد فی عالمنا البیئة الطبیعیة، الغابات والحدائق أو البیئة الحیوانیة والبيئات الحضرية أو الريفية، فی نفس الوقت نشاهد في كل منها عناصر من بیئات أخرى، ولكن الوجه الغالب علی کل منها انها قریة أو مدينة أو غابة او حديقة. بشكل عام، ان جمال كل من هذه الأماكن هو بسبب اشتمالها علی عناصر وأجزاء أخرى. فالمدينة ليست جميلة بدون الأشجار والحيوانات والمياه وما إلى ذلك، والغابة تزداد جمالا مع الأكواخ والحيوانات والطيور وما إلى ذلك. لذلك، ینبغی أن نعتبر للموضوعات المتفرقة صلة بالموضوع الرئيسي في كل سورة و نفسر تلک الموضوعات المختلفة بالنظر الی ذلک الموضوع الرئيسي.[5]
- انّ القرآن كتاب لبناء الانسان والمجتمع. يتم الوصول الی هذا الهدف من خلال معالجة جميع القضايا التي ترتبط بطريقة ما بهاتين المقولتین.[6]
- انّ بعض موضوعات القرآن ذکرت ابتداء، والبعض آلاخر منها کان رداً على تساؤلات الناس وشكوكهم عقیب بعض الأحداث. أن القرآن، مع الحفاظ على الوحدة العامة في مقاصد السور، قد تناول هذه الامور أيضًا، وكان هذا هو السبب لدرج آيات جديدة في بعض السور بأمر من النبي(ص).[7]
- ان تنوع الآيات والروايات، إضافة علی تأثیره فی تعلیم الناس وتثقیفهم، کان بدافع جذبهم وتربیتهم. يعني یبشرهم وینذرهم ویخوفهم ویمنحهم الأمل وما إلى ذلك. لكن التقسيم الموضوعي للمباحث ينسجم بشكل أساسي مع الهدف التربوي.[8]
- اختار القرآن أفضل طريقة للإرشاد. لأنه يعبر عن النظام العملي والأيديولوجي والأخلاقي بشکل ممتزج. فعلى سبيل المثال، يذكر الأحكام في مكان ما وبعد بيان الأحكام، يشير أيضًا إلى موضوع القيامة والحساب حتی یحرض المستمع والقارئ على الفعل.[9]
بالطبع هناك سور فی موضوع خاص في القرآن. على سبيل المثال، قد اختص بعض السور بقصة ما؛ مثل سورة يوسف، وبعض منها بقضايا التوحيد فقط والبعض الآخر بقضية القيامة.
التكرار في القرآن
قال الله تعالى في القرآن الكريم: «وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ (ای انزلناه سورة سورة و آیة آیة او فصلناه حسب وقوع الحوادث)لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزيلا(ای فی مدة 23 عاما)».[10]
وكما يفهم من هذه الآية وآيات أخرى، أن القرآن قد نزل على النبي خلال 23 سنة. ربما كان من الضروري تکرار موضوع او قصة ارشادیة لعدة مرات والإشارة إليها في كل مرة وذلک لاجل تثقيف الناس وإرشادهم. ومن اهم نقاط تكرار القصص والتعاليم في القرآن الكريم ما يلي:
- في الأساس، يؤدي التكرار في مجال الأفكار وتقديم آراء واضحة للناس، عادة إلى اسقرار هذه الأفكار والنظريات وترسيخها في أذهانهم.
- أثبتت الأبحاث التي أجراها علماء النفس أهمية التكرار في ممارسة التعلم. تكررت في القرآن بعض الحقائق عن الإيمان والمسائل غير المرئية التي يريد القرآن غرسها في أذهان الناس. على سبيل المثال، في سورة النمل، تكررت عبارة «اله مع الله» خمس مرات لتثبیت الإيمان بالتوحيد في العقول، وورد ایضا في سورة هود، ذكر دعوة الأنبياء الماضين أممهم إلى التوحيد وعبادة الإله الواحد أربع مرات.[11]
تبین هذه التكرارات لنا أن القرآن فی الحقيقة ليس كتابًا تاريخيًا یذكر الحادثة بشكل كامل ثم یترکها، بل هو كتاب تربية وأنسنة، ونعلم أنه في الأمور التربوية أحيانًا تتطلب الظروف أن یذكر واقعة ما لعدة مرات، حتی ینظر إليها من زوايا مختلفة ویستخلص نتائج منها في اتجاهات مختلفة.[12]
- في مقام التربية يلزم أحيانا أن يعول على مسألة مهمّة مراراً لتترك أثرها العميق في ذهن القارئ وتقوده إلى تلك العناوين أكثر؛ على سبيل المثال، في سورة القمر يتكرر ذكر عذاب الكفار ثلاث مرات.[13] بعبارة: «فکیف کان عذابی ونذر».[14] وهذا التكرار إنذار لكفار قريش وتذكيرهم بمصير من أنكر الأنبياء السابقين.
- يجب أن تتم هذه التكرارات بتعابیر ظریفة ومتنوعة حتى لا تسبب الملل. يعد تغيير العبارات التي تعبر عن فكرة معينة أمرًا مهمًا جدًا في علم النفس لتجنب الملل وجذب انتباه الناس؛ على سبيل المثال، قصة قوم لوط التی ذکر جزء منها في خمسة سور من القرآن، ("الحجر، الآيات 59 ، 60"، "هود، الآية 81"، "الذاريات، الآيات 35 ، 36"، "العنكبوت الآية 32" و "الاعراف الآية 83") قد تم التعبیر عنها بعبارات مختلفة، ولکن کلها تتحدث عن حقيقة واحدة وهی: انا لا نحرق الاخضر و الیابس معًا؛ العدل لا يسمح لنا أن نبتلي المؤمنین بعاقبة الكفار، وحتى لو كان هناك رجل إيمان وطهارة بين ملايين الكفار والمجرمين لانجیناه.
- قد یکون التكرار في بعض حلقات القصة لاجل التعبير عن موضوع جديد أو تقديم الدليل على ما ورد في الآيات السابقة. بما أنه من الممكن النظر إلى حادثة من زوايا مختلفة وملاحظة بعد من أبعادها في كل نظرة، لذلک تم عرض الأحداث وتكرارها في القرآن الكريم بهذا الشکل. [15]
[1]. یوسف، 111؛ الجزئیات و التکرار فی القرآن، السؤال 149 (الموقع: 897).
[2]. اقتباس من سؤال 1846 (الموقع: 1827).
[3]. المحدثی، جواد، هنر در قلمرو مکتب، ص240، مكتب الاعلام الاسلامی، الطبعة الثانیة.
[4]. الجعفری، یعقوب، تفسیر کوثر، ج 2، ص 501، کوثر، قم، هجرت، چاپ اول، 1376ش.
[5]. القنادی،صالح، قرآن شناسی، ص140، ممثلیة الولی الفقیه فی الجامعة، مکتب نشر المعارف، الطبعة الرابعة، 1386.
[6]. قرآن شناسی، ص140.
[7]. قرآن شناسی، ص141.
[8]. قرآن شناسی، ص141.
[9]. قرآن شناسی، ص141.
[10]. اسراء، 160.
[11]. المهدوی، سید سعید، قصه و نکات تربیتی در قرآن، ص27، مکتب الاعلام الاسلامی، الطبعة الثانیة، 1386.
[12]. مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر نمونه، ج 15، ص 502. و راجع ایضا موقع حوزه نت.
[13]. قصه و نکات تربیتی در قرآن، ص 28.
[14]. القمر، 16.
[15]. قصه و نکات تربیتی در قرآن، ص 29.