Please Wait
7769
يفهم من العبارة المذكورة اكثر من معنى، منها: ان الانسان قد يبذل جهودا كبيرة في طلب العلم و تحصيل المعارف الا انه لم يستفد منها في مقام العمل بل ينصب همه على ايصالها للناس ليحصل على ثناء عابر و مديح زائل، فحينئذ ينتفع الناس بعلمه و يعبرون الصراط من خلال تسمكهم بما نقله اليهم من المعارف، اما هو فلا يعود اليه من علمه الا ذلك المديح الزائل في عالم الدنيا. و قد يكون معناها: ان الانسان قد یضع نفسه –احیاناً- موضع العالم و المفتي دون ان یکون له علم حقیقي، فیقع تدریجاً تحت تأثیر العوامل الجانبیة و الاهواء و رغبات الناس، و یستخدم علمه في تلبیة رغبات مخاطبیه، و یعطف همته علی جلب رضاهم فینحرف عن طریق الحق، و بذلک یتحول هذا الشخص الی وسیلة یستخدمها أهل الاهواء في الوصول الی اهدافهم.
وردت هذه العبارة في روایة “عنوان البصري" مقرونة بهذه الکلمة: "اهرب من الفتیا هَرْبَكَ من الأَسد و لا تجعل رقبتك للناس جسراً"؛ والتي تعني أن علیک في مقام طلب العلم ان تکون بصدد العمل بما تعلم لکي تصل الی الهدف و الغایة الاصلیة من العلم و الدین و المعارف، و لایکن هدفک هو ان تکون واسطة فقط في انتقال العلم الی الآخرین، و لا تظنن ان دور العالم ينحصر بنقل الفتيا و الرأي و العلومة الاخرين من دون أن يكون مسؤولا عنها و تطبيقها في سلوكه العلمي، و بذلک سوف یستفید أهل العمل من علمک و تکون بمنزلة الجسر الذي يتجاوزه الناس الى الضفة الاخرى من دون ان ينتفع هو بشيء إن لم يتضرر بكثرة العابرين، فلا تصل الى الهدف الذي رسمه الله تعالى لك مع ما تتوفر عليه من علم و معارف مخزونة في عقلك و قلبك، و الحال ان الهدف الاصلي من العلم هو العمل به و الارتقاء من خلاله الى الغاية العظمى التي رسمتها السماء للصالحين و الخيرين، و لا يتحقق ذلك بنقله للآخرین فقط، بل قد يكون ذلک ذا مردود سلبي و مبعداً عن الله ایضاً حیث إن مثل هذا الشخص یکون قد اهمل نفسه و لم يفكر بمصيره في الوقت الذي صب جل اهتمامه على تعلم العلوم و بذل الجهود في تحصيلها لا لغاية اصلاح النفس بل لنقلها الى الاخرین فقط، و لا يحصل من وراء ذلك الجهد الكبير الا على بعد الثناء و المديح العابر الذي يكيله الاخرون له و اعجابهم به، الامر الذي قد يؤدي به الى الغفلته عن الهدف الاصلي، و سوف یبتلی رويداً رويداً بنسیان النفس و توهم الکمال من دون ان یحصل علی علم حقیقي مع کثرة علومه النظرية، والحال ان العلم الحقیقي و فق النظرية الاسلامية یستلزم الانقطاع الی الله والعزم والارادة و السعي الحثیث للفوز برضاه و تطبيق رسالته في الارض، و هو مقام أرفع من التعلیم و التعلم الظاهري کما ورد في صدر نفس هذه الروایة حیث صرحت بانه " ليس العلم بكثرة التعلم إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله أن يهديه"، و هذا هو محور هذه الروایة.
والمعنی الآخر الذي یمکن استفادته من هذه العبارة هو ان الانسان قد یضع نفسه –احیاناً- موضع العالم و المفتي دون ان یکون له علم حقیقي، فیقع تدریجاً تحت تأثیر العوامل الجانبیة و الاهواء و رغبات الناس، و یستخدم علمه في تلبیة رغبات مخاطبیه، و یعطف همته علی جلب رضاهم فینحرف عن طریق الحق، و بذلک یتحول هذا الشخص الی وسیلة یستخدمها أهل الاهواء في الوصول الی اهدافهم.
و هذا الامر اي الکون جسراً یعبر علیه الناس، سوف یؤدي حتی في جانبه الایجابي الی ان ینسی طالب العلم نفسه و ربّه، و في الوقت الذي یستفید أهل العمل من علمه و یدخلون الجنة فانه سیتوقف خلف أبواب الجنة، لعدم انتفاعه بعلمه و انزاله الى حيز الواقع.