Please Wait
6874
صنف العرفاء الکبار من قبیل ابن عربی کتباً و مصنفات کثیرة فی مجال العرفان النظری تمثل قمة الدراسات العرفانیة للراغبین فی طی هذا الطریق و قد حظیت هذه الکتب باهتمام کبیر من قبل المفکرین و العلماء العارفین و شرحت مئات الشروح و دونت علیها الکثیر من التعلیقات، یمکن الرجوع الیها فی هذا المجال ، لکن الامر المهم هنا أن الدراسة النظریة المجردة عن السلوک العملی لاتجدی نفعا، بل عندما تتجرد عن تهذیب النفس و التلقی الباطنی للامور العرفانیة سوف تتحول هی بنفسها الى و سیلة للخداع و المکر.
یقسم العرفان عادة الى العرفان النظری و العملی و من المتعارف أن اصحاب المیول الفلسفیة و الاستدلالات النظریة و الفلسفیة اکثر میلا نحو العرفان النظری. و ان کان العلم و المعرفة مقدم على العمل. و لکن الذی یطرح بعنوان العرفان النظری أو الفلسفة العرفانیة لا یمثل العرفان الواقعی دائما، فربما لا یتعدى الأمر حد دائرة الذهن و الذهنیات فقط. و على هذا الاساس تکون الفاصلة کبیرة بین تحصیل العرفان النظری و بین العرفان العملی الواقعی.
فالعرفان الخالص، له صلة قویة بطریق القلب لا بالتحصیل و دراسة الامور النظریة و المدرسیة، و کما یقول الامام الصادق (ع): " لَیْسَ الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یَقَعُ فِی قَلْبِ مَنْ یُرِیدُ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى أَنْ یَهْدِیَهُ فَإِنْ أَرَدْتَ الْعِلْمَ فَاطْلُبْ أَوَّلًا فِی نَفْسِکَ حَقِیقَةَ الْعُبُودِیَّةِ وَ اطْلُبِ الْعِلْمَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَ اسْتَفْهِمِ اللَّهَ یُفْهِمْکَ" [1]
صنف العرفاء الکبار من قبیل ابن عربی کتباً و مصنفات کثیرة فی مجال العرفان النظری تمثل قمة الدراسات العرفانیة للراغبین فی طی هذا الطریق و قد حظیت هذه الکتب باهتمام کبیر من قبل المفکرین و العلماء العارفین و شرحت مئات الشروح و دونت علیها الکثیر من التعلیقات، یمکن الرجوع الیها فی هذا المجال و هی متوفرة فی الاسواق، لکن الامر المهم هنا أن الدراسة النظریة المجردة عن السلوک العملی لاتجدی نفعا، بل عندما تتجرد عن تهذیب النفس و التلقی الباطنی للامور العرفانیة سوف تتحول هی بنفسها الى و سیلة للخداع، بل قد یترقى الأمر الى درجة اکثر خطورة عندما یجعل السالک - هذا الطریق خطأ- من نفسه استاذا و مرشدا لغیره مما یؤدی الى نتائج وخیمة و ضلالة کبیرة.
اضف الى ذلک أن الکتب العرفانیة لم تدون عادة بلغة سهلة یدرکها الجمیع مما یجعل الطالب للعرفان -من دون الاستعانة بالاستاذ و المرشد- بحاجة الى فترة طویلة و طی مقدمات کثیرة لعله یتمکن من ادراک مضامین تلک الکتب و حقائقها. و على فرض التوصل الى فهم المطالب و استیعاب المفاهیم استیعابا جیداً، لکن هذا الفهم النظری المجرد عن العمل هو الآخر لا یجدی نفعا فی تحصیل الثمرة المرجوة من و راء هذه المطالعات العرفانیة.
و الحال ان مدرسة النبی الاکرم (ص) الواردة عن طریق العترة الاطهار تؤکد على کون الخوض فی عالم العرفان و المعرفة أمراً فطریاً لا یتحقق من دون العشق و تحمل الصعاب و الصدق و الوفاء و لیس له مقدمات دراسیة و علمیة معقدة، و العرفاء الکبار من مدرسة النبی الاکرم (ص) و مدرسة الامامة قد نالوا هذا المقام بصورة مباشرة عن طریق النبی و الامام علیهم السلام، و ما هذا الا بسبب الاستفادة بلا واسطة من مصدر العلم و العرفان و الثبات على العش و ارادة الطاعة و الانقیاد لهم. کذلک نقرأ فی القرآن الکریم قوله تعالى: " قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونی یُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحیمٌ ". [2] و هذا هو سر العشق و الارادة نحو اصحاب العلم اللدنی و مظاهر العلم و الحکمة و العرفان الذین تخلقوا باخلاق الله تعالى و هم التجلیات الواضحة لاسماء الله تعالى وصفاته.
ان هذا الطریق هو أیسر الطرق و اسلم الطرق و أحقها فی العرفان و الذی یمثل فی الواقع جوهر التشیع و الامامة أیضاً.
واما فی عصر الغیبة (علما ان الامام لم یغب بمعنى الغیبة المتعارف ظاهرا) فلم یغلق هذا الطریق أیضا بل هناک من العرفاء الکاملین یعیشون فی اوساط الناس على الدوام و هم یستقون علمهم و عرفانهم من تلک العین الصافیة و على اتصال دائم بمنبع الامامة الثر فی زمن الغیبة و الحضور. و من هنا تظهر فلسفة التأکید على الاستاذ فی التدرج فی مسار العرفان.
بناء على ما مر، فاذا کان الفرد قد وصل الى الکمال فی مقام الشریعة الذی هو الباب و الممر الى الطریقة و وصل عن طریق العمل و التقید بالشریعة و تحصیل التقوى الى التقلیل بالحد المطلوب من التعلقات الدنیویة فحینئذ سیوفر له الله تعالى الاستاذ الکامل و العارف الواصل لهدایته و ارشاده. و هذه النعمة الالهیة الکبرى تمثل مرتبة خاصة من مراتب الهدایة، و لاریب أن مدارج العرفان الاصیل و الحقیقی تکمن فی هذا الطریق و لا مجال لتحصیلها الا من خلاله. و الا فان احتمال الانحراف موجود دائما، و مما لاریب فیه ان الدعوات الشبیهة بالعرفان هذه الایام کثیرة جدا حیث تظهر باسالیب مختلفة لتجرف معها بعض الافراد و تحرفهم عن الطریق المستقیم، أو أن الفرد یصرف الکثیر من عمره فی تحصیل العرفان النظری من دون أن یحرک ساکنا فی الاتجاه الآخر المتمثل فی العرفان العملی و السلوکی.
لمزید الاطلاع انظر:
لزوم وجود الاستاذ فی مسیر التزکیة و الاعداد الروحی 1983 (الرقم فی الموقع: 2062) .
حدیث عنوان البصری 7961 (الرقم فی الموقع: 8135).
الحاجة الی الاستاذ فی العرفان. 12697 (الرقم فی الموقع: 12444)
کذلک یمکن الاستفادة من کتب الأعلام الکبار الشهید مرتضى المطهری و آیة الله جوادی الآملی، و آیة الله حسن زادة آملی فانها تحتوی على علوم مفیدة فی هذا المجال.