بحث متقدم
الزيارة
8865
محدثة عن: 2011/07/21
خلاصة السؤال
هل عیّن النبی (ص) فی زمان مرضه أبابکر إماماً للجماعة؟
السؤال
هل تعیین إمامة أبی بکر للجماعة فی زمان مرض النبی (ص) صحیح أم لا؟
الجواب الإجمالي

نُقلت عدة روایات فی هذا المجال فی المصادر السنیة، القبول بها یوجد عندنا عدّة إشکالات و ابهامات لابد من ردّها. و علی فرضا صحتها و التسلیم بها، فإن مجرد تعیین شخص إماماً للجماعة مرة واحدة أو مرّتین لا یکون دلیلاً علی أحقّیته و لیاقته للخلافة بعد النبی (ص) و ذلک لوجود أفراد آخرین قد صرّح النبی الأکرم (ص) بأحقّیتهم و لیاقتهم لإمامة الجماعة فی الصلاة، و لکن لا نری من یعتبر هذا التصریح دلیلا علی أحقیّتهم فی الإمامة و الخلافة.

الجواب التفصيلي

جاء فی المصادر السنیة أن النبی (ص) أمر یوماً فی أیام مرضه أبابکر للصلاة الجماعة فی الناس. و قد اعتبر الکثیر من أهل السنة هذه القضیة نوع تفضیل لأبی بکر و دلیلا علی أحقیته فی أمر الخلافة. لکن هذه القضیة قد نُقلت بأسالیب مختلفة لا یُمکن قبول أیٍّ منها.

روی مسلم فی صحیحه عن عائشة انها قالت: «لما اشتد برسول الله (ص) وجعه، قیل له فی الصلاة فقال: مروا أبابکر فلیصل بالناس، قالت عائشة: أن أبابکر رقیقٌ إذا قرأ غلبه البُکاء، قال: مروه فلیصلی فعاودته قال: مروه فیصلی انکنّ صواحب یوسف». [1]

فی حدیث آخر عن عائشة لما مرض رسول الله (ص) المرض الذی مات فیه اَذن بلال للصلاة فقال: مروا أبابکر أن یصلی بالناس، فقلت أن أبابکر رجل رقیق القلب ...... الی أن قال: اِنکن صواحب یوسف، فأرسلنا خلفه فتقدم أبوبکر و وجد رسول الله (ص) خفّة فخرج یهادی بین رجلین .... فلما دنا من أبی بکر تأخّر ابوبکر فأشار إلیه رسول الله (ص) أن قم فی مقامک فقعد رسول الله (ص) فصلی الی جنب ابوبکر جالساً قالت فکان ابوبکر یصلّی بصلاة النبی (ص) و کان الناس یصلّون بصلاة أبی بکر. [2]

قال الطبری: قال رسول الله (ص)«آن وقت الصلاة؟ قیل: نعم قال: فأمروا أبابکر لیصلی بالناس، فقالت عائشة: أنه رجل رقیق فمر عمر فقال: مروا عمر فقال: عمر: ما کنت لأتقدم و ابوبکر شاهد فتقدم و وجد رسول الله خفة فخرج فلما سمع ابوبکر حرکته تأخّر فجذب رسول الله (ص) ثوبه فأقامه مکانه و قعد رسول الله (ص) فقرأ من حیث انتهی ابوبکر.[3]

ما جاء فی هذه الروایات یدعو الی کثیر من التأمّل و یبعث علی مزید من التساؤل بحیث لا یُمکن أن یطمئن إلیها أحد، و من هذه الأسئلة:

السؤال الأول: إذا کان النبی (ص) قد أمر أبابکر بالصلاة بالناس جماعة، فلماذا یذهب بعدها الی المسجد للصلاة بصعوبة بحیث لم یکن قادراً علی المشی؟.

السؤال الثانی: هل حضوره فی المسجد کان تأییداً لأبی بکر؟ و إذا کان کذلک فلماذا یجره و یفرش قمیصه و یقف مکانه و یصلی؟

السؤال الثالث: إذا کان ابوبکر قد اقتدی بالنبی (ص) کما تذکر الروایة، إذن لا یوجد أی معنی لإمامته، فهل من الممکن أن یکون الشخص فی وقت واحد إماماً لشخص و مأموماً لآخرین.

السؤال الرابع: ما هی هذه الصلاة التی صلّاها ابو بکر بدلاً عن النبی (ص)؟ هل کانت صباحاً أم ظهراً أم عشاءً و أین حصلت هذه الإمامة؟ و لماذا نقل محدثو أهل السنة هذه القصة بشکل متناقض فی کُتبهم؟

السؤال الخامس: إذا کانت هذه الصلاة دلیلا علی اولویة أبی بکر للخلافة، فلماذا لم یستد بها شخص من المهاجرین و الأنصار فی السقیفة بل و حتی نفس أبی بکر لم یستدل بها؟

السؤال السادس: إذا کانت صلاة أبی بکر نیابة عن النبی (ص) موجبة لإستحقاقه للخلافة، فلماذا لا یستحق «عبد الرحمن بن عوف» الخلافة؟ ألم یروی محدثوا أهل السنة فیه روایة عن النبی (ص) –و لم یشکّک فی هذه الروایة أحد منهم- حیث ینقلون أن النبی (ص) قال فی حقه «صلی خلفه». [4]

السؤال السابع: و هل هذه الصلاة –علی فرض ثبوتها- یُمکن أن تقف أمام النصوص الکثیرة المتواترة التی ذکرها النبی (ص) فی حق أمیر المؤمنین(ع) حیث یقول: «یا علی أنت منّی بمنزلة هارون من موسی». [5]

السؤال الثامن: علی فرض ثبوت هذه المسألة، لماذا عندما یامر النبی و فی فراش مرضه أبابکر للصلاة بالناس جماعة لا یقال عنه أنه یهجر! و لکن عندما یأمر بدواة و صحیفة لکی یکتب شیئاً علی حد قوله (ص) «لن تضلّوا بعدی أبداً» یقول عمر –نستجیر بالله- أن النبی لیهجر؟[6]

فإذا کان النبی(ص) یهجر، فلماذا جعلتم کلامه (ص) فی صلاة أبی بکر سنداً؟ و إذا لم یکن یهجر فلماذا نسب له عمر الهذیان؟

السؤال التاسع: لقد أمر النبی (ص) أصحابه و هو فی فراش موته أن یلتحقوا بجیش اسامة و قال (ص) «جهّزوا جیش اسامة[7] لعن الله من تخلّف عنه»[8] و علی رأی کل المؤرّخین أن اسامة لم یرجع بجیشه حتی توفی النبی(ص) فهل کان ابوبکر مع جیش اسامة أم لا؟ و إذا لم یشترک فقد تخلّف عن أمر النبی(ص).[9] و إذا اشترک فلم یکن عندها فی المدینة حتی یُمکنه أن یصلی بدل النبی (ص). [10]

إذن، مع کل هذه التناقضات کیف یصح أن أبابکر صلّی نیابة عن النبی (ص)؟

السؤال العاشر: لماذا یعاتب النبی (ص) زوجاته، مشبها لهن بصواحب یوسف، فماذا فعلت عائشة حتی تستحق هذا العتب و التقریع؟

مع کل هذه الاسئلة التی لا جواب عنها، لا یُمکن قبول صحة و دلالة هذه الروایات. [11]



[1]  صحیح مسلم، کتاب الصلاة، ج1 ص313؛ صحیح البخاری، کتاب الأذان؛ مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص239؛ مسند أبی عوانة، ص114 و ...

[2]  صحیح البخاری، کتاب الصلاة، ج1 ص85 و92؛ صحیح مسلم، ج1 ص85 و92؛ مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص210؛ سنن النسائی، ج3 ص99و100 و ...

[3]  تاریخ الطبری، ج2، ص230، طبعة بیروت.

[4]  المغازی، الواقدی، ج3، ص1012؛ تهذیب الکمال، ج14ص122.

[5]  نفس المصدر.

[6]  عمر بن الخطاب و لأجل منع النبی الأکرم(ص) من الوصیة قال: «دعوا الرجل فإنه لیهجر!!! حسبنا کتاب الله» و قد نقلها أکابر علماء السنة بألفاظ مختلفة فضلاً عن علماء الشیعة: الف: صحیح البخاری، کتاب العلم، باب کتابة العلم، ج1، ص39، ج2، ص118- ج4، باب قول المریض من کتاب المرضی، ص5، ج6، باب مرض النبی(ص) و وفاته، ص11 –ج4 کتاب الجهاد، باب جوائز الوفد، ص85.

ب: صحیح مسلم، ج6، کتاب الوصیة، باب ترک الوصیة، ص76.

ج: شرح نهج البلاغة لإبن أبی الحدید المعتزلی، ج2 ص536 و ج2 ص20.

د: الکامل، لإبن اثیر، ج2 ص217.

[7]  تاریخ مدینة دمشق، لإبن عساکر، ج2 ص57 و ج8 ص60؛ المعجم الکبیر، الطبرانی، ج3 ص130؛ کنز العمال، ج10 ص576 و ...

[8] الملل و النحل، للشهرستانی، ج1، ص23 ؛ تاریخ خلیفة ابن خیاط، ص63-64؛ شرح نهج البلاغة، لإبن أبی الحدید، ج6 ص52 و ...

[9]  مضافاً الی ذلک لو قلنا بعدم ذهاب أبی بکر مع جیش اسامة یکون مشمولاً للعن النبی الأکرم (ص). و ذلک لأن طبقاً لبعض الروایات کما جاء فی هامش رقم 8 أن النبی (ص) لعن المتخلّفین عن جیش اسامة.

[10]  صرّح أکثر مؤرّخی السنة، أن أبابکر کان فی جیش اسامة، منهم:طبقات الکبری،لإبن سعد، ج4 ص46 و 136؛ تهذیب، لإبن عساکر، ج2 ص391 و ج3 ص215؛ کنز العمال، ج5 ص312؛ تاریخ الخمیس، ج2 ص172؛ تاریخ الیعقوبی، ج2، ص93؛ شرح نهج البلاغة، لإبن أبی الحدید، ج1 ص53 و ج2 ص21 و ...

[11]  اُخذ من «الفاروق الأعظم علی(ع)» مع قلیل من التصرّف و التغییر.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280274 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258855 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129655 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115714 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89578 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61080 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60391 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57383 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51662 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47726 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...