Please Wait
5187
«للروح» کاصطلاح استعمالات متعددة فی الکتب العرفانیة و الأخلاقیة و الفلسفیة. یعتقد أهل العرفان أن الإنسان یتمتع بأربعة حقائق، الروح، القلب، الخیال، الطبع. و کذلک یعتقد علماء الأخلاق أن الإنسان خلیط من قوى مختلفة منها أربع قوى: العقل، الشهوة، الغضب و الوهم، و هذه القوى متسلطة على القوى الأخرى و هی التی تتحکم بتوجیهها، و من الطبیعی أن إطلاق لفظ الروح على أی من هذه القوى لا إشکال فیه، و المراد بذلک هو مراتب حقیقة الإنسان، کما أننا نعلم أن روح الإنسان هی التی تشکل حقیقة الإنسان.
و أما فی نظر الفلسفة: فإن لفظ «الروح» یستعمل تارةً بمعنى النفس و تارة فی مرتبة من مراتب النفس.
و أما الحکماء فیعتقدون أن الإنسان یتشکل من ثلاث أرواح أو أنفس، نباتیة، حیوانیة، و إنسانیة، و إذا أضفنا لها الروح البخاریة یصبح المجموع أربع. و لا بد من الالتفات إلى أن الأرواح المتعددة لا تعنی التکثر و التعدد الوجودی على أساس الحکمة المتعالیة. و إنما یدل على بیان السعة الوجودیة للإنسان، و ببیان آخر فعلى أساس هذه النظریة، فمع الاعتقاد بوجود أرواح و قوى نفسانیة متعددة، فإن الاعتقاد بوحدة النفس الحقیقیة أمرٌ ممکن. و کذلک فإن الاعتقاد بوحدة النفس الحقیقیة لا یوجب إبطال و إنکار الأرواح و القوى المتعددة.
لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط من أجل إیضاح الإجابة عن هذا السؤال، أولاً: صیغة «الروح» فی کتب الفلسفة و العرفان له استعمالات متعددة[1] منها:
1ـ النفس الناطقة.
2ـ النفس الحیوانیة.
3ـ «العقل المجرد» و هنا یقولون أن «العقل الأول» یقال له «روح القدس».
4ـ «مقام یوم الجمع بالنسبة إلى الإنسان» و هو فوق مقام القلب «یوم الفصل للإنسان».
5ـ مرتبة «العقل البسیط» و هی ملکة الأخلاق و تفاصیل المعقولات فی مقابل مرتبة «العقل التفصیلی»، «المعقولات المفصلة أو القلب»[2].
6ـ «الشعاع الخارج من العین» طبقاً لنظریة الریاضیین بالنسبة إلى الإبصار.
7ـ «الجسم اللطیف» أو «الروح البخاری»[3].
ثانیاً: إن هذا الأمر و هو أن للإنسان عدة أرواح، تارةً یطرح برؤیة فلسفیة، و تارةً برؤیة عرفانیة و تارة بنظرة أخلاقیة.
بالنسبة لرؤیة الفلسفة فإن الحکماء یعتقدون أن الإنسان یتکون من ثلاثة أرواح أو أنفس: النفس النباتیة، الحیوانیة، و الإنسانیة، و إذا أضفنا لها الروح البخاریة یصبح المجموع أربع أرواح، و التوضیح الإجمالی لهذه الأرواح أو الأنفس الأربع على النحو التالی:
ألف: الروح أو النفس النباتیة: یعرف الحکماء النفس النباتیة على أنها تمثل الکمال الأول للجسم الطبیعی الآلی المتمثلة بالتغذیة و النمو و تولید المثل[4]. و أقل ما یدل على النفس النباتیة التغذیة[5].
ب ـ النفس أو الروح الحیوانی: یعرفون النفس الحیوانیة باعتبارها أول کمال الجسم الطبیعی الآلی الذی یتصف بالحس و الحرکة[6]. إن المراد من بیان المرتبة «الحیوانیة» النفس الحیوانیة لأنها أعلى مرتبة من النفس النباتیة، و على أساس قاعدة التشکیک فی الوجود فإن المراتب العلیا تتضمن کمالات المراتب الأدنى، و بحسب قاعدة استحالة التجافی فإنه لا یمکن للموجود أن یکون واجداً للمراتب العلیا ما لم یتجاوز المراتب الدنیا، فکمالات النفس النباتیة موجودة فی «النفس الحیوانیة»[7]. بل على أساس الحکمة المتعالیة فإن النفس النباتیة شأنٌ من شؤون النفس الحیوانیة. فالتعریف الکامل للنفس الحیوانیة کالآتی: الکمال الأول، الجسم الطبیعی الآلی الذی یتغذى، و ینمو، و یولد المثل، و یحس و یتحرک.
و على أی حال فإن «الحس» و «الحرکة الإرادیة» علامتان و دلالتان مختصتان «بالنفس الحیوانیة»، و «الحس» هنا یراد به مطلق «الإدراک» و هو غیر «التعقل».
ج ـ الروح أن النفس الإنسانیة: یقول الحکماء فی تعریف النفس الإنسانیة: الکمال الأول للجسم الطبیعی الآلی الذی یتعقل الکلیات و یستنبط الآراء و النظریات[8].
و کما أشرنا فی تعریف النفس الحیوانیة و کذلک أشار إلیه ابن سینا[9]: إن هذا التعریف بلحاظ المرتبة الخاصة للنفس الإنسانیة، و إلا فلا بد من إیراد جمیع القیود و الشروط فی النفس النباتیة و الحیوانیة فی تعریف النفس الإنسانیة. و عندها نقول: النفس الإنسانیة الکمال الأول للجسم الطبیعی الآلی المتصف بالتغذیة و النمو و تولید المثل و الإحساس و الحرکة الإرادیة و تعقل الکلیات و استنباط النظریات و الآراء.
و على أی حال فإن القدرة علی تصور المعانی الکلیة المجردة، و التوصل إلى المجهولات عن طریق المعلومات هی من خصائص الإنسان[10].
شرح و تفصیل خصائص النفس الإنسانیة:
لابن سینا إیضاحات فی مورد أفعال و خواص النفس الإنسانیة، نلخصها فی الموارد التالیة:
1ـ القدرة على الکلام.
2ـ القدرة على الاختراع و إنتاج الصناعات العجیبة.
3ـ الاتصاف ببعض الحالات «کالضحک» و «البکاء».
4ـ وجود حالة «الخجل».
5ـ حالة «الخوف» أو «الأمل».
6ـ القدرة على إدراک «الحسن و السوء».
7ـ النظر إلى المستقبل[11].
و کما أشرنا فی الجواب الاجمالی فإن الحکماء یعتقدون بوجود روح بخاری فی الإنسان، إضافة إلى الأرواح المتقدمة النباتیة و الحیوانیة و الإنسانیة و فی الحقیقة الروح البخاری هو الحد الفاصل بین الروح الحیوانی و الروح الإنسانی. و یقول الحکماء فی بیان الروح البخاری: «الروح البخاری جسم رقیق سیال حار متکوّن من عناصر ممتزجة مع الدم و تحمل قوى الحس و الحرکة و غیرها، و حیث إنها متکوّنة من هذه العناصر فهی من جنسها. و من الممکن أن نعبر عنها بعبارة أخرى فیقال: أنها دخان متصاعد من هذه الطبائع الممتزجة و کوّنت عصارة بإسم الدم، و أما الدخان الرطب المتصاعد منها فإنه سماؤها،[12].
و بعبارة أخرى فإن الروح البخاری جسم لطیف حار متحصل من لطافة الأخلاط الأربعة للبدن، کما أن الأعضاء تتکون من تکاثف الأخلاط، فیسمونها النفس الحیوانیة أیضا و هی حاملة للقوى، و حیث إن القوى ثلاثة أصناف حیوانیة و نفسانیة و طبیعیة، و حیث إن الروح البخاری حامل لها، لذلک عرف بثلاثة أصناف، فیطلقون علیه بصیغة الجمع الأرواح البخاریة.
و تقسم کتب التشریح أعضاء الإنسان إلى قسمین: رئیسیة و غیر رئیسیة، الأعضاء الرئیسیة هی مبادئ القوى التی تحتاج الى الاعضاء لبقاء الشخص0أو بقاء النوع، ففی بقاء الشخص تحتاج لثلاثة أعضاء: أحدها القلب مبدأ القوة الحیوانیة، و الثانی الدماغ و هو مبدأ قوة الحس و الحرکة، و الآخر الکبد، مبدأ قوة التغذیة، و لبقاء النوع لأربعة أعضاء فیضیفون الأنثیین إلى الأعضاء الثلاثة المتقدمة [13].
ثالثاً: و فی نظر أهل العرفان فإن الإنسان یتمتع بثلاثة مراتب ذات المقامات الأربعة أنواع، الروح، القلب، الخیال، الطبع. و بالتوضیح التالی: فالنفس الإنسانیة الناطقة لدى العرفاء باعتبارها مبدأ الحرکة و السکون یسمونها «الطبع»، و باعتبارها مبدأ الإدراکات الجزئیة یطلقون علیها إسم «النفس» و باعتبارها مبدأً للإدراکات الکلیة التفصیلیة یسمونها «القلب» و باعتبارها ملکة بسیطة تحصل فیها خلاقیة تفاصیل الإدراکات الکلی یسمونها «الروح»[14].
الرابعة: یرى علماء الأخلاق أن الإنسان مرکب من قوى مختلفة منها أربعة قوى: العقل، و الشهوة، و الغضب، و الوهم، و هذه القوى تتسلط على القوى الأخرى و تهیمن علیها[15]. یقول الملا صدرا فی مورد تضاد الصفات الإنسانیة و مراحل تکونها: إن باطن الإنسان مرکبٌ من قوىً لها صفات متضادة، بعضها تتصف بصفات حیوانیة، و بعضها بصفات الوحوش و بعضها بصفات الشیاطین و بعضها بصفات الملائکة، فمن الصفات الحیوانیة، الشهوة و البلادة و الحرص و الفجور، و صفات الوحش الحسد و العداوة و الضغائن، و من الصفات الشیطانیة، التلوّن و الخداع، و التکبر و حب الجاه، و الفخر و التآمر، و من صفات الملائکة، العلم و الطهارة و إن أساس أخلاق الإنسان ترجع جمیعها إلى هذه العناصر الأربعة الممتزجة فی باطنه. و لا یمکن التخلص من الصفات «الحیوانیة و الوحشیة و الشیطانیة» إلا عن طریق هدایة الوحی و العقل[16].
و من البدیهی أن إطلاق «الروح» على هذه المراتب الأربعة لا إشکال فیه، و المراد من هذه المراتب حقیقة الإنسان، و لا بد أن نعلم أن روح الإنسان هی التی تمثل حقیقة الإنسان.
خامساً: و المسألة الأساسیة هی: على أساس الحکمة المتعالیة أن وجود أرواح متکثرة و متعددة لا تعنی تکثر و تعدد وجود الإنسان. بل تبین سعة وجود الإنسان. و ببیان آخر و بحسب هذه النظریة فإنه من الممکن الاعتقاد بالوحدة الحقیقیة لنفس الإنسان فی عین الاعتقاد بتعدد القوى النفسانیة. کما أن الاعتقاد بوحدة النفس الحقیقیة لا یعنی إبطال و إنکار تعدد الأرواح[17].
و فی الختام نشیر الى ما ذکره الاستاذ العلامة حسن زادة آملی: ان الانسان له مقامات اربعة هی مقام خیاله و مقام طبعه، و له فی کل مقام احکام خاصة و له مع تلک المقامات وحدة شخصیة لا تنثلم بتلک الکثرات و اترابها. و المراد من الروح هو مقامه الجمعی و یعبر عنه بیوم الجمع ایضا. کما ان القلب هو مقامة الفصلی ویعبر عنه بیوم فصله . و بعبارة اخری ان المرتبة الروحیة هو ظل المرتبة الاحدیة، و المرتبة القلبیة هی ظل المرتبة الواحدیة الالهیة.[18]
[1] سرح العیون، ص266.
2] الظاهر ان نتیجة الفرضین الرابع و الخامس واحدة
[3] («القوى النفسانیة تنقسم بالقسمة الأولى أقساماً ثلاثة: أحدها النفس النباتیة، و هی الکمال الأول لجسم طبیعی إلى من جهة ما یتولد و ینمى و یغتذی»
[4] اسرار الحکم، ص264
[5] «ولکن النامیة تقف أولاً ثم تقوى المولدة ملاوة فتقف أیضاً و تبقى الغاذیة عمالة إلى أن تعجز فیحل الأجل» شرح الإشارات، ج2، ص 409 و 410.
[6] کمال أول لجسم طبیعی آلی تحس و تتحرک بالإرادة فقط. الحکیم السبزواری، أسرار الحکم، ص 264.
[7] «و لولا العادة لکان الأحسن أن یجعل کل أول شرطاً مذکوراً فی رسم الثانی أن أردنا أن نرسم النفس لا القوة النفسانیة التی للنفس بحسب ذلک الفعل فإن الکمال مأخوذ فی حد النفس لا فی قوى النفس» (النفس من کتاب الشفاء، ص55).
[8] «کمال أول لجسم طبیعی آلی، تعقل الکلیات و تسنبط الآراء» الحکیم السبزواری، أسرار الحکم، ص264.
[9] ابن سینا، النفس من کتاب الشفاء، ص55، تصحیح آیة الله حسن زادة آملی.
[10] و أخص من هذا کله هو اتصال بعض النفوس الإنسانیة بالعالم الإلهی بحیث یفنى عن ذاته و یبقى ببقائه، و حینئذ یکون الحق سمعه و بصره و یده و رجله، و هناک التخلق بأخلاق الله تعالى (أسفار، ج9، ص81).
[11] المصدر نفسه، ص 279 و ما بعدها.
[12] فصلت، 11.
[13] دروس معرفة النفس، درس 29 ـ الدفتر الثالث ص 441 إلى 443.
[14] اقتباس عن السؤال 2332 (الموقع: 4301).
[15] النراقی، ملا أحمد، معراج السعادة، ص21، منشورات الرشیدی، طهران، 1362.
[16] الأسفار، ج 9، ص93.
[17] الأسفار الأربعة، ج9، ص 63 و 64.
[18] سرح العیون شرح عین 45، ، ص 565 و 566.