Please Wait
6918
الجواب عن هذا السؤال یمکن أن یدرس من خلال محورین أساسین:
الأوّل: أن العمر و الحیاة فی الدنیا - و جمیع النعم الدنیویة بشکل کلی - لها جنبتان: فإذا کانت الاستفادة منها تحت لواء الإیمان و هدایة القرآن و العترة (ع) فإنها ذات قیمة عظمى و تکون منشأ للسعادة و الفلاح. و أما إذا کانت خالیة من القیم الإلهیة و هدایة القرآن و العترة فلا تکون إلاّ وبالاً و وزراً و خسراناً فی العالمین.
و لذلک فإن جمیع الفرص فی الحیاة الدنیا ما هی إلاّ مقدمة للارتقاء المعنوی فلا یتوهم أن بلوغها و الحصول علیها هو عین الرشد و السعادة، فکم من نعمة هی فی حقیقتها نقمة و عقوبة، و کم من عمر طویل لا یجنی فیه صاحبه إلاّ الوقود الذی یحترق به فی نار جهنم.
و لذلک فالحرمان من المواقع المتقدمة لیس هو عین الحرمان، لأن المیزان الإلهی یزن الکیفیة لا الکمیة. إضافة إلى أن حساب الأشخاص و أعمالهم یکون على أساس النعم التی یحصلون علیها و الإمکانات التی تکون فی اختیارهم، کما أنه لا ینبغی إغفال دور النیة الأساسی و الهام للغایة فی تعویض و جبر الفرص التی لم یحصل علیها الإنسان، فإنه من الممکن لمن یعیش عمراً قصیراً و لکن سریرته تنطوی على النوایا الحسنة و الطاهرة مما یجعله متقدماً على الکثیر من الصالحین و أصحاب الأعمال الجلیلة یوم القیامة.
الثانی: لا ینبغی أن تزداد ثقتنا و اعتمادنا على أعمالنا الصالحة، فنصل إلى النتیجة - من خلال عملیة حسابیة - أنه کلما کان العمر أطول کانت الأعمال الصالحة أکثر، و من ثم یصل الإنسان إلى درجات و مراحل متقدمة. فلا ننسى أن الجنة لیست ثمناً لأعمالنا الصالحة، و لکن نیل مراتب الجنة و نعیمها یحصل بسبب اللطف و التفضل الإلهی، و إذا أراد الله أن یحاسبنا بعدله فلا نستحق أی أجر.
و فی الواقع أن العمل الصالح و الثواب و المعاصی و العقاب أمران توأمان فی حیاتنا، علمنا ذلک أم لم نعلم، غفلناه أو تنبهنا إلیه، و کم من أعمال صالحة و ثواب جزیل أحرقته نار المعاصی و الذنوب، فصار هباءً منثوراً.
یضاف إلى ذلک أن أعمالنا الصالحة إذا ما قیست إلى النعم التی أفاضها الله علینا فإنها لا تساوی شیئاً یذکر. و لیست معرفتنا بالله إلى حدٍ و بکیفیة تؤهلنا إلى أن نعبد الله حق عبادته، کما اعترف بذلک نبینا الأکرم محمد (ص) فقال: «ما عبدناک حق عبادتک، و ما عرفناک حق معرفتک».
و لذلک فعلینا أن نضع ثقتنا بلطف الله و کرمه لا بأعمالنا، و إذا کان الأمر کذلک فإنه لا فرق بین العمل الکثیر و القلیل إذا کان مورد اعتناء الحق تعالى و قبوله، فالمهم هو أی الأعمال تنال القدر الأکبر من حمد الله و رضاه و أن عنایة الحق تعالى تصاحب من ینفق عمره - طویلاً کان أم قصیراً - فی خدمة الخالق بصدق و إخلاص.
العمر هو أحد النعم الإلهیة فی هذه الدنیا، و هناک نعم أخرى فی الدنیا ربما تکون من الأهمیة أکبر من نعمة العمر، و من الممکن أن تکون - بدورها - وسائل و أسباباً للتکامل العقلی و المعنوی بالنسبة إلى الإنسان، و إذا ما استفید منها استفادة صحیحة فإنها تصل بالإنسان إلى الخلود فی السعادة و الفلاح.
و من خلال السؤال الذی طرحتموه فإنه من الممکن تعمیمه لیشمل النعم الأخرى، فیطرح على الکیفیة التالیة: کیف یمکن لعدة من الناس - بالنسبة للآخرین - أن یکون بإمکانهم الاستفادة القصوى من النعم و الفرص و استغلالها للطاعة و العبودیة، لجلب الرحمة الإلهیة و رضا الحق تعالى؟
و للإجابة عن هذا السؤال نذکر بالنقاط التالیة:
1- فی النظرة السطحیة للآیات و الروایات من الممکن التوصل إلى نتیجتین متضادتین فیما یخص الحیاة الدنیا و مستلزماتها و من جملة ذلک عمر الإنسان و أیام حیاته.
أ- النتیجة الأولى: إن الدنیا مکان جید فهی مزرعة الآخرة[1] و محل للتجارة المربحة[2]، کما خاطب أمیر المؤمنین رجلاً یذم الدنیا فقال له: «أَیُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْیَا الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا الْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِیلِهَا أَ تَغْتَرُّ بِالدُّنْیَا ثُمَّ تَذُمُّهَا أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ عَلَیْهَا أَمْ هِیَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَیْکَ مَتَى اسْتَهْوَتْکَ أَمْ مَتَى غَرَّتْکَ أَ بِمَصَارِعِ آبَائِکَ مِنَ الْبِلَى أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِکَ تَحْتَ الثَّرَى کَمْ عَلَّلْتَ بِکَفَّیْکَ وَ کَمْ مَرَّضْتَ بِیَدَیْکَ تَبْتَغِی لَهُمُ الشِّفَاءَ وَ تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ الْأَطِبَّاءَ غَدَاةَ لَا یُغْنِی عَنْهُمْ دَوَاؤُکَ وَ لَا یُجْدِی عَلَیْهِمْ بُکَاؤُکَ لَمْ یَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُکَ وَ لَمْ تُسْعَفْ فِیهِ بِطَلِبَتِکَ وَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِکَ وَ قَدْ مَثَّلَتْ لَکَ بِهِ الدُّنْیَا نَفْسَکَ وَ بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَکَ إِنَّ الدُّنْیَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَ دَارُ عَافِیَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ وَ مُصَلَّى مَلَائِکَةِ اللَّهِ وَ مَهْبِطُ وَحْیِ اللَّهِ وَ مَتْجَرُ أَوْلِیَاءِ اللَّهِ اکْتَسَبُوا فِیهَا الرَّحْمَةَ وَ رَبِحُوا فِیهَا الْجَنَّةَ ...).[3]
ب- النتیجة الثانیة: إن الدنیا مزرعة للشر[4] و الفتنة[5]، و إنها لهو و لعب[6]، و لیس من شیء وراء ذلک. و الدنیا سجن المؤمن[7]، و هی محل لکواذب الآمال[8]، و هی خادعة لکل من یعلق آماله علیها[9].
حلاوتها مرارة، و صفوها کدر[10] بما أصف من دار أوّلها عناء و آخرها فناء [11]، فإنما مثل الدنیا مثل الحیة لین مسها، قاتل سمها[12]. کما قال علیه السلام.[13]
و لابد من القول أن کل واحدة من النتیجتین المتقدمتین - التی تسبغ إحداهما على الدنیا أوصافاً إیجابیة، و الثانیة التی تذم الدنیا و تحط منها - کلا النظرتین ناقصة إذا أخذت بمفردها دون لحاظ النظرة الأخرى، و الحصول على الحقیقة یقتضی الجمع بین النظرتین.
بمعنى أنه إذا سخر الإنسان عمره و ما بین یدیه من النعم الأخرى فی طریق الخیر و کسب العلم و المعارف الحقة، و سخر عمره لخدمة العباد و العمل الصالح و عمارة الأرض، فإنه سوف یقدم دنیا هادفة مفیدة ملیئة بالخیر و الجمال، من خلال نظام یتجلى الله فی کل مفرداته، فتتحول الدنیا إلى محل یفیض بالعشق الإلهی و الحب للناس و السعی بالخیر، فتکون ملیئة بالأمل و التطلع إلى الحیاة الطیبة الکریمة.
و على العکس من ذلک، إذا استعمل الإنسان نعمة العمر، و سائر کنوز النعم الأخرى، المادیة و المعنویة فی طریق العصیان و الطغیان، فلا یحصد من عمره فی هذه الحالة سوى الخسران و الظلام و سوء الختام.
و لذلک فإن دنیا المؤمنین لها قیمتها و فیها یؤسس للآخرة، و أما الحیاة الحیوانیة المنحطة فنهایتها الخسران الأبدی.
2- و الدنیا باعتبارها مخلوقة لله تعالى فهی آیة من آیاته و لیس کلامنا الآن فی هذا الاتجاه، و إنما لما لها من تأثیر على نضج الإنسان و ترقیه الحقیقی، و هنا نقول:
إن الدنیا بما هی دنیا لا هی مذمومة و لا هی ممدوحة، فإذا استفاد منها الإنسان کما ینبغی فهی ممدوحة، و إذا لم یستفد منها کما هو مطلوب فهی مذمومة، و بهذا یعلم أن طول العمر، و توفر النعم و إمکانات الوجود الأخرى فی الدنیا لا تکفی بمفردها لترقی الإنسان و تعالی جوهره الوجودی، و إنما تحتاج إلى عنصری الإیمان و الإرادة لتتحول إلى نعم بالفعل.
و لذلک فالعمر و سائر الإمکانات الأخرى فی الحیاة الدنیا ما هی إلاّ مقدمة للرشد و التکامل، و لیست هی عین الرشد.
فکم من أناس تمتعوا بالعمر المدید و الإمکانات الهائلة، و النعم الوافرة، و لکنهم کتبوا لأنفسهم أشقى حیاة و أخس منزلة. و فی مقابل ذلک کثیراً ما یحدثنا التاریخ عن أفراد عاشوا أعماراً قصاراً و شحة بالإمکانات و النعم و لکنهم تحولوا إلى قدوات تحتذى و أمثلة تضرب، و ارتقوا إلى مدارج السمو و الرفعة و ذرى المجد التی یغبطون علیها.
و فی القرآن الکریم و روایات المعصومین (ع) نلتقی بنماذج کثیرة من هذا النوع.
3- و الواقع المر الذی نعیشه هو: أن أکثریة الناس من النوع الذی یختلط فی أعمالهم الیومیة العمل الصالح بالطالح، و الأغلب منهم ما ترجح کفة ذنوبه على کفة حسناته، خصوصاً أن الکثیر من الذنوب تقع نتیجة الغفلة أو الجهل، و بمحض التوجه و الانتباه فإننا نتجنب مثل هذه الذنوب، و لذلک فلولا الکرم الإلهی و عنایة الحق تعالى، فإن حاصل العمر و الأعمال الصالحة التی یأتی بها الإنسان کمعدل نهائی لیست بالقدر المطلوب، و لذلک فلابد من أن یبسط الأمل دائماً باتجاه عنایة الله و لطفه و کرمه، لأن الله قطع على نفسه وعداً بمضاعفة أعمال الخیر، و أنه یقبل التوبة من عباده، و یمحو سیئاتهم و یغفر ذنوبهم و یعفو عن کثیر.
فطول العمر و وفرة النعم لا تعنی دائماً أنها من لطف الله.
دعی النبی یوماً إلى طعام فلما دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت علی الحائط، فوقعت البیضة على وتد، فثبتت علیه و لم تسقط و لم تنکسر فتعجب النبی (ص) منها فقال له الرجل: أعجبت من هذه البیضة، فو الذی بعثک بالحق ما رزئت شیئاً قط، قال: فنهض رسول الله (ص) و لم یأکل من طعامه شیئاً، و قال: من لم یرزأ فما لله فیه من حاجة.[14]
فکم من نعمة وافرة هی من قبیل الإملاء و الاستدراج.
أی أنها تکون فی ثوب النعمة، و لکنها بمثابة الفرصة التی تدفع الإنسان للإیغال فی المعاصی و الذنوب و القبائح، حتى ینال جزاء أعماله.
و لذلک فلابد أن یتوخى الإنسان الحذر الدائم و أن یتسائل مع نفسه هل إن هذه النعم التی وضعت تحت تصرفه و باختیاره هی من قبیل اللطف أم أنها من باب سنة الإملاء و الاستدراج.
فقد ورد فی دعاء مکارم الأخلاق ما یکشف عن بعض هذه السنن الإلهیة: «اللهم... عمرنی ما کان عمری بذلة فی طاعتک، فإذا کان عمری مرتعاً للشیطان فاقبضنی إلیک، قبل أن یسبق مقتک إلیّ، أو یستحکم غضبک علیّ».[15]
5- إن بعض أعمال الخیر کالصدقة و صلة الرحم و زیارتهم - خصوصاً الوالدین - تکون سبباً لطول العمر، کما أن بعض الذنوب تسبب قصر العمر و تقرب الأجل.
و علیه فبالإمکان إطالة العمر من خلال إیتاء أعمال الخیر التی تطیل العمر و تجنب الذنوب القاصمة له، کما قال الإمام الرضا (ع): «یکون الرجل یصل رحمه فیکون من عمره ثلاث سنین، فیصیرها الله ثلاثین سنة و یفعل الله ما یشاء»[16].
فلا شیء فی هذه الدنیا المادیة باق و دائم، فالدنیا و ما فیها - بما فی ذلک الإنسان - لها أجل مقدر و أمد محدود و مهلة معینة، لا یمکن تجاوزها و لا یستطاع تخطیها، فلا زیادة و لا نقصان. و الأجل المقدر لکل شیء یکون على أساس المصالح التی یعلمها الله وحده، و هی معلومة لدیه. و لکن بالإضافة إلى الأجل المقدر - الذی یترتب علیه الموت الطبیعی - فإن للإنسان أجلاً معلقاً قابل للزیادة و النقصان.
هذا ما قیل: و لکن على أساس أی نوع من أنواع المصالح تقدر الأعمار الطبیعیة؟
فذلک ما لا یعلمه إلاّ الله وحده. و المهم هو أن فی بعض الموارد لا یمکن أن یفهم هل أن موت الشخص کان على أساس عمره الطبیعی أم الأجل المعلق.
7- یفهم من بعض الروایات أن السیر التکاملی للإنسان لا یتوقف عند موته، و إنما تستمر حرکة الإنسان التکاملیة فی عالم البرزخ، و هذه الحرکة فی البرزخ تعتمد على الطریق الذی یرسمه الإنسان فی حیاته الدنیا، فإذا واجه الموت و هو فی حالة سیر تکاملی فإنه سیره هذا یستمر و یستدام فی عالم البرزخ.
8- أفضل مقاطع العمر و أکثرها قیمة هی فترة الشباب و مقتبل العمر، لأنها غالباً ما تقترن بالشوق و الإرادة و العزیمة و اندفاع الفتوة، و إن الله سبحانه یباهی الملائکة بعبادة الشاب المؤمن، و یعطیه الثواب المضاعف، و یتجاوز عن خطایاه، و یتفضل علیه بالتوفیق إلى التوبة بلطفه و عنایته.
و أما فی فترة الشیخوخة فإن الضعف و الوهن یمنع من أداء الکثیر من العبادات، کما أن ارتکاب الذنوب فی هذه المرتبة من العمر أقبح و أخطر، لأن فرصته إلى التوبة أقل.
علاوة على ذلک فالأغلب لمن یبلغ مرحلة الشیخوخة هو الرکود و عدم التجدد فلا یقع من شیء جدید، و إنما تبقى حالة الإنسان و واقعه کما هو علیه فیما کان زمن الکهولة و ما انطبعت علیه حیاته فیها. و لهذا فالعمدة فی العمر أیام الشباب فهو قریب العهد بالطهر و البراءة، و تفتح القابلیات لتلقی الهدایة، وهو فی حالة أفضل بالنسبة لاستقبال المعنویات و تمثلها.
و لذلک فالذی توحی به أخبار التاریخ هو أن أکثر أصحاب النبی الأکرم (ص) و مناصریه کانوا من الشباب، و إن أکثر أعدائه و معاندیه کانوا من الشیوخ و المسنین.
و فی زماننا الحاضر نجد الکثیر من الشباب الذین أذلوا الهوى و الشهوات و وضعوها تحت أقدامهم، و ساروا فی لیلة واحدة مسیر مائة عام فی طریق السلوک إلى الله، فتقدموا على الکثیر من الشیوخ و الطاعنین فی العمر.
9- بمقتضى العدل الإلهی، فإن الله سبحانه یکلف العبد بقدر ما یفیض علیه من النعم و ما یضع بین یدیه من الإمکانات، و إن الثواب و العقاب یتعلق بأعماله على هذا الأساس. فالجاهل القاصر مثلاً، الذی لا یعلم بأحکام الدین لا من جهة التقصیر و إنما من جهة القصور، فلا یتوجه لمثل هذا الشخص أی تکلیف، و لا یثبت فی ذمته شیء.
و کذلک الحساب و الثواب، فإنها على أساس ما یوضع من نعم و إمکانات بین یدی الإنسان و تحت اختیاره، و لذلک ورد فی الروایات أن حساب العلماء، و الأغنیاء، و الحکام، و أصحاب القرار یختلف عن حساب عامة الناس.
و على هذا الأساس فمن یتمتع بعمر أقل و إمکانات و نعم أقل یحاسب على قدر یتناسب و ما یمتلک، و یکون الرفق و المداراة أکثر بالنسبة له، کما قال الإمام الصادق (ع): «إذا کان یوم القیامة قام عنق من الناس حتى یأتوا باب الجنة فیضربوا باب الجنة، فیقال لهم: من أنتم؟ فیقولون نحن الفقراء، فیقال لهم: أقبل الحساب؟ فیقولون: ما أعطیتمونا شیئاً تحاسبونا علیه، فیقول الله عز و جل: صدقوا ادخلوا الجنة»[17].
10- إن ما یحضى بالأهمیة عند الله سبحانه هو کیفیة الأعمال لا کمیتها، کما نقل عن أمیر المؤمنین (ع) أنه کان یقول دائماً: «لا یقل عمل مع تقوى، و کیف یقل ما یتقبل».[18]
و لذلک فمن الممکن لشخص أن یذهب إلى الحج عشرین عاما و لکنه لا یصل إلى شیء، بینما قد یذهب شخص آخر إلى الحج مرة واحدة و لکنه یعود بمفاتیح الجنة و الرضوان.
و من هنا فقد جاء فی روایات أهل البیت (ع) أنه إذا قبل من الإنسان عمل واحد فی مدة عمره القصیرة فإنه یؤثر تأثیراً کبیراً على مصیره فی الآخرة، و فی المقابل، قد ینجز الإنسان الأعمال الکبیرة و المهمة فی ظاهرها و لکنها لا تقبل بسبب (الریاء أو العجب أو عدم التقوى) فلا یکون لها أی نفع بالنسبة إلى صاحبها، لذلک، فالعمل الأقل مع الکیفیة الأحسن أفضل من العمل الکثیر من دون کیفیة.[19]
11- نیة المؤمن خیر من عمله[20]، و إن الشرط الأساسی لقبول العمل عند الله سبحانه هو الإخلاص فی النیة، و کون العمل خالصاً لرضا الذات الإلهیة.[21]
و علیه فالإنسان الذی ینوی القیام بالأعمال الصالحة و لکنه لا یوفق إلیها بسبب قصر العمر أو ضعف الإمکانات المادیة، فإن الله سبحانه یثیبه أجر العاملین، و یتفضل علیه بثوابها کما لو أنه أداها.[22]
و لذلک فالإنسان المحسن ای المؤمن لابد و أن یصلح نیة الخیر فی کل وقت و یطلب من الله أن یوفقه لأداء الأعمال الصالحة، وأن یتکرم علیه بذلک، فإذا حال بینه و بین العمل الصالح قصر العمر، أو ضعف الإمکانات فإنه یحصل على ثوابها، لأنها تثبت فی صحیفة أعماله، یقول الإمام الصادق (ع): «إنما خلد أهل النار فی النار لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو خلدوا فیها أن یعصوا الله أبدا، و إنما خلد أهل الجنة فی الجنة لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو بقوا فیها أن یطیعوا الله أبدا، فبالنیات خلد هؤلاء و هؤلاء، ثم تلا قوله تعالى: «قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَى شَاکِلَتِهِ» قال: على نیته»[23].
12- قال الشاعر ما مضمونه: (أحسن العبودیة، فالسید یعلم رسم السیادة).
من اللائق بالعبد أن یرکز کل همته و اهتمامه للقیام بواجب العبودیة و أداء وظیفته و تکالیفه، بعد معرفتها و تشخیصها.
و من المقطوع به فإن الله سبحانه لا یضیع أجر من عمل صالحاً، و إنه یسعفه بالمدد و العون.
[1] الدنیا مزرعة الآخرة.
[2] ً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُم،(خطبة المتقین، نهج البلاغة).
[3] نهج البلاغة، ح131، صبحی الصالح.
[4] « الدنیا مزرعة الشر»،غررالحکم، ص142.
[5] ابْتُلِیَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَة، نهج البلاغة، خ63، ص94، صبحی الصالح.
[6] « إنما الحیاة الدنیا لعب و لهو»،الحدید، 20.
[7] « الدنیا سجن المؤمن»، الکافی، ج2، ص250.
[8] دار مُنى، نهج البلاغة، خ45، ص85، صبحی الصالح.
[9] إن الدنیا تغر المؤمن بها، نهج البلاغة، خ178، ص257، صبحی الصالح.
[10] وقد أمرّ فیها ما کان حلواً، و کدر منها ما کان صفواً، نهج البلاغة، خ52، ص89، صبحی الصالح.
[11] بما أصف من دار أولها غناء و آخرها فناء، نهج البلاغة، خ82، صبحی الصالح.
[12] نهج البلاغة، خ68، ص458.
[13] نهج البلاغة، خ116، ص310، وَ أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ وَ مَحَلَّةُ تَنْغِیصٍ سَاکِنُهَا ظَاعِنٌ وَ قَاطِنُهَا بَائِنٌ تَمِیدُ بِأَهْلِهَا مَیَدَانَ السَّفِینَةِ تَعْصِفُهَا الْعَوَاصِف.
[14] أصول الکافی، کتاب الإیمان، ابتلاء المؤمن، ح20.
[15] مفاتیح الجنان، ص1168.
[16] أصول الکافی، کتاب الإیمان، باب صلة الرحم، ح3.
[17] الکافی ج 2، ص 264 ، باب فضل فقراء المسلمین.
[18] أصول الکافی، کتاب الإیمان، باب الطاعة، ح5، کان أمیر المؤمنین (ع) یقول: لا یقل عمل مع تقوى، و کیف یقل ما یتقبل.
[19] المصدر نفسه، ح7.
[20] أصول الکافی، نیة المؤمن خیر من عمله، کتاب الإیمان و الکفر، باب النیة، ح2.
[21] المصدر نفسه: ح1.
[22] المصدر نفسه: ح3.
[23] المصدر نفسه، ح5، «کل یعمل على شاکلته»، الأسراء،79.