بحث متقدم
الزيارة
9545
محدثة عن: 2009/06/17
خلاصة السؤال
ما هو الموقف الشیعی من عدالة الفرق التی انکرت إمامة بعض الائمة(ع) کالفطحیة و الواقفیة؟
السؤال
من الواضح أن الشیعة لم تقبل بموقف الصحابة من مسألة الامامة و رتبت على ذلک بانها قالت بعدم عدالة الصحابة؛ و هنا یثار السؤال التالی: لماذا لم تتخذ الشیعة نفس الموقف من الفرق الشیعیة التی أنکرت إمامة بعض الائمة کالواقفیة و الفطحیة؟ و لماذا تعتمد الشیعة روایات أصحاب هذه الفرق و تذهب الى عدالتهم؟!، أ لیس هذا تناقضا واضحا؟
الجواب الإجمالي

ان السؤال مبنی على فرضیتین خاطئتین هما: أن الشیعة تذهب الى عدم عدالة جمیع الصحابة مطلقا، و انها تقف منهم موقف الخصم؛ و الثانیة أن الشیعة تقول بعدالة جمیع الفطحیة و الواقفیة و تعتمد روایتهم مطلقا.

و لکن الامعان فی موقف الشیعة یرى أنهم قد میزوا بین مجموعة من الطوائف، فعلى سبیل المثال لو رجعنا الى القرآن الکریم نراه یشیر الى أن الذین عاشوا مع النبی الاکرم(ص) لم یکونوا على مستوى واحد، فهناک طائفة من الصحابة کانوا فی قمة الهرم الایمانی و قد ترسخت العقیدة فی قلوبهم الى أبعد الحدود و هم الذین بذلوا الغالی و النفیس من اجل اعلاء کلمة الاسلام، و هناک طائفة اخرى کانت اقل من ذلک درجة، الا ان هناک طائفة کانت تعیش حالة النفاق؛ اما بالنسبة الى الفطحیة و الواقفیة فلم تقل الشیعة بعدالتهم کما جاء فی مفروض السؤال و انما الذی تذهب الیه الشیعة هو انه لو فرضنا ان الشخص الفطحی أو الواقفی کان ثقة و امینا فی حدیثه، بمعنى انه لایکذب، ففی مثل هذه الحالة قال کثیر من علمائنا انه یصح الاخذ بحدیثهم و ترتیب الاثر علیه؛ و الامر نفسه یجری فی الصحابة فهم على ثلاثة اصناف: صنف منهم عدول و صنف موثقین و صنف آخر ضعفاء؛ فالشیعة تأخذ من الصنفین الاول و الثانی دون الثالث کما أن فقهاء الشیعة لا یقبلون الحدیث من الشیعی بما انه شیعی بل یأخذون منه مع استجماع شرایطه و منها أن یکون عادلا او على اقل تقدیر قد ورد فیه مدح، و فی حالة عدم إحراز هذه الشرایط لا یقبلونه.

فعلى هذا لاتناقض فی القضیة ابداً.

الجواب التفصيلي

ان السؤال مبنی على فرضیتین خاطئتین هما: أن الشیعة تذهب الى عدم عدالة جمیع الصحابة مطلقا و انها تقف منهم موقف الخصم؛ و الثانیة أن الشیعة تقول بعدالة جمیع الفطحیة و الواقفیة و تعتمد روایتهم مطلقا.

الا انا و تبعا للقرآن الکریم قد وجدنا من عاشوا مع رسول الله (ص) یمکن تصنیفهم الى ثلاثة طوائف:

1- الطائفة الاولى: الصحابة الذین کانوا فی قمة الهرم الایمانی و الذین ترسخت العقیدة فی قلوبهم الى أبعد الحدود، و قد وصفهم القرآن الکریم بالقول" مِنَ الْمُؤْمِنینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدیلا"[1]

2- الطائفة الثانیة من الصحابة ممن لم یترسخ الایمان فی قلوبهم بالمستوى السابق، و قد فشلوا فی بعض الاختبارات کالانهزام من میادین القتال و ترک النبی (ص) لوحده، وقد اشار القرآن الکریم الى هذا الصنف من الناس بالقول" یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا ما لَکُمْ إِذا قیلَ لَکُمُ انْفِرُوا فی‏ سَبیلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلیل‏"[2]

3- طائفة المنافقین، و لقد اشارت سورة المنافقین و غیرها من الآیات القرانیة الى هذه الطائفة بما فیه الکفایة، قال تعالى " وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنینَ *یُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذینَ آمَنُوا وَ ما یَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما یَشْعُرُون‏"[3]

کذلک ورد فی الاحادیث التی نقلتها المصادر الشیعیة و السنیة، الاشارة الى ارتداد البعض بعد رحیل الرسول(ص)، فقد روى مسلم فی صحیحه عن أبی حازم قال: سمعت سهلا یقول: سمعت النبی (ص) یقول: أنا فرطکم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم یظمأ أبدا و لیردن علی أقوام أعرفهم و یعرفونی ثم یحال بینی و بینهم.

قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبی عیاش و أنا أحدثهم هذا الحدیث فقال: هکذا سمعت سهلا یقول؟ قال: فقلت نعم. قال: و أنا أشهد على أبی سعید الخدری لسمعته یزید فیقول: إنهم منی. فیقال: إنک لا تدری ما عملوا بعدک! فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدی.[4]

من هنا اتضح ان الشیعة تنظر الى الصحابة نظرة متوازنة و تعطی لکل منهم حقه الذی یلیق به انطلاقا من مواقفه و ایمانه و ثباته على الخط، و لیس صحیحا اتهام الشیعة انها تصف الصحابة کلهم بعدم العدالة و الابتعاد عن خط الرسالة. کذلک لیس من الصحیح قطعا ان الشیعة تقول بعدالة الفطحیة و الواقفیة، بل ان الشیعة تدین و ترفض بالکامل موقفهم من الامامة و تعتبره انحرافا عن الخط الرسالی.

فالفطحیة الذین هم قالوا بامامة عبد الله بن الامام الصادق(ع) و قالوا انه یتوسط بین الامامین الصادق و الکاظم( علیهما السلام).

اما الواقفیة فهم الذین وقفوا على امامة الامام الکاظم (ع) و ظنوا انه الامام المنتظر.[5]

غایة الامر انه وقع البحث فی انه اذا انحرف الرجل عن التشیع - سواء لم یکن اثنی عشریا من الاساس او کان و لکنه انحرف عن المسار- فهل یصح الاعتماد على روایاته أم لا؟

اجاب بعض علمائنا بانه اذا کان الرجل کذابا او وضاعا او مدلسا او ...فلایؤخذ بحدیثه و لایعتمد على قوله حتى لو کان امامیا.

لکن لو کان ثقة امینا فی نقله نأخذ بکلامه سواء کان من الصحابة او من اخواننا اهل السنة او کان فطحیا او واقفیا، و یطلقون على مثل هذا الراوی عنوان الثقة و على حدیث عنوان الموثق؛

و من هؤلاء العلماء الذین ذهبو ا الى هذا الرأی، الشیخ الطوسی(قدس) حیث ذهب الى ان وثاقة الراوی کافیة فی الاخذ بحدیثه شریطة ان لایتعارض حدیثه مع الاحادیث الشیعیة، و لذلک أخذ الشیخ الطوسی و غیره من العلماء بروایات الرواة من اهل السنة کحفص بن غیاث و السکونی التی رووها عن الائمة علیهم السلام؛ و هکذا تجری الضابطة بالنسبة الى الفطحیة و الواقفیة کعبد الله بن بکیر الفطحی و سماعة بن مهران الواقفی.[6]

فظهر أن فقهاء الشیعة لا یقبلون الحدیث من الشیعی لانه شیعی بل یأخذون منه مع استجماع شرایطه کلها و منها أن یکون عادلا او على اقل تقدیر ورد فیه مدح، و فی حالة عدم إحراز هذه الشرایط لا یقبلون حدیثه.

اتضح من خلال کل ما ذکرناه ان السؤال مبنی على فرضیات خاطئة اولا، وثانیا  انه لایوجد ای تناقض فی عمل الشیعة فی هذا المجال.



[1] الاحزاب، 23.

[2] التوبة،38.

[3]  البقرة، 8-9.

[4] نیشابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم، ج 11، ص 410، اثبات حوض نبینا (ص)، حدیث رقم 4243.

[5] السبحانی، جعفر، حدیث شناسی( معرفة الحدیث)، ترجمة محسن احمدوند، ص 216، الطبعة الاولى، نصر، قم، 1382.

[6] انظر: نفس المصدر، ص 130.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...