بحث متقدم
الزيارة
5603
محدثة عن: 2011/12/18
خلاصة السؤال
لماذا یجب أن یکون الله حائزاً علی کل الکمالات؟
السؤال
نقول فی بحث وحدانیة الله إذا کان هناک إلهان و واجبا الوجود وجب کونهما متمایزین، فیکون أحدهما حائزاً علی صفة غیر موجودة عند الآخر و بالعکس ثم نقول فی النتیجة بما أن أحدهما فاقد لکمال معین موجود عند الآخر فهو إذن محتاج و ممکن، لکن هنا یُطرح هذا السؤال و هو: من الممکن أن یکون هذا الواجب لا یحتاج أصلاً إلی هذه الصفة التی یفقدها، و بعبارة اخری لماذا یجب أن یکون واجب الوجود حائزاً علی کل الکمالات؟
الجواب الإجمالي

الوحدة الحاکمة فی العالم تأبی أن نتصوّر أن یحوز الموجود علی نوع خاص من الکمال و لا یحتاج إلی أیّ نوع آخر من الکمالات.و هذا الأمر لا یمکن تصوّره إلا فی الکمالات الاعتباریة و العرفیة و غیر قابل للتحقق فی مراتب الوجود.

الجواب التفصيلي

لقد فرض فی هذا الاستدلال موجود له کل الکمالات إلا بعضها التی تمیزه عن واجب الوجود الآخر المفروض. و بناءً علی فرض السائل هو لا یحتاج إلی هذه الکمالات التی یفقدها. یجب النظر الآن إلی أن هذا الذی یمکن فرضه فی الذهن هل یمکن تحققه فی عالم الوجود و الواقع؟

الواقع هو أن الکمالات التکوینیة و الوجودیة بخلاف الکمالات الاعتباریة و العرفیة لا یمکن وجودها بدون أی ارتباط فیما بینها، أی لا یمکن أن تکون فی حد محدود و لیس بینها و بین الکمالات الأخری أیّ علاقة و ارتباط. و هذا البحث قابل للبیان و الاثبات مفصّلاً فی محله.

و ببیان آخر نحن نری فی عالم الخارج ارتباطاً بین الکمالات لا انفصال و تفکیک، بل إن کل موجود فی إنسجام مع موجودات العالم الأخری و لا یُمکن ادّعاء وجود أیّ حد دقیق یفصل کلّاً منهما عن الآخر و یفکّکه بشکل کامل. بل کلما تدرّجنا و ارتفعنا فی مدارج و مراتب الکمال سنشاهد الوحدة و الانسجام أکثر بین الکمالات المتکثّرة فی العالم.

و بإثبات هذه المقدمة المنطقیة لا یُمکن تصور وجود موجود له کل الکمالات إلا قسما منها مع عدم وجود أیّ علاقة و ارتباط بسائر الکمالات الأخری. و لکونه مرتبطاً بباقی الکمالات سیحتاج ذاتاً إلی الکمال فی خصوص هذا الکمال المفقود (و هذا الموضوع قد ثبت فی علم الفلسفة بناءً علی قاعدة إلا مکان الأشرف). فلا یمکن لهذا الموجود أن یکون واجب الوجود و إن حاز علی مراتب عالیة من الکمال. نعم، قیاساً للعرف البشری من الممکن إثارة هذا التصور المفروض فی مجال واجب الوجود.

فکثیراً ما یتفق أن یکون لشخص ما بعض الکمالات و یدّعی بأنه غیر محتاج لما یفقده من کمالات و بادعائه هذا یبقی فی جهله المرکّب. أما فی عالم التکوین فالأمر یختلف تماماً، فعلی کل حق حقیقة تکمن فی ذات الموجود، و عدم الاحتیاج لا یتحقق بصرف الادعاء به.

إذن، نقول بکلمة واحدة، أن الوحدة الحاکمة فی العالم مانعة من تصوّر موجود له نوع خاص من الکمال بشکل تخصّصی و لا یحتاج إلی الأنواع الأخری. و هذا الأمر لا یمکن تصوره إلا فی الکمالات العرفیة و الاعتباریة أو فی الفنون التکنلوجیة و غیر قابل للتحقق فی المراتب العالیة لعالم الوجود.

فقد جاء فی القرآن الکریم عن الوحدة الإلهیة هکذا "لَوْ کاَنَ فِیهِمَا ءَالهِةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ‏ِ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُون". [i]

ففی هذه الآیة جعل الوحدة الإلهیة مترتّبة بشکل مباشر علی الانسجام و عدم الاختلاف و الفساد فی عالم الوجود و نظام الخلقة . و قد اعتمد علی هذا الأصل البدیهی لیصل إلی استحالة التکثّر فی واجب الوجود حیث بیّن علّة عدم إمکان التعدد فی واجب الوجود بأحسن و أجمل اسلوب بحیث ترجع إلی هذا الأصل کل البراهین الفلسفیة التی تفوق هذا الأصل فی التفصیل و التعقید.


[i]  الأنبیاء، 22.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هو حکم الاستنساخ من وجهة نظر الاسلام؟
    7304 الحقوق والاحکام 2008/07/20
    الاستنساخ و خصوصاً الاستنساخ الانسانی هو من المسائل الجدیدة (المستحدثة) و لهذا لم یذکر حکمها فی الآیات و الروایات. و لکن علماء الشیعة و فقهاؤهم طرحوا نظریاتهم فی هذه القضیة و ذلک عبر الاجتهاد فی الآیات و الروایات و توجد الآن حول هذا الموضوع بین فقهاء الشیعة عدة نظریات. 1- ...
  • هل یجوز وضع علامة على جبهة أو جسد المجرم؟
    5289 الحقوق والاحکام 2010/06/06
    لکل إنسان فی نظر الإسلام قیمته و مکانته، بما فی ذلک المجرمون و أصحاب الذنوب. و یجازى المجرم بقدر ما ارتکب من جرم. و قد وضع الإسلام عقوبات خاصة لغرض ردع  المجرمین المرتکبین لجرائم خاصة؛ مثل الزنا، اللواط، شرب الخمر، السرقة و ... مثل الضرب بالسوط، قطع الید، أو القتل ...
  • ما هی المکانة و المنزلة التی تحتلها الاخلاق فی میادین الریاضة؟
    6715 العملیة 2011/12/17
    لم یهمل الدین الاسلامی انطلاقا من شمولیته و عالمیته أی بعد من الابعاد التی تساعد الانسان فی حرکته التکاملیة و التی تأخذ بیده الى السعادة فی الدارین، کما أهتم کثیرا بعنصری السلامة البدنیة و الروحیة و الجانب الریاضی لانه یوفر الارضیة المناسبة لتحقیق هذا الغرض المهم.و یجب على العنصر ...
  • لماذا یجب علینا ان نؤدی الصلاة باللغة العربیة؟
    6703 الفلسفة الاحکام والحقوق 2008/01/22
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • هل فقرة \" و الراسخون فی العلم\" الواردة فی الآیة 7 من سورة آل عمران، معطوفة على سابقتها، او هی جملة استئنافیة مستقلة؟
    7002 التفسیر 2012/05/20
    اختلفت کلمة المفسرین و الباحثین فی الشأن القرآنی فی تفسیر الأیة المبارکة، و هل أن جملة «وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ»  استئنافیة أو هی معطوفة على سابقتها؟ فذهب کل فریق الى تبنّی واحد من الرأیین، و إنّ لکلّ فریق من مؤیّدی هذین الاتجاهین أدلّته و براهینه و شواهده. ...
  • لماذا یجب أن تدار أمور الاسلام من قبل الفقهاء؟
    6142 الکلام الجدید 2008/08/23
    الاسلام هو الدین الخاتم و أحکامه و قوانینه و تعالیمه ثابتة و لها صفة الخلود، و کما کان هو الحلاّل لجمیع المشاکل منذ الیوم الأول کذلک یبقی للأبد. من جانب آخر فان الاوضاع و الظروف تتجدد فی کل یوم فتولد أوضاع و ظروف مغایرة تماماً للظروف القدیمة.و الدین الاسلامی ...
  • متى تتنجس الأشیاء الطاهرة؟ و کیف یمکن تطهیرها؟
    6666 النظری 2010/07/15
    حکم الإسلام أن کل شیء طاهر حتى تتیقن أنه نجس[1]، و إذا شککت بنجاسة شیء فهو طاهر[2].و علیه فالمورد الأول إذا کنت متیقناً من نجاسة یدک و أن فیها رطوبة کافیة تتنقل إلى ملابسک ...
  • ما هو حکم خلف الوعد؟
    7003 الحقوق والاحکام 2008/07/23
    إذا عاهد الله شخصٌ (بحسب الشروط و الکیفیة التی وردت فی رسائل الفقهاء العملیة)،[1] و لم یلتزم بعهده فعلیه أن یدفع الکفارة، إما أن یطعم ستین مسکیناً، أو یصوم ستین یوماً،[2] أو یحرر رقبة،
  • هل تعتبر زیارة الناحیة معتبرة من حیث السند؟ کیف نوجه بعض فقراتها التی تدل علی نشر شعور حریم آل البیت (ع)؟
    4741 الحدیث 2017/12/31
    کل ما یمکن قوله فی سند زیارة الناحیة المقدسة هو أن هذه الزیارة منسوبة للإمام الحجة (عج) فی بعض الکتب "کالمزار الکبیر" لإبن المشهدی؛ أما سندها فهی ککثیر من التواقیع الشریفة المنسوبة للإمام المهدی (عج) التی لا مجال لإجراء التحقیق السندی المتداول فی الأحادیث الأخری علیها. راجع المزید ...
  • ما المراد بالفقه الموروث؟
    5528 الحقوق والاحکام 2010/08/07
    الفقه الموروث: هو الاجتهاد و استنباط الأحکام الشرعیة على أساس المنهج القدیم لعلماء الشیعة و الذی تجاوز عمره الألف سنة، بطریقة بقیت راسخاً فی مصنفاتهم. الفقه الموروث هو الذی اعتبره الإمام الخمینی (ره) أفضل منهج و طریق لدراسة و تحقیق و ستنباط الأحکام الشرعیة حیث یقول: «إننی ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281333 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    261303 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130404 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    118523 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90239 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61964 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    61771 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57904 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53445 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    49827 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...