Please Wait
9504
لا یعتبر الحدیث أعلاه من الأحادیث الصحیحة المؤثّقة و إن ذکر فی الکتب الروائیة المتعددة. لا یوجد أی فرق و اختلاف بین الرجل و المرأة فی الإسلام فی التقرّب إلی الله و الجوهر الإنسانی. و إذا وجد اختلاف فی العقل فهو فی العقل الآلی، و هو العقل الذی یستطیع به الإنسان تحصیل العلوم الحوزویة و الجامعیة حتی یدیر بها عجلة الدنیا، لذلک لا یقال أن المتخصّص و الأعلم هو الأقرب إلی الله، لکن یقولون الأتقی هو الأقرب إلی الله تعالی. و من جهة أخری یمکن للمرأة إظهار عقلها و فکرها الإنسانی فی ظرافة عاطفتها و جمال قولها و فعلها. کما إن الرجل یمکنه، بل مکلّف بأن یظهر فنّه فی فکره الإنسانی و تفکّره العقلانی.
النکتة الأخری التی یمکن فهمها من الحدیث، هی أن العقل الآلی للمرأة یقع تحت تأثیر جمالها، و هو بهذا المعنی فلو کانت المرأة موظّفة مثلاً فهی قبل ذلک زوجة شفیقة، و أم حنون و ربّة بیت فنّانة. و الرجل الجمیل هو المزیّن بالعلم و بتدبیره العاقل یمکنه أن یکون عنصراً مفیداً للعائلة و للمجتمع.
الحدیث الشریف " عقول النساء فی جمالهن و جمال الرجال فی عقولهم ". ذکر فی الکتب الروائیة المتعددة. [1] نذکر منها: معانی الأخبار، تألیف الشیخ الصدوق و الأمالی، تألیف الشیخ الصدوق أیضاً و بحار الأنوار للعلامة المجلسی، مشکاة الأنوار فی غرر الأخبار للشیخ الطبرسی. کما إن الشیخ الحر العاملی فی کتاب الفوائد الطوسیة ذکر هذا الحدیث و شرحه و ذکر له وجوهاً مختلفة. لکن مع ذلک لا یعتبر الحدیث معتبراً، بل یُضم إلی سلسلة الأحادیث غیر المعتبرة من الناحیة السندیة لوجود أفراد غیر ثقة فی سلسلة سنده.
و من هنا لابد من ذکر عدة نکات للجواب عن الشقّ الثانی من السؤال:
المفهوم الظاهری للحدیث فی النظرة الأولی هو أن للنساء جمال ظاهر و عقلهن هو نفس حسنهن و جمالهن، أما الرجال فعقلهم هو جمالهم. و ببیان آخر، ففی الظاهر لقد أکّد الحدیث علی النساء أن یسعین خلف الزینة و الجمال، أما الرجال فلابد لهم أن یهتمّوا بعقولهم، لأن جمالهم یکمن فی عقولهم. لکن یظهر من هذا الحدیث أنه یشیر إلی معنیً أعمق من ذلک و أرقی من المعنی الظاهری. یجدر الإشارة إلی أن الفهم الدقیق لهذا الحدیث أو أی حدیث آخر لا یتحقق إلا أن عرض الحدیث علی الآیات و الروایات الأخری حتی یمکن استنباط معناه الدقیق. و إلا فلا یمکننا فهم حدیث و تبیین معناه بدون الأخذ بنظر الإعتبار مقاصده و مبانیه، لأن کلام المعصومین (ع) صدر لهدایة و إرشاد البشر و لا یمکن حصره فی قالب زمان أو مکان معیّن و إن فحواه الباطنی یشیر إلی إرساء قواعد بناء الإنسانیة و یناسب حیاة البشر فی کل عصر و زمان حیث یضم کل أبعادها السیاسیة و الإجتماعیة و الاقتصادیة و الثقافیة، و من هنا نعتقد أن الدین الإسلامی نظام جامع مترابط الأجزاء.
و من المسائل المهمة التی ورد فی الإسلام التأکید علیها کثیراً هی مسألة مساواة المرأة مع الرجل فی أصل الخلقة و فی التقرّب إلی الله سبحانه. فلا یوجد من هذه الزاویة أیّ اختلاف فی أصل الخلقة بین الرجل و المرأة. "إن الروح الإنسانیة یمکنها أن تنال القرب الإلهی و تکون مظهراً لأسمائه و صفاته بواسطة التغذیة المعنویة التی تحصل علیها بأداء التکالیف الدینیة. و هذا الإستعداد و القدرة قد اَعطیت للرجل و المرأة علی السواء فکلاهما یمکنهما نیل هذه الدرجة الوجودیة. و الذی یدعو إلی التأمّل أن طریق الوصول لهذا المقام مشترک بین الإثنین و هو الإیمان و العمل الصالح". [2]
فلا فرق و لا اختلاف بین الرجل و المرأة فی خلقة الإنسان و قیمته و اعتباره و کذلک فی تقرّبه إلی الله عزّ و جلّ.
1- نظراً إلی ورود کلمة العقل فی الحدیث فمن المناسب أن نبحث فی هذه الکلمة.
قسم بعض الفلاسفة العقل إلی قسمین: العقل النظری و العقل العملی «فللإنسان شأنان، شأن به یفهم، و الشأن الآخر یعمل به، فالیقین و الجزم و الظن و الوهم و الخیال و کلّ ما هو من هذا القبیل جزء من شُعب العقل النظری، أما النیّة و العزم و الاخلاص و الإرادة و المحبة و التولّی و التبرّی و التقوی و العدل و ما یجری مجراها جزء من العقل العملی و هذا هو معیار الأفضلیة». [3]
فتوضح أن العقل الذی یقرّب الإنسان من الله تعالی و یفضّله علی غیره هو العقل العملی، لا العقل الذی یجعل الذهن مخزناً للمحفوظات و العلم. فالعقل العملی هو الذی یحظی بالقیمة و المکانة عند الله سبحانه و هو ملاک الفضل و الأفضلیة و هو الذی فیه الاخلاص. «و إذا کان لأحدٍ عقل راجح فی الشؤون العملیة و کان أکثر من غیره احتراماً و إکراماً بسبب تفوّقه فی المسائل التنفیذیة و الجوانب الدنیویة و إلیه تفوّض جمیع الأعمال و المهمّات، فینبغی تقلیده زمام الأمور لکی تجری عجلة الحیاة الطبیعیة بشکل صحیح، إلا إنّ هذا لا یعنی بأن هذا الشخص هو الأقرب إلی الله». [4]
فلو أراد شخص التحکیم بین المرأة و الرجل، فیجب علیه أن لا یجعل العقل الذی هو بمعنی العلم المصطلح معیاراً للأفضلیة (أی العقل النظری) بل العقل العملی، الذی هو وسیلة قرب الإنسان إلی الله و معیار الأفضلیة، و فی هذه الصورة یکون جمال الرجل و المرأة فی العقل الذی هو: "ما عبد به الرحمن و اکتسب به الجنان" و فی مثل هذا العقل یکون "جمال الرجال و النساء فی عقولهم" معاً. [5]
2- أما حقیقة أن جمال روح الإنسان فی إیمانه فقد ذکرت بشکل متکرّر فی الآیات القرآنیة و روایات أهل البیت (ع) حیث یقول الله سبحانه "وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإیمانَ وَ زَیَّنَهُ فی قُلُوبِکُمْ وَ کَرَّهَ إِلَیْکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْیان" [6] فنفهم من هذه الآیة: أن الله تعالی جعل الإیمان محبّباً إلی القلوب و زینة لروح الإنسان. و لمّا کانت روح الإنسان مجرّدة لا مادیّة، و کان الإیمان أیضاً معنویاً غیر مادیّ، فقد جعل هذا الأمر المعنوی و هو الإیمان سبباً لجمال ذلک الأمر المجرّد و هو الروح الإنسانیة ... و لمّا لا یوجد تأثیر لخاصیة الإنوثة و الذکورة فی حقیقة الأنسان و الإیمان و ما شابه ذلک، -أی أن حقیقة الإنسان و الإیمان و أمثالهما لا مؤنّثة و لا مذکرة بل أمرٌ مجرد موجود فی المرأة و الرجل علی السواء، فلا یمکن أن نجعل حقیقة الإیمان الذی بسببه یتقرّب الإنسان إلی الله مؤنثة و لا مذکرة- من هنا یمکننا أن نفهم المراد من قول الإمام علی (ع): " عقول النساء فی جمالهن و جمال الرجال فی عقولهم" إنه یرید من ذلک التوجیه و الارشاد و لیس الوصف. فالحدیث الشریف لیس بصدد وصف صنفین من الناس فلیس المقصود أن عقل المرأة یتلخّص فی جمالها مع ما یحمله هذا المعنی من قدح، و إن جمال الرجل فی عقله مع ما فی هذا التوصیف من مدح، بل یحتمل إنّ فیه حکماً و أمراً أو وصفاً بنّاءً لا ینطوی علی ذمّ، أی أن علی المرأة أو بامکانها إبراز عقلها و فکرها فی رقّة العاطفة و جمیل القول و نبیل السلوک و فی نمط الحوار و المناظرة و کیفیة التعامل و أمثال ذلک، کما إن علی الرجل أن یظهر فنّه و جماله فی مجال الأفکار الإنسانیة و التفکّر العقلانی". [7]
فالمرأة تبرز عقلها فی التعامل الفنی و الجمیل المملوء بالمحبة و الرحمة و الصدق و الطهارة و هذه المسألة ستکون رصیداً قیّماً للفضائل الإجتماعیة التی یمکن للمرأة إعادة بنائها من داخل العائلة بعقلها المدرّج فی جمالها و سلوکها.
"کما ان المرأة المتعلّمة المطّلعة علی مبانی الشهادة و الإیثار و التضحیة قادرة علی أداء دور الأم الحنون التی تحث أبناءها علی الجهاد، و هی تُظهر عقلها الطریف [8] فی ثوب الفن الظریف عند تودیعه و هو عازم علی القتال، و التعبیر عن تفکیرها العقلیّ الوزین فی ثوب جمیل من الشوق و الإنتظار عند استقبال ولدها الظافر و هو عائد منتصراً من ساحة الوغی. و الرجل الفنّان قادر أیضاً فی مقابل ذلک علی التعبیر عن الفن الظریف یثوب العقل الطریف. و صفوة الکلام أن المرأة یجب أن تبرز طرائف الحکمة فی ظرائف الفن، و علی الرجل أن یعکس ظرائف الفن فی طرائف الحکمة، أی إن جلال المرأة مخبوء فی جمالها، و جمال الرجل یتجلّی فی جلاله. و هذا التقسیم فی العمل لا یشتمل علی مذمّة المرأة و لا إشادة بالرجل. بل یتضمّن أوامر و توجیهات لکل منهما فی مجال عمله الخاصّ، و عند الإمتثال للأمر الخاص به فهو یستوجب الثناء، و عند التمرّد و العصیان یستحق الذم. فتفاوت الرجل و المرأة یتلخّص فی طریقة إظهار الأفکار الصحیحة. و إلّا فالمرأة لدیها من الاستعداد –کما هو الحال بالنسبة للرجل- ما یؤهّلها لکسب العلوم و المعارف و استحقاق التقدیر و الثناء ...". [9]
3- ما یمکن استنباطه من هذا الحدیث و یتعلّق بالمباحث السابقة هو أن التأکید علی التفاوت فی البُنیة الروحیة بین المرأة و الرجل قد بیّن فی الحدیث بشکل ظریف و جمیل جدّاً، لأن الجهل بهذه المسألة أدّی بالبعض بأن یجعل المرأة فی مستوی أدنی من الرجل.
یقول الشهید الشیخ المطهری: "من المواضیع التی تثیر عجبی إصرار البعض علی أن الفروق بین المرأة و الرجل من حیث الجسم و العقل نقص فی المرأة و کمال للرجل، و یدّعون أن قانون الخلقة قد خلق المرأة ناقصة لحکمة ما...". [10]
لکن فی الحقیقة إن الإسلام قد أشار إلی بعض الحقائق التی أدّی عدم إلتفات العالم المعاصر و السابق لها إلی تضییع حق المرأة، أما المجتمعات السابقة فبظلمها و جورها علی المرأة و جعلها فی عداد الحیوانات، اعتبروها من الأموال التی تنتقل بالإرث و لیس لها أیّ حق، و هذه المسألة نراها لحد الآن فی بعض المجتمعات المختلفة فی أنحاء العالم. هذا حالها فی الماضی و لیس حالها الیوم أحسن من السابق. فقد أخرجوا الیوم المرأة إلی میدان العمل و المجتمع بذریعة المساواة فی حقوق الرجل و المرأة، و زایدوا علی جمالها و زینتها کما یُفعل بالجواری فی سوق النخّاسین.
المرأة الیوم تُبرز جمالها و زینتها فی مجتمع لا ینظر لها إلا بعنوانها سلعة جنسیة لا کأم تسعی بکل حب فی سبیل تربیة أولادها و تسمعهم ترانیم المحبة و الحنان. فالمرأة الیوم لیست هی المعمّرة للعائلة التی هی أساس رسوخ المجتمع و ثباته، بل إن البارز هو الهوس و المبالغة فی إطفاء الشهوة و من الطبیعی أن أول ضحیة فی هذا المیدان هی المرأة و من ثمَّ العائلة.
فالمقصود من الحدیث الشریف " عقول النساء فی جمالهن" هو أن اهتمام المرأة بجمالها و زینتها یمکنه أن یؤثّر فی إیجاد العائلة و جذب الرجل إلی رحاب من العشق و المحبة و العاطفة. و هذا الجمال یصیّر العقل و باقی قدرات المرأة تحت تأثیره. لذلک یجب أن لا یُحسب جمال المرأة و یجرّ إلی میدان العقل الإجتماعی.
جمال المرأة فی ضوء ارتباطها الإنسانی یمکنه أن یکوّن رحاباً دافئاً للأسرة التی یکون لکل فرد من أفرادها دور خالد یتمظهر فی قالب رجل دین أو عالم أو مقاتل مغوار أو عارف عملاق أو عامل شریف أو طبیب حاذق أو کاتب خلّاق أو فنّان قادر أو صناعی ثری، هذا کله بعد ارتوائه من محبة أمّه التی تمثّل العنصر الأصلی لسعادة هذه الأسرة المفعمة بالحب و المودّة، و من الحقائق التی لا تقبل الإنکار أن وراء کل رجل موفق إمرأة.
لذلک یجب علی المرأة ألا تغفل عن وظیفتها الأصلیة و تدخل إلی میادین العمل التی تعتبر أکثرها غیر ضروریة للمرأة و إذا اقتحمتها فلتعلم بأن خلّاقیتها هی فی الحقیقة فی إیجاد المودّة و الرحمة و السکینة للعائلة. فکل ذلک مدین لخلقتها. فما یمکن فهمه من الحدیث هو أن العقل الآلی للمرأة یقع تحت تأثیر جمالها، و هذا یعنی أنه لو کان للمرأة عمل فنی کمدیرة فی شرکة کبیرة أو جرّاحة ماهرة أو خطیبة قدیرة أو استاذة لبیبة أو ... فهی قبل کل هذه الأمور زوجة شفیقة و أم رحیمة و ربّة بیت فنانة.
فالرجل فی خلقته کحجر الرحی السفلی. جماله یکمن بسعیه لتحصیل المعیشة، و عقلانیته تظهر فی طریقة ادارته للحیاة. الرجل الجمیل هو المزیّن بالعلم و بتدبیره العاقل یکون عنصراً مفیداً للعائلة و المجتمع و کلما اتّسع علمه و تدبیره اشتدّ جماله.
المواضیع المتعلقة:
"عقل النساء و إیمانهن فی کلام الإمام علی(ع)"، السؤال 7946 (الموقع: 8130).
"رؤیة الإمام علی (ع) فیما یخص عقل النساء"، السؤال 1578 (الموقع: 2626).
"العقل و سعة فعالیته"، السؤال 1110 (الموقع: 1888).
"الحکمة النظریة و الحکمة العملیة"، السؤال 1790 (الموقع: 3866).
[1] فی کتاب معانی الأخبار بین سلسلة سند الحدیث هکذا: "حدّثنا محمد بن عمر بن محمد بن سالم بن البراء الجعابی الحافظ البغدادی قال حدّثنی أحمد بن عبید الله الثقفی أو العبّاس قال حدثنا عیسی بن محمد الکاتب قال حدّثنی المدائنی عن غیاث بن إبراهیم عن جعفر بن محمد عن أبیه عن جدّه (ع) قال قال علی بن أبی طالب عقول النساء فی جمالهن و جمال الرجال فی عقولهم".
[2] الجمشیدی، أسد الله، التحقیق فی معرفة وجود المرأة، ص 52، المؤسسة التعلیمیة التحقیقیة للإمام الخمینی، قم، 1388.
[3] الجوادی الآملی، المرأة فی مرآة الجلال و الجمال، ص 378، الاسراء، قم، الطبعة الأولی، 1428 هـ.ق.
[4] نفس المصدر، ص 379.
[5] نفس المصدر، ص 382.
[6] الحجرات،7.
[7] نفس المصدر، 29-31.
[8] اللطیف و المستحسن.
[9] نفس المصدر، 32-33.
[10] المطهری، المرتضی، نظام حقوق المرأة فی الإسلام، ص 146، منظمة الإعلام الإسلامی، الطبعة الثالثة، طهران، 1407 ق.