Please Wait
11962
بالنسبة للموازین التی یذکرها الأئمة المعصومون(ع) لا بد من عرض الروایات المرددة على القرآن، و عندما نجدها تخالف القرآن فلا یمکن أن نعمل بمقتضاها. و لم نجد فی القرآن الکریم آیةً واحدة تصرح أو تحکم بنقص عقول النساء، و على هذا الأساس فإننا لا نستطیع أن نأخذ بظاهر الروایة المتقدمة المنقولة عن الإمام علی(ع)، کما أننا لا نستطیع القول بشکلٍ جازم أن هذه الروایة کاذبة مائة بالمائة، أو أنها لم تصدر من الإمام علی(ع)، بل لابد من إیجاد تأویلٍ لهذا النص، أو أن نوکل تفسیره لقائلیه.
و الأمر الآخر هو أننا نجد فی کلام الأنبیاء و الأولیاء و سیرتهم من الأقوال و الأفعال ما یثیر العجب و یفضی إلى الإبهام، و لکن فی الواقع أنهم یریدون أمراً آخر. فمن المحتمل أن یکون کلام الإمام من هذا القبیل. لأنه من الممکن تفسیر هذا الکلام بغیر ما یتبادر منه إلى الذهن لدى سماعه لأول وهلة، و على أی حال فالمحصل من الآیات القرآنیة الصریحة و الروایات الواضحة هو أن الرجل و المرأة ـ على الرغم من وجود الاختلافات بینهما ـ إلا أنهما لا یختلفان من حیث البعد الإنسانی، و إن طریق التکامل و التقدم فی میادین العلم و الإیمان مفتوح لکلا الجنسین، و أن الفکر الذی یتبنى کون المرأة جنساً حقیراً و متدنیاً إنما هو فکر ترجع أصوله إلى الجاهلیة، و أنه فکرٌ مرفوض و مدان من قبل القرآن الکریم.
السؤال الذی طرحتموه کثیراً ما یطرح من قبل الکثیر و بأسالیب مختلفة و صور متعددة، و قد أجیب عن تلک التساؤلات بأجوبة مناسبة [1] ، و کذلک بحثت مسألة العقل و استعمالاته فی أجوبة أخرى [2] .
و مع ذلک فإننا نشرع بدراسة و بحث هذا النص الصادر عن علی بن أبی طالب(ع)، لافتین إلى إمکانیة وجود بعض الأسئلة الفرعیة التی یمکن أن تطرح، و هذه الأسئلة من قبیل:
1ـ هل أن انتقادکم، طرح بشکل صحیح و مقبول حتى نحاول الرد علیه؟
2ـ ما هو معیار معرفة الأسس و الأصول الدینیة؟ و هل أننا نلقی بالروایة التی لا تطابق هذه المعاییر مباشرة أم أن هناک منهجاً آخر یمکن إتباعه فی معالجة هذه الروایات المبهمة؟
3ـ هل أن جمیع ما ورد فی نهج البلاغة صحیح بالنسبة إلى الإمام علی بن أبی طالب(ع) و لا یقبل النقاش؟
4ـ کیف نقیم و نعرض مکانة المرأة فی القرآن الکریم، و هل أن القرآن فضل بعض الفئات على الأخرى؟
5ـ هل یمکن أن یصدر عن الأنبیاء أو الأولیاء کلام و المراد منه غیر ظاهره، و أن المخاطبین الأول یحملون الکلام على ظاهره المتبادر دون أن ینقدح فی أذهانهم تصورٌ لمعنىً آخر؟! أم أن هذا من قبیل الکذب؟!
6ـ ألا یمکن أن تکون الکلمات التی وردت فی سؤالکم صحیحة بالنسبة إلى الإمام إلا أنها تؤول و تفسر بشکلٍ آخر؟!
و علیه فاللازم دراسة هذه الموارد، و فی نهایة المطاف نعرج على معالجة السؤال الذی طرحتموه.
1ـ أما فیما یخص قبول انتقادکم فالجواب هو نعم، و نکمل تساؤلکم بالقول:
1-1. إذا ترک العظماء بما فی ذلک الأنبیاء و الأولیاء فی زمان مرضهم الصوم و لم یتمکنوا من قضائه فی حالة اتصال المرض بالموت، فهل یعنی هذا نقصاً فی الدین و الإیمان؟ و هل أن القصر فی صلاة المسافرین تعد نقصاً فی إیمانهم و....؟
2-1 إذا توفی شخص و کان و ورثه أبٌ عالم و موقر و طفل صغیر، فالإسلام یعطی للطفل خمسة أضعاف الأب من الإرث فهل یعد هذا انتقاصاً أو سوء حظ للعالم، و حسن حظ للطفل؟
3-1 إذا لم تقبل فی بعض الأحیان شهادة الإبن لأبیه [3] ، أو الشریک لشریکه [4] ، أو الأجیر لصاحب عمله [5] ، فهل یعنی هذا الأمر نقصاً فی عقولهم؟ و إذا قبلت فی بعض الأحیان شهادة الکفار و غیر المؤمنین [6] ، فهل معنى هذا أنهم یتمتعون بکمال العقل؟
4ـ أو هناک إشکال وارد فی النص لم تشیروا إلیه و هو فی قوله «لا تطیعوهن فی المعروف حتى لا یطمعن فی المنکر)؟ فإذا أردنا أن نعمل بهذا القانون ألا یعد هذا تفسیراً و تأییداً لما فعله البعض فی مسألة مطالبة فاطمة الزهراء(ع) و نصرها للإمام علی(ع)؟
و على أساس ما تقدم نقبل انتقادکم المبتنی على وجود غموضٍ و إبهام فی النص، و سوف ندرس المسألة و نناقشها.
2ـ إن أکثر المصادر الإسلامیة اعتباراً فی مسألة بیان الموازین و المعاییر الدینیة و الإسلامیة هو القرآن الکریم و کلام النبی (ص) و أهل بیته(ع) الذین سمّاهم (ای القرآن و اهل بیته) النبی(ص) «الثقلین» أو العدلین، و قال إنهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض [7] .
فیما یخص القرآن لا توجد شبهة و لا شک بین المسلمین فی أن هذا الکتاب الموجود بین أیدینا منزل من الله و علیه الاعتماد، و لکن المؤسف أن العوامل السیاسیة و المذهبیة أدت إلى عدم وجود روایات تتمتع بهذه الدرجة من الوثاقة.
و کمثال لذلک: یقول الإمام الباقر(ع): «و وجد الکاذبون و الجاحدون لکذبهم و جحودهم موضعاً یتقربون به إلى أولیائهم، و قضاء السوء و عمال السوء فی کل بلدة، فحدثوهم بالأحادیث الموضوعة المکذوبة، و رووا عنا ما لم نقله، و لم نفعله لیبغضونا إلى الناس» [8] .
و لذلک ظهرت عدة علوم مثل علم الرجال و الدرایة و معرفة الکتب من أجل معرفة الروایات غیر الصحیحة و لتضع موازین علمیة و معتبرة فی هذا المیدان.
و من الموازین الأساسیة فی معرفة الصحیح من غیره انطباق مضمون الروایة على مضامین القرآن الکریم، یقول الإمام الباقر (ع): «إذا جاءکم عنا حدیث فوجدتم علیه شاهداً أو شاهدین من کتاب الله فخذوا به، و إلا فقفوا عنده، ثم ردوه إلینا، حتى یستبین لکم» [9] .
و لذلک فنحن لا نقبل هذه المجموعة من الروایات ما لم تطابق مضامین القرآن الکریم و لا تخالف ما جاء فی آیاته. أما فی الموارد التی یخالف فیها ظاهر الروایة تعالیم القرآن الکریم فلا ینبغی أیضاً أن نرفضها مباشرة، لأنه من الممکن أن یکون لها تأویل و تفسیر آخر لا یتنافى مضامین القرآن.
و حیث إننا لا نتمکن من الوصول إلى الإمام فی الوقت الحاضر فلا بد من وضع هذه الروایات جانباً و لا نستدل بها نفیاً و إثباتاً.
3ـ و هنا لا بد أن نعلم أنه على الرغم من ان أأکثریة النصوص البلیغة و المحکمة المدرجة فی ثنایا نهج البلاغة هی من کلام الإمام علی(ع). باستثناء بعض الموارد التی یمکن أن تثار حولها بعض التساؤلات ، و مع ذلک فلا یمکن الحکم بأن جمیع ما ورد فی نهج البلاغة مسلم الصدور و غیر قابل للنقد و الدراسة، و إنما تخضع نصوص هذا الکتاب العظیم کغیرها من النصوص إلى الدراسة و التحلیل و النقد و مقارنة مضامینها بما جاء فی القرآن الکریم. و لذلک سوف نشیر إلى مقام المرأة فی النصوص القرآنیة و روایات أهل البیت ثم نوازن بینها و بین النص الذی أشرتم إلیه فی السؤال.
4- هناک العدید من الآیات التی تؤکد عدم وجود الفرق بین الرجل و المرأة بلحاظ الإنسانیة و الإیمان و السیر إلى الله فی طریق التکامل دون أن یکون لاختلاف الجنس أثر فی ذلک. و من هذه الآیات:
1-4. « یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُم ». [10]
2-4. «فاستجاب لهم ربهم أنی لا أضیع عمل عامل منکم من ذکر أو أنثی». [11]
3-4. «وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا یُظْلَمُونَ نَقیراً"». [12] «من عمل صالحا من ذکر أو أنثی و هو مؤمن فلنحیینه حیاة طیبة» [13] .
4-4. و هناک الکثیر من الآیات التی تتفق مع الآیات المتقدمة حیث توضح المسألة بشکلٍ صریح، و إن جنس الإنسان لا یقف حائلاً بینه و بین اکتساب الفضائل، و الوصول إلى رضا الله سبحانه [14] .
5-4 قصة مریم (س) و قبولها مع الرهبان و القدیسین أثار تعجب النبی زکریا [15] . و کذلک دفاع الحق عنها فی مختلف المراحل [16] دلیل آخر على عدم أهمیة الجنس فی مسألة القرب من الله تعالى، و من الطریف أن والدة مریم نفسها کانت تعتقد إلى حدٍ ما أن جنس مریم قد یکون مانعاً من تکاملها المعنوی [17] و لکن الله أثبت خلاف ذلک.
6-4 إیمان امرأة فرعون من الموارد التی جعلها الله أسوة لجمیع المؤمنین. [18]
7-4 « لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَخْلُقُ ما یَشاءُ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً وَ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ الذُّکُور ». [19]
و إذا طالعنا القرآن بکامل آیاته لم نجد آیة واحدة تنقص من قدر المرأة أو تشیر إلى نقص عقلها، و لکن لا یمکن الادعاء بعدم وجود أی فرق بین الجنسین، و لکن بحسب تعبیر الإمام الراحل: هناک اختلافات بین المرأة و الرجل لا تمس الجانب الإنسانی لا علاقة لها به. [20]
و لذلک هناک آیات معدودة تشیر إلى التفاضل بین الرجل و المرأة نورد اثنین منها على سبیل المثال:
8-4 الآیة التی تخص الإرث فی قوله تعالى: «للذکر مثل حظ الأنثیین» [21] ، و یمکن الإشارة إلى ثلاث نقاط فی هذه الآیة:
أ ـ أن تقسیم الإرث من قبل الله لهعلاقة بالمنافع الاقتصادیة الخاصة ویقع فی مقابل الواجبات و التکالیف کالجهاد و النفقة و المهر و.... التی کلف بها الرجال دون النساء حتى یحصل التوازن بین الواجبات و الامتیازات.
ب ـ لکن ذلک لا یعنی أن حظوظ الرجل دائماً هی الأوفر، بل هناک موارد فیها تساوٍ، بل توجد بعض الموارد تتفوق فیها المرأة على الرجل بالنسبة لحق الإرث؟
ج ـ من المعلوم أن التفاوت بلحاظ المال و الثروة لا یعنی التفوق المعنوی بلحاظ البعد الإنسانی، و أن هذا النوع من التفکیر مرفوض و مدان من قبل الباری تعالى کما فی قوله تعالى: «أ یحسبون أنما نمدهم به من مال و بنین نسارع لهم فی الخیرات بل لا یشعرون». [22]
و على أساس هذا الإیضاح فلا یعنی التفضیل فی الإرث أن الله یهتم بجنس الرجال أکثر من اهتمامه بالنساء.
9-4 هناک آیة أخرى ربما یعتقد البعض أن الله فضل الرجال فیها على النساء، و ذلک فی قوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء» [23] . و لنا أن نتساءل هل فی هذه الآیة تفضیلٌ أم لا؟ و هل من الصحیح استنتاج التفضیل؟
أ ـ «إن الآیة لا تعنی أن جمیع الرجال قوامون على جمیع النساء» و إنما معنى «الرجال» فی الآیة هو الأزواج و النساء «الزوجات» و علیه فلا یمکن أن یکون الرجل غیر الزوج قیماً على المرأة أو أن له الأفضلیة، و علیه فلیس للرجال قیمومة على الأمهات و الأخوات، فکیف یقال إن الله جعل جنس الرجال قیماً على جنس النساء.
ب ـ و علیه فالآیة المتقدمة تتعلق بأمور الأسرة و طریقة تنظیمها، حیث أوکلها الله تعالى إلى الرجل، و لیس لذلک أی علاقة برجاحة العقل و الإیمان و...للرجال.و لا بد أن نعلم أن أی عمل مهما کان صغیراً فإن نجاحه موکول بوجود إدارة واحدة.
فالأمر إذن مختص بإدارة الأسرة و لا بد لواحد رجلاً کان أو امرأة أن یدیر دفة هذا المجتمع المصغر، و قد جعله الله فی عهدة الرجل، تستمر الآیة فی بیان سببین لذلک الاختیار فی قوله تعالى، أولاً: «بما فضل الله بعضهم على بعض"، و معنى ذلک أن قیادة الأسرة أنیطت بالرجل بسبب إعطاء الأفضلیة لبعض الناس على بعض.
إذا وجه شخصٌ الدعوة لجمیع جیرانه من دون أن یکون له حاجة أو طمع فی هذه الدعوة، و قد قدم للجمیع مراسم الضیافة المعتادة، و لکنه أظهر عنایة زائدة، و اهتماماً أکثر ببعضهم، ثم طلب منهم أن یساعدوه و یعینوه فی تدبیر هذه الولیمة، فهل لباقی الضیوف أن یعترضوا بالقول: أن المضیف اعتنى بهذه المجموعة أکثر.
نحن نعلم أن جمیع عالم المخلوقات مرتبط بالخالق سبحانه و هو أعلم بشؤونه و بالقوانین التی تصلحه، و بعبارةٍ أخرى فإن جمیع ما یتعلق بحیاتنا و موتنا رهن إرادته. و لذلک فإذا فضل بعضنا على بعض دون الخروج عن حدود العدالة، فلا یحق لنا أن نعترض على ذلک.
و قد علم الله سبحانه أن الصلاح فی إسناد إدارة الأسرة إلى الرجال دون النساء، و لا بد أن یقع هذا الأمر مورد القبول من قبلنا، حتى لو لم یقدم أی دلیل على ذلک، کما هو الحال فی تفضیل الإنسان على الکثیر من الموجودات الأخرى. [24]
و اختص بعض الأقوام و الأسر من بنی البشر ببعض المواهب و الامتیازات. [25] و کذلک لم یجعل الرجال بمستوىً واحد بل اختص بعضهم بمقام النبوة، و فضلهم على سائر الرجال. [26] و من الملفت أن الله فضل بعض الأنبیاء على بعض [27] . کما أننا نشاهد فی حیاتنا الیومیة أفضلیة البعض على البعض الآخر بلحاظات مختلفة کالاستعداد و الرزق و غیره. [28] إن هذا التفاضل جزءٌ من نظام الحیاة، و لا یتنافى مع العدالة الإلهیة، و علیه حتى لو أن القرآن صرح بأن عقل الرجل و قواه و مواهبه أفضل من المرأة و لهذا السبب وکلت إلیهم إدارة الأسرة، لا ینبغی أن یثیر هذا الکلام التعجب و الاستغراب و الاعتراض.
کما لا ینبغی أن یطرح السؤال: لماذا اختار الله الأنبیاء جمیعاً من جنس الرجال. و الجواب هو أن الله الحکیم عارف بمصالح العباد، و أن عدم اختیار المرأة إلى مقام النبوة لا یعنی نقصاً، و مع أنه لم یأت من جنس النساء نبی و لکن فیهن أمثال مریم (س) التی أثارت إعجاب الأنبیاء و تعجبهم، و فاطمة الزهراء(س) التی عبر عنها الإمام الراحل بقوله: «إنها امرأة تتمتع بجمیع خصال الأنبیاء، أنها امرأةٌ لو کانت رجلاً لکانت نبیاً » [29]
و من الضروری أن نبین مسألة مؤداها أنه لو وجدت جماعة من البشر لم تتوفر على بعض الخصائص و الامتیازات بلحاظ العقل و الذکاء و الموهبة، فإن حسابها سیکون أیسر أمام الله [30] ، لأن مقتضى العدالة الإلهیة یوجب أن یکون حساب هؤلاء أسهل و أیسر من الآخرین یوم القیامة. [31] و هذه المیزة ترفع من الأذهان شائبة الإخلال بالعدالة الناشئ من حالة التفاضل.
ثانیاً: و لکن المؤکد أن الله لم یجعل الإدارة للرجال بسبب الأفضلیة فی العقل و الإیمان و الدرجة و... و إنما قال «و بما أنفقوا من أموالهم» أی بسبب تحمله نفقات الحیاة و هذه مسؤولیة ثقیلة ملقاة على کاهله، و لذلک من الممکن وجود امرأة تتمتع بمزایا عقلیة و قدرات و مواهب، لکنها تکون خاضعة لإدارة زوج قد یکون أأقل منها بمراتب فی هذا المیدان، و لیس فی ذلک ما ینقص من قدرها أو یغض من مکانتها، کما نعلم أن امرأة فرعون و مکانتها فی الجنة، و أنه فی نار جهنم. [32]
و على أساس ما تقدم و بالنظر الدقیق لآیات القرآن، نستنتج: على الرغم من إعطاء الرجال بعض الامتیازات فی بعض المیادین إلا أن ذلک لا علاقة له برجحان العقل و الإیمان، و لم ترد أی إشارة تدل على ذلک.
5ـ و مما یجب أن نعلمه من جانبٍ آخر هو أن محاولة الوصول إلى الإجابة النهائیة یستلزم الإطلاع و الدراسة لجمیع التعالیم و النصوص الخاصة بالموضوع، لا الإمساک بآیة واحدة أو حدیثٍ واحد. فمن الممکن أن یکون النص مختصاً بمورد معین أو قضیة محدودة، أو أن المراد لیس معناه الظاهری، حیث توجد بعض الموارد فی الآیات القرآنیة من هذا القبیل، نشیر إلى ثلاثة موارد منها.
1-5 عندما دعی داعیة التوحید الأکبر نبی الله إبراهیم(ع) لحضور مراسم تعظیم الألهة خارج المدینة رفض الحضور متعللاً بالمرض [33] ، لکنه و بعد أن خرج إلى الناس، عکف على الأصنام فحطمها إلا کبیرها، و عندما اتهمه المشرکون بذلک قال لهم أن کبیرهم فعل ذلک. [34] و نحن نعلم أن إبراهیم لم یکن مریضاً، و لیس بإمکان کبیر الأصنام تحطیم الصغار.
2-5 وضع یوسف(ع) صواع الملک فی رحل أخیه، نودی فی القافلة «أیتها العیر إنکم لسارقون» [35] واطلق علیهم إسم السارق، فی حین انهم –على اقل تقدیر- لم یکونوا سارقین فی هذاالمورد .
و مع أن ظاهر کلام هذین النبیین یوحی بالکذب إلا أنه توجد روایات تعالج المسألة و توجه هذا الکلام و تمنحه مصداقیة و واقعیة من خلال التأویل. [36]
و کنموذج لهذا التوجیه مثلاً أن مراد یوسف من إطلاق صفة السراق على إخوته لم یکن سرقة الصواع، بل ما سلف منهم حینما اختطفوه و ألقوه فی غیابة الجب [37] .
3-5 کان النبی موسى(ع) مصاحباً لعبد صالح یدعى الخضر، و قد صدرت من الخضر أعمالٌ ظاهرها غیر مقبول و لا معقول حتى أن موسى(ع) اعترض علیه أکثر من مرة إلى أن وضح له الخضر الأسباب و العلل الکامنة وراء تلک الأعمال، و منها مثلاً ما فعله بسفینة أناسٍ یعملون فی البحر حیث خرقها على الرغم من تعاون أصحاب السفینة معهما، فاعترض موسى(ع) على هذا العمل، و لکن تبین بعد ذلک أن خرق السفینة کان لصالح أهلها لوجود ملک یأخذ کل سفینة غصباً، و ذلک القرار لا یشمل السفن المعیبة، و بذلک أنقذ الخضر العاملین بحفظ وسیلة عیشهم من سطوة الملک. [38]
و هناک بعض الروایات المنقولة عن الأئمة(ع) و التی یظهر منها أنهم (ع) یحقرون أصحاب بعض المهن کقولهم «حائک» مثلاً [39] ، و لکن الواقع أنه لیس المراد عنوان المهنة المتبادر و هو حیاکة الأثاث و اللباس، و إنما من یحوک الکذب [40] .
و على هذا لابد من العلم أن کلام الأولیاء لا ینبغی أن یحمل على معناه الظاهری حصراً.
6ـ أما فیما یتعلق بنسبة الکلام المتقدم إلى الإمام أمیر المؤمنین (ع) فلابد من أن نبحث عن کلام له فی مواضع أخرى بالنسبة إلى المرأة، و بذلک نلتقی بثلاثة بیانات له فیما یتعلق بالمرأة:
1-6 عندما فارق فاطمة(ع) خاطب النبی(ص) قائلاً: «قل یا رسول الله عن صفیتک صبری، و رق عنها تجلدی. ... أما حزنی فسرمد، و أما لیلی فمسهد إلى أن یختار الله لی دارک التی أنت بها مقیم» [41]
2-6 «و لقد بلغنی أن الرجل منهم کان یدخل على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة فینتزع حجلها و قلبها و قلائدها و رعاثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع و الاسترحام ثم انصرفوا وافرین ما نال رجلاً منهم کلم و لا أریق لهم دم» [42] .
3-6. و من البدیهی أن هذا الإمام العظیم لم یصدر حکماً عاماً على جمیع النساء و یعتبرهن جمیعاً ناقصات العقول و الإیمان، و إنما وصف فاطمة بأجل الأوصاف، و حزن أشد الحزن على امرأة أوذیت و إن لم تکن مسلمة ثم إنه دعا الأفراد الخاضعین لأمره إلى التعامل مع المرأة برفق و إنسانیة عندما اتبعت عواطفها.
و عندما نرى أن هذا الإمام یصف المرأة العاقلة المؤمنة بأنها خلیفة من خلفاء الله [43] ، فلا ینبغی أن نعتقد أنه یصف هذا النوع من النساء بنقص العقل و الدین.
و علیه إما أن نرفض صدور هذا النص عن الإمام(ع) أو أن نجد له تفسیراً و تأویلاً مناسباً. و من التفسیرات الممکن طرحها فی هذا المجال أن یقال: أن علی بن أبی طالب(ع) واجه فی بدایة خلافته مؤامرات و تکتلات استغلت فیها إحدى نساء النبی(ص) للتلاعب بعواطف المسلمین و استقطابهم فأثارت الحرب بین المسلمین [44] .
و مع أن قادة الفتنة فی الجمل قتلوا، إلا أن إمکانیة استغلال أم المؤمنین مرةً أخرى لاسثارة المسلمین ما زالت موجودة. و قد کان العرب آنذاک ینظرون إلى المرأة نظرة مشینة و أنها تجلب العار، فمن الممکن أن الإمام(ع) حاول استغلال ما کانوا یرون و یعتقدون إزاء المرأة لتوخی وقوع فتنة أخرى من خلال استغلال «أم المؤمنین». کما فعل إبراهیم فی نسبة تحطیم الأصنام إلى کبیرهم، مع علمه أنه أمرٌ غیر ممکن.
و مع أن قوله «أن النساء نواقص الإیمان....» فسرت على نحو الکلیة، و أن الألف و اللام للاستغراق إلا أنها قد تفید أموراً أخرى کالعهد الذهنی أو الحضوری.إضافة إلى ذلک فمن الممکن أن نقدم ترجمةً و تفسیراً لهذه الکلمة بالقول: إن المراد هی المرأة التی یعرفها الجمیع و التی أثارت الحروب و الفتن ، و أن النعت موجه إلیها، و لکنه لم یرد أن یوجه الخطاب مباشرةً، و یذکر الأسماء و المسمیات. و لذلک أورد کلامه بشکلٍ عمومی و لکنه یقصد أفراداً بعینهم. و کما تقدم فإن مثل هذا الإبهام و الإیهام کان موجوداً فی سیرة النبی(ص).
و کذلک ممکنٌ أن یفسر النقصان فی الإیمان و العقل بعدم تمکن المرأة من أداء بعض واجباتها فی ظروف خاصة، و تغلیب العاطفة على العقل فی مواضع کثیرة، و نقصان حصتها من الإرث و الترکة، إلا أن ذلک لا یشکل نقصاً و لا عیباً بالنسبة للمرأة، کما أن مثل هذه الموارد لا تختص بالنساء، فالتفاضل موجود بین الرجال أنفسهم، و إذا کان نقصاً فهو شاملٌ للجمیع.
و فی النهایة نتسائل: إذا کان إبراهیم قد طلب أن یرزقه الله أنثى بعد أن رزقه ولدین نبیین [45] ، و إن أکثر أولاد النبی(ص) من البنات حتى أطلق علیه إسم «أبو البنات» [46] ، فهل یمکن القول أن النبی إبراهیم یطلب مولوداً ناقص الإیمان و العقل، أم أن جمیع أولاد النبی یتمتعون بهذین النقصین؟!
إن الإجابة بالنفی أمرٌ متیقن، و إلا لما کان ینبغی للقرآن أن یوبخ المشرکین فی الجاهلیة على عدم ارتیاحهم حینما تولد لهم الأنثى [47] ، لأنه من الطبیعی أن لا یرتاح الإنسان لمولود ناقص العقل، و من أجل فهم المطالب من الأفضل مراجعة الجواب الإجمالی مرةً أخرى.
[1] على سبیل المثال، راجع الأسئلة 1578 (الموقع: 2626) و 1259 (الموقع: 1451) .
[2] انظر: الأسئلة 592 (الموقع: 645).
[3] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 27، ص 369، ح 33968، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 هـ.ق.
[4] نفسه، ح 33969.
[5] نفسه، ص 372، ح 33975 و 33976.
[6] نفسه، ص390، الروایات المندرجة فی الباب 40.
[7] نفسه، ص 33، ح 33144. هذا الحدیث مورد قبول لدى أهل السنة أیضاً.
[8] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 44، ص 68، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ.ق.
[9] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 27، ص 112، ح 33351.
[10] الحجرات، 13.
[11] آل عمران، 195.
[12] النساء، 124.
[13] النحل، 97.
[14] غافر، 40؛ الأحزاب، 35 و 58 و 73؛ التوبة 71 و 72؛ محمد 19؛ الفتح 5؛ الحدید، 12 و ... .
[15] آل عمران، 37.
[16] مریم، 16 ـ 29.
[17] آل عمران، 36.
[18] التحریم، 11.
[19] الشورى، 49.
[20] صحیفة الإمام، ج 4، ص 364.
[21] النساء، 11 و 176.
[22] المؤمنون، 55 و 56.
[23] النساء، 34.
[24] الإسراء، 17.
[25] الجاثیة، 16؛ آل عمران 33.
[26] الأنعام، 83 ـ 86.
[27] البقرة، 253.
[28] النحل، 71.
[29] صحیفة الإمام، ج 7، ص 337.
[30] کما یدعی البعض من ان درجة ذکاء الانسان الابیض اکبر من غیره من البشر.
[31] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 11، الروایة 7، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[32] التحریم، 11.
[33] الصافات، 89 و 90.
[34] الأنبیاء، 57 ـ 63.
[35] یوسف، 70.
[36] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 12، ص 253، الروایة 16232.
[37] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 11، ص 76، الروایة 4.
[38] الکهف 65 ـ 82.
[39] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 32، ص 86 (یا ابن الحائک!).
[40] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 340، الروایة 10. (ذاک الذی یحوک الکذب).
[41] نهج البلاغة، ص 319، الخطبة 202، منشورات دار الهجرة، قم.
[42] نفسه، ص 69 و 70، الخطبة 27.
[43] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 5، ص 324، الروایة 5 (فتلک عامل من عمال الله)
[44] فی هذا الصدد، یراجع السؤال 6449 (الموقع: 6992).
[45] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 21، ص 361، ح 27303.
[46] نفسه، ص361، ح 27304.
[47] الزخرف، 17؛ النحل، 58 و 59.