Please Wait
6298
أما فی خصوص الآیة 43 من سورة التوبة راجعوا المواضیع التی فُصل فیها الجواب عنها.
وأما الآیة الأولی فی سورة التحریم: فالتحریم هنا لم یکن تحریماً شرعیاً، و ذلک لأن جملة «لم تحرم» لم تکن بشکل عتاب و تأنیب للنبی (ص)، بل کانت بشکل رحمة و شفقة للنبی (ص) و مفادها: لماذا تحرم علی نفسک الحلال و النعم الإلهیة بسبب التزام و قسم لأجل کسب رضی أزواجک، فلیس من الواجب القیام بهذا العمل و هذا الامتناع عن بعض الامور المحلّلة. و هذا مثل ما نقول لشخص یسعی و یتعب کثیراً فی سبیل تحصیل الرزق و من ثم لا یحصل علی فائدة مرضیة، نقول له: لماذا کل هذا التعب و السعی بدون فائدة؟
تفسیر و شأن نزول الآیة الأولی من سورة التحریم: “ یَأَیهَُّا النَّبىُِّ لِمَ تحَُرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَکَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِکَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِیم ” [1] المشهور و المناسب من المنقول فی شأن نزول [2] هذه الآیة هو أن النبی محمداً (ص) عندما کان یدخل فی بعض الأحیان علی احدی زوجاته و هی «زینب بنت جحش» کانت تبقیه عندها و تعطیه (ص) من عسل کانت قد هیأته له، و حینما علمت عائشة بذلک تأذّت و تألمت من فعل زینب هذا کثیراً، فقالت عائشة: قرّرنا أنا و حفصة (احدی زوجات النبی (ص)) کلما دخل علینا رسول الله (ص) نقول له "أنا نجد فیک ریح المغافیر [3] ، هل أکلت منه؟ (و المغافیر: هو صمغ کریه الرائحة یخرج من شجرة العرفط) و کان رسول الله یَشق علیه أن یوجد منه ریح غیر طیّبة، بل کان یصر أن یبدو دائماً معطّر الرائحة. فدخل النبی یوماً علی حفصة، و قالت له ما اتفقت علیه مع عائشة فقال النبی (ص): "لا لم أکل المغافیر و لکن سقتنی زینب عسلاً حیث کنت عندها، أقسم بالله بأن لا طعمه أبداً (لاحتمال أن النحل أخذ العسل من زهر المغافیر الکریهة الرائحة) و لکن لا تعلمیأحداً بذلک (لئلا یصل الی مسامع الناس، فیقولون لم یحرم النبی الأکل الحلال علی نفسه؟ أو أنهم قد یُقلّدونه فی هذا الأمر. أو حتی لا یصل الأمر الی مسامع زینب فتتألم لذلک و ینکسر قلبها).
و لکنها لم تلتزم باخفاء السر وافشته، و بعدها توضح أن أصل هذه القضیةة کانت مؤامرة من قبل بعض زوجاته، و قد تأذی النبی (ص) کثیراً من هذه المسألة و بهذا الشأن نزلت الآیات المتقدمة و انتهت الحادثة بحیث لا یُمکن أن یتکرّر فی هذا البیت من أمثال هذه الأعمال. [4]
ممّا لا شکّ فیه أنّ رجلا عظیما کالرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لا یمکن أن یهمّه أمره وحده دون غیره، بل أمره یهمّ المجتمع الإسلامی و البشریة جمعاء، و لهذا یکون التعامل مع أیّة دسیسة حتّى لو کانت بسیطة تعاملا حازما و قاطعا لا یسمح بتکرّرها، لکی لا تتعرّض حیثیة الرّسول و اعتباره إلى أی نوع من التصدّع و الخدش و الآیات محلّ البحث تعتبر تحذیرا من ارتکاب مثل هذه الأعمال حفاظا على اعتبار الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.
البدایة کانت خطابا إلى الرّسول: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ.
و من الواضح أنّ هذا التحریم لیس تحریما شرعیّا، بل هو- کما یستفاد من الآیات اللاحقة- قسم من قبل الرّسول الکریم، و من المعروف أنّ القسم على ترک بعض المباحات لیس ذنبا.
و بناء على هذا فإنّ جملة لِمَ تُحَرِّمُ لم تأت کتوبیخ و عتاب، و إنّما هی نوع من الإشفاق و العطف.
تماما کما نقول لمن یجهد نفسه کثیرا لتحصیل فائدة معیّنة من أجل العیش ثمّ لا یحصل علیها، نقول له: لماذا تتعب نفسک و تجهدها إلى هذا الحدّ دون أن تحصل على نتیجة توازی ذلک التعب؟
ثمّ یضیف فی آخر الآیة: وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ ...
و هذا العفو و الرحمة إنّما هو لمن تاب من زوجات الرّسول اللاتی رتّبن ذلک العمل و أعددناه. أو أنّها إشارة إلى أنّ الرّسول ما کان ینبغی له أن یقسم مثل هذا القسم الذی سیؤدّی- احتمالا- إلى- جرأة و تجاسر بعض زوجاته علیه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم. [5]
أما ما یخص الآیة 43 من سورة التوبة فراجعوا المواضیع التالیة حیث فصل الحدیث فیها عمّا یخص آیات آخر من هذا القبیل:
1- «عصمة الأنبیاء (ع) فی القرآن» السؤال 1013 (الموقع: 1070) .
2- «عصمة الأنبیاء (ع) بنظر القرآن» السؤال 916 (الموقع: 997) .
3- «عصمة النبی (ص) و ترک الاولی» السؤال 1204 (الموقع: 1972) .
4- «عصمة الأنبیاء (ع)» السؤال 12695 (الموقع: 12442) .
[1] التحریم، 1.
[2] و هو نوع من الصمغ یترشّح من بعض أشجار الحجاز یسمّی "عرفط" و یترک رائحة غیر طیبة، تفسیر الأمثل، ج18، ص440.
[3] و هو نوع من الصمغ یترشّح من بعض أشجار الحجاز یسمّی "عرفط" و یترک رائحة غیر طیبة، تفسیر الأمثل، ج18، ص440.
[4] البغوی (محیی السنة)، ابو محمد الحسین بن مسعود، معالم التنزیل فی تفسیر القرآن
[5] تفسیر الأمثل، ج18، ص440 و 441؛ الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج19، ص330، مکتب الانتشارات الإسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.