Please Wait
6100
لاريب أن الامام الحسين (ع) أعطي من المميزات الخاصة من قبيل كون الإمامة في ولده و الشفاء في تربته و استجابة الدعاء تحت قبته الشريفة، الا أنه لا يوجد عندنا دليل يؤكد ان تلك الكرامات و المميزات إنما أعطيت له (ع) بسبب التفاوت بينه و بين سائر الائمة في مرتبة العصمة و الولاية، و من هنا يقع السؤال عن ذلك السبب الذي من أجله وهب الله تعالى له (ع) تلك الكرامات و الخصائص؟
وجواب هذا التساؤل يمكن رصده في المواقف التي اتخذها الامام (ع) يوم عاشوراء و التضحيات التي جاد بها من اجل حياء الدين و الحفاظ على قيمه، من هنا نقول:
صحيح أن جميع الإئمة (ع) يمثلون التجلي الكامل للصفات و الاسماء الالهية، لكن الشروط و الظروف الزمانية الخاصة تؤدي الى بروز جوانب من شخصية ذلك الإمام و تخرجها الى الفعلية، فيكون كل إمام مظهرا لاسم من الاسماء الالهية المناسبة لذلك الموقف و تلك الحادثة، و لاريب ان عصر الإمام الحسين (ع) و الظروف التي عاشها في يوم عاشوراء قد برّزت الكثير من الجوانب و الفضائل الكامنة في شخصية الإمام (ع) التي لم تتوفر لسائر الإئمة (ع)، حيث تجلت في يوم عاشوراء – ذلك اليوم الذي احيا الاسلام و القيم المحمدية السامية و انقاذ الدين من الانحراف و الزيغ و اظهار النقاط البارزة في الدين الاسلامي- أرفع الفضائل و اسمى القيم من الإمام الحسين (ع) و اصحابه (رض). و في الحقيقة ان الظروف و الشروط الخاصة هي التي تلعب دورا بارزاً في تجلي الصفات و الفضائل السامية. من هنا نرى ان الإمام الحسين (ع) اعطى يوم عاشوراء أكمل الدروس و أروع العبر و أجمل المواقف المشرفة التي جعلت المجتمع الاسلامي يرفع هامته عاليا ليباهي سائر الامم بهذا المصلح العظيم و تلك الحركة الاصلاحية الكبرى. و بهذا يمثل احياء ذكرى عاشوراء احياء لذكرى أهل البيت (ع) كافة، و ان الاهتمام بكربلاء يعد اهتماما بتلك الدروس الجامعة التي اعطتها كربلاء لعامة البشرية و يكون الهدف من الاحياء التأكيد على عدم نسيان تلك القيم السامية، فمن يحيي ذكرى الإمام الحسين (ع) فكأنه احيا ذكرى جميع المعصومين (ع). و لاريب ايضا ان الإمام الحسين (ع) استشهد في يوم عاشوراء مع صحبه الابرار بابشع انواع القتل و تعرض لاشد أنواع الابتلاء و المحن و حلت به اشد المصائب التي لم يتعرض لها غيره من المصلحين و ان الذي حل بسائر الانبياء و الإئمة لا يمثل الا بعض ما وقع يوم عاشوراء الأمر الذي أبكى السماء. فتلك الفجيعة العظمى لابد ان يتحيا بما يناسبها ليؤدى لصاحبها حقه من هنا نرى الإئمة (ع) يؤكدون على هذه الشعيرة الالهية على مر العصور و الازمان.
السؤال المطروح ينطوي على مجموعة من الاسئلة؛ من قبيل السؤال عن الميزة الخاصة للامام الحسين (ع) في الروايات و الاحاديث الاسلامية، و منها السؤال عن انسجام ذلك مع معصومية سائر الإئمة؟
لاريب أن الباحث في المصادر التأريخية و الروائية يشاهده بوضوح ما حظي به الإمام الحسين (ع) من الإهتمام و الخصائص و المميزات التي جعلت له، مما لا نشاهد مثله عند الحديث عن سائر الإئمة (ع)؛ من قبيل:
الف: اختصاص الإمام (ع) بكون الإمامة في ولده، فقد روي عن الإمام محمد الباقر (ع) أنه قال: " إنَّ اللَّهَ تعالى عوَّضَ الحسين(ع) من قتله أَنْ جعلَ الإمامةَ في ذرِّيَّتِهِ و الشِّفاء في تربته و إِجابةَ الدُّعاءِ عند قبره".[1]
ب. الشفاء في تربته (ع)، و قد صرحت الرواية السابقة بهذا الأمر من أن الله تعالى عوض الحسين (ع) فجعل الشِّفاء في تربته.[2] و تظهر أهمية هذه الكرامة عندما نعرف بان الفقه الاسلامي يحرم تناول الطين و لا يسمح بذلك الا بمقدار الحمصة من تراب الإمام الحسين لقصد الشفاء و التداوي.[3]
ج. استجابة الدعاء عند قبره الشريف: و هذه أيضا من الكرامات التي إمتاز بها الإمام الحسين (ع) و التي لم ينحصر التصريح بها في حديث الإمام الباقر (ع)، بل هناك روايات أخرى عن الإمام الصادق (ع)، و عن الإمام الهادي (ع) الذي أرسل من يدعو له في الحائر الحسيني، حيث جاء في الرواية التي رواها أبو هاشم الجعفري: لما مرض الإمام أبو الحسن الهادي (ع) قال ابعثوار الى الحائر ابعثوا الى الحائر[4]، فذكرتُ ذلك لعليِّ بن بلالٍ فقال: ما كانَ يصنعُ بالحائر و هو الحائر؟! فقدمت العسكرَ فدخلتُ عليه فقال لي: اجلسْ حينَ أَردتُ القيام، فلَمَّا رأَيتهُ أَنسَ بي ذكرتُ قول عليِّ بن بلال. فقال لي: أَ لَا قلت لهُ إِنَّ رسول اللَّهِ (ص) كان يطوفُ بالبيت و يُقَبِّلُ الحَجَرَ، و حُرْمةُ النَّبِيِّ (ص) و المُؤْمنِ أَعظمُ من حرمة البيت و أَمرهُ اللَّهُ أَن يقفَ بعرفَةَ!! إِنَّمَا هي مواطِنُ يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُدْعَى لِي حَيْثُ يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُدْعَى فِيهَا وَ الْحَيْرُ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ.[5]
د. الصلاة في الحائر الحسيني: من المعروف بين الفقهاء في رسائلهم العملية أن المسافر يقصر من الصلاة اذا توفرت مجموعة من الشروط التي توجب ذلك، و لكن استثني من ذلك بعض المناطق يكون المسافر فيها مخيراً بين القصر و التمام، منها الحائر الحسيني.[6]و الروايات الصادرة في هذا المجال تؤكد هذا الحكم الشرعي و تكشف عن أهمية الحائر و قداسته.[7]
هذه اجابة اجمالية للشق الاول من السؤال، و أما الشق الثاني من السؤال و هو انسجام تلك الكرامة مع معصومية سائر الإئمة (ع)؟
فجواب ذلك، إن سائر الإئمة و إن كانوا معصومين و لهم مقام الولاية التكوينية، لكن ذلك لا يعني بحال من الاحوال ان تكون مراتبهم و درجاتهم متساوية حتماً، و بتعبير علمي لا مانع من ثبوت مقام الولاية لهم - في مرحلة الثبوت – بنحو تشكيكي، لكن لا يوجد عندنا دليل يثبت تلك الفرضية. و بعبارة أخرى: إنه لا مانع أن يكون مقام العصمة – في حد نفسه- ارفعه منه عند إمام آخر، مما يستتبع مميزات و خصائص منفردة لذلك الإمام، لكن لا يوجد دليل يثبت ان الفروق بينهم نابعة من تلك الحيثية، و إنما الذي يقوى في الذهن أنهم متساوون في مقام العصمة و الولاية، و لكن توجد عوامل اخرى تقتضي أن يمنح الباري تعالى الإمام الحسين (ع) تلك العظمة و تلك الكرامات الكبيرة.
أما ما هو ذلك العامل الذي يؤدي الى التفاوت بينهم (ع) مع تساويهم في مرتبتي العصمة و الولاية؟
يمكن الاشارة الى بعض الامور التي قد تمثل تلك العوامل:
1. لما كان المعصومون يمثلون النموذج الاكمل للانسان الكامل و الأسوة العظمى للبشرية في طريق الهداية و الرشاد، من هنا لابد ان يتخذ كل إمام أفضل المواقف و المعالجات ليكون بذلك أسوة و قدوة يحتذى بها و ليعلم البشرية من خلال سلوكه كيفية اتخاذ الموقف المناسب للظرف الذي يعيشون فيه، فان اقتضى صلحا صالحوا و ان اقتضى حربا استعدوا لها على أكمل و جه. و بعبارة أخرى؛ صحيح أن جميع الإئمة (ع) يمثلون التجلي الكامل للصفات و الاسماء الالهية، لكن الشروط و الظروف الزمانية الخاصة تؤدي الى بروز جوانب من شخصية ذلك الإمام و تخرجها الى الفعلية، فيكون كل إمام مظهرا لاسم من الاسماء الالهية المناسبة لذلك الموقف و تلك الحادثة، و لاريب ان عصر الإمام الحسين (ع) و الظروف التي عاشها في يوم عاشوراء قد برّزت الكثير من الجوانب و الفضائل الكامنة في شخصية الإمام (ع) التي لم تتوفر لسائر الإئمة (ع)، حيث تجلت في يوم عاشوراء – ذلك اليوم الذي احيا الاسلام و القيم المحمدية السامية و انقاذ الدين من الانحراف و الزيغ و اظهار النقاط البارزة في الدين الاسلامي- أرفع الفضائل و اسمى القيم من الإمام الحسين (ع) و اصحابه سلام الله عليهم. و هذا بطبيعة الحال مقتضى المسؤولية الملقاة على عاتقهم، و أن لكل إمام مهمته الخاصة التي تشترك جمعها في كونها أسوة و قدوة يحتذى بها، و في الحقيقة ان الظروف و الشروط الخاصة هي التي تلعب دورا بارزاً في تجلي الصفات و الفضائل السامية. من هنا نرى ان الإمام الحسين (ع) اعطى يوم عاشوراء أكمل الدروس و أروع العبر و أجمل المواقف المشرفة التي جعلت المجتمع الاسلامي يرفع هامته عاليا ليباهي سائر الامم بهذا المصلح العظيم و تلك الحركة الاصلاحية الكبرى. و من هنا ايضا يمثل احياء ذكرى عاشوراء احياء لذكرى أهل البيت (ع) كافة، و ان الاهتمام بكربلاء يعد اهتماما بتلك الدروس الجامعة التي اعطتها كربلاء لعامة البشرية و يكون الهدف من الاحياء التأكيد على عدم نسيان تلك القيم السامية، فمن يحيي ذكرى الإمام الحسين (ع) فكأنه احيا ذكرى جميع المعصومين (ع).
2. لاريب ان الإمام الحسين (ع) استشهد في يوم عاشوراء مع صحبه الابرار بابشع انواع القتل و تعرض لاشد أنواع الابتلاء و المحن و حلت به اشد المصائب التي لم يتعرض لها غيره من المصلحين و ان الذي حل بسائر الانبياء و الإئمة لا يمثل الا بعض ما وقع يوم عاشوراء الأمر الذي أبكى السماء[8]. فتلك الفجيعة العظمى لابد ان يتحيا بما يناسبها ليؤدى لصاحبها حقه من هنا نرى الإئمة(ع) يؤكدون على هذه الشعيرة الالهية على مر العصور و الازمان.[9]
[1] المجلسي، محمد باقر، بحارالأنوار، ج44، ص221، مؤسسة الوفاء بيروت، الطعبة الاولى، 1404هـ.
[2] نفس المصدر.
[3] توضیح المسائل (المحشى للإمام الخميني)، ج2، ص598، مسئلۀ 2628.
[4] (قوله ع ابعثوا إلى الحائر أي ابعثوا رجلا إلى حائر الحسين ع يدعو لي و يسأل الله شفائي عنده)، بحار الانوار، بحارالأنوار ج : 98 ص : 112.
[5] بحارالأنوار ج : 98 ص : 112؛
[6] توضيح المسائل (المحشى للإمام الخميني)، ج1، ص728، مسئلۀ 1356؛ الميلاني، سيد محمد هادي، محاضرات في فقه الإمامية، ج1، ص314.
[7] الحر العاملي، الشیخ محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ج8، ص531؛ المجلسي، محمد باقر، بحارالأنوار،ج 86،ص 88؛ الشيخ مفيد، المزار، ص140.
[8] أَنَا ابْنُ مَنْ بَكَتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ- أَنَا ابْنُ مَنْ نَاحَتْ عَلَيْهِ الْجِنُّ فِي الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاء...؛ المجلسي، محمد باقر، بحارالأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1404 هـ ق، ج45، ص174.
[9] لمزيد الاطلاع انظر: ترخان، قاسم: نگرشی عرفاني، فلسفي و کلامي به شخصیت و قیام امام حسین (ع)= الامام الحسین (ع) رؤیة عرفانیة فلسفیة کلامیة، ص 105- 142.