Please Wait
6084
و ترى هذه الفرقة أن آراءها تطابق الشریعة بشکل کامل، و لکن على أساس ما أجرینا من تحقیق فعلى الرغم من کونهم شیعة اثنی عشریة و أنهم یدعون تقلید المراجع العظام، و لکنا لاحظنا عدة انحرافات فی سلوکهم یمکن تلخیصها بما یلی:
1ـ یعتقدون أن شیخهم هو نائب الإمام و لیس المراجع أو الولی الفقیه.
2ـ یؤدون خمسهم إلى شیخهم بدلاً من المراجع.
3ـ لدیهم أدعیة خاصة بهم إضافةً إلى الأدعیة المأثورة.
4ـ اتخذوا من (الخانقاه) محلاً لعبادتهم بدلاً عن المسجد نعم انهم اطلقوا علیه اسم الحسینیة.
5ـ یرون فصل الدین عن السیاسة، و لا علاقة لهم بالروحانیة و أنهم یعارضونها.
6ـ یقبّل بعضهم ید الآخر بدلاً عن المصافحة.
و ما عدا ما تقدم فإن أعمالهم الأخرى کغیرهم من الشیعة و هم ملتزمون لا یستمعون الغناء و لیس لدیهم شطحات و زلات، و یؤدون جمیع الفرائض کاملة:
السؤال:
1ـ بالتوجه إلى أنهم من أهل البدع، فهل یمکن تخریب أماکنهم من دون إذن الدولة الإسلامیة؟
2ـ هل إن الاشتراک فی مجالسهم بنیّة الإصلاح و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر جائز؟
3ـ بلحاظ الانحرافات المتقدمة، هل یمکن أن تصح نسبتهم إلى الشیعة أم لا؟ و أخیراً ما هی البدعة و ما هی الأحکام المترتبة علیها؟
البدعة فی اللغة تعنی العمل الجدید من دون سابقة، و فی الاصطلاح تعنی (إدخال ما لیس من الدین فی الدین) بمعنى نسبة شیءٍ إلى الدین لم یکن فی واقعة من الدین، و إن البدعة فی الدین من الذنوب الکبیرة، و إن تخریب أماکن هذه الفرقة من دون کسب إذن الدولة الإسلامیة غیر جائز.
اما الاشتراک فی مجالسهم لأجل الإصلاح و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر لمن یمتلک القدرة العلمیة و الفکریة جائز.
مع أنه لا یمکن أن نعتبر جمیع الأفراد المرتبطین بهؤلاء خارجین عن التشیع إلا أن الکثیر من المنتسبین لهذه الفرقة خارجون عن دائرة التشیع.
من أجل إیضاح الجواب عن أسئلتکم نشیر الى النقاط التالیة:
1ـ إن البدعة فی الدین بمعنى - إدخال ما لیس من الدین فی الدین- و تعد من الذنوب الکبیرة و لا یوجد أی تردد فی حرمة هذا العمل، یقول رسول الله (ص): «کل محدثة بدعة، و کل بدعة ضلالة، و کل ضلالة فی النار».[1]
2ـ المراد من الأمر الجدید الذی لا سابقة له فی الدین هو ما لا ینسجم مع مقررات الدین و أحکامه، و لذلک فتطبیق مقررات الإسلام الکلیة على المصادیق الجدیدة لا یعد بدعة.[2]
3ـ من خلال الدقة فی معنى البدعة (إدخال ما لیس من الدین فی الدین) فإننا نتوصل إلى مطلب مهم تزداد أهمیته فی الحقل الثقافی و السیاسی و الاجتماعی، و ذلک أن الباطل ـ و بوجهه الحقیقی ـ لیس له طالب و مشترٍ، لأنه ضجیج فارغ وباطن خاو، و علیه فلابد له من التلبس و التقنع بقناع الحقیقة، لیظهر بمظهرها، لأن جمیع الناس، بل جمیع الموجودات طالبة للحقیقة و الواقعیة، و على امتداد التاریخ نجد أن الساحة الثقافیة من أهم الساحات التی ینشط فیها الباطل و یتحرک بفعالیة على جبهتها، حتى یتمکن من تجمیل وجهه القبیح لیظهر بمظهر الواقعیة و الجمال.
و قد ورد تعبیر "التزیین" فی القرآن الکریم بأکثر من عشرین مرة إشارةً إلى السلاح الذی یشهره الباطل و یقاتل به فی الساحة الثقافیة، یقول مثلاً: «وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ»،[3] أو قوله: «أَفَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً».[4]
و من هنا فإن صناعة الدین و إیجاد المذاهب الجدیدة تعتبر من أهم الوسائل التی یستخدمها الظلمة و المستعمرون منذ بدایة التاریخ و إلى یومنا هذا، حتى یتمکنوا من الوقوف بوجه الأدیان الإلهیة، و التصدی لها و إضعاف جبهة الحق و تحدیها.
و من الطبیعی فإن الدراسة الدقیقة لأسالیب الأعداء و مخططاتهم فی میدان الإعلام و کشف وجوه الباطل المقنعة بالأقنعة الجمیلة الخادعة لیس بالأمر الیسیر بالنسبة إلى عامة الناس، و لم یتمکن من هذا العمل إلا أصحاب القدرة العلمیة الفائقة و الفکر الثاقب.
و یمکن أن تکون فلسفة تأکید الإسلام على مجالسة العلماء[5] و الاستفادة من عطائهم کامنة فی هذه المسألة، و ذلک لیتسلح الإنسان بالمناعة الکافیة التی تقیه من الانحراف من خلال الارتباط بالعلماء الواقعیین.
و خلاصة القول: أنه لا ینبغی أن نخدع بظاهر بعض الأحزاب الودیعة التی تبدو ساذجة فی ظاهرها، و لابد من النظر إلى ما تخفیه من أهداف سیاسیة و اجتماعیة و ثقافیة، و أفضل شاهد على صدق هذه المدعیات هو عرض الوثائق و المستندات التی تثبت عدم تدخل الدول الأجنبیة الاستعماریة فی إنشاء و دعم مثل هذه الفرق.
4ـ و النقطة الرابعة أن لا یتوهم أن الانحراف ینحصر فی نقطة البدایة فقط، و إنما لابد من مراقبة الانحراف و اتساع زاویته مع مرور الزمن، کما أن اتساع زاویة الانحراف فی المسائل الهندسیة یبدأ بمقدار لا یکاد یذکر و لکنه عندما یمتد إلى مسافات أبعد فإن هذه الفاصلة الدقیقة تتحول إلى مسافات قد تصل إلى مئات أو آلاف الکیلومترات و من هنا نفهم ضرورة الالتزام بالفقه (السنتی) و الالتزام بالتبعیة لمراجع التقلید، لأن الحصول على الإسلام الحقیقی متیسر عن طریق الفقه (السنتی) و المناهج المتداولة فی أروقة الحوزة العلمیة بدرجة یطمئن لها، فهو مورد تأیید الذوات النورانیة للأئمة الأطهار علیهم السلام[6]، إضافة إلى اعتماده على المناهج العقلیة المحکمة و العقلانیة فی فهم حقائق النصوص الدینیة.[7]
و على أی حال فإن إدخال البدعة فی حوزة الدین له آثار تخریبیة على الصعید الثقافی و السیاسی و الاجتماعی، و یعد من أهم عوامل التخریب لدین المجتمع، و لعله بسبب هذه الآثار أمر رسول الله (ص) بهدم مسجد ضرار و تخریبه[8]. ذلک لأن القرآن یقول فی هذه القضیة: «وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَ کُفْراً وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکَاذِبُونَ».[9]
و من الطبیعی أن هذا واضح جداً، و إن فتوى المجتهدین[10] بالنسبة إلى تخریب الأماکن العائدة إلى هذه الفرق یجب أن یکون بإذن الحاکم و ولی المسلمین و إلا فإنه عمل یؤدی إلى الفوضى و الاضطراب، و أما الاشتراک فی مجالسهم بهدف الهدایة و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر لمن یمتلک القدرة لعلمیة و الفکریة و الحصانة من أن یتأثر بأفکارهم فإنه جائز، بل واجب.[11]
و أما اعتبارهم خارجین عن مذهب التشیع بسبب انحرافاتهم و بدعهم فلابد من التأکد أن الأفراد المنتمین إلى هذه الفرق على عدة أقسام، فبعضهم لیس له أی اعتقاد بآراء الشیعة و أفکارهم و إنه یظهر التشیع کمظهر خارجی لیس إلا. و هؤلاء فی الواقع هم رؤوس هذه الفرق و مدیرو أعمالهم، فإن هؤلاء خارجون عن التشیع، و هم یعلمون بذلک. و أما بعض الأفراد فإنهم یعتقدون بما یقول الشیعة حقاً، و غایة الأمر أن لدیهم بعض الانحرافات الفکریة و العملیة، و أن صرف الانحراف فی بعض المسائل غیر موجب للخروج عن التشیع.
[1] بحار الأنوار، ج2، ص263؛ مسند، أحمد، ج 4، ص 126.
[2] و یستفاد من منشور العقائد، آیة الله سبحانی، ص 219 و ما بعدها.
[3] النمل، 24.
[4] فاطر، 8.
[5] الکافی، ج 1، باب مجالسة العلماء و صحبتهم.
[6] وسائل الشیعة، ج 18، ص 19، یقول الإمام الصادق (ع): «من کان منکم قد روى حدیثنا و نظر فی حلالنا و حرامنا عرف أحکامنا... فإنی قد جعلته حاکماً». الشیخ الصدوق، فی إکمال الدین و إتمام النعمة، ج 2، ص 844، روایة عن إمام العصر (عج): «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة أحادیثنا فإنهم حجتی علیکم و أنا حجة الله».
[7] للاطلاع یراجع کتب أصول الفقه و کتب الفقه الاستدلالی.
[8] سیرة ابن هشام، ج 2، ص 530؛ بحار الأنوار، ج2، ص 253.
[9] التوبة، 107.
[10] الإمام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 2، ص 454.
[11] الإمام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 1، ص 362ـ 365.