Please Wait
الزيارة
4957
4957
محدثة عن:
2012/11/11
خلاصة السؤال
ما هي مكانة الإستخارة في الإسلام و ما هو المستند الفقهي للقول بشرعيتها؟
السؤال
ما هو المستند الفقهي للقول بجواز الإستخارة؟ و ما هو المبرر لهؤلاء الأعلام لصرف أوقاتهم الثمينة في الإستخارة بدلاً عن الإجابة عن التساؤلات الجوهرية المتوزعة على كافة المستويات الكلامية والتفسيرية والفقهية؟ ثم أ ليس من الأمثل إستبدال الإستخارة في أمر الزواج بالتشاور و إبداء المشورة للشباب المقدم على الزواج؟ و أ ليس جعل القرآن وسيلة للاستخارة يمثل حطّا من مكانته السامية و جعله وسيلة للاقتراع مثلا؟ و هل يخلو ذلك من الإهانة لهذا الكتاب المقدس؟ و هل توجد عندنا رواية تشير إلى قيام المعصومين بالإستخارة لأصحابهم بالقرآن أو المسبحة؟ و من هنا أرغب ببيان مكانة الإستخارة حقيقة؟ علماً أنّ المراد من الإستخارة هنا ما يتم تداوله في أوساط المقدسين، و الحال أنّ الله تعالى قد أوصد باب الوحي و حثّ عباده على التفكير و التأمل و التعقل و تبادل المشورة بين العقلاء و المختصين، مضافاً إلى طلبه منهم تحمّل مسؤولياتهم و عدم التأسي بابليس الذي نسب ضلاله و انحرافه إلى الله متحللاّ من العواقب الخطيرة التي استلزمها ضلاله و انحرافه عن الجادة القويمة؟ و مع ذلك هل بقي شيء لم يعالج حتى يصار إلى الإستخارة؟ أ ليس القرآن رغم سموه يصرح بقوله "يضل به كثيراً" و قوله "سنستدرجهم"!! و أ ليس هو يصرح بالقول "و انحكوا الأيامى منكم..."، و مع ذلك هل المطلوب من الإنسان المؤمن العمل وفقاً لمقررات القرآن الكريم أو اللجوء إلى الإستخارة؟ و لماذا كلّ الإهتمام ببعض آيات القرآن الكريم التي تقع في بدايات الصفحات دون غيرها؟!!
الجواب الإجمالي
لقد أولت المصادر الإسلامية كتاباً و سنة قضية العقل و التفكير و التأمل في الأشياء و معالجة القضايا التي تواجه المؤمنين بطريقة عقلية أهمية كبرى و جعلت المعيار في الكثير من الحالات الحجّة الباطنية المتثملة بالعقل، فقد أكد القرآن الكريم كثيراً على التعقل و العقلانية، بل جعل الإنسان الذي لا يستثمر هذه النعمة الإلهية بمثابة الأنعام بل أضل سبيلا.
كذلك أكدت المعارف الإسلامية على ضرورة اعتماد السبل و العوامل المساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة و الخطوات الصائبة التي يقع في مقدمتها عنصر الاستشارة و الاستعانة بعقول و تجارب الآخرين.
لكن قد يحدث رغم إعتماد الإنسان سبيل العقل و الإستشارة و الاستعانة بخبرات الآخرين أن تبقى النفس تعيش حالة من عدم الإستقرار و الإحجام عن إتخاذ القرار الصائب، في مثل هذه الحالة جاءت الروايات لتضع معالجة لهذا التأرجح و عدم الاستقرار من خلال اعتماد اسلوب الإستخارة.
و مع بقاء حالة الشك على حالة و لأجل التخلّص من حالة التردد و الريبة المعطلة لعجلة حركة الحياة يصار إلى الاعتماد على الإستخارة للخروج من حالة السكون و التوقف عن الحركة.
أما بالنسبة للسؤال عن استخدام الأئمة المعصومين (ع) للإستخارة، فيمكن القول: بما أنّ الأئمة يتوفرون على عنصر المرتبة الكاملة عقلا ومعرفة فمن هنا لا يبقى مجال للشك و التردد في مسيرتهم على جميع المستويات، ومع عدم التردد والحيرة ينتفي موضوع الإستخارة تلقائياً، نعم، قاموا وفي مواطن متعددة بالاشارة على صحابتهم باعتماد الإستخارة كوسيلة للخروج من الحيرة والتردد.
كذلك أكدت المعارف الإسلامية على ضرورة اعتماد السبل و العوامل المساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة و الخطوات الصائبة التي يقع في مقدمتها عنصر الاستشارة و الاستعانة بعقول و تجارب الآخرين.
لكن قد يحدث رغم إعتماد الإنسان سبيل العقل و الإستشارة و الاستعانة بخبرات الآخرين أن تبقى النفس تعيش حالة من عدم الإستقرار و الإحجام عن إتخاذ القرار الصائب، في مثل هذه الحالة جاءت الروايات لتضع معالجة لهذا التأرجح و عدم الاستقرار من خلال اعتماد اسلوب الإستخارة.
و مع بقاء حالة الشك على حالة و لأجل التخلّص من حالة التردد و الريبة المعطلة لعجلة حركة الحياة يصار إلى الاعتماد على الإستخارة للخروج من حالة السكون و التوقف عن الحركة.
أما بالنسبة للسؤال عن استخدام الأئمة المعصومين (ع) للإستخارة، فيمكن القول: بما أنّ الأئمة يتوفرون على عنصر المرتبة الكاملة عقلا ومعرفة فمن هنا لا يبقى مجال للشك و التردد في مسيرتهم على جميع المستويات، ومع عدم التردد والحيرة ينتفي موضوع الإستخارة تلقائياً، نعم، قاموا وفي مواطن متعددة بالاشارة على صحابتهم باعتماد الإستخارة كوسيلة للخروج من الحيرة والتردد.
الجواب التفصيلي
يرصد الباحث في المصادر الدينية و في مقدمتها القرآن الكريم أنّها أولت قضية العقل و التفكير و التأمل في الأشياء و معالجة القضايا التي تواجه المؤمنين بطريقة عقلية أهمية كبرى و جعلت المعيار في الكثير من الحالات الحجّة الباطنية المتثملة بالعقل. فقد أكد القرآن الكريم كثيراً على التعقل و العقلانية، بل جعل الإنسان الذي لا يستثمر هذه النعمة الإلهية بمثابة الأنعام بل أضل سبيلا "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ لا يَعْقِلُون"[1] فيما نرى تلميذ القرآن الكريم علي بن أبي طالب عليه السلام يصرح بأنّ الغرض من بعثة الأنبياء في الوسط الاجتماعي هي إثارة مدافن العقول في قوله: "فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُول".[2]
و الذي يكشف عن قيمة العقل في الفكر الإسلامي جعله في مصاف مصادر التشريع الإسلامي و استنباط الأحكام الشرعية.
كذلك أكدت المعارف الإسلامية على ضرورة اعتماد السبل و العوامل المساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة و الخطوات الصائبة التي يقع في مقدمتها عنصر الاستشارة و الاستعانة بعقول و تجارب الآخرين، معتبرة الاستشارة بمثابة السدّ لمواطن الخلل و الرافعة للنقص الذي يواجه الإنسان في حركته و القرارات التي يتخذها على جميع الصعد و "أنّ من شاور الناس شاركها في عقولها" و غير ذلك من التوصيات و المواعظ التي تشير إلى قيمة هذا العنصر في حركة الإنسان.[3]
لكن قد يحدث رغم إعتماد الإنسان سبيل العقل و الإستشارة و الاستعانة بخبرات الآخرين أن تبقى النفس تعيش حالة من عدم الإستقرار و الإحجام عن إتخاذ القرار الصائب، في مثل هذه الحالة جاءت الروايات لتضع معالجة لهذا التأرجح و عدم الاستقرار من خلال اعتماد اسلوب الإستخارة.
و الجدير بالذكر أنّ الأعلام ذكروا للإستخارة معنيين: الأول، بأنّ منها معناها الحقيقي الذي يعني طلب الخير من الله تعالى؛ و هذا هو الأكثر استعمالاً في الروايات و هو يندرج ضمن مقولة الدعاء و لا يختص بموارد الشك و التردد، بل يمثل استمداداً من الله تعالى و طلباً للخير منه تعالى في جميع الحركات و السكنات التي تصدر من الإنسان المؤمن، من هنا نرى الإمام الصادق عليه السلام يصرح بأنّ الله تعالى يقول: "من شقاء عبدي أنْ یعمل الأعمال و لا یستخیرني".[4] و عليه لا تكون تلك الروايات مشيرة إلى رفع الحيرة و التردد، بل إنّ العبد يقوم بنفسه بجميع مراحل العمل و خطواته الضرورية و أنّ الطريق مشرع أمامه لكافة الاعمال الصالحة و الممدوحة.
أمّا المعنى الثاني للإستخارة فيعني الخير من الله تعالى في رفع التحيّر و إزالة الشكوك من نفسه في حالات التردد في اتخاذ القرار و التحيّر في التصميم.
وقع وقع هذا المعنى للثاني للإستخارة مثار جدل و بحث على جميع المستويات يمكن رصد ثلاث نظريات طرحت في هذا المجال:
النظرية الأولى: يذهب أصحاب هذه النظرية إلى القول بضرورة الإتكاء على الإستخارة في كلّ شيء و اعتبارها الملاذ الآمن في جميع مرافق الحياة، تاركين العقل و كافة العناصر المساعدة في إتخاذ القرار الصائب جانباً.
النظرية الثانية: و يذهب أصحاب هذه النظرية إلى تبني رفض فكرة الإستخارة مطلقاً مستندين في جميع حركاتهم و سكناتهم إلى العقل و العقلانية.
النظرية الثالثة: و يرى أصحاب هذه النظرية أنّه لا تنافي بين العقل و العقلانية و اعتماد المشورة، و بين الالتجاء إلى الإستخارة في مواطن خاصّة؛ إذ لا محذور دينياً في اعتماد الإستخارة؛ إذ الإستخارة لا تعدّ سوى طريق لتحديد أحد الخيارين أو الطرق المتردد فيها الإنسان، بلا تجاوز على مقام العقل و مشاورة العقلاء و الاستعانة بتجاربهم، و بلا تطاول على مقام الآيات و الروايات الشريفة، فالاستخارة لا تحلل شيئا و لا تحرم آخر و لم تتمدد على حريم الفقه و الأحكام الشرعية، بل كلّ ما تؤديه هو إخراج الإنسان من حالة الشك و التردد في إتخاذ القرار.
و لمعرفة الحق مع أيّ من تلك النظريات لابدّ من التعرّض إلى حقيقة مهمة و هي: إنّ الروايات أشارت -بعد الحثّ على التفكير و الاستشارة و قبل الإلتجاء إلى الإستخارة المتعارفة- إلى توجيه الانسان المتحيّر نحو قضية مهمة وهي: أنّه من الضروري الغسل و الصلاة و التوجّه إلى الله ثم النظر إلى ما يقع في قلبه من إلهام و ترجيح للموقف؛ لأنّ الإنسان في تلك الحالة يكون أكثر تجرّداً واخلاصاً لله في اتخاذ القرار بعيداً عن وسوسة الشيطان، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "إِذَا عرضتْ لأَحدكمْ حاجةٌ فَلْيَسْتَشِرِ اللَّهَ ربَّهُ فإِنْ أَشارَ عليه اتَّبعَ و إِنْ لمْ يُشِرْ عليهِ توَقَّفَ. قَالَ الرواي: قلتُ يا سيِّدي و كيف أَعلَمُ ذلكَ؟ قال: تَسجُدُ عقيبَ المكتُوبَةِ (وفي رواية اخرى تصلي ركعتين) و تَقُولُ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي مِائَةَ مَرَّةٍ (وفي رواية: أستخير الله) ثُمَّ تتوسَّلُ بِنَا وَ تُصَلِّي علينا و تَسْتَشْفِعُ بِنَا، ثُمَّ تنظُرُ ما يُلهمُكَ تَفْعَلُهُ فهوَ الَّذي أَشارَ عليْكَ بِه.[5]
فاذا قام بذلك و لم يصل إلى نتيجة و لم ترتفع حالة الشك و التردد عنده فحينئذ يلجأ إلى إعتماد الإستخارة بالمعنى الثاني و المتعارفة شريطة توفر مجموعة من الشروط، هي:
1. دراسة القضية دراسة عقلانية و رصد جميع أبعاد الموضوع.
2. استشارة العقلاء و ذوي الاختصاص.
3. طلب الخير من الله تعالى من خلال الدعاء و صلاة الإستخارة، ثم العمل وفقا لما يلهم في قلبه؛ و مع الأخذ بنظر الاعتبار هذه المراحل الثلاث يكون من النادر جداً أنْ يقوم الإنسان بكل ذلك دون أن يلقى في روعه جهة معينة و تبقى حالة الشك متعادلة في نفسه بمستوى متساو 50/0. و لعلّ ذلك التساوي يعود إلى عدم رعاية الشروط الموضوعية المذكورة للاستخارة.
ثانيا: و مع بقاء حالة الشك على حالة و لأجل التخلّص من حالة التردد و الريبة المعطلة لعجلة حركة الحياة يصار إلى الاعتماد على الإستخارة للخروج من حالة السكون و التوقف عن الحركة.
أما بالنسبة للسؤال عن استخدام الأئمة المعصومين (ع) للإستخارة، فيمكن القول: بما أنّ الأئمة يتوفرون على عنصر المرتبة الكاملة عقلا ومعرفة فمن هنا لا يبقى مجال للشك و التردد في مسيرتهم على جميع المستويات، ومع عدم التردد والحيرة ينتفي موضوع الإستخارة تلقائياً، نعم، قاموا وفي مواطن متعددة بالاشارة على صحابتهم باعتماد الإستخارة كوسيلة للخروج من الحيرة والتردد. فقد روي عن الْيَسَعِ القمِّيِّ أنه قال: قلتُ لأَبِي عبد اللَّه (ع) أُريدُ الشَّيْءَ و أَستخِيرُ اللَّهَ فيهِ فلا يُوَفَّقُ فيه الرَّأْيُ، إلى أَنْ قال: فقال عليه السلام: افْتَتِحِ المُصحفَ فَانظُرْ إلى أَوَّلِ ما ترى فَخُذْ به إِنْ شاءَ اللَّه.[6]
و الرواية صريحة في إرشاد الإمام عليه السلام للسائل في اعتماد الإستخارة بالقرآن و الأخذ بما جاء فيه بعد الصلاة و التضرع و الابتهال.
وكما قلنا فإنّ الإستخارة بالقرآن تأتي في الوقت الذي توصد فيه كافة الأبواب و لم يبق هناك طريق يصار إليه في اتخاذ القرار النهائي، و أيُّ شيء يقارب القرآن بركة و فضلاً حتى يستعين به الإنسان للخروج مما هو عليه من حيرة وشك؟!
و يمكن القول هنا أيضاً: في اللحظات التي يكون فيها الإنسان قد وصل إلى طريق مسدود و لم يكن بأمكانه الوصول إلى نتيجة حازمة، يكون رجوعه إلى القرآن الكريم استهداء بكلماته النورية؛ لأنّ كلّ عبارة منه يكمن فيها نور هداية و طريق رشاد لسبل الحق. و هذه الرواية تعد مستنداً شرعياً الإستخارة.
يضاف إلى ذلك أنّ طريقة العلماء منذ القدم و حتى عصرنا الراهن قائمة على الاستجابة لمن يطلب منها الإستخارة و عليه يمكن وصف حركتهم هذه بالسيرة العلمائية التي تعتبر بدورها دليلا على المشروعية أيضاً.
أما فيما يخص كثرة الاعتماد تعاطي الإستخارة و اللجوء إليها في وسط المتشرعة؟ و ما هو المبرر لتضييع الكثير من النعم المادية و المعنوية بسبب اعتماد استخارات غير موفقه؟ فهو إشكال قويم و صحيح إلا أن المشكلة هنا تكمن في عدم إدراك مغزى الإستخارة و عدم معرفة طبيعتها و المواطن التي يحتاج إليها، و مع التجاوز عن هذه الخصوصية السلبية و المصير إلى معرفة واقع الإستخارة و التعاطي معها كما ينبغي فلا ريب حينئذ في كون النتيجة إيجابية و تعطي ثماراً جيدة في رفع الحيرة والتخلص من حالة الشك و الترديد التي تصيب الإنسان أحياناً.
انظر لمزيد الاطلاع:
1. العنوان: الإستخارة و سرّ فتح الکتاب، السؤال 616 (الموقع: 673).
2. العنوان: الزدواج و الإستخارة، السؤال 414 (الموقع: 431).
و الذي يكشف عن قيمة العقل في الفكر الإسلامي جعله في مصاف مصادر التشريع الإسلامي و استنباط الأحكام الشرعية.
كذلك أكدت المعارف الإسلامية على ضرورة اعتماد السبل و العوامل المساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة و الخطوات الصائبة التي يقع في مقدمتها عنصر الاستشارة و الاستعانة بعقول و تجارب الآخرين، معتبرة الاستشارة بمثابة السدّ لمواطن الخلل و الرافعة للنقص الذي يواجه الإنسان في حركته و القرارات التي يتخذها على جميع الصعد و "أنّ من شاور الناس شاركها في عقولها" و غير ذلك من التوصيات و المواعظ التي تشير إلى قيمة هذا العنصر في حركة الإنسان.[3]
لكن قد يحدث رغم إعتماد الإنسان سبيل العقل و الإستشارة و الاستعانة بخبرات الآخرين أن تبقى النفس تعيش حالة من عدم الإستقرار و الإحجام عن إتخاذ القرار الصائب، في مثل هذه الحالة جاءت الروايات لتضع معالجة لهذا التأرجح و عدم الاستقرار من خلال اعتماد اسلوب الإستخارة.
و الجدير بالذكر أنّ الأعلام ذكروا للإستخارة معنيين: الأول، بأنّ منها معناها الحقيقي الذي يعني طلب الخير من الله تعالى؛ و هذا هو الأكثر استعمالاً في الروايات و هو يندرج ضمن مقولة الدعاء و لا يختص بموارد الشك و التردد، بل يمثل استمداداً من الله تعالى و طلباً للخير منه تعالى في جميع الحركات و السكنات التي تصدر من الإنسان المؤمن، من هنا نرى الإمام الصادق عليه السلام يصرح بأنّ الله تعالى يقول: "من شقاء عبدي أنْ یعمل الأعمال و لا یستخیرني".[4] و عليه لا تكون تلك الروايات مشيرة إلى رفع الحيرة و التردد، بل إنّ العبد يقوم بنفسه بجميع مراحل العمل و خطواته الضرورية و أنّ الطريق مشرع أمامه لكافة الاعمال الصالحة و الممدوحة.
أمّا المعنى الثاني للإستخارة فيعني الخير من الله تعالى في رفع التحيّر و إزالة الشكوك من نفسه في حالات التردد في اتخاذ القرار و التحيّر في التصميم.
وقع وقع هذا المعنى للثاني للإستخارة مثار جدل و بحث على جميع المستويات يمكن رصد ثلاث نظريات طرحت في هذا المجال:
النظرية الأولى: يذهب أصحاب هذه النظرية إلى القول بضرورة الإتكاء على الإستخارة في كلّ شيء و اعتبارها الملاذ الآمن في جميع مرافق الحياة، تاركين العقل و كافة العناصر المساعدة في إتخاذ القرار الصائب جانباً.
النظرية الثانية: و يذهب أصحاب هذه النظرية إلى تبني رفض فكرة الإستخارة مطلقاً مستندين في جميع حركاتهم و سكناتهم إلى العقل و العقلانية.
النظرية الثالثة: و يرى أصحاب هذه النظرية أنّه لا تنافي بين العقل و العقلانية و اعتماد المشورة، و بين الالتجاء إلى الإستخارة في مواطن خاصّة؛ إذ لا محذور دينياً في اعتماد الإستخارة؛ إذ الإستخارة لا تعدّ سوى طريق لتحديد أحد الخيارين أو الطرق المتردد فيها الإنسان، بلا تجاوز على مقام العقل و مشاورة العقلاء و الاستعانة بتجاربهم، و بلا تطاول على مقام الآيات و الروايات الشريفة، فالاستخارة لا تحلل شيئا و لا تحرم آخر و لم تتمدد على حريم الفقه و الأحكام الشرعية، بل كلّ ما تؤديه هو إخراج الإنسان من حالة الشك و التردد في إتخاذ القرار.
و لمعرفة الحق مع أيّ من تلك النظريات لابدّ من التعرّض إلى حقيقة مهمة و هي: إنّ الروايات أشارت -بعد الحثّ على التفكير و الاستشارة و قبل الإلتجاء إلى الإستخارة المتعارفة- إلى توجيه الانسان المتحيّر نحو قضية مهمة وهي: أنّه من الضروري الغسل و الصلاة و التوجّه إلى الله ثم النظر إلى ما يقع في قلبه من إلهام و ترجيح للموقف؛ لأنّ الإنسان في تلك الحالة يكون أكثر تجرّداً واخلاصاً لله في اتخاذ القرار بعيداً عن وسوسة الشيطان، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "إِذَا عرضتْ لأَحدكمْ حاجةٌ فَلْيَسْتَشِرِ اللَّهَ ربَّهُ فإِنْ أَشارَ عليه اتَّبعَ و إِنْ لمْ يُشِرْ عليهِ توَقَّفَ. قَالَ الرواي: قلتُ يا سيِّدي و كيف أَعلَمُ ذلكَ؟ قال: تَسجُدُ عقيبَ المكتُوبَةِ (وفي رواية اخرى تصلي ركعتين) و تَقُولُ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي مِائَةَ مَرَّةٍ (وفي رواية: أستخير الله) ثُمَّ تتوسَّلُ بِنَا وَ تُصَلِّي علينا و تَسْتَشْفِعُ بِنَا، ثُمَّ تنظُرُ ما يُلهمُكَ تَفْعَلُهُ فهوَ الَّذي أَشارَ عليْكَ بِه.[5]
فاذا قام بذلك و لم يصل إلى نتيجة و لم ترتفع حالة الشك و التردد عنده فحينئذ يلجأ إلى إعتماد الإستخارة بالمعنى الثاني و المتعارفة شريطة توفر مجموعة من الشروط، هي:
1. دراسة القضية دراسة عقلانية و رصد جميع أبعاد الموضوع.
2. استشارة العقلاء و ذوي الاختصاص.
3. طلب الخير من الله تعالى من خلال الدعاء و صلاة الإستخارة، ثم العمل وفقا لما يلهم في قلبه؛ و مع الأخذ بنظر الاعتبار هذه المراحل الثلاث يكون من النادر جداً أنْ يقوم الإنسان بكل ذلك دون أن يلقى في روعه جهة معينة و تبقى حالة الشك متعادلة في نفسه بمستوى متساو 50/0. و لعلّ ذلك التساوي يعود إلى عدم رعاية الشروط الموضوعية المذكورة للاستخارة.
ثانيا: و مع بقاء حالة الشك على حالة و لأجل التخلّص من حالة التردد و الريبة المعطلة لعجلة حركة الحياة يصار إلى الاعتماد على الإستخارة للخروج من حالة السكون و التوقف عن الحركة.
أما بالنسبة للسؤال عن استخدام الأئمة المعصومين (ع) للإستخارة، فيمكن القول: بما أنّ الأئمة يتوفرون على عنصر المرتبة الكاملة عقلا ومعرفة فمن هنا لا يبقى مجال للشك و التردد في مسيرتهم على جميع المستويات، ومع عدم التردد والحيرة ينتفي موضوع الإستخارة تلقائياً، نعم، قاموا وفي مواطن متعددة بالاشارة على صحابتهم باعتماد الإستخارة كوسيلة للخروج من الحيرة والتردد. فقد روي عن الْيَسَعِ القمِّيِّ أنه قال: قلتُ لأَبِي عبد اللَّه (ع) أُريدُ الشَّيْءَ و أَستخِيرُ اللَّهَ فيهِ فلا يُوَفَّقُ فيه الرَّأْيُ، إلى أَنْ قال: فقال عليه السلام: افْتَتِحِ المُصحفَ فَانظُرْ إلى أَوَّلِ ما ترى فَخُذْ به إِنْ شاءَ اللَّه.[6]
و الرواية صريحة في إرشاد الإمام عليه السلام للسائل في اعتماد الإستخارة بالقرآن و الأخذ بما جاء فيه بعد الصلاة و التضرع و الابتهال.
وكما قلنا فإنّ الإستخارة بالقرآن تأتي في الوقت الذي توصد فيه كافة الأبواب و لم يبق هناك طريق يصار إليه في اتخاذ القرار النهائي، و أيُّ شيء يقارب القرآن بركة و فضلاً حتى يستعين به الإنسان للخروج مما هو عليه من حيرة وشك؟!
و يمكن القول هنا أيضاً: في اللحظات التي يكون فيها الإنسان قد وصل إلى طريق مسدود و لم يكن بأمكانه الوصول إلى نتيجة حازمة، يكون رجوعه إلى القرآن الكريم استهداء بكلماته النورية؛ لأنّ كلّ عبارة منه يكمن فيها نور هداية و طريق رشاد لسبل الحق. و هذه الرواية تعد مستنداً شرعياً الإستخارة.
يضاف إلى ذلك أنّ طريقة العلماء منذ القدم و حتى عصرنا الراهن قائمة على الاستجابة لمن يطلب منها الإستخارة و عليه يمكن وصف حركتهم هذه بالسيرة العلمائية التي تعتبر بدورها دليلا على المشروعية أيضاً.
أما فيما يخص كثرة الاعتماد تعاطي الإستخارة و اللجوء إليها في وسط المتشرعة؟ و ما هو المبرر لتضييع الكثير من النعم المادية و المعنوية بسبب اعتماد استخارات غير موفقه؟ فهو إشكال قويم و صحيح إلا أن المشكلة هنا تكمن في عدم إدراك مغزى الإستخارة و عدم معرفة طبيعتها و المواطن التي يحتاج إليها، و مع التجاوز عن هذه الخصوصية السلبية و المصير إلى معرفة واقع الإستخارة و التعاطي معها كما ينبغي فلا ريب حينئذ في كون النتيجة إيجابية و تعطي ثماراً جيدة في رفع الحيرة والتخلص من حالة الشك و الترديد التي تصيب الإنسان أحياناً.
انظر لمزيد الاطلاع:
1. العنوان: الإستخارة و سرّ فتح الکتاب، السؤال 616 (الموقع: 673).
2. العنوان: الزدواج و الإستخارة، السؤال 414 (الموقع: 431).
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات