بحث متقدم
الزيارة
5797
محدثة عن: 2009/02/19
خلاصة السؤال
ما هو حکم استثمار الأموال فی الشرکات الأجنبیة؟
السؤال
لقد استثمرت مؤخرا فی إحدی الشرکات الأجنبیة، على أن یکون لی ربح شهری، مع ملاحظة أنها لیست کالشرکات الهرمیة التی تطالب بتعریف مستثمرین آخرین، فما هو حکم هذا الربح؟
الجواب الإجمالي

لا إشکال فی استثمار الأموال فی الشرکات الأجنبیة إذا لم یؤد إلى الإضرار باستقلال المسلمین و عزتهم، و لم یؤد إلى ارتباط المسلمین بهذه الشرکات و إنشاء علاقات صمیمة معها، کما یجوز أحذ الربا من غیر المسلمین بشروط ذکرها مراجع التقلید.

الجواب التفصيلي

هناک أنواع عدیدة من الاستثمار، و لکل منها مواصفاته الخاصة، فبعض أنواع الاستثمار یشترط فیها المستثمر أن یکون له قسم من الأرباح مقابل أمواله أو بضاعته، و المضاربة أحد نماذج ذلک. لکن أحیانا یتحقق الاستثمار بشراء الشخص جزءا من شرکة فیکون مالکا لقسم من تلک الشرکة أی یصبح شریکا لبقیة ملاک الشرکة، و مثاله شراء أسهم الشرکات. و کل نوع من الاستثمار له مواصفاته و أحکامه الخاصة یمکن التعرف علیها بمراجعة الرسائل العملیة للفقهاء.

و نبین هنا رأی الفقهاء فیما یتعلق بالعلاقات الاقتصادیة مع الدول الأجنبیة:

الشرکة التی یستثمر الشخص أمواله فیها إما أن تکون ملکا للمسلمین أو للکفار (غیر المسلمین).

و فی حالة کونها ملکا للکفار فإما أن تکون من دول ترتبط باتفاقیة سلام مع المسلمین، أو من الدول التی قطعت علاقاتها مع المسلمین و لا توجد بینهم أی اتفاقیة سلام؛ و تعد إسرائیل أوضح مثال لهذه الدول.

أ – إذا کانت الشرکة ملکا لدولة إسلامیة فلا یجوز أن یکون العقد معها ربویا، أی لا یجوز أن تقرض أموالک إلى الشرکة و تشترط علیها مقابل ذلک أن تعطیک مقابل القرض ربحا من مال أو عمل أو منفعة. [1]

ب – إذا کانت الشرکة ملکا لدولة غیر إسلامیة لکنها فی معاهدة سلام مع المسلمین فیجب رعایة النقاط التالیة:

1 – أفتى الفقهاء بکراهة المعاملة الاقتصادیة کالمضاربة و الشرکة مع الکفار الذمیین، و تتأکد هذه الکراهة فی المعاملات التی لا یتواجد فیها المسلم شخصیا بل یسلم أمواله للکفار لأجل أن یتاجروا بها. [2] و قد ورد فی روایة ابن رئاب قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام):ُ" لا یَنْبَغِی لِلرَّجُلِ مِنْکُمْ أَنْ یُشَارِکَ الذِّمِّیَّ وَ لا یُبْضِعَهُ بِضَاعَةً وَ لا یُودِعَهُ وَدِیعَةً وَ لا یُصَافِیَهُ الْمَوَدَّة". [3]

و فی روایة أخرى ان أمیر المؤمنین (ع): کَرِهَ مُشَارَکَةَ الْیَهُودِیِّ وَ النَّصْرَانِیِّ وَ الْمَجُوسِیِّ إِلا أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً لا یَغِیبُ عَنْهَا الْمُسْلِمُ". [4]

و قد رأى البعض أن سبب هذا الحکم هو: أن الکفار لا یتقیدون بأحکام الإسلام فلعلهم یقدمون على معاملات محرمة کبیع الخمر أو المعاملات الربویة، فلذا یکره التعامل معهم و مشارکتهم.

2 – أن لا یتعرض استقلال الإسلام و عزة المسلمین للخطر بسبب هذه العلاقة الاقتصادیة، و قد استفاد الفقهاء هذا الشرط من آیة: "و َلَن یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکَافِرِینَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً" [5]   تدل هذه الآیة على أن الله لم یشرع أی قانون تکوینی أو تشریعی یسلط الکفار من خلاله على المؤمنین [6] . و هذه العلاقة کما لو کانت الشرکة التی یتعامل معها المسلم متورطة فی دعم احتلال المسلمین فی منطقة أخرى من العالم. و سوف تنفق أموال من یشارکها فی هذا السبیل، أو تکون الشرکة تسعى فی سبیل تکریس تبعیة المسلمین علمیا أو اقتصادیا أو صناعیا.

3 – العلاقات الاقتصادیة مع الکفار لا ینبغی أن تؤدی الى ترسیخ محبة الکفار فی قلوب المسلمین، بحیث ینجذب المسلمون نحوهم روحیا و أخلاقیا بسبب هذه الشراکة المالیة، و قد قال تعالى: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْیَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِیاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمینَ " [7] . و فی آیة أخرى: "یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِیَاء تُلْقُونَ إِلَیْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ کَفَرُوا بِمَا جَاءکُم مِّنَ الْحَقِّ" [8] . دلت هذه الآیات على أنه و إن کانت العلاقات الاقتصادیة مع الکفار جائزة، إلا أنها لا ینبغی أن تؤدی إلى ارتباط المسلمین بالکفار و تعلقهم بهم عاطفیا بنفس المستوى السائد بین المسلمین.

و طبیعی أن هذا لا یعنی أن یسیء المسلمون المعاملة فی علاقاتهم بالکفار بل ینبغی لهم التعامل بحسن الخلق و هو غیر الخضوع للکفار. و فی آیة أخرى: "   لا یَنْهاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذینَ لَمْ یُقاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ". [9]

4 – یجب الامتناع عن أی علاقة تمنعها الحکومة الإسلامیة.

و مع أنه یجب على المسلمین مراعاة بعض القیود فی تعاملهم مع الکفار، إلا أن الکثیر من الفقهاء یرى أن المسلمین یجوز لهم أخذ الربا من الکفار بشوط خاصة [10] ، و هذا الجواز مختص بأخذ المسلم الربا من الکافر، و لا یجوز أن یعطی المسلم الربا للکافر.

ج – القسم الآخر هو شرکات الدول غیر الإسلامیة التی لا ترتبط مع المسلمین باتفاقیات صلح، و لیس لها علاقات بالدولة الإسلامیة [11] . هذا القسم من الکفار یسمى الکافر الحربی و یفتی الفقهاء بحرمة کل أنواع العلاقات الاقتصادیة معهم [12] .

هذه هی المباحث الکلیة المتعلقة بالاستثمار فی الدول الأجنبیة الإسلامیة و غیر الإسلامیة، و لأجل إبداء رأی أدق فیما یتعلق بحلیة أو حرمة الاستثمار، یجب تحدید نوعیة النشاط الاقتصادی و طبیعة العقود المبرمة بین الطرفین، و ذلک بسبب الاختلافات الدقیقة بین شروط العقود. و کمثال على ذلک فإنه فی المضاربة لا یجوز تعیین ربح محدد للمستثمر، بل یجب تقسیم الأرباح بین العامل و صاحب رأس المال بالنسبة، بینما فی الإجارة یجب تعیین الإجارة بشکل محدد، و لا تأثیر فی ذلک لانتفاع المستأجر بمنافع العین المستأجرة بشکل کامل أو عدمه.

و بالإضافة إلى تأثیر نوعیة الاستثمار فی جوازه أو عدمه، یعتبر أیضا رأی المرجع الذی یقلده المکلف، حیث یوجد اختلاف بین الفقهاء فی مراعاة شروط الاستثمارالمختلف. و علیه فلأجل حصولکم على جواب قطعی یلزمکم بیان نوع الاستثمار، و اسم مرجع التقلید الذی تقلدونه.



[1] .راجع الرسا ئل العملیة، باب القرض .

[2] .الطباطبایی یزدی، السید محمد کاظم، العروة الوثقی، ص 268 موسسة النشر الاسلامی 1420؛ الشهید الثانی، الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة، ج4، ص 203 مکتبة الداوری 1410.

[3] .الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 3، ص 229.

[4] .الکلینی ، ابو جعفر محمد بن یعقوب ، الکافی، ج 5، ص 286 ، دار الکتب الاسلامیة، 1407.

[5] .النساء، 141 .

[6] .و قد استفاد الإ مام الخمینی من هذه الآیة نفی سلطة الکفار علی المسلمین مطلقا، کتاب البیع، ص 543، موسسة اسماعیلیان، سال 1410.

[7] .المائده، 51 .

[8]     .الممتحنة، 1 .

[9]    .الممتحنة، 7 و 8 .

[10]     .یوجد توضیح أکثر فی الأسئلة   1048 (الموقع: ) ، 2839 (الموقع: 3218) و 2016 (الموقع: 2769) .

[11]   .محمود عبد الرحمان ، معجم المصطلحات و الالفاظ الفقهیة، ج 1، ص 328.

[12]   .مستفاد من مقال : مهریزی، مهدی، روابط اقتصادی مسلمانان با کافران (العلاقات الاقتصادیة بین المسلمین و الکفار)، مجله فقه العدد 7 و 8 .

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...