Please Wait
5451
نفهم من مجموع الآیات القرآنیة أن المراد من الرکوع و السجود في الآیات الواردة في السؤال هو الصلاة و هو من باب تسمیة الکل بإسم الجزء، فبما ان الرکوع و السجود، من أرکان الصلاة و أجزائها المهمة، لذلک ذکر الرکوع و یراد منه الصلاة. و هذا الأمر متداول في الصناعة الأدبیة و لا إشکال فیه. نعم، یمکن أن یکون المراد منه هو نفس الرکوع و السجود و من باب الشکر.
یعتقد کثیر من المفسّرین أن الأمر بالرکوع و السجود في الآیة 77 من سورة الحج،[1] أمر بالصلاة و مقتضی المقابلة أن یکون المراد بقوله " اعْبُدُواْ رَبَّكُمْ" الأمر بسائر العبادات المشرعة في الدین کالحج و الصوم.[2]
و يرى بعض المفسّرین، أن الرکوع و السجود نوع من العبادة المستقلة، کما قال النبي (ص): " کانت السماء في لیلة المعراج مملوءة بالملائکة ما بین راکع دائم علی رکوعه و ما بین ساجد و ما بین قائم و ... و للسجود أقسام منه سجود التواضع، و لعل المراد من الرکوع و السجود في هذه الآیة، هو رکوع و سجود التواضع.[3]
کما أن الأمر بالرکوع في الآیة 43 من سورة البقرة[4] هو أمر بالصلاة کما علیه أکثر المفسّرین، سوی إنه أمر بالصلاة جماعة بقرینة الراکعین.[5]
و ذهب البعض الى القول بان "ارکعوا" في هذه الآیة هو أمر بالرکوع فقط، بسبب کون صلاة الیهود من غیر رکوع، فأمرهم القرآن بالرکوع، أي أمرهم بالصلاة مع الرکوع.[6] أما الأمر بالرکوع و السجود بالنسبة للسیدة مریم (ع) في الآیة 43 من سورة آل عمران ففيه إحتمالان:
1- ان الأمر بالرکوع في هذه الآیة هو أمر بصلاة الجماعة و مع الآخرین، بقرینة الراکعین التي جاءت بصیغة الجمع.[7]
2- الإحتمال الآخر هو ان الله سبحانه قد أمرها بثلاثة أوامر و هي (الرکوع و السجود و القنوت) و هذه الأوامر بسبب المواهب الثلاث التي بیّنها الله في الآیة السابقة.[8] فتکون هذه الأوامر في مقابلها و هي (اصطفائها و تطهیرها و اصطفائها علی نساء العالمین).[9]
أما معنی "خرّ راکعاً" في الآیة 24 من سورة ص،[10] فیری بعض المفسّرین أن معنی الرکوع هنا هو السجود،[11] لأن «الخرّ» أو « الخرير» هو بمعنی صوت الماء –الذي یسیل من الأعلی إلی الأسفل- أو صوت مهب الریح، أو السقوط من الأعلی إلی الأسفل. [12][13] و الرکوع هو بمعنی مطلق الإنحناء.[14] فبقرینة «خرّ» نفهم أن الرکوع هنا بمعنی السجود.
إذن نفهم من خلال ما قدّمنا ان المراد من الرکوع و السجود في الآیات المذكورة، الصلاة من باب تسمية الکل بإسم الجزء، فبما ان الرکوع و السجود، من أرکان الصلاة و أجزائها المهمة، لذلک ذکر الرکوع و یراد منه الصلاة. و هذا الأمر متداول في الصناعة الأدبیة و لا إشکال فیه [15] و يحتمل ان يكون المراد منهما الركوع و السجود المستقلين من باب الشکر.
الجدیر بالذکر إن رکوعات القرآن هي تلک المجموعة من الآیات التي وردت في موضوع واحد و لها اتحاد في المضمون و المعنی، فبابتداء هذا الموضوع یبدأ الرکوع و بتغییر الکلام و تحویله إلی موضوع آخر ینتهي الموضوع. فلا يکون عدد آیات کل رکوع واحدة بل تتزداد مرة و تقل أخری. أما سبب تسمیتها بالرکوع هو أن المصلي في الصلوات الیومیة یمکنه أن یقرأ بعد سورة الحمد سورة أخری أو الاکتفاء بقراءة عدة آیات –علی أقل التقادیر- منهنا ذهب المختصون بالشأن القرآني الى تحديد کل مجموعة من الآیات التي تتکلّم عن موضوع و عنوان واحد و أطلقوا علیها إسم الرکوع، بسبب کون المصلي یمکنه الهبوط إلی الرکوع بعد نهایة هذه المجموعة، حيث وصل عدد رکوعات القرآن علی هذا المبنی الى 540 رکوعاً –حسب المشهور- و هذا یعني –تقریباً- ان لکل صفحة من القرآن رکوعاًواحداً.[16]
[1] الحج، 77.
[2] الطباطبائي، محمد حسین، المیزان في تفسیر القرآن، ج 14، ص 411، مکتب إنتشارات الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق؛ الزمخشري، محمود، الکشّاف عن حقائق غوامض التحقیق، ج 3، ص 172؛ الطبرسي، فضل بن حسن، مجمع البیان في تفسیر القرآن، ج 7، ص 154، نشر ناصر خسرو، طهران، 1372 ش؛ الحقي البروسوي، إسماعیل، تفسیر روح البیان، ج 6، ص 63، دار الفکر، بیروت، بي تا.
[3] الطیب، سید عبد الحسین، أطیب البیان في تفسیر القرآن، ج 9، ص 349، نشر الإسلام، طهران، الطبعة الثانیة، 1378 ش.
[4] "وَ أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَ ارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين"، البقرة، 43.
[5] السبزواري النجفي، محمد بن حبیب الله، إرشاد الأذهان إلی تفسیر القرآن، ص 13، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، الطبعة الأولی، 1419 ق؛ المکارم الشیرازي، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 1، ص 186، مدرسة الإمام علي (ع)، قم، 1421 ق؛ الصادقي الطهراني، محمد، البلاغ في تفسیر القرآن بالقرآن، ص 7، المؤلّف، قم، 1419 ق؛ أطیب البیان، ج 2، ص 16.
[6] إرشاد الأذهان، ص 13؛ الأمثل، ج 1، ص 209.
[7] آل عمران، 43 "يَامَرْيَمُ اقْنُتىِ لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِى وَ ارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِين".
[8] الأمثل، ج 2، ص 494؛ الکشّاف، ج 1، ص 362.
[9] "وَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَئكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَئكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفَئكِ عَلىَ نِسَاءِ الْعَالَمِين" آل عمران، 42.
[10] تفسیر المیزان، ج 3، ص 189.
[11] ص، 24 "قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلىَ نِعَاجِهِ وَ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الخْلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلىَ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ وَ ظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ رَاكِعًا وَ أَنَاب".
[12] الأمثل،ج 14، ص 477.
[13] المهیار، رضا، المعجم الأبجدي، ص 358.
[14] الراغب الأصفهاني، المفردات، ج 1، ص 364؛ الطریحي، فخر الدین، مجمع البیان، ج 4، ص 340.
[15] جمع من اساتیذ الحوزة العلمیة، جواهر البلاغة، ص 234، نشر مرکز مدیریة الحوزة العلمیة في قم، الطبعة الخامسة، 1386 ش.
[16] الحریري، محمد یوسف، معجم الاصطلاحات القرآنیة، ص 161 و 162، نشر الهجرة، قم، الطبعة الثانیة، 1384 ش؛ راجعوا: المستفید، حمید رضا، الدولتي، کریم، التقسیم القرآني و السور المکیة و المدنیة، ص 15 – 17، وزارة الإرشاد، طهران، الطبعة الأولی، 1384 ش؛ جوان الآراستة، حسین، درسنامه علوم قرآني، ص 477، بستان الکتاب، قم، الطبعة السادسة، 1380 ش.