Please Wait
2555
انّ دخول الامام علي(ع) في ساحة السیاسه و قبول الحکم، حسب شهادة التاريخ، لم یکن بمفهوم طلب الرئاسة والسلطة. إنّ الحكومة عنده من هذه الجهة، أدنی وأهون من عفطة عنز وأقل قیمة من حذاء ممزق؛ لأن الحذاء الذي يلبي حاجته(ع) ولا يحمل أي مسؤولية، أحسن وأفضل بكثير من الرئاسة والمنصب الذي ينطوي على مسؤوليات كثيرة و خطیرة.
إن الحكومة في نظر الإمام علي(ع)، ذات قيمة طالما يستطيع الحاكم بمساعدة هذه الأداة السياسية أن يقيم حقا أو يدفع باطلا، وأن یعید الكرامة الإنسانية التي قد ضیّعتها أیدی الأقوياء والظالمین خلال القرون إلى المجتمعات البشرية.
لذلك فإن السیاسة، من وجهة نظر الامام علي(ع)، هي فرصة مناسبة لتحقیق العدالة الاجتماعية. العدالة التي عبّر عنها القرآن الکریم بالقسط واعتبرها أحد الأهداف الرئيسية من بعثة جميع الأنبياء(ص).
لكي نتمكن من دراسة السياسة من منظور الإمام علي(ع)، يجب علينا أوّلاً تعریفها:
تعريف السياسة
السياسة(طريقة ادارة البلد) كما جاء تعریفها في القواميس السياسية؛ هي عبارة عن الأساليب التي تتبناها الحكومة من أجل إدارة المجتمع، و أثناء قيامها بالسلطة، فإنها تواصل العمل لصالح جميع الطبقات الاجتماعية، كما أنه یجب علی كل فرد في البلاد أيضًا القیام بخدمة الحكومة في النهوض بشؤون المجتمع.[1]
لقد فسّر الدهخدا كلمة السياسة في قاموسه ب "تدبیر الامور والمصلحة والتبصر".[2] وعرّف قاموس المعين السياسة بإنها، الحكومة علی الرعیة وإدارة الشؤون الداخلية والخارجية للبلد، وكذلك الحكم والجزاء والمعاقبة.[3]
ضرورة الحكومة ونظام الحكم
بالنظر الی ماقیل في تعریف السياسة؛ أوّلاً، يجب أن نعلم أن الحكومة أمر لا مفر منه من وجهة نظر الإمام علي(ع).
إن فكرة اللاسلطوية(الفوضى والهروب من القانون) کانت تروجها الخوارج في زمن الامام علي(ع). انهم استغلوا قضیة التحکیم فی معرکة صفین التی ترکت آثارا سلبیة و قاموا بإدانة مبدأ الولاية والحكومة وضرورة نظام الحکم ودعوا الی نفي اصل الحکومة وإلغائها بشعار "لا حكم الا لله" - الذي هو صحيح في محله -؛ لذلک قال الامام(ع) رداً علی قول الخوارج: «إنها کلمة حق یراد بها باطل. نعم لا حكم إلا للّه و لكن هؤلاء يقولون: لا إمرة، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ اللّه فيها الأجل ويجمع به الفيء، ويقاتلوا به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر».[4]
مکانة السياسة والحكومة في نظر الإمام علي(ع).
ان دخول الامام علي(ع) في ساحة السیاسه وقبول الحکم، حسب شهادة التاريخ، لم یکن بمفهوم طلب الرئاسة والسلطة. إن الحكومة من هذه الجهة أدنی و أهون عنده من عفطة عنز وأقل قیمة من حذاء ممزق؛ لأن الحذاء الذي يلبي حاجته(ع) ولا يحمل أي مسؤولية هو أحسن وأفضل بكثير من الرئاسة والمنصب الذي ينطوي على مسؤوليات كثيرة.
كثيرا ما یلاحظ في خطب وكتابات الإمام علي(ع) أنه کان یحقتر الحكومة والسلطة مرارا لدرجة أنه قال: «واللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عرق خنزير في يد مجذوم».[5]
و يخاطب الامام(ع) ابن عباس ويصف له الحکومة بأنها أدنی من نعلیه ویقول: «والله لَهيَ أحب إليّ من إمرتكم، الّا أن اقيم حقا أو أدفع باطلا».[6]
وقال(ع) في کلام طويل آخر: «و الّذي فلق الحبّة وبرء النسمة لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عطفة عنز».[7]
هذه هي الصورة التي يرسمها الإمام علي(ع) للحكومة، خاصة عندما کان نفسه حاكما للعالم الإسلامي. بالطبع، القيمة الوحيدة التي یعتبرها الإمام علي(ع) للحكومة، هي عندما تكون الحكومة وسيلة لتحقيق العدالة وإحياء القيم الإلهية وحماية كرامة الإنسان.
وفي نظر الإمام علي(ع)؛ إن الحكومة تصبح ذات قيمة عندما يتستطیع الحاكم بمساعدة هذه الأداة السياسية أن یقیم حقا أو یدفع باطلا، وأن یعید الكرامة الإنسانية التي دمرها الأقوياء والظالمون على مر القرون للمجتمعات البشرية.
لقد تصرف الإمام علي(ع) في السياسة وأسلوب الحكم وطريقته بشكل كان في الحقيقة رسما عمليا للحكم والسياسة الإسلامية. الحكم الذي كان بعيدا عن سياسات النفاق والخداع المعتادة في العالم، ولم ينحرف عن محور الحقيقة والعدل حتی بقدر شعرة واحدة، ولم يضحي بمصالح الدين والمسلمين من اجل اللُعب السياسية المعتادة.
يقول(ع) في هذا الصدد: «واللّه لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا أو اجرّ في الأغلال مصفدا أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه يوم القيامة ظالما لبعض العباد وغاصبا لشيء من الحطام وكيف اظلم أحدا والنفس تسرع الى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها ».[8] «واللّه لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على ان أعصي اللّه في نملة اسلبها شعيرة ما فعلته وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة ». [9]
اذا راجعنا نهج البلاغة، لعرفنا من خلال نصوص خطب الإمام علي(ع) ورسائله وكلماته هذه الحقیقة، أنه کان سياسيا ومنفذا للسياسات الصحيحة، وكان يعرف تفاصيل السياسة والحكم وادارة البلاد جيدا. کان یستخرجها من النصوص الدینیة وتعاليم القرآن، ثم کان یصدر تعليمات سياسية تقوم على المبادئ الإسلامية والإنسانية.
في الوقت نفسه، كانت السياسة فرصة مناسبة له لإقامة العدالة الاجتماعية. العدالة التي عبّر عنها القرآن الکریم بالقسط واعتبرها أحد الأهداف الرئيسية لبعثة الأنبياء(ص): «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ».[10]
في هذا الصدد، كتب الإمام علي(ع) في رسالة موجهة إلى أحد ولاته(الأشعث بن قيس، والي أذربيجان): «إن عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة، و أنت مسترعى لمن فوقك».[11]
ولعل هذا هو سبب امتناعه من قبول هذه المسؤولية الخطيرة في بدایة الأمر، ولكن عندما واجه إصرار الناس قبلها لكي يتمكن في ظل الحكومة والسياسة بتوفير الأرضية اللازمة لتحقيق القسط والعدالة الاجتماعية.
لذلك، مع هذا النهج في السياسة والحكومة في مدرسة علي(ع)، ینبغی أن یقال، إن الحكومة ليست منصبًا شخصيًا حتی یقوم الحاکم في ظلها بالبحث عن الفرص والمزايا لنفسه ولمن حوله، بل هي ودیعة في يد جماعة حتی یتحقق في ضوئها الهدف الرئيسي للحكومة، الذي هو إحیاء الحق وتنفیذ العدالة.
[1]. پور کریم، محمد مهدي، فرهنگ سیاسی نمونه، ص 159، عبد الرحیم العلمي، الطبعة الأولی، 1358ش.
[2]. الدهخدا، علی اکبر، لغتنامه دهخدا، ج 38، حرف السین، کلمة «السياسة».
[3]. المعین، محمد، فرهنگ معين، حرف السین، کلمة «السياسة».
[4]. الشریف الرضي، محمد بن الحسین، نهج البلاغة، المحقق، صبحي صالح، ص ۸۲، قم، هجرت، الطبعة الاولی، 1414ق.
[5]. نفس المصدر، ص ۵۱۰.
[6]. نفس المصدر ، ص 76.
[7]. نفس المصدر ، ص 50.
[8]. نفس المصدر ، ص 346.
[9]. نفس المصدر ، ص ۳۴۷.
[10]. الحدید، 25.
[11]. نهج البلاغة، ص 366.