بحث متقدم
الزيارة
7260
محدثة عن: 2009/03/08
خلاصة السؤال
ما هی السیرة الأخلاقیة للإمام السجاد؟
السؤال
کیف کانت السیرة الأخلاقیة للإمام السجاد (ع) قبل إمامته و بعد ها، و خصوصاً أثناء واقعة کربلاء؟
الجواب الإجمالي

کان الإمام  الرابع -و هو الانسان الکامل الذی اختاره الله تعالی لمنصب الامامة- قد وصل الی الکمال من  جمیع الجهات الأخلاقیة و العبادیة و العلمیة و کان النموذج المثالی للقرآن و للرسول الأکرم (ص).

و کان هذا الإمام  الهمام کالنور الساطع خلال فترة الحکم الأموی التی تلاشت فیها القیم الانسانیة و الفضائل و کان جامعاً لکل الفضائل و القیم التی اندثرت فی زمن هذه الدولة.

و هنا نلقی نظرة موجزة علی بعض فضائله و سیرته و مکارم اخلاقه التی تعتبر النموذج الأمثل للانسانیة.

1. کثرة عبادته و مناجاته التی أعطته لقب زین العابدین و زین الساجدین و لکثرة سجوده لقب بالسجاد.

2. و من سماته الاخلاقیة عفوه و صفحه و الرد علی الاساءة الیه بالإحسان.

3. و من خصال کل الأئمة المعصومین (ع) و منهم الإمام السجاد (ع) مساعدة الفقراء و قضاء حوائجهم.

4. کان الإمام الرابع (ع) کبقیة الأئمة (ع) فی الشجاعة و البطولة و إباء الضیم و خیر شاهد علی ثباته و شجاعته، صلابته و خطابه القاطع أمام الظالمین و المتغطرسین أمثال عبید الله، و یزید و عبد الملک بعد انتهاء معرکة عاشوراء خلال إمامته (ع).

و النتیجة هی أن سیرة و فضائل و کرامات أهل البیت (ع) هی من أکمل الفضائل و السیر الأخلاقیة و لا تقتصر علی مرحلة دون أخری من حیاته بل کانت تشمل کل لحظات حیاته لکنها کانت تظهر بین فترة و أخری تبعاً لاختلاف الحوادث و الأشخاص.

الجواب التفصيلي

الإمام  الرابع هو الانسان الکامل الذی اجتباه الله فی کل النواحی الأخلاقیه و العبادیة و العلمیة، و قد بلغ قمة الفضائل أخلاقاً و عبادةً و علماً فکانت فضائله انعکاسا لفضائل القرآن الکریم و الرسول (ص) و فی فترة حکم الدولة الأمویة اختفت کل الفضائل الإنسانیة و أخلاقیة عن الأنظار و بدل أن یشعر الناس و یشاهدوا الزهد و التواضع و العطف و المعاملة الحسنة و حب الرعیة عند من أخذوا بزمام الأمور علی أنهم خلفاء للرسول (ص) فقد شعر الناس فیهم حب التسلط و حب الرئاسة و حب الجاه و حب الدنیا و التعصب و التجبر. فی حین کان هذا الإمام  کالشمس الساطعة حیث انعکست فیه کل الفضائل و القیم التی اندثرت فی زمن الدولة الأمویة و کان هذا الإمام  موضع تقدیر و إجلال عند العدو و الصدیق.[1]

یقول محمد بن طلحة الشافعی: کان زین العابدین و سید الزاهدین و قدوة المتقین و أمیر المؤمنین، و سیرته تشهد بذلک و هو الخلف الصالح لرسول الله (ص) و سماته تشهد علی منزلته القریبة من الله. [2]

و هنا نسلط الضوء علی مشهد من فضائله و سیرته و مکارم أخلاقه و التی کانت بارزةً فی حیاته المعطاءة و التی کانت حقاً أفضل و أکمل نموذج للإنسانیة.

1. کثرة عبادته و مناجاته (ع) حتی لقب بسببها بزین العابدین و سید الساجدین و لقب بالسجاد أیضاً لکثرة سجوده و عبادته و عرف بذی الثفنات لکثرة سجود ( وهی قطع الجلد الیابسة تظهر علی مواضع سجود الامام) بحیث کان کل سنة یقطع هذه الثفنات مرتین و کل مرة یستخرج خمس قطع جلدیة من هذه الثفنات" [3] ..

و یصفر وجهه حین یرید أن یتوضأ و عند ما سئل عن سبب ذلک یجیب: أتدرون بین یدی من سوف أقف! [4]

و عند ما سئل الإمام  الباقر (ع) عن سبب تسمیة أبیه بالسجاد قال: إن أبی علی بن الحسین (ع) ما ذکر نعمة الله علیه إلا سجد و لا قرأ آیة من کتاب الله عز و جل فیها سجود إلا سجد و لا دفع الله تعالى عنه سوء یخشاه أو کید کائد إلا سجد و لا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد و لا وفق لإصلاح بین اثنین إلا سجد و کان أثر السجود فی جمیع مواضع سجوده فسمی السجاد لذلک.[5]

3. و من صفاته الأخری انه (ع) کان یعفو و یصفح و یقابل الإساءة بالإحسان و یصف هذا الإمام  الهمام نفسه فیقول: "ما تجرعت جرعةً احبّ الیّ من جرعة غیظ لا أکافی بها صاحبها [6].

یروی انه وقف على علی بن الحسین (ع) رجل من أهل بیته فأسمعه و شتمه فلم یکلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد سمعتم ما قال هذا الرجل و أنا أحب أن تبلغوا معی إلیه حتى تسمعوا ردی علیه قال فقالوا له نفعل و لقد کنا نحب أن تقول له و نقول قال فأخذ نعلیه و مشى و هو یقول وَ الْکاظِمِینَ الْغَیْظَ وَ الْعافِینَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ فعلمنا أنه لا یقول له شیئا، قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به. فقال: قولوا له هذا علی بن الحسین. قال: فخرج إلینا متوثبا للشر و هو لا یشک أنه إنما جاءه مکافئا له على بعض ما کان منه. فقال له علی بن الحسین (ع): یا أخی إنک کنت قد وقفت علی آنفا فقلت و قلت فإن کنت قلت ما فی فأستغفر الله منه و إن کنت قلت ما لیس فی فغفر الله لک. قال: فقبل الرجل ما بین عینیه و قال: بل قلت فیک ما لیس فیک و أنا أحق به.[7]

3. مساعدة الفقراء و قضاء حوائج المحتاجین و الکرم. کانت هذه صفات کل الأئمة علیهم السلام فکان الإمام السجاد (ع) یتکفل الکثیر من عوائل الفقراء و المعوزین[8]  و کان کل لیلة‌ یحمل علی ظهره الخبز و التمر یوزعه علی بیوت هؤلاء بدون أن یعرفوه و لا احد یدری من یجلب لهم ذلک ما دام هو علی قید الحیاة و عند وفاته (ع) علموا ان هذا الشخص هو علی بن الحسین (ع).[9]

و کان الإمام  الرابع (ع) لا یأکل من طعام الا اذا تصدق منه و کان یردد: "لن تنالوا البرّ حتی تنفقوا مما تحبون".[10]

و کان من عادة الإمام  زین العابدین (ع) إنه یقبل ید السائل قبل ان یعطیه و أجاب عن علة ذلک:  إنی لا أقبل ید السائل بل أقبل ید الله لان الصدقة، تقع فی ید الله قبل أن تقع فی ید السائل.[11]

و من عادته ان کان یتصدق سراً، و کان یقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب.[12]

4. کان الإمام  الرابع (ع) کسائر الأئمة (ع) شجاعاً و صلباً و أبیا و صلابته و موقفه الصامد أمام الطغاة المتغطرسین أمثال عبیدالله و یزید و عبد الملک هی خیر دلیل علی شجاعته و ثباته بعد حادثة الطف و خلال أمامته، فحینما هدّده عبید الله بن زیاد بالقتل! قال له: أ بالقتل تهددنی اما عملت ان القتل لنا عادة و کرامتنا من الله الشهادة.[13]

و خاطب یزید فی مجلسه: یا ابن معاویة و هند و صخر لقد کان جدی علی بن أبی طالب فی یوم بدر و أحد و الأحزاب فی یده رایة رسول الله ص و أبوک و جدک فی أیدیهما رایات الکفار.[14]

و وقف الإمام  السجاد (ع) أمام عبد الملک بن مروان عندما أحضر الإمام  و قال للامام : ُ یَا عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ إِنِّی لَسْتُ قَاتِلَ أَبِیکَ فَمَا یَمْنَعُکَ مِنَ الْمَصِیرِ إِلَیَّ فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ (ع): إِنَّ قَاتِلَ أَبِی أَفْسَدَ بِمَا فَعَلَهُ دُنْیَاهُ عَلَیْهِ وَ أَفْسَدَ أَبِی عَلَیْهِ بِذَلِکَ آخِرَتَهُ فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَکُونَ کَهُوَ فَکُن‏.[15]

فهذه المواقف الصلبة و المواقف المعاتبة أمام هؤلاء الطغاة المستبدین و فی قصورهم تستلزم شجاعة فائقة مضافاً الی أن خطبة القویة فی قصر یزید و التی فضحت جرائم و ظلم و فساد البلاط الأموی و خاصة یزید دلیل علی قمة شجاعة الإمام  و ثباته الروحی.

و النتیجة هی أن سیرة و فضائل و کرامات و أخلاق اهل البیت (ع) هی من أکمل السیر الأخلاقیة التی لا مثیل لها و غیر مختصة بمرحلة من مراحل حیاته (ع) دون أخری بل کانت تجری فی کل لحظة من لحظات حیاته لکن هذه الفضائل و الکمالات تبرز بحسب الظروف الزمانیة و المکانیة للأحداث المختلفة. فکانت مرةً تظهر امام المستضعفین و البؤساء و الضعفاء فی المجتمع بشکل الکاظمین الغیظ و العافین عن الناس و النفقة و الصدقة و الود و العفو و أحیانا اخری تظهر بشکل صرخة للدفاع عن المظلوم امام الظالمین المستکبرین و حکام الجور لکل بسالة و شجاعة و بطولة.



[1] رفیعی، علی، تاریخ اسلام در عصر امام سجاد و امام باقر (ع). ص 17 – 21، مرکز تحقیقات اسلامی 1376.

[2] محمد بن طلحه الشافعی، مطالب السؤول ص 77.

[3] الشیخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 233، برنامج جامع الاحادیث.

[4] نفس الصفحه، ص 233.

[5] نفس المصدر، ص 233.

[6]  الکافی ج 2، ص 109. برنامج جامع الأحادیث؛ آل عمران، 134.

[7] الشیخ المفید، الارشاد، ج 2، ص 146.

[8] روایة عن الباقر (ع) انه کان یتکفل مائه عائله (انظر: مناقب ابن شهر اشوب، ج 4، ص 154) برنامج جامع الأحادیث.

[9] المفید، الارشاد ص 258.

[10] آل عمران، 92؛ العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 46، ص 89 برنامج احادیث الشیعة.

[11] نفس المصدر السابق.

[12] نفس المصدر السابق ص 74.

[13]  اعیان الشیعة ج 1، ص 633.

[14] نفس المصدر.

[15] بحار الانوار، ج 46، ص 121.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...