Please Wait
7956
بشهادة كتب أهل السنة إن معاوية قد تعدّى حدود الشرع مرارا من قبيل شربه للخمر و قد أحدث بدعا كثيرة كابتداع الأذان في صلاة العيدين و إقامة صلاة الجمعة في يوم الأربعاء و … و هذا ما لا يبقي مجالا لأي مماشاة و مسامحة.
و من جانب آخر و بشهادة التاريخ، إن صلح الإمام الحسن (ع) لم يكن عن رضا، بل بعدما فرّق معاوية في جيش الإمام الحسن و تيقن الإمام من مقتل جميع أصحابه القلة دون فائدة إن استمر بالقتال، خضع الإمام (ع) للصلح حفاظا على الدين و أرواح المسلمين. كما أن النبي الأعظم (ص) وافق على صلح الحديبية مع المشركين حفاظا على الدين و أرواح المسلمين و لم ير ذلك منافيا لعصمته. إذن هذا الصلح المفروض الذي لا شك في أنه كان من أجل مصلحة الإسلام و المسلمين لم يتعارض مع عصمة الإمام (ع).
جدير بنا أن نسأل السائل المحترم عن هدفه من طرح هذا السؤال؛ فهو بصدد بيان ماذا؟ هل يريد أن ينزه سمعة معاوية عن ما ينسب إليه؟ أو لديه أسئلة حقيقية عن صلح الإمام الحسن (ع) سبط رسول الله (ص) و مبادرته بأن هل يمكن من اجل حفظ بعض المصالح الأعلى يصالح الإنسان مع من لا يعتقد بالأصول الإسلامية؟ على أي حال، يعتقد الشيعة أن القول بالشهادتين تكفي في ثبوت الإسلام، و لكن هذا لا يعني أن كل من دخل في الإسلام ملتزم بأصوله و قيمه. و قد وردت روايات كثيرة عن طرق الشيعة و إخواننا من أهل السنة في حق معاوية بحيث تشهد بعدم التزامه العملي بالأصول الإسلامية.
هنا نشير إلى بعض الروايات الواردة عن طرق إخواننا السنة:
روى أحمد بن حنبل عن طريق عبد الله بن بريدة أنه قال: دخلت أنا و أبي على معاوية فأجلسنا على الفراش ثم أكلنا ثم شرب معاوية فناول أبي ثم قال ما شربته منذ حرمه رسول الله[1] في حين أن النبي (ص) قد قال: شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وثَن.[2] هو أول شخص ابتدع الأذان في صلاة العيدين خلافا لسنة النبي و حتى الخلفاء.[3] مع أن عدم مشروعية الاذان و الإقامة في غير الصلوات الواجبة من مسلمات جميع المذاهب الفقهية. يقول ابن عباس و جابر: لم يكن يؤذن يوم الفطر و لا يوم الأضحى.[4] و أقام صلاة الجمعة لأهل الشام يوم الأربعاء. حيث روى المسعودي: و لقد بلغ من أمرهم (أهل الشام) في طاعتهم له أنه صلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة في يوم الأربعاء.[5] إلى غيرها من الأعمال التي تدل كلها على عدم التزامه بالأصول الإسلامية.
أليس عجيبا من إخواننا أهل السنة الذين يفتخرون بتمسكهم بسنة النبي (ص) أن يدافعوا عن مثل هذا الإنسان؟
و الأعجب هو أنهم قد جعلوه في مقابل شخص حملت كتب الشيعة و السنة بين طياتها كثيرا من أحاديث الرسول (ص) في مدحه و شأنه، و قد روى النسائي في كتابه خصائص أمير المؤمنين علي (ع) بعضا منها. من قبيل ما قال الرسول (ص): "الحسن و الحسين ريحانتاي من الدنيا" و "الْحَسَنَ و الْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ولَدَاي"[6]
أما إذا كان مقصود السائل هو أسباب صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية، و عن طريق القول بأن الإمام الحسن (ع) لا يصالح إنسانا مثل هذا، أراد أن يخطّئ موقف الشيعة من معاوية، فنشير باختصار:
لقد بلغ الإمام الحسن (ع) منصب الإمامة بعد استشهاد أمير المؤمنين (ع). و منذ البداية كان أكبر مشكلة تواجه الإمام (ع) وجود معاوية و تصرفاته. إذ ما انفك معاوية عن المؤامرة و اللجاجة بعد إمامة الإمام الحسن (ع) و بدأ يخالف الإمام الذي كان إماما بنص حديث الرسول (ص) و قد بايعه الناس أيضا. لقد أرسل الإمام الحسن (ع) رسائل إليه إتماما للحجة و قد ذكرت هذه الرسائل في التاريخ.[7] و لكن لم تجدِ هذه الرسائل و اتجه معاوية بجيشه إلى العراق معتديا. لقد استطاع الإمام (ع) بتحمل المشقات و تضحيات بعض أنصاره أن يعدّ جيشا لمواجهته، و لكن سرعان ما تزعزع هذا الجيش الفاشل أمام إغراءات معاوية حتى فرّ قائد جيش الإمام الحسن (ع) إلى معاوية طمعا بالوعود المغرية التي تلقاها من معاوية.[8] عندما شاهد الإمام الحسن (ع) هذا الجفاء من أنصاره جمعهم و خطب فيهم علهم يرجعوا و يحاربوا معاوية، و لكنهم اثاقلوا و لم يبدوا أي استعداد لطاعة الإمام، فقال الإمام (ع): "إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح و كرهوا الحرب، فلم اُحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقياً على شيعتنا خاصة من القتل، و رأيت دفع هذه الحرب إلى يوم ما، فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن"[9] فنظرا إلى هذه الظروف و سياسة التفريق التي اتخذها معاوية تجاه أهل الكوفة، و سأم الناس من الحرب، وقع هذا الصلح دون رغبة فيه، و هذا لا يتنافى مع عصمة الإمام كما لا يبرر موقف الطرف الآخر. كيف يتعارض مع عصمة الإمام (ع) في حين أن جده النبي المصطفى (ص) قد أمضى على صلح الحديبية[10] وقاية عن إيذاء مشركي مكة، و اللطيف أن معاوية و أبوه أبوسفيان كانا في جبهة الخصم و جبهة المشركين آنذاك.[11] و لكن لم تعتري شخصية النبي شبهة في عصمته أو لم يستدل أحد على إسلام و إيمان المشركين محتجا بصلح النبي مع المشركين الذين كانوا يعبون الأوثان علنا‼! ألم يتم هذا الصلح لأغراض و مصالح أكبر؟! ألا يمكن أن يقدم الإمام على مثل هذه الإجراءات في سبيل مصالح أهم و أخطر؟! ألا يفهم موقف النبي (ص) في هذا الإطار؟!
إن هذا الاستدلال مضحك بهذا الوضوح و في نفس الوقت مؤلم، بحيث يأتي أناس و يدعون بأنهم يستطيعون أن يضلوا الشباب المؤمنين و أولي العقائد الراسخة بمثل هذه الأسئلة و الشبهات السخيفة.
[1] مسند أحمد، ج 6، ص 476، ح 22433.
[2] الترغیب و الترهیب، ابن منذر، ج 3، ص 102، نقلا عن و اقعه ی عاشورا و پاسخ به شبهات، علی اصغر رضوانی، ص 56.
[3] تاریخ الخلفاء، السيوطي، ص 187، طبع دارالفکر، بیروت.
[4] صحیح البخاري، ج 10، ص 327، ج 917.
[5] مروج الذهب، المسعودي، ج 3، ص 42.
[6] الخصائص، النسائي، ص 106 إلى 108، طبع مكتبة العصرية.
[7] زندگی امام حسن مجتبی (ع) سید هاشم رسولی محلاتی، ص 202 إلى 210.
[8] المصدر نفسه، ص 214.
[9] إعلام الهدایه، کتاب الإمام الحسين (ع)، ص 147 نقلا عن اخبار الطوال، 221.
[10] پیامبر امی، الشهيد آیة الله مطهری، ص 27.
[11] و اقعه عاشورا، علی اصغر رضوانی، ص 54.