بحث متقدم
الزيارة
7798
محدثة عن: 2009/05/04
خلاصة السؤال
ما هی العلاقة بین الأخلاق و التوکل؟
السؤال
ما هی العلاقة بین الأخلاق و التوکل؟
الجواب الإجمالي

الأخلاق تعنی الصفات التی تظهر فی الإنسان علی شکل ملکة، و الملکة تطلق علی الصفات المترسخة فی روح الإنسان و ذاته بحیث تظهر تصرّفات و أفعال بصورة لا إرادیة و تصدر منه بدون تفکیر أو تأمل. و تنقسم الأخلاق الی قسمین هی: الرذائل و الفضائل.

اما التوکل فیعد أحد الفضائل الأخلاقیة و هو یعنی اتکال العبد علی الرّب المتعال و تفویض کل اموره الیه، و التوکل الحقیقی طبعاً لا یمنع من الاعتماد علی الأسباب، لأن الله نفسه یدعونا ان نعتمد علی الأسباب و العوامل و لکن بالتوکل علی الله. لذا فالعلاقة بین التوکل و الأخلاق هو کون التوکل هو أحد مصادیق الفضائل الأخلاقیة.

الجواب التفصيلي

الأخلاق فی اللّغة:

و هی جمع خُلُق او خلق و کلاهما صفة فی نفس الإنسان تظهر بشکل ملکة و یطلق علی هذه الملکة بالصفة النفسیة المترسخة فی ذات الانسان حیث تظهر اثارها و أفعالها و تصرفاتها بصورة غیر إرادیة و بلا تأمل و نظر، و تصدر من الإنسان بطریقة عفویة فمثلا إذا بلغت صفة التواضع عند أحد الی حدّ الملکة فهو یتواضع اتوماتیکیاً فی المکان المناسب و بدون تکلّف و عناء، و الخلق یمکن أن یکون ایجابیا و یقال له عندئذٍ فضیلة، و قد یکون الخلق سلبیا فیقال له رذیلة، کذا فالأخلاق تشمل الجمیع من الصفات المقبولة (الفضائل) و غیر المقبولة (الرذائل) و التی تظهر فی الإنسان علی شکل ملکة.[1]

و الجدیر بالذکر إن الخلق و الأخلاق هی من مقولة الهیئة و الحالة النفسیة، و لیست من مقولة التصرفات. و الأعمال ، لأن الأخلاق هی الحالة و القوی الداخلیة فی الإنسان و التی تتولد منها التصرفات الحسنة و الردیئة و التصرفات هی ولیدة الأخلاق و لیست هی نفس الأخلاق، لذا فمن کانت له ملکة السخاء لکنه لم یتمکن من تطبیقها فی الخارج بسبب عوامل أو موانع کالفقر مثلاً فهو یعدُّ سخیاً و کریماً أیضاً أو الذی یبذل و یعطی أما ریاءً او لغیر الریاء من الأسباب الاخری و لکن لیس فیه روح البذل و العطاء فلا یقال عنه بانه سخی، و هکذا.

فلا یصدق علی ما یصدر عن شخص بشکل صدفة أو أتفاقاً من التصرفات المقبولة أو المذمومة للإنسان بأنه خلق بل یصدق علی الحالة التی رسخت فی الروح و صارت حالة ثابتة للإنسان [2].

 

حد التوکل:

أحد المفاهیم العامّة فی الأخلاق الإسلامیة و التی تشیر الی صفة نفسانیة توضح العلاقة الخاصة بین الإنسان و ربه تعالی هی مفهوم التوکل، و التوکل هو درجة من درجات السالکین الی الله و من درجات الموحّدین و من أعلی درجات أهل الیقین.[3]

و التوکل هو اعتماد العبد و الإطمئنان القلبی بالله تعالی فی جمیع أموره و تفویض کل امور الی الله و الأتکال علی حول الله و قوته.[4]

قال الرسول الأکرم (ص): و ما التوکّل على اللّه (یا جبرئیل‏)؟ قال: العلم بأنّ المخلوق لا یضرّ و لا ینفع، و لا یعطی و لا یمنع، و استعمال الیأس من الخلق، فاذا کان العبد کذلک، لا یعمل لأحد سوى اللّه، و لم یرج و لم یخف سوى اللّه و لم یطمع فی أحد سوى اللّه، فهذا هو التوکّل.[5]

و هذه الصفة القیّمة تحصل إذا علم العبد إن کل ما یحدث فی عالم الوجود هو من جانب الله و لا قوة تؤثر فی الوجود غیر الله تعالی و أن یعلم العبد أن لا حول و لا قوّة الا به تعالی.

و من اعتقد و آمن بذلک حقا فقد أعتمد علی الله و توکّل علیه.[6]

و هذه أعلی مرتبة من التوکل.

و التوکل له درجات مختلفة منها.

الف. أن یعتمد المتوکل علی الله کما یعتمد الإنسان علی المحامی فی المحکمة. و هذه أدنی مرتبة من مراتب التوکل و یکون الغرض منها حل المشکلة.

ب . أن لا یعرف غیر الله و لا یلجأ الی سواه کلجوء الطفل الی أمه و هذه حالة متوسطة من التوکل.

ج . أن یری العبد نفسه تابعاً و مرتبطا بالله مائة بالمائة و مسلماً أمره له کحال المیّت الذی یتقلب بین یدی غاسله یقلبهُ کیف یشاء.[7]

و هی أعلی مراتب و درجات التوکل.

و لا بد أن نشیر الی أن التوکّل لا یعنی ترک الأسباب و العلل و العوامل لأن عالم الطبیعة هو عالم الأسباب و المسبّبات فکل شیء و عدمهُ فی الوجود راجع الی الأسباب و العلل الطبیعیة، و لکن کل العلل و الأسباب راجعة الی العلة الأولی أو المبدأ الأول و هو الله سبحانه و تعالی و کل هذه العلل و الأسباب قائمة بأمره و إرادته و تسیر وفق إرادته.

و فی بحث التوحید فإن أحد أقسام التوحید هو التوحید فی الأفعال أو التوحید الأفعالی أی ان الموحّد یؤمن بان لا یوجد مؤثر مستقل بذاته فی الوجود الا الله سبحانه و تعالی و کل الأسباب و العلل هی غیر مستقلة بل تابعة له و متعلقة به تعالی.

فالتوکل علی الله و طلب الحاجة و المدد من القوة الغیبیة هی فرع التوحید فی الأفعال فالمتوکل یری أن المؤثر الحقیقی فی کل مکان و مقام هو الله تعالی.

و التوکل هو الصفة الممدوحة کما جاء فی آیات و روایات کثیرة و نشیر هنا إلی بعضها: "و علی الله فتوکلوا إن کنتم مؤمنین" [8]، "إن الله یحب المتوکّلین" [9] "و من یتوکل علی الله فهو حسبه" [10]. قال الإمام الباقر (ع): "من توکل علی الله لا یغلب و من لجأ الی الله لا یهزم"[11].

و قال الإمام علی (ع) "التوکل علی الله نجات من کل سوء و حفظ من کل عدو[12]"

و یتضح مّما بیّنا أن التوکل هو أحد الفضائل الأخلاقیة و أحد مصادیقه، و هذه هی العلاقة بین الأخلاق و التوکل.



[1] محسن غرویان، فلسفة أخلاق از دیدگاه اسلام، ص 11، موسسة فرهنگی یمن، الطبعة الثانیة، 1380 هـ.ش.

[2] مهدی نیلی پور، بهشت أخلاق ج 1، ص 28، انتشارات تحقیقاتی حضرة ولی عصر، مطبعة شریعت، قم 1385، هـ. ش.

[3] نفس المصدر، مهدی نیلی پور، بهشت أخلاق ج 1، ص 28، إنتشارات تحقیقاتی حضرة ولی عصر، مطبعة شریعت، قم 1385، هـ. ش.

[4] ملا أحمد النراقی، معراج السعادة، ص 758، انتشارات هجرت، الطبقة الثامنة قم. 1381، هـ.ش.

[5] انظر: موضوع الإعتماد علی النفس (التوکل) الرقم 99، علی رقم السؤال فی الموضع، 2385، ألجواب الإجمالی

[6] ملا أحمد النراقی، معراج السعادة، ص 758، إنتشارات هجرت، الطبعه الثامنه قم، 1381، هـ.ش (مع تغییر طفیف).

[7] نفس المصدر السابق ص 764- 765.

[8] المائدة، 23.

[9] آل عمران 159.

[10] الطلاق 3.

[11] النوری، میرزا حسین، مستدرک الوسائل، ج 2، ص 288، مؤسسة آل البیت (ع) لإحیاء التراث، الطبعة الأولی، 1408، هـ . قمری.

[12] الحسینی، السید حمید، منتخب میزان الحکمة، باب التوکل، موسسة علمی فرهنگی دار الحدیث، 1385، هـ.ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...