بحث متقدم
الزيارة
6283
محدثة عن: 2009/08/06
خلاصة السؤال
من أین علم الملائکة بفساد الإنسان قبل خلق آدم؟
السؤال
من أین علم الملائکة بفساد الإنسان قبل خلق آدم؟
الجواب الإجمالي

وردت عدة إجابات و وجهات نظر فیما یخص السؤال: من أین علم الملائکة بفساد الإنسان قبل أن یخلق آدم؟

1ـ عن طریق اللوح المحفوظ الذی فیه أن آدم و ذریته سوف یفسدون فی الأرض و یسفکون الدماء.

2ـ عن طریق الإخبار الإلهی.

3ـ أن الملائکة توقعوا، و ذلک لعلمهم أن الإنسان المخلوق من التراب لا بد و أن یقع فی التزاحم الطبیعی، و علیه توقعوا وقوع الفساد و سفک الدماء.

4ـ و یعتقد بعض المفسرین أن الملائکة شاهدوا إنساناً قبل آدم (ع) فی عوالم أخرى أو فی هذا العالم و لذلک توقعوا هذا الأمر، و هذه التفاسیر لا ینافی بعضها البعض، أی أنه من الممکن أن تکون جمیع هذه الأسباب هی التی جعلت الملائکة یرون ذلک.

الجواب التفصيلي

عند ما قال تعالى للملائکة «إنی جاعلٌ فی الأرض خلیفة» قال الملائکة بعنوان السؤال لا الاعتراض «أ تجعل فیها من یفسد فیها...» و لکن الله أجاب عن هذا التساءل بالقول «إنی أعلم ما لا تعلمون».[1] و من الکلام الذی أبداه الملائکة یظهر أن ما یفعله الإنسان على وجه الأرض غیر خاف علیهم، و لکن من أین علموا ذلک؟[2].

و هنا عدة آراء و وجوه:

1ـ أن الله بین لهم مستقبل الإنسان بشکل إجمالی، و قد أوضح هذا الجواب على صورتین:

ألف: أن علم الملائکة کان عن طریق اللوح المحفوظ بفساد آدم و ذریته و سفکهم للدماء، و هنا کان سؤالهم من قبیل التعجب «أ تجعل فیها....»[3].

ب ـ عن طریق الإخبار الإلهی، أی أن الله أخبر الملائکة بأن بعض أبناء آدم سوف یفسد و یسفک الدماء. و علیه فإن سؤال الملائکة حینما أخبرهم الله بخلق آدم هو: هل أن آدم هذا هو الذی سوف یفسد بعض أبنائه و یسفکون الدماء أم غیره[4].

2ـ یعتقد البعض أن الملائکة فهموا هذه المسألة من کلام الله سبحانه فعندما قال: «إنی جاعلٌ فی الأرض خلیفة» و ذلک أن الاستخلاف فی الأرض مع محدودیة إمکانیة هذا الکوکب سوف تنتهی إلى التزاحم و الاقتتال و سفک الدماء[5]. فکانوا یتوقعون حصول الصراع و التزاحم بسبب خلق الإنسان من مادة التراب الذی یؤدی حتماً إلى التدافع و سفک الدماء و الفساد[6].

و بعبارة أخرى إن الملائکة فهموا الأمر بأنفسهم و ذلک من قوله تعالى: «فی الأرض» فالإنسان المخلوق من التراب و المادة، و هذا العالم المحدود المادی لا یستطیع أن یشبع طبیعة الحرص فی الإنسان. و هذه الدنیا لو وضعت بأجمعها فی فم الإنسان فقد لا تشبعه. و هذا الوضع- إن لم یقترن بالالتزام و الشعور بالمسؤولیة- یؤدی إلى الفساد و سفک الدماء[7].

یقول العلامة الطباطبائی: «بأنهم إنما فهموا وقوع الإفساد و سفک الدماء من قوله سبحانه. إنی جاعل فی الأرض خلیفة، حیث إن الموجود الأرضی بما أنه مادی مرکب من القوى الغضبیة و الشهویة، و الدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مرکباتها فی معرض الانحلال، و انتظاماتها و إصلاحاتها فی مظنة الفساد و مصب البطلان، لا تتم الحیاة فیها إلا بالحیاة النوعیة، و لا یکمل البقاء فیها إلا بالاجتماع و التعاون، فلا تخلو من الفساد و سفک الدماء، ففهموا من هناک أن الخلافة المرادة لا تقع فی الأرض إلا بکثرة من الأفراد و نظام اجتماعی بینهم یفضی بالآخرة إلى الفساد و السفک»[8].

3ـ یعتقد بعض المفسرین أن علم الملائکة بمستقبل الإنسان ناشئ عن مشاهدتهم للإنسان و سلوکه قبل آدم (ع) فی هذا العالم أو فی غیره من العوالم[9].

و هذا یعنی أن آدم لم یکن هو المخلوق الأول على وجه الأرض و إنما سبقته مخلوقات أخرى وقع بینها الصراع و الفساد و سفک الدماء، و أن تاریخها الأسود هو الذی جعل الملائکة یظنون بالإنسان ظن السوء[10].

و هذه التفاسیر الثلاثة لا ینافی بعضها البعض، فمن الممکن أن تکون کل هذه الأمور مجتمعةً أمدّت الملائکة بالعلم بما یؤول إلیه أمر الإنسان.

و من الجدیر بالذکر ان ما قالته الملائکة یمثل واقع الإنسان، و لذلک کان جواب الله سبحانه لا یحمل أی إنکار لقولهم. و لکنه أشار إلى واقعیة أخرى إلى جانب هذه الواقعیة و هی على قدرٍ کبیر من الأهمیة و لکنها خافیة على الملائکة.

فالملائکة بیّنوا حقیقة من الحقائق. و لذلک لم ینکر اللّه علیهم قولهم، بل أشار إلى أن ثمة حقائق اخرى إلى جانب هذه الحقیقة، حقائق ترتبط بمکانة الإنسان فی الوجود و هذا ما لم تعرفه الملائکة.

الملائکة یعلمون أن الهدف من الخلقة هو العبودیة و الطاعة، و کانوا یرون فی أنفسهم مصداقا کاملا لذلک، فهم فی العبادة غارقون. و لذلک فهم- أکثر من غیرهم- للخلافة لائقون، غیر عالمین أن بین عبادة الإنسان الملی‏ء بألوان الشهوات، و المحاط بأشکال الوساوس الشیطانیة و المغریات الدنیویة و بین عبادتهم- و هم خالون من کل هذه المؤثرات- بون شاسع. فأین عبادة هذا الموجود الغارق وسط الأمواج العاتیة، من عبادة تلک الموجودات التی تعیش على ساحل آمن؟! ماذا تعرف الملائکة من أبناء آدم أمثال محمّد (ص) و ابراهیم و نوح و موسى و عیسى و الأئمّة من أهل البیت(ع) و عباد اللّه الصالحین و الشهداء و المضحّون من الرجال و النساء الذین قدّموا وجودهم على مذبح العشق الإلهی، و الذین تساوی ساعة من تفکّرهم سنوات متمادیة من عبادة الملائکة.[11]



[1] البقرة، 30.

[2] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏1، ص: 156، قم، مدرسة امیر المؤمنین، الطبعة الأولى.

[3] الطبرسی، فضل بن الحسن، ترجمة جوامع الجامع، ج 1، ص 62، تحقیق: تقدیم آیة الله وعظ زاده الخراسانی، مؤسسة التحقیق الإسلامی فی المشهد الرضوی المقدس، طبعة 1377 ش، الطبعة الثانیة.

[4] نک: المصدر نفسه؛ تفسیر النور، ج 1، ص 87.

[5] الجعفری، یعقوب، الکوثر، ج 1، ص 122، 123.

[6] تفسیر النور، ج 1، ص 87.

[7] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏1، ص 157، تفسیر الهدایة، ج 1، ص 136، ناشر، مؤسسة التحقیق الإسلامی فی المشهد الرضوی المقدس، مشهد، 1377ش، الطبعة الأولى.

[8] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص: 115، الناشر، مکتب المنشورات الإسلامیة لجماعة المدرسین فی حوزة قم العلمیة، قم، 1417هـ، الطبعة الخامسة.

[9]  تفسیر النور، ج 1، ص 87.

[10] للاطلاع الأکثر، الموضوع خلق آدم (ع) ، سؤال 2999 (موقع 3297).

[11] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏1، ص 157.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...