Please Wait
6826
إن الإنسان لا یتعرّف على محیطه إلا بتوسیط أدوات معینّة، وقد تسالم المفکرون الإسلامیون على بعض أدوات المعرفة:
الأولى: الحواس، کحس الباصرة، وحس السامعة، و... الثانیة: العقل، والثالثة: القلب.
والعلوم التی تحصل عن طریق المکاشفات الباطنیة و العین البرزخیة ـ و هی نوع من أنواع المکاشفات ـ هی من فروع المعرفة الشهودیة و التی یکون القلب أداتها. و أما الفرد الذی یُرزق عیناً برزخیة یجب أن یکون إنساناً ورعاٌ مهذباً صالحاً حتى نستطیع تصدیق هذه الکرامة له، وعلاوة على ذلک، یجب علیه أن لا یسیء استعمال هذه الأداة و لا یستغلها فی تفسیق الآخرین أبداً، و أن یلتزم بالمسائل الشرعیة.
فی البدایة، نذکر مقدمة مختصرة کی نعرف مکانة بحث العین البرزخیة فی أبحاثنا المعرفیة:
إننا لا نتعرّف على العالم الخارجی و الواقعی و الأشیاء المحیطة بنا ـ محسوسة کانت أم غیر محسوسة ـ إلا بتوسیط أدوات معینة، فلو فقدنا مثلاً العین أو الأذن سوف نفقد بعض العلوم و المعارف. و قد اختلف العلماء فی عدد هذه الأدوات، فحصر "أفلاطون" أدوات المعرفة بالعقل، و فی المقابل نر ى المدرسة الحسیة الاوربیة تقلل من دور العقل فی المعرفة و من هؤلاء الفلاسفة الذین ذهبوا الى هذا الموقف "یوم"، حیث اعطوا الدور الکبیر للحواس فی جمیع المعارف [1] . و أما المفکرون الإسلامیون فقد تسالموا على بعض الأدوات فی المعرفة:
الاولى: الحواس، مثل حاسة البصر، و السمع،و.. الثانیة: العقل، و الثالثة: القلب.
من هنا تنقسم المعرفة على ضوء هذه الأدوات إلى:
1. المعرفة الحسیّة: و تعنی کل العلوم التی تکتسب عن طریق الحواس.
2. المعرفة العقلیة: کالمنطق، و الفلسفة.
3. المعرفة الشهودیة: و تعنی العلوم التی تکتسب عن طریق العرفان و الشهود [2] . [3]
و کل ما یحصل عن طریق المکاشفات الباطنیة و مکاشفات العین البرزخیة ـ و هی نوع من أنواع المکاشفات ـ هو من المعارف الشهودیة.
و المعرفة الشهودیة من مسل ّ مات معارفنا الاسلامیة و القرآنیة، و لا تنال هذه المعرفة إلا بتزکیة النفس و تقوى الله و الورع الشدید، حتى أن ملا صدرا یقول فی تعریف علم المکاشفة: " اما علم المکاشفة- فهو عبارة عن نور یظهر فی القلب عند تطهّره و تزکیته من صفاته المذمومة، و تنکشف من ذلک النور امور کان یسمع من قبل أسمائها و یتوهم لها معانی مجملة غیر متضح" [4] .
و جاء فی القرآن الکریم فی هذا المجال قوله تعالى: {یا أیها الذین آمنوا إن تتقوا الله یجعل لکم فرقانا و یکفر عنکم سیئاتکم و یغفر لکم والله ذو الفضل العظیم} [5] .
أو قوله تعالى: {والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا وإن الله لمع المحسنین} [6] .
و کما أشرنا قبل قلیل، إن الطریق الوحید لتحصیل هذا النوع من المعرفة هو تزکیة النفس من الأدناس، لتستضیء بعد ذلک بنور الحقیقة. و أدلة إثبات هذا القسم من المعرفة کثیرة و متعددة، لا یتحمل هذا الموجز بیانها، ولکن من الملفت للنظر أن الکثیر من فلاسفة الغرب منهم "ویلیام جیمز" و غیره، یؤمنون بالمعرفة الشهودیة [7] .
و أما الواردات القلبیة ( الالهامات القلبیة) والمکاشفات فتنقسم إلى أربعة أقسام:
1. ما تتعلق بالعلوم والمعارف، و یعبّر عن هذه الالهامات و الواردات بالرّبانیة.
2. ما تدعو إلى الخیرات و الملکات الفاضلة، و یعبّر عن هذه الواردات بالملکیة.
3. ما تدعو إلى اللذات النفسانیة، و یعبر عن هذا القسم بالواردات النفسانیة.
4. ما تدعو إلى التمرد و العصیان عن الحق، و یعبر عن هذا النوع بالواردات الشیطانیة [8] .
فیتبین من هذا التقسیم أنه لا یمکن أن نسمّی کل أمر غیر حسی إلهاماً ربانیاً، إذ یتفق أن تختلط على البعض الواردات النفسانیة أو الشیطانیة مع الواردات الربانیة. ینقل رشید الدین المیبدی عن أحد العارفین مدی ظرافة و دقة تمییز الواردات القلبیة حیث یقول: "إذا دخل أحد فی بستان و وجد أن الطیور کلها تخاطبه من فوق الشجرة: السلام علیک یا ولی الله، و لا یخشى أن تکون هذه التحیة مکراً و حیلة، فقد خُدع [9] .
معاییر التمییز:
1. إن هذه الواردات القلبیة ـ سواء ألهمت إلى الشخص نفسه أو ادعاه له غیره ـ یجب أن لا تخالف الأحکام العقلیة، و من أهم تلک الأحکام هی أن الواردات لا تؤید الظلم (بمعناه الواسع) و إنما یجب أن تستحسن العدل وتقف الی جانبه و تستقبح الظلم.
2. إن هذه الواردات یجب أن لا تخالف المعارف الدینیة، و تشخیص هذا المعیار من صلاحیات الباحثین و رجال العلم المؤ منین.
3. یجب أن لا تغایر ه ذه الواردات الأحکامَ الدینیة، فإذا کانت تحفّز الأشخاص إلى اللامبالاة و عدم الاهتمام بالمظاهر الدینیة فهی قطعاً لم تکن واردات ربانیة، إذ أن رسول الله و الأئمة و هم أکمل الخلق إیماناً کانوا ملتزمین أتمّ الالتزام بهذه الأمور.
4. کل من یدعی لنفسه أموراً غیبیة کالعین البرزخیة، یجب أن یکون مصداقاً للتهذیب و التقوى حتى یمکن التصدیق بهذه الکرامة له، مضافاً الى ذلک یجب علیه أن لا یسیء استعمالها و لن یستغلها فی تفسیق الآخرین او ایقاع الضرر بهم، و طبعاً کما ذکرنا یکون ملتزماً بالأحکام الشرعیة، لأن مثل هذه الکرامات لا تتأتى للإنسان إلا بتهذیب النفس، و الذی یفعل الخارقات للعادة من غیر الطریق المعهود فلن یمکن الوثوق به.
و لمزیدٍ من الاطلاع على صفات أصحاب الکرامات، یمکنکم مراجعة السؤال 1923 (الموقع284).
[1] مطهری، مرتضى، قضیة المعرفة (مسئلة شناخت)، ص48 و49، صدرا للنشر، طهران، 1376.
[2] مصباح یزدی، محمد تقی، دروس فی العقیدة، ص36، نشر بین الملل، طهران، 1377.
[3] للمزید من الاطلاع یمکنکم مراجعة الموضوع العام: امکان معرفة الله، السؤال 716 (الموقع758).
[4] صدر المتألهین الشیرازی، محمد بن ابراهیم، تفسیر القرآن الکریم، ج2، ص69، نشر بیدار، قم، 1366.
[5] الأنفال: 29.
[6] العنکبوت: 69، و هذا الجهاد یشمل الجهاد النفسانی أیضاً. راجع: قضیة المعرفة (مسئلة المعرفة)، ص67 إلى 73.
[7] راجع: قضیة المعرفة (مسئلة شناخت)، ص66.
[8] مقالة "دراسة علاقة المکاشفة فی العرفان الاسلامی، و التجربة الدینیة فی العرفان و الفلسفة الغربیة، محسن القمی و محمد حسین زاده، مقتبس من موقع التبیان الالکترونی.
[9] المیبدی، رشید الدین احمد بن أبی سعد، کشف الاسرار، ج7، ص222، امیر کبیر للنشر، طهران، 1371 هـ ش.