هذا البحث واسع لا یمکن بیانه هنا بشکل مفصل ، لکن یمکننا الاکتفاء ببیان أن الإسلام ظهر فی قارة آسیا (مدینة مکة فی الحجاز) و من هنا کان انتشاره الأوسع فی آسیا لأنها مهد الدین الإسلامی. و عدم انتشار الدین الإسلامی فی أوروبا یرجع لعدة أسباب؛ مثل: الاختلافات الداخلیة التی نشبت بین المسلمین، و عدم عرض صورة مشرقة للإسلام المحمدی الأصیل فی تلک المنطقة و سواهما.

توضیح ذلک: بعد وفاة النبی (ص) سیّر المسلمون جیوشهم تجاه الشرق بقیاد سعد بن أبی وقاص، و الى الشام و فلسطین بقیادة مجموعة من الرجال( عمرو بن العاص و یزید بن ابی سفیان وابو عبیدة بن الجراح و شرحبیل بن حسنة الى فلسطین و خالد بن الولید، الی الشام . فوصلت الجیوش الاسلامیة الى بلاد فارس ، إلا أن الجیش المتجه غربا لم یتمکن من التقدم؛ لأن معاویة بن أبی سفیان أبرم معاهدة فی فترة حکمه مع الجیوش الرومانیة و تسببت هذه المعاهدة فی عرقلة تقدم المسلمین فی فتوحات الغرب[1].

اضف الی ذالک ان لتحوویل معاویه الحکم الی ملکیة له الدور فی ذلک و من هنا یقول أحد العلماء الکبار الألمان: "ینبغی أن نصنع تمثالا من الذهب لمعاویة بن أبی سفیان، و ننصبه فی برلین عاصمة ألمانیا؛ لأنه لو لا الضربة التی وجهها معاویة للإسلام فی تحویله الخلافة الی ملکیة لتمکن الإسلام من السیطرة على کل العالم، و لتحولنا نحن الألمان و سائر الدول الأوربیة إلى عرب و مسلمین"[2].

و بعد ذلک و فی أیام حکم الولید بن عبد الملک، فتح المسلمون بلدان العراق، إیران، الشام، مصر، و تقدموا فی قارة أفریقیا إلى سواحل المحیط الأطلسی ، ثم عبروا مضیق جبل طارق و فی سنة 71 هجری عرضوا الإسلام على الشعب الأسبانی، وصلت بعدها الدعوة الإسلامیة إلى باقی البلدان الأوربیة.

و کذا تمکن المسلمون من عبور سیحون و جیجون و واصلوا عرض الإسلام  على شعوب تلک البلدان و فی نهایة المطاف أسسوا إمبراطوریة إسلامیة کبرى مرکزها مدینة دمشق فی سوریا[3].

و على هذا فإن کل القارة الأوربیة و الأفریقیة خضعت لسیطرة الإسلام فی حوالی سنة 78 هجریة، و استمرت سیطرة الإسلام على أوروبا إلى سنة 398 هجریة، حیث إنه بوفاة عبد الملک المنصور سنة 398 هجریة تولى حکم أوروبا أخوه الملقب بالناصر لدین الله، و کان کأخیه و أبیه لا یؤمن بخلافة (هشام بن الحکم)[4] الخلیفة الأموی المعاصر له، فقرر أن یقضی على ما تبقى من مخلفات تقالید الخلافة. و لذلک طلب من هشام أن یعینه ولیا للعهد بعده، فأغضب هذا التعیین أکثر الناس مما أدى إلى نشوب حروب عائلیة، فانشغل المسلمون بمشاکلهم الداخلیة، و ترکوا الحدود بلا حمایة، فنشأت داخل الدولة ما یطلق علیه بملوک الطوائف فکانوا یتصارعون بشکل دائم أمام أنظار أعداء الإسلام، هذا الاختلاف الداخلی الذی نشب بین المسلمین، و سوء إدارة الحکام المسلمین أدى إلى أن یستغل المسیحیون الفرصة، و بعد عدة حروب شنوها على المسلمین استطاعوا إخراج المسلمین من قارة أوروبا[5]، إلا أنه و بعد مضی السنین و خصوصا فی زماننا المعاصر تمکنت الثقافة الإسلامیة من أن تنتشر بشکل لافت فی کل البلدان و منها البلدان الأوربیة.

و هنا لا ینبغی الغفلة عن دور الإعلام الغربی المضاد بما یمتلکه من إمکانیات هائلة فی تشویه صورة الإسلام و التصدی لوصول صوت الحقیقة إلى الشعوب الغربیة، و هذا بحاجة إلى بحث مفصل نوکله إلى وقت آخر.

و هناک احتمال آخر یمکن ذکره هنا هو ان الرومان کانوا فی تلک الفترة یعتنقون الدیانة المسیحیة و من الواضح ان المسیحیة فی اصلها دیانة الهیة حقة و ان انحرفت بعد السید المسیح (ع) من هنا یکون الصراع معها صعب جدا لانهم یرون انفسهم على الدین الالهی الحق؛

من هنا کان على المسلمین ان یعملوا على جبهتین الجبهة العلمیة و الثقافیة و بیان احقیة الدین الاسلامی و انحراف الدیانیة المسیحیة عن مسارها الاصلی و فی الجبهة الثانیة یعملون على ازالة العوائق و دحر الجیوش التی تقف امامهم  کما یعملون على اشاعة روح الاخلاقیة الاسلامیة السامیة؛ و من الواضح ان الامویین لم یربوا مثل هکذا اشخاص یستطیعون الدفاع عن دینهم فی هذه المحاور.

اضف الى ذلک ان اشعاع مدرسة اهل البیت علیهم السلام لم یستطع بفعل المواجهة الامویة ان ینتشر فی الجانب الغربی على العکس من ایران و ما والاها من الجهات حیث کانت على معرفة بهذه المدرسة الاسلامیة السامیة مما جعلها تقوم بامرین فی زمان واحد هو الدخول فی الاسلام و اعتناقه و من جهة ثانیة الدفاع عنه و نشره و لعل الشعار الذی رفعه العباسیون فی الثورة على الامویین " الرضا من آل محمد" خیر شاهد على ذلک التفاعل.