Please Wait
5244
القرآن لیس کتاباً عادیاً، و إنما هو کتاب ذا أبعاد متعددة، منها کونه کتاب الله المنزل على نبیه(ص)، یحتوی على علوم و معارف عالیة، و هو کتاب حیاة و تکامل للإنسان و هدایته و... و له قیمته و قداسته الخاصة. و على هذا الأساس فالاستفادة منه تکون متعددة و ذات مراتب، حتى أن بعضها تحصل بالنظر إلى حروفه و رسم کلماته، و بعض مراتب الاستفادة تترتب على التدبر فی آیاته، و أبعد من ذلک فإن بعض الآیات بحاجة إلى ریاضات شرعیة و عنایات إلهیة للاستفادة منها؛ ثم ان حصول بعض مراتب الاستفادة لا یتنافى مع عدم حصول المراتب الأخرى.
القرآن لیس کتاباً عادیاً، و إنما هو کتاب ذا أبعاد متعددة، منها کونه کتاب الله المنزل على نبیه(ص)، یحتوی على علوم معارف عالیة، و هو کتاب حیاة و تکامل الإنسان و هدایته و... و له قیمته و قداسته الخاصة. و على هذا الأساس فالاستفادة منه تکون متعددة و ذات مراتب، یحصل بعضها بالنظر إلى حروفه و رسم کلماته، و بعض مراتب الاستفادة تترتب على التدبر فی آیاته، و أبعد من ذلک فإن بعض الآیات بحاجة إلى ریاضات شرعیة و عنایات إلهیة للاستفادة منها، و إن حصول بعض مراتب الاستفادة لا یتنافى مع عدم حصول المراتب الأخرى.
للنظر فی القرآن فوائد متعددة تشیر إلى بعضها:
ألف: القرآن کتاب ینطوی على حقائق أبعد من الألفاظ، و ذلک لأن آیاته کلام الله رب العالمین، و أن حاملها أفضل خلقه و نبیّه الأکرم(ص)، و إن کاتبه إمام المتقین و أمیر المؤمنین و لذلک عندما یفتح الإنسان المسلم کتاب الله و ینظر فیه فإنه یجد نفسه فی محضر الله و رسوله، فیستشعر قیمة هذا الحضور المعنوی. إن الحضور فی ساحة الله المقدسة و أرواح المعصومین المطهرة لا تحتاج إلى معرفة القراءة.
ب ـ إن الارتباط بالقرآن و إن کان على مستوى النظر فی حروفه و کلماته، یتضمن فی عالم الاعتقاد إقراراً بالتوحید و الرسالة و البراءة من أعداء القرآن و الإسلام؛ لأن الإنسان الذی یفتح کتاب الله ویتمسک به و ینظر فی آیاته نظرة إیمان؛ فإنه یؤمن بالله و رسوله و یعد ذلک إقراراً بمضامین القرآن و هو إقرار عملی بأحقیة الله و رسوله و کتابه السماوی المنزل و هذا ما لا یحتاج إلى قراءة ألفاظه.
ج ـ إن التأکید على النظر فی حروف القرآن و کلماته و آیاته یمکن أن یشکل باعثاً و سبباً یدفع الأمیین إلى التعلم کمقدمة للقراءة و من ثم الفهم و إدراک مضامین هذا الکتاب العزیز إضافة إلى ذلک قد یکون سبباً فی کثیر من المواقع إلى جلب انتباه المتعلمین ممن لا یهتمون بالقرآن فیعیدهم إلى التمسک بعرى هذا الکتاب السماوی العظیم، وهذا فی حد نفسه یعد من اسالیب الامر بالمعروف العملی حیث یدعو الآخرین -بسلوکه – الى التمسک بالقرآن الکریم.
د ـ إن حقائق و معارف القرآن ذات مراتب مختلفة و متعددة و لذلک لا توجد فئة أو طبقة إلا و یمکنها الاستفادة من القرآن و کل یستطیع أن ینهل من القرآن بمقدار فهمه و سعة مدارکه و کذلک فإن الضعاف فی القراءة أو ممن لا یجیدونها لهم نصیب و درجة من فیض القرآن و عطائه لدى حضورهم فی دائرة فیوضاته. نعم، إن الشخص العاجز عن القراءة تکون استفادته أقل من استفادة القارئ لکتاب الله، و هذا بدوره أقل فائدة ممن یرتقی إلى فهم مضامینه و إدراک أسراره و معرفة علومه کمعرفة المحکم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و غیرها.
خلاصة القول أن کل طبقة و فئة فی المجتمع یمکنها أن تستفید من هذا الکتاب السماوی، العظیم بمستوى فهمها و إدراکها، و إن المعرفة القلیلة لا تتعارض و لا تمنع المعرفة الواسعة المستفیضة و کذلک فالمعرفة الواسعة لا تمنع المعرفة القلیلة، و إن جمیع هذه الفوائد و العوائد تعد من الهدایة، و لا تنحصر الهدایة فی الألفاظ و حسب و إنما تتمثل فی صمیم حیاة الإنسان و هذه من خصوصیات القرآن الکریم، فحتى غیر القادرین على قراءة کلماته یمکنهم الاستفادة منه، و هذا یعد من إعجاز القرآن.
و بعبارة أخرى فقد ورد فی الروایات أن للقرآن بطوناً متعددة و أن لکل بطنٍ بطناً...[1]، و معنى هذه البطون هو أن للقرآن معارف و حقائق مختلفة، و هذه الخصوصیة هی التی جعلته مورد استفادة کل الفئات و الطبقات الاجتماعیة و أن برکاته تشمل الجمیع، کل على قدر سعة فهمه و معرفته. و إن غیر القادرین على القراءة أو الضعاف فیها لهم نصیبهم الوافر من فیوضات القرآن الکریم، و إن استفادة هؤلاء لا تختلف و لا تغایر کون القرآن هادیاً، لأن هذه المرتبة من مراتب الاستفادة تعد مرتبة من مراتب الفیض القرآنی التی بلغت حداً یستطیع الجمیع أن یستفید منها حتى الذین لا یحسنون القراءة.
هـ ـ القرآن کلام الله و کلماته المکتوبة و المقروءة و حتى النظر إلیها یکون باعثاً للارتباط بالله و هدوء الروح و اطمئنان القلب.
و ـ ورد کثیراً فی الروایات أن النظر إلى القرآن الکریم عبادة حتى من دون قراءة، و هذا الأمر لا یختص بالقرآن وحده و إنما یوجد العدید من الأمور ذکر أن النظر إلیها عبادة، کالنظر إلى العالم و الکعبة.
و کذلک النظر إلى أمیر المؤمنین، و النظر إلى الوالدین محبة لهما، و هذا لا یعنی أن الاستفادة من هذه الأمور منحصر بالنظر، فالنظر إلى الماء و الشجر باعثٌ على الهدوء و هذا لا یعنی أن الفائدة من الماء و الشجر منحصرة فی النظر و کذلک القرآن فإن النظر إلیه له فیض و عطاء، و فی نفس الوقت یعد کتاب هدایة و لا یوجد أی تنافٍ بین الأمرین. و نواجه فی مثل هذه الأیام ـ و فی التحقیقات العلمیة ـ إن النظر إلى الشیء الفلانی مضر و إن النظر إلى الشیء الفلانی مفید، فمثلاً النظر إلى التلفزیون مضر، والنظر إلى اللون الأزرق و إلى الماء یبعث على هدوء الأعصاب و لیس الأمور التی من هذا القبیل قلیلة فی التحقیقات العلمیة، فلماذا نظن أن الأمر فیها حقیقة لابد من العمل وفقها و خدعة للعوام فیما یتعلق بالنظر إلى القرآن الکریم، مع أن الفوائد المترتبة علیه کثیرة؟!! إضافة إلى وجود الروایات المعتبرة الکثیرة التی توصی بذلک، نورد اثنتین منها على سبیل المثال:
1ـ کان الناس یصلون و أبو ذر ینظر إلى أمیر المؤمنین(ع) فقیل له فی ذلک، فقال: سمعت رسول الله(ص) یقول: «النظر إلى علی بن أبی طالب عبادة، و النظر إلى الوالدین برأفة ورحمة عبادة، والنظر إلى المصحف عبادة، و النظر إلى الکعبة عبادة».[2]
2ـ عن إسحاق بن عمار قال: قلت للإمام الصادق(ع): جعلت فداک إنی أحفظ القرآن على ظهر قلبی فأقرأه على ظهر قلبی أفضل أو أنظر فی المصحف؟ قال: فقال لی: «بل اقرأه وانظر فی المصحف فهو أفضل، أما علمت أن النظر فی المصحف عبادة».[3]
إذن نصل إلى نتیجة ملخصها: إن النظر إلى القرآن ، بحسب الرؤیة العلمیة ـ یمکن أن تکون له خاصیة معینة، و إن مراجعة الروایات یفیدنا علماً بأن هذا العمل من المستحبات بحسب تعلیمات الأئمة الطاهرین، و لیس من قبیل خداع عوام الناس، و إننا نتبع تعالیم أئمة الدین فیما یخص الأمور العبادیة.
[1] گنابادی سلطان محمد، تفسیر بیان السعادة فی مقامات العبادة، ج3، ص264؛ الطبعة الثانیة، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، 1408 ق.
[2] المحدث النوری، مستدرک الوسائل، ج4، ص268، مؤسسة آل البیت علیهم السلام، قم، 1408 ق.
[3] الکلینی، یعقوب، الکافی، ج2، ص613، الطبعة الرابعة، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش؛ المازندرانی، ابن شهرآشوب، مناقب آل أبی طالب(ع)، ج3 ، ص202 ، مؤسسة منشورات علامه، قم، 1379ق؛ الشیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج6 ، ص204 ، مؤسسة آل البیت علیهم السلام، قم، 1409 ق؛ علی بن عیسى الإربلی، کشف الغمة، ج2، ص268، طبعة مکتبة بنی هاشمی تبریز، 1381 ق؛ الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج2، ص205، منشورات جماعة المدرسین قم، 1413 ق.