Please Wait
6700
تعددت النظریات التی طرحها المفکرون المسلمون حول مرتکب الکبیرة تراوحت بین الافراط و التفریط اکثرها ینطلق من مواقف سیاسیة مسبقة.
و لعل من أبرز تلک النماذج المرجئة و الخوارج:
فقد بذلت المرجئة قصارى جهدها لتطهیر ذیل رجال السیاسة و تبرئة قادة الجور مما اقترفته ایدیهم من ظلم و هتک للحرمات فقالوا: انه لا تضر مع الایمان – و لو کان ظاهریاً- معصیة حتى لو کانت بمستوى إراقة دماء أهل بیت العصمة و الطهارة علیهم السلام، فمجرد التظاهر بالایمان یکفی فی عدم وصف مرتکب الکبیرة بصفة تخرجه عن الایمان و انما یرجأ امره الى الله تعالى.
اما الخوارج فقد سعت لتبریر سلوکهم الخشن و اضفاء الشرعیة على صراعهم و حربهم مع جمیع الفرق الاسلامیة فابتدعت فکرة مؤداها أن مرتکب الکبیرة – و لو مرة واحدة- کافر و بطبیعة الحال أن الکافر حکمه القتل عندهم.
اما المعتزلة فقد اتخذت من هذه القضیة موقفاً وسطاً الا انه مبهم غیر واضح.
لکن یمکن و من خلال ملاحظة مجموع التعالیم الشیعیة أن هذا المذهب یعطی الاولویة و الاصالة للایمان، لکنه الایمان المقترن بالعمل الصالح، فالمؤمن الحقیقی هو الذی یتجنب الکبائر بل لا یصر على الصغائر، و اذا ما زلت به قدمه یوماً ما فاقترف کبیرة أناب الى ربه و تاب الیه و طلب غفرانه، و الا کشف ذلک عن عدم ایمانه حقیقة و انه متظاهر بالایمان. اما بالنسبة الى وصفه فهو لیس بمؤمن حقیقة کما ذهبت الى ذلک المرجئة و لا کافر کما هو رأی الخوارج، بل هو مؤمن فاسق.
فی البدء لا بد من القول بان تقسیم الکبائر الى صغیرة و کبیرة یستند الى آیات الذکر الحکیم کالآیة 31 من سورة النساء، و 37 من سورة الشورى و الآیة 32 من سورة النجم.
و بما أن القرآن الکریم لم یبی ّ ن بصراحة، أولاً: ما هی الذنوب الکبیرة؛ و ما حکم مرتکب الکبیرة؟ ثانیاً. من هنا وقع البحث و النقاش بین علماء المسلمین و علماء المذاهب الاسلامیة حول هذا الموضوع.
اما بالنسبة الى الموضوع الاول، یعنی تحدید المراد من الکبائر، فهناک روایات فی المصادر الشیعیة تشیر الى ذلک و تبی ّ ن المراد منه [1] ، و کذلک قام علماء سائر الفرق الاسلامیة بالتفکیک بین هذین النوعین من الذنوب فی مصنفاتهم التفسیریة و الکلامیة.
اما بالنسبة الى الموضوع الثانی (ما حکم مرتکب الکبیرة؟) فنقول:
1- اکثر المدارس الاسلامیة تعاملت مع قضیة مرتکب الکبیرة تعاملاً سیاسیاً اکثر منه عقائدیاً منطلقاً من التعالیم الدینیة، فعلی سبیل المثال:
1-1. المرجئة: هذه المدرسة الفکریة رجحت اصالة الایمان على العمل؛ بمعنى أن الانسان بمجرد أن ینطق بالشهادتین یصبح مسلماً فاذا کان مسلماً فحینئذ لا یضر مع الایمان سیئة و قد بذلت المرجئة قصارى جهدها لتطهیر ذیل رجال السیاسة و تبرئة قادة الجور مما اقترفته ایدیهم من ظلم و هتک للحرمات فقالوا: إنه لا تضر مع الایمان – و لو کان ظاهریاً- معصیة حتى لو کانت بمستوى إراقة دماء أهل البیت (ع) و ظلم الشعب و اقتراف المحرمات الکبیرة کشرب الخمرة؛ لان مجرد التظاهر بالایمان و اداء بعض الشعائر الدینیة کالصلاة و الصوم و الحج، کاف فی عدم وصفهم بصفة تخرجهم عن الایمان و إنما یرجأ أمرهم الى الله تعالى.
و قد تمسک مفکروا هذه المدرسة بعدد من آیات الذکر الحکیم لدعم معتقدهم، منها قوله تعالى فی الآیات الثالثة الى الخامسة من سورة البقرة " الَّذینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَ یُقیمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ * وَ الَّذینَ یُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ * أُولئِکَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، حیث استنتجوا من هذه الآیات عدم شرطیة اجتناب الکبائر فی فلاح المؤمنین! غافلین عن الشروط و الصفات الأخرى التی أخذت فی الآیات کخصائص للمؤمنین المفلحین فما ورد فی نفس الآیة الثانیة لا ینسجم بحال من الاحوال مع ما تذهب الیه المرجئة إذ کیف ینسجم ارتکاب الکبیرة مع التقوى؟ [2] . هذا النحو من التفکیر یفتح الباب أمام المتظاهرین بالاسلام لاقتراف ما شاءوا من الکبائر حیث یکفی مجرد اعلان الاسلام للحصول على هذه الصیانة و الحمایة!.
یقول الامام الصادق (ع): "إِنَّ هَؤُلَاءِ (المرجئة) یَقُولُونَ إِنَّ قَتَلَتَنَا مُؤْمِنُونَ. فَدِمَاؤُنَا مُتَلَطِّخَةٌ بِثِیَابِهِمْ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَة" [3] .
2-1. فی مقابل المرجئة التی ذهبت الى الافراط فی تطهیر و تنزیه المجرمین و الظالمین من الحکام، نجد هناک نظریة افراطیة أخرى ظهرت فی المجتمع الاسلامی تعتقد أن مرتکب الکبیرة کافر مرتد یباح دمه و ماله. هذا التوجه الذی فی الظاهر ینطلق من منطلقات دینیة هو الآخر جذوره سیاسیة، فقد کان المنطلق لهذه الفکرة هو قبول الامام علی (ع) بالتحکیم فی معرکة صفین الامر الذی ادى الى ظهور فرقة الخوارج "المارقین" فاستغلوا قوله تعالى "إن الحکم الا لله" [4] استغلالا سیئاً لتکفیر خلیفة رسول الله (ص) ثم محاربته فی معرکة النهروان [5] ، لانهم اعتقدوا بان التحکیم کبیرة تخرج صاحبها من الملة و تخلده فی النار [6] . فهؤلاء لم یعیروا للایمان أیة أهمیة و لم یمنحوه أدنى أصالة و إنما اعتبروا المعیار و الاصالة للعمل فقط، و الایمان بناءً هشاً قابلاً للانهیار فی أی وقت بحیث لو سقطت لبنة منه انهار ذلک الصرح و هوى بالکامل!!
بطبیعة الحال، صحیح أن قادة و رؤساء الخوراج کانوا ینطلقون من منطلقات سیاسیة لکن أکثر الاتباع خدعوا بهذه القضیة جهلاً منهم بحقیقة الامور حیث غرهم الظاهر الایمانی الذی علیه قادتهم من الخوارج الذین کانوا یتظاهرون بالصلاح و التدین لاقناع اتباعهم خلافاً للمرجئة التی سعت الى اقناع اتباعهم بتبریر حکام الجور من خلال الاستناد الى بعض الادلة.
من هنا کان أمیر المؤمنین (ع) یرى المرجئة اخطر و احقر بکثیر من الخوراج حیث قال: " لا تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِی فَلَیْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ کَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَکَهُ". [7]
3-1.الاتجاه الثالث فی هذه القضیة یتمثل فی ما ذهبت الیه المعتزلة من القول بـ " المنزلة بین المنزلتین" [8] . حیث تعتقد المعتزلة أن مرتکب الکبیرة لیس بمؤمن و لا کافر و إنما هو منزلة بین المنزلتین؛ و هذه النظریة و إن کانت تقترب من الفکر الشیعی الا انها لم تحدد بالضبط ما هی تلک المنزلة التی یکون علیها مرتکب الکبیرة التی تقع بین الکفر و الایمان، فالنظریة مبهمة من هذه الناحیة.
2- هناک الکثیر من الابحاث الضروریة لتوضیح النظریة الشیعیة فی مرتکب الکبیرة، منها التفکیک بین مرتکبی تلک الکبائر، فهم:
1- 2. المؤمنون: ینقسم الایمان فی المدرسة الشیعیة الى قسمین، الایمان العام و الایمان الخاص. فالایمان العام هو مجرد النطق بالشهادتین و الدخول فی الاسلام من دون الاعتناء بالمذاهب الاسلامیة المختلفة؛ أما الایمان الخاص فهو عبارة عن الایمان بالاسلام بالاضافة الى الاعتقاد بولایة و إمامة أهل بیت النبی (ص). و هناک الکثیر من الروایات التی تشیر الى هذه التفکیک، منها ما روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "الإِسْلامُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِی عَلَیْهِ النَّاسُ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیکَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَ إِیتَاءُ الزَّکَاةِ وَ حِجُّ الْبَیْتِ وَ صِیَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَذَا الإِسْلامُ وَ قَالَ: الإِیمَانُ مَعْرِفَةُ هَذَا الْأَمْرِ( الولایة)". [9]
2-2. غیر المؤمنین: سواء کانوا کافرین لم یؤمنوا بالایمان العام، أم کانوا مسلمین یؤمنون بالایمان العام لکنهم لا یؤمنون بمذهب أهل البیت ففقدوا الایمان الخاص.
فمن الطبیعی جداً أنه لا یمکن وضع الجمیع تحت طائلة حکم واحد، فعلى سبیل المثال یمکن الاشارة الى طائفتین منهم، و هم:
1- المستضعفون: و هم طائفة من الناس لا تملک المعرفة الکافیة عن الدین الحق و من هنا لم تؤمن به. فهذه الطائفة اذا ما تمسکت بالاصول البشریة الفطریة و لم تتعد على حقوق الآخرین، اذا ما ارتکبت بعض الکبائر نتیجة جهلها باحکام الدین الاسلامی قد یتجاوز عن ذنبوبهم و یغفر لهم [10] .
ب. المعاندون: أو المحاربون للحق بعد انکشافه لهم من خلال اقامة الحجة (الدلیل و البرهان) علیهم، لکنهم مع ذلک وقفوا منه موقف المضاد لمنافع دنیویة یبغونها. فهؤلاء مصیرهم الخلود فی النار، فاذا اضافوا الى کفرهم ارتکاب الکبائر فسیضاعف لهم العذاب، و هذا المعنى یمکن أن نستفیده من الآیة 88 من سورة النحل.
اذا عرفنا ذلک نعرج الکلام على البحث عن مکانة مرتکب الکبیرة من أتباع مدرسة أهل البیت (ع).
ذهب المفکرون الشیعة، إنطلاقاً من الروایات الکثیرة و التی قد تکون متفاوتة فی ظاهرها الى نظریة تبتعد عن النظریات الثلاث المذکورة، فهم لم یؤمنوا بما ذهبت الیه المرجئة فی منح مرتکب الکبیرة صک البراءة من النار و الدخول فی الجنة، و لم یؤمنوا کذلک بما ذهب الیه الخوارج بقطع الطریق بین مرتکب الکبیرة و بین دخول الجنة، و الخلود فی النار لأول کبیرة یرتکبها؛ و کذلک لم یؤمنوا بنظریة المعتزلة فی اخراج مرتکب الکبیرة من تحت عنوانی الایمان و الکفر، بل تؤمن الشیعة بان مرتکب الکبیرة "مؤمن فاسق" علیه السعی لارجاع عدالته التی فقدها بسبب اقترافه للکبیرة، فاذا تاب و عاد الى رشده فحینئذ یکون من أصحاب الجنة و إن أصر على ذنبه فحینئذ کل ذنب یقترفه یحط من منزلته الایمانیة درجة و فی النهایة یکون مصیره الى النار. و بعبارة أخرى: یمکن القول أن الفکر الشیعی و إن أعطى الاصالة للایمان، لکنه یرى بین الایمان و العمل علاقة اللازم و الملزوم، فمن یدعی الایمان و یقترف الکبائر بصورة واسعة یکشف عن عدم إیمانه واقعاً و عدم الایمان حقیقة یدخله النار [11] .
من هنا یمکن الاشارة الى خلاصة ارکان الفکر الشیعی فی الامر التالیة:
1- جمیع ذنوب المؤمن قابلة للعفو و الغفران. نعم فی الذنوب المتعلقة بحقوق الناس یجب علیه السعی للخروج منها بجلب رضاهم.
2- مرتکب الکبیرة خارج عن العدالة (التی هی درجة عالیة من درجات الایمان) الى حین توبته، لکنه لا یخرج عن زمرة المؤمنین بالکامل.
3- تکرر ارتکاب الکبائر من دون توبة أو جبران یجر صاحبة فی نهایة المطاف الى الخروج من زمرة المؤمنین فلا یعتبر مؤمناً حقیقة.
4- لا ینبغی أن یکون الایمان بالولایة ذریعة لاقتراف الذنوب صغیرة کانت أم کبیرة.
5- یجب على المؤمن الحقیقی المحافظة على علاقته المعنویة بان یعیش دائماً بین الرجاء و الخوف.
توضح ذلک:
1. مرتکب الکبیرة لا یخرج عن حالتین، إما أنه یرتکب الکبیرة لعدم اعتقاده بالاصول و المبانی الدینیة، فهذا یجمع بین الکبیرة و بین عدم الاعتقاد فهو خارج عن الایمان حقیقة؛ أو أنه مؤمن باصول الدین و شرائعه لکنه یقع فریسة لوساوس الشیطان و شهوات النفس، فهؤلاء لا یمکن أن یکون مصیرهم کمصیر الطائفة الاولى، من هنا نرى العلامة الحلی [12] یقول فی معرض إبطاله لنظریة الخوارج و إن مرتکب الکبیرة مؤمن فاسق لا یخلد فی النار: «أنه لو خلد هذا فی النار للزم أن یکون من عبد اللّه مدة عمره ثم عصى آخر عمره معصیة واحدة، مع بقائه على إیمانه، لزم أن یکون هذا مخلدا فی النار، تماما کمن أشرک باللّه مدة عمره، و ذلک محال لقبحه عند العقلاء". [13]
على هذا الاساس لا یمکن عد المؤمن مرتکب الکبیرة کافراً. فهناک الآیات القرآنیة الکثیرة التی تشیر رحمة الله الواسعة و تصرح بانه تعالى یغفر الذنوب جمیعاً [14] ، فاذا لم تشمل المغفرة هؤلاء المؤمنین فمن یکون مصداقاً لتلک المغفرة إذن؟!
نعم، یبقى تشخیص هل هؤلاء المذنبون ما زالوا مؤمنین أو لا؟ هذا ما لا یعرفه الا الله تعالى، کما قال فی کتابه الکریم: "رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما فی نُفُوسِکُمْ إِنْ تَکُونُوا صالِحینَ فَإِنَّهُ کانَ للأَوَّابینَ غَفُورا" [15] بل الرحمة الالهیة بحد من السعة بحیث نرى فی کثیر من الآیات أن المولى تعالى لم یقید عفوه و غفران الذنوب بالتوبة [16] فقال عز من قائل: " إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاء" [17] بل هناک روایات صریحة فی شمول العفو و المغفرة للذنوب الکبیرة [18] .
کذلک توجد فی القرآن آیات ذهبت اکثر من ذلک حیث قالت: " ان الله یغفر الذنوب جمیعاً" [19] .
بطبیعة الحال، کل ذلک یتعلق بالذنوب المتعلقة بالحق الالهی فقط، أما الذنوب التی تتعلق بحق الناس کأکل مال الیتیم و شهادة الزور التی تعد من الکبائر فهذه تتوقف على جلب رضا اصحابها؛ و قد أشار أمیر المؤمنین (ع) الى ذلک بقوله: " أَلا وَ إِنَّ الظُّلْمَ ثَلاثَةٌ فَظُلْمٌ لا یُغْفَرُ وَ ظُلْمٌ لا یُتْرَکُ وَ ظُلْمٌ مَغْفُورٌ لا یُطْلَبُ ... و أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِی لا یُتْرَکُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً" [20] .
اتضح من خلال ذلک أنه لا یمکن عد المؤمن المذنب کافراً مرتداً و إن کفر کفران نعمة؛ و کذلک اتضح أن عقیدة الخوارج ترجع الى جذور سیاسیة و هی تعارض آیات الذکر الحکیم و الروایات الصادرة عن المعصومین (ع).
2. کما رأینا، أن المرجئة سعت بکل قواها لتبرئة الظالمین من حکام الامویین مما اقترفته أیدیهم من الجرائم البشعة، و ان کل ما قاموا به لا یمس أیمانهم بسوء!!، أما الشیعة فانها و إن ذهب الى عدم کفر مرتکب الکبیرة لکنها فی الوقت نفسه تعتقد بان مثل هؤلاء الافراد هبطوا عن منزلة الایمان السامیة [21] و إنهم لا یصلحون حتى لامامة المصلین فی مسجد صغیر [22] فضلاً عن صلاحیتهم لقیادة الأمة و التصدی لامامتها!
فقد صرحت الروایات أن مرتکب الکبیرة فاقد للمراتب الایمانیة العلیا کالعدالة فلا تقبل شهادته فی المحاکم [23] و لا یجالس و لا یزوج و لا یعاد اذا مرض و لا تشیع جنازته و... [24] و إنه کافر کفر نعمة، فان لم یتب و یصلح أمره فقد یکون مصیره النار [25] .
3. کلما کثرت الذنوب و زادت المعاصی، ضعف احتمال العودة الى الله و الانابة الیه، بل بعضهم لا یوفق للتوبة أصلا مع انفتاح بابها!! نشیر فی هذا المجال الى روایتین:
الاولى: روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: " مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً لَمْ یُوَفَّقْ لِلتَّوْبَةِ" [26] .
الثانیة: قال أمیر المؤمنین (ع): " مَا مِنْ عَبْدٍ إِلا وَ عَلَیْهِ أَرْبَعُونَ جُنَّةً حَتَّى یَعْمَلَ أَرْبَعِینَ کَبِیرَةً فَإِذَا عَمِلَ أَرْبَعِینَ کَبِیرَةً انْکَشَفَتْ عَنْهُ الْجُنَنُ فَیُوحِی اللَّهُ إِلَیْهِمْ أَنِ اسْتُرُوا عَبْدِی بِأَجْنِحَتِکُمْ فَتَسْتُرُهُ الْمَلَائِکَةُ بِأَجْنِحَتِهَا قَالَ فَمَا یَدَعُ شَیْئاً مِنَ الْقَبِیحِ إِلَّا قَارَفَهُ... فَیُوحِی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِمْ أَنِ ارْفَعُوا أَجْنِحَتَکُمْ عَنْهُ فَإِذَا فُعِلَ ذَلِکَ أَخَذَ فِی بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَعِنْدَ ذَلِکَ یَنْهَتِکُ سِتْرُهُ فِی السَّمَاءِ وَ سِتْرُهُ فِی الأَرْضِ فَیَقُولُ: الْمَلَائِکَةُ یَا رَبِّ هَذَا عَبْدُکَ قَدْ بَقِیَ مَهْتُوکَ السِّتْرِ! فَیُوحِی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِمْ لَوْ کَانَتْ لِلَّهِ فِیهِ حَاجَةٌ مَا أَمَرَکُمْ أَنْ تَرْفَعُوا أَجْنِحَتَکُمْ عَنْه". [27]
فاذا کان الاصرار على الصغائر یتحول الى کبیرة " لا صَغِیرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ" [28] فکیف بالاصرار على الکبائر!!
4. صحیح أن هناک روایات تؤکد بان الاصل الاساس یکمن فی الایمان و الولایة و أن العمل متفرع عنهما؛ و مع کون ذلک یتطابق مع اصول الاعتقاد الا انه لا یمکن أن یتخذ ذریعة لفهم خاطئ بحیث یقترف الانسان ما شاء من الافعال؛ نشیر هنا الى روایتین منها:
الاولى: عن محمد بن ماردٍ قَال: قلت لأَبی عبد الله (ع): حدیثٌ رُوِیَ لَنَا أَنَّکَ قُلْتَ: إِذَا عَرَفْتَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ؟ فَقَال: قدْ قلت ذلکَ. قال: قلت: و إِنْ زَنَوْا أَوْ سَرَقُوا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ! [29] فقال لی: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ! وَ اللَّهِ مَا أَنْصَفُونَا أَنْ نَکُونَ أُخِذْنَا بِالْعَمَلِ وَ وُضِعَ عَنْهُمْ إِنَّمَا قُلْتُ: إِذَا عَرَفْتَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ مِنْ قَلِیلِ الْخَیْرِ وَ کَثِیرِهِ فَإِنَّهُ یُقْبَلُ مِنْک" [30] .
الثانیة: ما روی من أن " حب علی حسنة لا تضر معها سیئة و بغض علی سیئة لا تنفع معها حسنة". [31]
قد یتوهم بان هذه الروایات تبیح للانسان الشیعی فعل ما شاء من الموبقات تحت ذریعة الاکتفاء بحب علی (ع) أو الایمان بالولایة، الامر الذی تجلى فی بعض الاشعار!.
صحیح انا نعتقد بان لحب الائمة و مولاتهم الدور الاساسی فی حیاتنا سواء على المستوى الدنیوی او الاخروی وانهم شفعاءنا الى الله تعالى، لکن مما لاریب فیه انه لایصح هذا النوع من الشعر الا ان یحمل على المبالغة فی التعبیر؛ و ذلک لان محبة علی (ع) لا یمکن أن تخلق من المحب شخصیة إباحیة غیر منضبطة بأوامر الشریعة. نعم! قد یقع المحب شأنه شأن سائر الناس فی الخطأ، الا انه لا یرتضی لنفسه أن یخالف من یحبهم و هم الله تعالى و المعصومون، من هنا تراه یسارع لتصحیح ما بدر منه لا أنه یفکر فی اقتراف ذنب آخر و یصر على المعاصی!! و الا کشف عن عدم إیمانه حقیقة و عدم حبه لاهل البیت (ع) بل یتضح انه متظاهر بالایمان وانه مجرد شعار کاذب لیس الا.
5. التعبیرات المختلفة التی قد تشاهد فی بعض الروایات حیث نرى بعضها یبعث الأمل فی النفوس و البعض الآخر یؤدی الى العکس من ذلک حیث یخلق حالة من الیأس و القنوط فی نفس الانسان؛ سببه أن الدین الاسلامی یرید من الانسان أن یعیش حالة وسطیة بین الخوف و الرجاء فلا یمنح الضمان للمؤمنین لیقترفوا ما شاءوا من الذنوب، و لا یجعلهم یعیشون الیأس من رحمة الله تعالى عند اقترافهم لبعض الذنوب.
فالمؤمن من یعیش بین الخوف و الرجاء، فمن جهة یعیش الأمل برحمة الله الواسعة لانه تعالى وعد عباده المغفرة و فتح لهم باب التوبة (حتى لغیر المؤمنین) و کذلک وعدهم انه یثیبهم على الاحسان فیبدل سیئاتهم حسنات (التکفیر) [32] .
من جهة اخرى قد یموت الانسان مقترفا لبعض الذنوب أو یکون ذنبه بدرجة من القبح بحیث لم یوفق للتوبة اضافة الى فقدانه لایمانه فلا تشمله شفاعة النبی الاکرم (ص) و أهل بیته (ع)، و قد تؤدی به بعض الذنوب الى الى محق حسناته (الاحباط) [33] الامر الذی یقلق المؤمنین.
من هنا اقتضت الضرورة أن یعیش الانسان بین حالتی الرجاء و الخوف فیطیر بهذین الجناحین لیصل الى هدفه المنشود.
[1] یمکن الرجوع فی هذا المجال الى ما ورد فی کتاب وسائل الشیعة ج 15، الباب السادس و الاربعون " بَابُ تَعْیِینِ الْکَبَائِرِ الَّتِی یَجِبُ اجْتِنَابُهَا"، ص 318 و ما یلیها؛ و انظر السؤال رقم7710 ( الرقم فی الموقع: 8813).
[2] لمزید الاطلاع على طریقة استدلال المرجئة بهذه الآیات انظر: طیب، سید عبد الحسین، أطیب البیان فی تفسیر القرآن، ج 1، ص 259-258، انتشارات اسلام، طهران، 1378 ش.
[3] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 409، ح 1، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.
[4] الانعام، 57؛ یوسف 40و 67 .
[5] انظر: ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج7، ص 217، قم، مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، الطبعة الاولى، 1421 هـ.
[6] هناک الکثیر من الروایات التی تبطل عقیدة الخوارج انظر بحار الانوار، ج 33، ص421، الباب 25، مؤسسة الوفاء، بیروت.
[7] نهج البلاغة، خ 61، انتشارات دار الهجرة، قم.
[8] استعملت المعتزلة هذا التعبیر فی قضیة الجبر و الاختیار و هو ما أیدته الشیعة ایضا، لکن سیظهر لنا ان الشیعة لا تتفق مع المعتزلة فی هذه القضیة.
[9] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 25-24، ح 4.
[10] یمکن مراجعة السؤال رقم 5788 ( الرقم فی الموقع: 7202) البحث حول المستضعفین.
[11] یمکن مراجعة السؤال رقم 802(الرقم فی الموقع: 863) التعرف على المؤمن الحقیقی.
[12] فی شرح التجرید.
[13] مغنیة، محمد جواد، تفسیر کاشف، ج 1، ص 139، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1424 ق، نقلا عن شرح التجرید.
[14] البقرة، 192و 225؛ الانعام، 147؛ الاعراف، 156؛ غافر، 7؛ نوح 10و... بل بعض الآیات تصرح بغفران ذنوب غیر المؤمنین أیضاً.
[15] الاسراء، 25.
[16] روی عن الامام الصادق (ع): " شَفَاعَتُنَا لأَهْلِ الْکَبَائِرِ مِنْ شِیعَتِنَا فَأَمَّا التَّائِبُونَ فَإِنَّ اللَّهَ یَقُولُ: ما عَلَى الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ". انظر: الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 15، ص 334، ح 20669، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ق.
[17] النساء، 48 و116.
[18] الکافی، ج 2، ص 284، ح 18.
[19] الزمر، 53.
[20] نهج البلاغة، ص 255، الخطبه 176.
[21] الاحادیث الواردة فی المصادر الشیعیة عن أئمتهم علیهم السلام کالحدیث 21 ص 284-285 من اصول الکافی الجزء الثانی و التی تشیر الى خروج مرتکب الکبیرة عن الایمان انما هی ناظرة الى هذه المرتبة من السقوط لا الخروج الکامل.
[22] انظر الروایات الواردة فی وسائل الشیعة، ج 18، ص 318-313، باب 11.
[23] وسائل الشیعة، ج 27، ص 391، ح 34032.
[24] نفس المصدر، ج 25، ص 312، ح 31987.
[25] المصدر، ج 15، ص 338، ح 20683.
[26] نفس المصدر، ج 29، ص 32، ح 35077.
[27] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 279، ح 9.
[28] وسائل الشیعة، ج 15، ص 338-337، ح 20681.
[29] کأن الراوی توهم بان معنى کلام الایمان هو اباحة تلک الموبقات تحت ذریعة الایمان بالولایة!!
[30] وسائل الشیعة، ج 1، ص 115-114، ح 287.
[31] الاحسائی، ابن أبی جمهور، عوالی اللئالی، ج 4، ص 86، ح 103، انتشارات سید الشهداء، قم، 1405 ق.
[32] البقرة، 271؛ آل عمران، 195؛ النساء، 31؛ المائدة، 12و 65؛ الانفال، 29؛ العنکبوت، 7؛ الزمر، 35؛ الفتح، 5؛ التغابن، 9؛ الطلاق، 5؛ التحریم، 8 و...
[33] البقرة، 217؛ المائدة، 5 و 53؛ الانعام، 88؛ هود، 16؛ الاحزاب، 19؛ الزمر، 65؛ الحجرات، 2و ....